أربع ملايين زائر ل «موسم الرياض» في أقل من شهر    نونو سانتو يفوز بجائزة مدرب شهر أكتوبر بالدوري الإنجليزي    ترقية بدر آل سالم إلى المرتبة الثامنة بأمانة جازان    جمعية الدعوة في العالية تنفذ برنامج العمرة    «سدايا» تفتح باب التسجيل في معسكر هندسة البيانات    الأسهم الاسيوية تتراجع مع تحول التركيز إلى التحفيز الصيني    انطلاق «ملتقى القلب» في الرياض.. والصحة: جودة خدمات المرضى عالية    تقرير أممي يفضح إسرائيل: ما يحدث في غزة حرب إبادة    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    أمانة الطائف تجهز أكثر من 200 حديقة عامة لاستقبال الزوار في الإجازة    رفع الإيقاف عن 50 مليون متر مربع من أراضي شمال الرياض ومشروع تطوير المربع الجديد    الإتحاد يُعلن تفاصيل إصابة عبدالإله العمري    بطلة عام 2023 تودّع نهائيات رابطة محترفات التنس.. وقمة مرتقبة تجمع سابالينكا بكوكو جوف    نيمار: 3 أخبار كاذبة شاهدتها عني    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    5 طرق للتخلص من النعاس    «مهاجمون حُراس»    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    «التعليم»: تسليم إشعارات إكمال الطلاب الراسبين بالمواد الدراسية قبل إجازة الخريف    لحظات ماتعة    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    الهايكو رحلة شعرية في ضيافة كرسي الأدب السعودي    ما سطر في صفحات الكتمان    الهلال يهدي النصر نقطة    «الدبلوماسية الدولية» تقف عاجزة أمام التصعيد في لبنان    البنك المركزي السعودي يخفّض معدل اتفاقيات إعادة الشراء وإعادة الشراء المعاكس    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    حديقة ثلجية    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    جودة خدمات ورفاهية    كولر: فترة التوقف فرصة لشفاء المصابين    الأزرق في حضن نيمار    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معرض لوبورجيه يستقطب 1760 شركة تحتاج الى اموال طائلة لتنفيذ برامجها . الصناعات الجوية أمام تحديات العولمة
نشر في الحياة يوم 30 - 06 - 1997

لم يكن معرض باريس الدولي للطيران هذا العام ساحة مزدهرة للاعلان عن الصفقات الكبرى التي تشيع الارتياح الى المستقبل لدى الصناعات الجوية العالمية في القطاعين المدني والعسكري، بقدر ما كان مناسبة مثالية للكشف عن الاجراءات التي تعتزم هذه الصناعات اتخاذها لتجميع قواها وتحسين فرصها في مواجهة التحديات المتزايدة، والتي يبدو من خلال جميع المؤشرات انها مرشحة للتصاعد خلال السنوات المقبلة.
والواضح ان الهدف الأول بالنسبة الى شركات الصناعة الجوية حالياً بات الاستمرار في عالم متغير وسوق متضائلة واستعداد حكومي يتراجع باستمرار لتخصيص الاموال اللازمة لإدامة عمل هذه الصناعات وتنفيذ برامجها المستقبلية. وعلى خلاف الوضع عقب الحرب العالمية الثانية، عندما كان الاستقطاب الدولي سيد الموقف والحرب الباردة أساس العلاقات التنافسية بين المعسكرين العالميين المتصارعين، حيث كانت الصناعات الجوية بشقيها الدفاعي والتجاري تشكل جزءاً لا يتجزأ من النظام الأمني والاستراتيجي القومي للدول الصناعية الرئيسية في العالم، اصبحت هذه الصناعات تواجه منذ سنوات وضعاً جديداً وعالماً متحولاً وجدت فيه نفسها مضطرة الى التعامل مع معطيات سياسية واقتصادية واستراتيجية جديدة. فالعناصر المطلوبة لضمان البقاء اصبحت تجارية بحتة.
