الإحصاء: إيرادات القطاع غير الربحي في السعودية بلغت 54.4 مليار ريال لعام 2023م    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    السعودية رئيسًا للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة "الأرابوساي" للفترة ( 2025 - 2028 )    الذهب يرتفع بفضل ضعف الدولار والاضطرابات الجيوسياسية    استمرار هطول أمطار رعدية على عدد من مناطق المملكة    استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بمنطقة تبوك    استشهاد خمسة صحفيين في غارة إسرائيلية وسط قطاع غزة    الفكر الإبداعي يقود الذكاء الاصطناعي    السعودية وكأس العالم    «الإحصاء»: 12.7% ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية    حلاوةُ ولاةِ الأمر    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    الحمدان: «الأخضر دايماً راسه مرفوع»    المملكة ترحب بالعالم    رينارد: مواجهة اليمن صعبة وغريبة    حائل.. سلة غذاء بالخيرات    وطن الأفراح    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    نجران: «الإسعاف الجوي» ينقل مصاباً بحادث انقلاب في «سلطانة»    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    ملك البحرين: علاقاتنا بالسعودية أخوية ومميزة    حل الفصائل.. خطوة سورية على الطريق الصحيح    الأبعاد التاريخية والثقافية للإبل في معرض «الإبل جواهر حية»    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    مليشيات حزب الله تتحول إلى قمع الفنانين بعد إخفاقاتها    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    5 علامات خطيرة في الرأس والرقبة.. لا تتجاهلها    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    في المرحلة ال 18 من الدوري الإنجليزي «بوكسينغ داي».. ليفربول للابتعاد بالصدارة.. وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    وهم الاستقرار الاقتصادي!    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معرض "دبي 97" يكرس أهمية سوق الشرق الأوسط ويؤشر إلى المستقبل . "عولمة" الصناعات الجوية على مشارف القرن 21
نشر في الحياة يوم 15 - 12 - 1997

تركز الاهتمام في معرض دبي الدولي الخامس للطيران الذي أقيم بين 16 و20 تشرين الثاني نوفمبر الماضي على ثلاثة محاور رئيسية تشكل سمات مميزة لحاضر الصناعات الجوية والدفاعية العالمية ومؤشرات أكيدة على وجهات تطورها.
وبينما تتخذ هذه المحاور شكل منافسات بين أقطاب الصناعات الجوية والدفاعية على الفوز بصفقات عسكرية ومدنية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، فإن أهميتها والنتائج التي ستؤدي اليها تتجاوز المنطقة لتصبح معياراً على مدى الصراع الحاد بين هؤلاء الأقطاب من أجل البقاء والنمو في سوق عالمية تتزايد فيها صعوبات هذه الصناعات.
وعلى رغم الحرص الذي أبداه المسؤولون الاماراتيون المشرفون على معرض دبي، وفي مقدمهم وزير الدفاع الاتحادي الشيخ محمد بن راشد المكتوم، على إبراز الطابع المدني والتجاري لهذا المعرض على حساب أي طابع عسكري، فإن الاهتمام فيه ظل منصباً بشكل متساو تقريباً على النواحي العسكرية والمدنية على اختلافها وتنوعها. وكان هذا الأمر طبيعياً ومتوقعاً. فمع أن نسبة المشاركة المدنية والتجارية في المعرض هذا العام بلغت نحو 60 في المئة، بالمقارنة مع 40 في المئة نسبة المشاركة العسكرية والدفاعية البحت، فإن ذلك لم يؤد الى أي انخفاض في حجم الاهتمام بالجوانب العسكرية والتسليحية لمصلحة نظيرتها المدنية. بل ربما كان عكس ذلك صحيحاً، إذ ظلت هذه الجوانب تحظى بالقسط الأكبر من التركيز الإعلامي، ناهيك عن تمتعها التقليدي بالطابع الحيوي المتميز.