"لوبورجيه" أكبر المعارض
أمام هذا الواقع وجدت مؤسسات الصناعة الجوية والدفاعية في العالم ان أسس البقاء والاستمرار لم تعد مجرد النجاح في تطوير منتجات جديدة تتميز بالجودة، والاعتماد بالتالي على أسواق وطنية مضمونة تكفل امكان تصنيع هذه المنتجات وتوفير المداخيل اللازمة لتمويل ما سيحل مكانها لاحقاً. فالاسواق الوطنية، من وزارات دفاع ومؤسسات عسكرية وشركات طيران، لم تعد كافية وحدها لتأمين هذا العنصر الحيوي الضامن للحد الأدنى من القدرة على البقاء، بل ان هذه الاسواق اصبحت مفتوحة على شتى الاعتبارات التجارية التي قد تدفعها الى التوجه خارجاً للحصول على حاجاتها، اذا ما كانت متوافرة بشروط أفضل، من دون التوقف طويلاً عند "روادع" الاكتفاء الذاتي ومغرياته العاطفية والمعنوية. وحتى لو كانت تلك "الروادع" لا تزال موجودة في حالات معينة، فإن تلك الاسواق الوطنية لم تعد كافية لسد المتطلبات المادية الضخمة التي يفرضها هدف الحفاظ على صناعة دفاعية وجوية وطنية متقدمة وقادرة على خوض غمار المنافسة.
وعلى المستوى الظاهري، حافظ معرض باريس، الذي أقيم هذا العام، كما جرت عليه العادة منذ مطلع هذا القرن، في ضاحية "لوبورجيه" القريبة من باريس، على طابعه العريق باعتباره المناسبة العالمية الاشمل والأوسع التي تلتقي فيها الصناعات الجوية والفضائية والالكترونية لعرض أحدث منتجاتها في حقول الطيران والصواريخ والدفاع الجوي وكل ما له علاقة بهذه المجالات في جوانبها العسكرية والمدنية بضيافة الصناعات الفرنسية التي تتخذ من هذا المعرض مناسبة لإظهار مقدرتها على مقارعة نظيراتها وإثبات وجودها العالمي. وشاركت فيه 1760 شركة من 42 دولة، فحطم بذلك الارقام القياسية لحجم المشاركة العالمية في أي من معارض "لوبورجيه" السابقة، والمعارض العالمية الاخرى التي تقام حالياً في ميدان الصناعات الجوية والفضائية والدفاعية، وأهمها معرض "فارنبورو" البريطاني ومعرض "دبي".
لكن لا أرقام المشاركة العالمية ولا النزعة الاحتفالية الفرنسية كانت كافية لتمويه الانطباع الحقيقي الذي خيم على "لوبورجيه" هذا العام، وتلخص الى حد كبير بالقلق الدفين الذي يساور مؤسسات الصناعات الجوية العالمية وأركانها حيال ما قد يحمله المستقبل من تطورات وتحديات. وهذا القلق كان بدوره الدافع المحرك للعديد من الاجراءات التي أعلنت في "لوبورجيه 97" من جانب تلك المؤسسات في ما يبدو انه التوّجه الذي تعتزم اعتماده للحفاظ على وجودها ورسم مستقبلها.
"ضمان" المستقبل
وأهم معالم هذا التوجه، حسبما برهنت عنها أيام "لوبورجيه"، تكريس "العولمة" كأساس لمستقبل الصناعات الجوية العالمية وكنوع من "بوليصة التأمين".
وبات ثابتاً الآن ان الصناعات الجوية والدفاعية العالمية مثل سائر القطاعات الاقتصادية والتجارية والمالية الدولية، تحققّت خلال السنوات الماضية من صحّة أمرين أساسيين: الأول ان "العولمة"، بمفهومها الشامل، أصبحت حقيقة واقعة وجزءاً من النظام الدولي ومكونّاته السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، وانه بات لزاماً عليها التأقلم مع هذه الحقيقة والقبول بضرورات وضعها موضع التطبيع في جميع أوجه نشاطاتها وخططها المستقبلية، بدءاً من مراحل البحث والتطوير الأوليّة ووصولاً الى مراحل الانتاج والتسويق النهائية. وأصبحت هذه الصناعات، في ما عدا استثناءات قليلة جداً، على اقتناع كامل بأن مثل هذا التطبيق المنهجي والمتكامل لمتطلبّات "العولمة" يشكّل الأسلوب الأفضل، وحتى الوحيد، لمواجهة تحديات السوق المستقبلية وتوفير الحد الأدنى اللازم لنجاح برامجها الجديدة في اطار مناخ عالمي جديد لا مكان فيه للطموحات الذاتية الضيقة أو لاعتبارات التفاخر الوطني والمباهاة المنفردة التي لا يمكن دعمها وتمويلها تجارياً ومالياً.
أما الأمر الاساسي الثاني فهو حقيقة ان "العولمة" تظل في نهاية الأمر سلاحاً ذا حدين. فهي من جهة تؤمن امكانات التعاون والتنسيق وابعاد المنافسات عن الطابع القومي أو الاقليمي الضيق، حيث تتحول برامج التطوير والانتاج والتسويق الى اطر تعاونية مشتركة بين مؤسسات وهيئات وشركات حكومية وخاصة من اكثر من دولة، بل ومن اكثر من قارة، ما يجعل منها عملياً مجمعات صناعية وتجارية متعددة الجنسيات ذات أهداف ومصالح متجانسة، حتى وان لم تكن متطابقة تماماً. لكن ذلك يعني، من جهة ثانية، ان مثل هذه "العولمة" تؤدي الى افقاد الصناعات الجوية والدفاعية جانباً حيوياً من الاسس التي اعتمدت عليها في الماضي لضمان استمرارها، اذ انها ستفتقر في ظل وضع كهذا الى الطابع الوطني والقومي الذي كان يكفل لها حتمية الفوز بأسواقها المحلية، واحتكار تلك الاسواق في وجه المنافسة الخارجية الى الحد الذي يؤمن لها الحد الأدنى المطلوب من امكانات البقاء، حتى ولو كان ذلك على أسس تجارية خاسرة.
وبكلام آخر، ولّى العصر الذي كانت فيه الحكومات على استعداد لدعم صناعاتها وشركاتها العامة والخاصة مهما كلف الأمر تحت شعارات من قبيل ضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي وحماية الصناعات الوطنية، وحل مكانه تفكير جديد يقوم على حسابات الربح والخسارة وتقويم الاولويات الاقتصادية والاجتماعية والموازنة بين متطلبات الأمن والدفاع وحاجات السوق ومعايير النجاح واحتمالات المجازفة والتضحية. ولم يعد هناك مجال امام هذه الصناعات وتفرعاتها سوى القبول بهذا الوضع والعمل على ادخال تعديلات على هيكلياتها الانتاجية وخططها التسويقية لاثبات قدرتها على المنافسة وتحقيق الربح والتوصل الى ذلك، اذا اقتضى الأمر، عن طريق الاندماج أو التنسيق أو الدخول في برامج تعاون مشترك، سواء مع غيرها من شركات محلية أو مع نظيراتها من مؤسسات دولية اجنبية كانت في حتى الماضي القريب من أشد منافسيها.
الاستثناء الفرنسي والاندماج الاوروبي
ولا يشذ عن هذا التوجه العام حالياً الا استثناءات نادرة، ابرزها الوضع القائم على صعيد الصناعات الجوية الفرنسية، وتحديداً شركة "داسو" التي باتت الوحيدة في العالم الغربي التي لا تزال تعمل بمفردها على تنفيذ برنامج رئيسي شامل لتطوير طائرة مقاتلة جديدة وانتاجها لحساب قواتها الجوية الوطنية، وهي المقاتلة "رافال" التي يفترض ان تبدأ في دخول خدمة سلاح الجو والوحدات الجوية التابعة للأسطول الفرنسي أواخر هذا العقد ومطلع القرن المقبل.