"معارك" الأجيال الجديدة
و"المعارك" الكبرى الثلاث التي برزت في "دبي 97" لتختصر الخطوط العريضة للمنافسات القائمة حالياً بين منتجي الطائرات العالميين تندرج تحت عنوان "الجيل الجديد من الطائرات العسكرية والمدنية" المعدة لاقتسام الأسواق الدولية في مرحلة ما بعد العام 2000. لكن هذا العنوان العام يتفرع بدوره الى ثلاثة محاور رئيسية، هي:
1- الجيل الجديد من الطائرات القتالية المتعددة الأغراض التي يتم تطويرها حالياً بهدف تزويد الأسلحة الجوية العالمية خلال القرن المقبل.
2- الجيل الجديد من طائرات الركاب والطرازات المحسنة والمعدلة التي تظهر منها تباعاً.
3- الجيل الجديد من طائرات النقل الخاص المعدة لاستخدام الحكومات والشركات ورجال الأعمال، حيث تبرز المنافسة خصوصاً بين الطرازات الجديدة البعيدة المدى.
وإذا كانت هذه المجالات تشكل الأطر الأكثر أهمية وتأثيراً في المنافسات، فإن ذلك لا يعني أنها الوحيدة الدائرة بين منتجي المعدات الجوية والدفاعية الدوليين. فهناك منافسات حامية أخرى يخوضها هؤلاء للفوز بحصص من أسواق التطوير والانتاج تتعلق بجميع النواحي المكملة لتجهيز أي قوات جوية أو شركة طيران مدنية، وتشتمل على الأجيال الجديدة من طائرات التدريب والمساندة الهجومية النفاثة، وطائرات الهليكوبتر القتالية والناقلة بفئاتها المتنوعة، وطائرات الرصد والاستطلاع والدورية والعمليات الالكترونية، وأنظمة الدفاع الجوي الاستراتيجية والتكتيكية، وأنظمة الصواريخ على أنواعها، لا سيما الصواريخ جو - جو البعيدة المدى، والصواريخ جو - جو القصيرة المدى المخصصة لمهمات القتال الجوي التلاحمي على مسافات قريبة، والطرازات الجديدة من الصواريخ جو - أرض وجو - سطح الهجومية لا سيما المضادة للسفن والجوالة كروز، وطائرات نقل الركاب للرحلات الاقليمية والمحلية على مسافات قصيرة، وطائرات الشحن ونقل البضائع والأعتدة المعدة للاستخدامات المدنية والعسكرية على مختلف المسافات ومن جميع فئات الأوزان والأحجام والحمولات.
الموارد المالية
وفي هذا المجال كرّس "دبي 97" مرة أخرى الظاهرة الأبرز التي تميز صورة الصناعات الجوية والدفاعية الدولية حالياً بعدما كانت تأكدت أكثر فأكثر خلال العامين الماضيين في كل من معرضي "فارنبورو" البريطاني و"لوبورجيه" الفرنسي للصناعات الجوية، ومعرض "آيدكس" الدولي للصناعات الدفاعية الذي أقيم في أبو ظبي في وقت سابق من العام الحالي. وهذه الظاهرة، التي تتجه بسرعة نحو السيطرة الكاملة على وجهات التطور المستقبلية هي "العولمة" التي أصبحت أمراً واقعاً وحيوياً.
ولا بد من التأكيد أولاً أن الظروف والعوامل التي دفعت في اتجاه هذه "العولمة" الصناعية والتسويقية كانت مزيجاً من الاعتبارات السياسية والاستراتيجية والاقتصادية البحتة. فمنذ انتهاء حقبة "الحرب الباردة" وعصر الاستقطاب الثنائي بين المعسكرين الدوليين في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك الكتلة الاشتراكية وحلف وارسو، أيقنت الصناعات الجوية والدفاعية الرئيسية في العالم، انها لن تكون قادرة مستقبلاً على التمتع بالموارد المالية الضخمة التي كانت ترصد لها في عالم كانت سمته الأولى سباق تسلح متسارع بين معسكريه المتقابلين. وحدث ذلك في وقت كانت نفقات تطوير أي نظام دفاعي جديد أو عائلة رئيسية من الطائرات تتصاعد الى الحد الذي جعل من تمويل برامج كهذه مسألة صعبة الى درجة الاستحالة بالنسبة الى العديد من المنتجين والحكومات.