ولا شك ان "داسو" نجحت، من خلال جهود ضخمة قامت بها وبفضل التزام أكيد من جانب الحكومات الفرنسية المتعاقبة، في التوصل الى انجاز كبير على الصعيدين التقني والعملي، حيث تعتبر "رافال" حالياً احدى افضل طائرات الجيل العالمي الجديد المقاتلة ومن أكثرها كفاءة وتقدماًَ. لكن الناحية السلبية الاساسية في مقابل هذا الانجاز تكمن في حقيقة ان مستقبل هذا البرنامج برمته يظل عرضة للتقلبات السياسية التي قد تطرأ في فرنسا، والاحتمال الدائم في ان تقرر الحكومة هناك في يوم من الأيام التراجع عن دعمها للبرنامج أو تخفيض التزاماتها المالية حياله الى الحد الذي قد يجعل من الاستمرار فيه أمراً غير ممكن أو غير مجد من الناحية المالية. كما ان مثل هذا الخيار يحمل في طياته ناحية سلبية اخرى تتمثل في حقيقة ان حجم السوق المحلية، لا يسمح بتحمل اعباء البرنامج ومتطلباته، الأمر الذي يضع احتمالات بقائه واستمراره تحت رحمة الأسواق الخارجية.
ولم يكن مفاجئاً ان تكون "رافال"، بالتالي، واحدة من ابرز نجوم "لو بورجيه 97"، وان تشكل عروضها اليومية خلاله دليلا على فخر الصناعة الجوية الفرنسية وعزمها على الصراع من اجل البقاء. لكن ذلك لم يحل دون استمرار التساؤلات في شأن مستقبل برنامج تطويرها وانتاجها، خصوصاً في ضوء الغموض الذي يحيط بنيات الحكومة الفرنسية الاشتراكية الجديدة حيال السياسة الدفاعية والتسليحية، ومدى استعدادها للمضي قدماً في التزاماتها المالية حيال البرامج التي يجري العمل على تنفيذها حالياً، وكذلك بالنسبة الى فرص تصدير هذه المقاتلة الممتازة الى الخارج في وقت لم تتضح فيه بعد حقيقة نيات دولة الامارات العربية المتحدة التي ارتبط اسمها بهذه المقاتلة منذ فترة من خلال التكهنات التي تحدثت عن رغبتها في الحصول عليها لتحديث قواتها الجوية في اطار برنامج تقدر قيمته الاجمالية بنحو 6 مليارات دولار ويقضي بالحصول على نحو 80 طائرة مقاتلة جديدة خلال السنوات العشر المقبلة.
وفي مقابل هذا التوجه الفرنسي "الانفرادي" الذي عبرت عنه المقاتلة "رافال" وشركة "داسو" التي تعمل على تطويرها وانتاجها، كانت الامثلة على الاتجاه المتزايد نحو "العولمة"، في اطرها الاندماجية والتعاونية على السواء، كثيرة ولافتة. وأهمها على الاطلاق، كما ظهر في "لوبورجيه - 97" برنامج المقاتلة الأوروبية المشتركة "يوروفايتر - 2000" التي يعمل على تطويرها حالياً تجمع شركات أوروبي يضم "بريتيش ايروسبايس" البريطانية و"داسا" الالمانية و"ايلينيا" الايطالية و"كازا" الاسبانية.
ويواجه هذا البرنامج بدوره مرحلة حرجة سببها التأجيل المتكرر لرصد الحكومة الالمانية المبالغ اللازمة لتسديد حصتها من تكاليف تطوير هذه المقاتلة واختبارها تمهيداً للبدء بانتاجها عملياً. وكان الشركاء الآخرون، خصوصاً الجانب البريطاني الذي يتحمل نسبة 33 في المئة من مسؤولية تنفيذ البرنامج الى جانب نسبة مماثلة تتحملها المانيا فيما تتحمل كل من ايطاليا واسبانيا 12 في المئة، يأملون في ان تسدد المانيا المبالغ المتوجبة عليها خلال "لوبورجيه - 97"، الأمر الذي يضع حداً نهائياً للتكهنات التي بدأت تدور حول مصيره. لكن ذلك لم يتم، الأمر الذي دفع مسؤولي شركة "داسا" الى التهديد بوقف العمل على البرنامج في حال عدم تنفيذ حكومة المستشار كول ووزير دفاعه فولكر روهه التزاماتها في غضون الأسابيع المقبلة. وفيما يؤكد المسؤولون الالمان التزامهم الكامل المشروع وعزمهم على المضي في تزويد القوات الجوية الالمانية حاجاتها المقررة من هذه المقاتلة، فإن الشركاء الآخرين وعلى رأسهم الجانب البريطاني، يعربون صراحة عن ضرورة حسم الموقف الالماني خلال فترة لا تزيد عن أواخر تموز يوليو المقبل. ومن بين المواقف الأكثر اهمية التي صدرت في هذا المجال تأكيد جون وستون مدير عام شركة "بريتيش ايروسبايس" خلال المعرض "التزام بريطانيا وقدرتها على المضي قدماً" في البرنامج، وعزمها على القيام بذلك "ولو اقتضى الأمر بمفردها". واعتبر هذا التصريح من جانب كثير من مراقبي الصناعة الجوية والدفاعية بمثابة الموقف الأكثر أهمية من نوعه الذي صدر في "لوبورجيه 97" حول أي من برامج التطوير والانتاج العالمية الرئيسية الجاري العمل على تنفيذها حالياً، كما انه جاء ليثبت مستقبل المقاتلة "يوروفايتر - 2000" وليكرس موقعها التنافسي المهم في أسواق الطائرات المقاتلة الدولية خلال السنوات المقبلة، خصوصاً في الشرق الأوسط حيث تتمتع هذه المقاتلة حالياً بفرصة طيبة للفوز بصفقة كبرى مع دولة الامارات العربية في اطار البرنامج الذي تعتزم تنفيذه لتحديث قواتها الجوية، والذي تتنافس عليه حالياً كلّ من هذه المقاتلة ونظيرتها الفرنسية "رافال" والمقاتلة الأميركية "ف - 16 فالكون".
وعلى أي حال، فإن احتمالات موافقة الحكومة الالمانية على الاستمرار في برنامج "يوروفايتر - 2000" تظل شبه مؤكدة على رغم التأجيلات، إذ انه سيكون من الصعب الى حدّ كبير عليها تعريض مشروع أوروبي مشترك على هذا القدر من الأهمية والضخامة للخطر نتيجة انسحابها منه، خصوصاً ان الانعكاسات التي قد تترتب على ذلك لن تقتصر على البرنامج نفسه، بل ستطال جوانب الصناعة الجوية والدفاعية الأوروبية برمتها، وستترك ظلالاً ثقيلة على مجمل العلاقات السياسية والاقتصادية الأوروبية في وقت تعمل فيه دول القارة جاهدة على تحقيق التقارب واستكمال خطواتها التوحيدية في جميع المجالات.
هدف التكامل الصناعي
وهذا ما يفسر بدوره أساليب تنفيذ برامج التطوير والانتاج المشترك التي يتم تنفيذها حالياً في أوروبا على أكثر من صعيد، وهي من دون استثناء باتت تقوم على أسس التعاون والاندماج والشراكة الكاملة التي تعتبرها الصناعات الأوروبية ضرورية لمواجهة المنافسة الأميركية.
ويأمل الأوروبيون من خلال هذه الخطوات ان يتمكنوا من تكرار النجاح الذي حققه في أسواق الطائرات المدنية المعدة لنقل الركاب والبضائع تجمع "ايرباص"، الذي أصبح المنافس الجدي الوحيد في العالم للصناعات الجوية الأميركية، وتحديداً لشركة "بوينغ" وطائراتها الواسعة الانتشار. وتبدو "بريتيش ايروسبايس" سبّاقة في هذا الميدان، إذ انها دخلت الآن شريكاً كاملاً مع شركة "ساب" السويدية في برنامج تطوير المقاتلة الجديدة "غريبن" لحساب سلاح الجو السويدي. وهذه الخطوة تعتبر سابقة في تاريخ الصناعات السويدية التي كانت تفخر حتى الماضي القريب باستقلاليتها الوطنية وبقائها بعيدة عن اعتبارات السوق الدولية وضغوطها. كما نفذت "بريتيش ايروسبايس" خطوة مماثلة فريدة من نوعها حين اتفقت العام الماضي مع شركة "ماترا" الفرنسية على توحيد نشاطات الشركتين المتنافستين اللدودتين في مجال تطوير الصواريخ وانتاجها وتسويقها، ودمجها تماماً في اطار شركة واحدة تعرف باسم "ماترا - بريتيش ايروسبايس دايناميكس". ولا تزال الاحتمالات مفتوحة الآن لتوسيع اطار هذه الوحدة الاندماجية في حال قررت الحكومة الفرنسية الاشتراكية الجديدة الاستمرار في خطط سابقتها لتخصيص شركات القطاع العام، وأبرزها "طومسون سي. س. ف" و"ايروسباسيال". ولا تستبعد المصادر الصناعية الأوروبية ان تصل القارة قريباً الى وضع تمتلك فيه دولها صناعة صواريخ موحدة تشتمل على كل من "ماترا - بريتيش ايروسبايس داينمايكس" و"طومسون سي. س. ف" وربما "داسا" و"ايروسباسيال"، على غرار الوضع القائم بالنسبة الى انتاج الطائرات الأوروبية المدنية على يد "ايرباص".
وتتزايد ايضاً احتمالات حدوث الشيء نفسه في مجال انتاج طائرات الهليكوبتر، حيث يتسارع الاتجاه نحو توحيد الجهود الاوروبية. وكان من بين التطورات البارزة التي شهدها "لوبورجيه 97" على هذا الصعيد التوقيع رسمياً بين فرنسا وألمانيا على الاتفاق المتعلق بالمضي قدماً في تطوير طائرة الهليكوبتر القتالية الجديدة "تايغر"، التي تعتبر المنافسة الاوروبية للهليكوبتر الاميركية "أباتشي"، والتي يتم العمل على تنفيذ برنامجها حالياً على يد تجمع "يوروكوبتر" المشترك بين البلدين تمهيداً للبدء بانتاجها لحساب قواتهما المسلحة اعتباراً من اواخر هذا العقد. ويستمر العمل في هذه الاثناء على تنفيذ برنامج طائرة الهليكوبتر الاوروبية المتوسطة الجديدة المتعددة الأغراض "ن. ه - 90" الذي يتم ايضاً بالتعاون ما بين الشركات الفرنسية والألمانية والبريطانية والايطالية، وكذلك برنامج الهليكوبتر الثقيلة الجديدة "إي. ه - 101 مرلين" الذي تعمل على تنفيذه شركتا "وستلاند" البريطانية و"أغوستا" الايطالية.
بين اوروبا واميركا
ولم تعد توجهات "العولمة" وخطط التعاون والاندماج مقتصرة على الشركات الاوروبية داخل دول القارة فحسب، بل اصبحت اكثر شمولية من ذلك، اذ أعلن في "لوبورجيه 97" رسمياً عن دخول "بريتيش إيروسبايس" شريكاً كاملاً مع "لوكهيد" الاميركية في ما سيكون أهم برنامج لتطوير طائرة مقاتلة جديدة خلال الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، وهي المقاتلة "ج. س. ف" الهجومية المشتركة التي ستكون أول طائرة قتالية من نوعها يتم تطويرها وانتاجها من الاساس بالتعاون بين الولايات المتحدة وبريطانيا لحساب القوات الجوية في البلدين.
وستصبح المقاتلة "ج. س. ف" مستقبلا عماد القوات الجوية الاميركية الى جانب المقاتلة الجديدة "ف - 22 رابتور" التي تعمل على تطويرها لحساب هذه القوات حالياً شركة "لوكهيد" بالتعاون هذه المرة مع "بوينغ". وفيما ستكون "بريتيش إيروسبايس" شريكة "لوكهيد" في برنامج "ج. س. ف"، فانها ستكون منافسة أساسية لها في برنامج "يورو فايتر - 2000" التي ستشكل الند الاوروبي للمقاتلة "ف - 22" في القرن المقبل. ولعل في هذا ما يلخص طبيعة العلاقات والتحالفات والمصالح المشتركة والمتباينة التي تميز الشركات الصناعية العالمية وأسواقها المستقبلية.
صراع العمالقة
وفي هذه الاثناء، تتجه "بوينغ" لأن تصبح في حد ذاتها تجمعاً كاملاً من الشركات عوضاً عن شركة واحدة ضخمة. واذا ما وافقت الادارة الاميركية، كما هو مرجح، على طلب "بوينغ" شراء شركة "ماكدونل دوغلاس" الكبرى، والسيطرة الكاملة على نشاطاتها، فانها ستصبح أضخم شركة صناعة جوية لا في الولايات المتحدة فحسب، بل وفي العالم اجمع، وستتحول الى المنتج الوحيد لطائرات الركاب والنقل المدنية الكبيرة بين سائر الصناعات الجوية الاميركية، الى جانب سيطرتها على انتاج "ماكدونل دوغلاس" من الطائرات العسكرية، علماً بأن هذه الشركة تحتل حالياً رأس قائمة منتجي هذه الطائرات في الولايات المتحدة، حيث تشتمل منتجاتها على مقاتلات "ف - 15 إيغل" وطرازها الهجومي "ف - 15 إي سترايك إيغل"، و"ف - 18 هورنت" وطرازها المحسن الجديد "ف - 18 إي سوبر هورنت"، وطائرة الهليكوبتر القتالية "أباتشي"، وطائرة النقل الاستراتيجية الثقيلة "سي - 17 غلوب ماستر".
ومن شأن هذه السيطرة شبه الكاملة لشركة "بوينغ" على مقدرات الصناعة الجوية الأميركية، بشقيها العسكري والمدني، ان تعزز مواقعها التنافسية كثيراً في مواجهة "إيرباص" الاوروبية. وأصبح ثابتاً الآن ان مستقبل أسواق الطيران المدني في العالم بات محكوماً بالتنافس بين هذين التجمعين الضخمين الاميركي والاوروبي. وتعرض "إيرباص" حالياً عائلة كاملة من طائرات النقل التي تغطي جميع فئات السعة والمدى، بدءاً من 100 راكب وحتى 400 راكب. وكانت مشاركتها لافتة في "لوبورجيه 97" حيث تضمنت أصغر أفراد هذه العائلة، الطراز "أ - 319"، وأكبرها الطراز "أ - 340". فالطراز "أ - 319" معد لحمل 100 - 120 راكباً على مسافات قصيرة ومتوسطة، ويليه الطرازان "أ - 320" 140 - 150 راكباً، و"أ - 321" 170 - 180 راكباً، وهما مخصصان للمسافات المتوسطة والقصيرة. ثم يأتي الطرازان "أ - 310" 220 - 250 راكباً على مسافات متوسطة وبعيدة و"أ - 300" 300 راكب على مسافات متوسطة وبعيدة، فالطرازان "أ - 330" 350 - 370 راكباً على مسافات متوسطة وبعيدة و"أ - 340" 350 - 370 راكباً على مسافات بعيدة جداً.
وفيما تؤكد "إيرباص" عزمها على المضي قدماً في برنامجها الهادف الى انتاج الطائرة الضخمة الجديدة "أ - 3 اكس. اكس" التي تريدها ان تحل في الأسواق العالمية مكان طائرة "بوينغ" الشهيرة "747" جمبو في قطاع الحمولات الضخمة 550 راكباً وما فوق والمسافات الطويلة، فإن "بوينغ" لا تزال تؤكد انها "غير مهتمة بتطوير طائرة من هذه الفئة نظراً الى عدم وجود سوق كافية لها خلال السنوات العشر أو العشرين المقبلة"، على حد تعبير مصادرها. وفي المقابل، فانها ستكتفي بالتركيز على السلسلة الحالية من طائراتها والطائرات المحسنة التي ستظهر منها، خصوصاً عائلة "737" التي ستشكل طرازاتها الجديدة "737/600" و"737/700" و"737/800" المنافسة المباشرة لعائلة "إيرباص" التي تضم الطرازات "319/320/321"، والطائرة "767" المنافسة لطرازي "300" و"310"، والطائرة الجديدة "777" التي ستكون المنافسة حامية الوطيس بينها وبين عائلة "إير باص - 330" و"340". اما في قطاع الطائرات الضخمة، فان "بوينغ" لا تزال تعلق آمالها على نجاح طائرتها "بوينغ - 747" وطرازاتها المحسنة في الاحتفاظ بسيطرتها على السوق العالمية خلال ربع القرن المقبل.
ولا بد من الاشارة اخيراً الى الصناعات الجوية الروسية التي تابعت في "لوبورجيه 97" تقليداً دأبت عليه منذ انهيار الاتحاد السوفياتي مطلع التسعينات، وأصبح خلال السنوات الماضية سمة مميزة لمشاركتها في هذا المعرض وغيره من المعارض الجوية الدولية. فهذه الصناعات عرضت هذا العام ايضاً مجموعة كاملة من الطائرات والمنتجات التي تجمع أوساط الخبراء الدفاعيين والجويين على اعتبارها مؤهلة على منافسة أفضل نظيراتها الغربيات، لكن فرصها في الفوز بالعقود والصفقات تظل محدودة، ولا تجد في الوقت نفسه ما يكفي من الدعم المالي المطلوب من جانب حكومتها وسوقها المحلية للاستمرار في تطويرها أو انتاجها.
الصناعات الروسية: تكنولوجيا بلا أموال
وانطبق هذا الأمر في "لوبورجيه 97" على الكثير من المنتجات الروسية المعروضة، خصوصاً طائرة التدريب والمساندة الهجومية الخفيفة الجديدة "ميغ - أ. ت" التي تعمل على تطويرها حالياً "مابو" ميكويان سابقاً، وطائرة الهليكوبتر القتالية "كاموف - 50"، وطائرة الركاب الثقيلة الجديدة "إليوشن - 96" 350 راكباً للمسافات المتوسطة والبعيدة، وطائرة النقل الخفيفة "إليوشن - 114" وغيرها. لكن ابرز الامثلة عليه المقاتلة الجديدة المتعددة الاغراض "سوخوي - 37"، وهي احدث طرازات عائلة المقاتلات "سوخوي - 27" واكثرها تطوراً. فهناك اتفاق عام على اعتبار هذه المقاتلة الافضل من نوعها في العالم حالياً. وفي المقابل، فان هناك اتفاقاً مماثلاً على استبعاد احتمال رؤيتها تتجاوز مراحل الاختبار والتطوير نظراً الى عدم توافر الأموال اللازمة لاستكمال تنفيذ مراحل برنامجها. ويبدو ان وضع الصناعات الجوية الروسية سيظل على ما هو عليه الآن الى ان تقرر حكومتها زيادة الدعم المالي، أو الى ان تنجح هذه الصناعات في اللحاق بركاب "العولمة" ودخول الأسواق العالمية طرفاً مشاركاً ومنافساً وقادراً على التأثير على مجريات تلك الأسواق واتجاهاتها، شأنها في ذلك شأن نظيراتها التي تخطط لدخول القرن الواحد والعشرين لا كصناعات وطنية، بل كمجمعات صناعية عالمية متعددة الجنسيات والمصالح والأهداف بكل معنى الكلمة. فالواضح ان هذه هي الطريقة الوحيدة التي بات يمكن من خلالها لهذه الصناعات البقاء والازدهار في عالم القرن الواحد والعشرين وأسواقه .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.