وهذا ما دفع الدول والشركات الصناعية بشكل متزايد خلال السنوات الماضية الى الابتعاد عن تنفيذ برامج تطوير وانتاج رئيسية جديدة على أساس منفرد، والاتجاه عوضاً عن ذلك الى الدخول في أطر تنسيق وتعاون ثنائية أو متعددة الأطراف تضمن لهم توزع الأكلاف والخسائر واقتسام المداخيل والأرباح، كما تساهم في التخفيف من حدة التنافس على الفوز بالحصص في أسواق دولية متقلصة باستمرار.
وكان منطقياً أن تكون الخطوة التالية في هذا التوجه الانطلاق من مجرد الاكتفاء بالتعاون والتنسيق نحو تحقيق خطوات اندماجية كاملة قامت بها خلال الفترة الماضية مؤسسات صناعية عالمية رئيسية عدة، ما أدى الى ظهور مجمعات ضخمة متعددة الأطراف والجنسيات والنشاطات.
ونتيجة لذلك، أصبح التنافس الدولي على تنفيذ برامج التطوير والانتاج والفوز بالأسواق، وفي مقدمتها سوق الخليج والشرق الأوسط، متركزاً على تجمعين صناعيين رئيسيين: الأول أميركي والثاني أوروبي، وهو الأمر الذي ظهر جلياً في "دبي 97".
نحو "العملقة"
فالشركات الأميركية عملت خلال السنوات الماضية على تجميع صفوفها ودمج نشاطاتها. وباستثناء عدد محدود من الشركات الخاصة الصغيرة نسبياً التي يتركز نشاطها في الكثير من الأحيان على مساندة عمل التجمعات الصناعية الكبرى، أصبحت الصناعات الجوية والدفاعية والالكترونية والفضائية في الولايات المتحدة متمحورة عملياً حول ثلاثة تجمعات عملاقة رئيسية، وهي: "بوينغ - ماكدونل دوغلاس - روكويل"، و"لوكهيد - لورال"، ورايثيون - هيوز - تكساس انسترومنتس".
وأصبحت شركة "بوينغ"، على سبيل المثال، عملاقاً شاملاً يسيطر على اطار عريض من المنتجات المدنية والعسكرية. فإلى جانب طائراتها المدنية الواسعة الانتشار والنجاح، والتي تشكل كل منها في واقع الأمر عائلة كاملة من الطرازات والأجيال المتتابعة، أصبحت هذه الشركة مسؤولة أيضاً عن انتاج الطائرات العسكرية الواسعة الشهرة والنجاح التي كانت تنتجها حتى الماضي القريب شركة "ماكدونل دوغلاس" قبل دمجها مع "بوينغ" قبل أشهر، مثل مقاتلات "ف - 15 إيغل" و"ف - 15 إي سترايك إيغل" و"ف - 18 هورنت"، وطائرات الهليكوبتر الهجومية "أباتشي"، إلى جانب مسؤوليتها الآن عن انتاج طائرات النقل المدنية التي يعود أصلها الى "ماكدونل دوغلاس"، مثل "م.د - 11" و"م.د - 90".
ومثل هذا الوضع أصبح يميز نشاط شركة "لوكهيد" أيضاً، لا سيما منذ استحواذها على شركة "جنرال دايناميكس"، لتضم الى قائمة منتجاتها الطويلة المقاتلة الواسعة الانتشار "ف - 16 فالكون" التي كانت أصلاً من تطوير وانتاج هذه الأخيرة.
وهو ما ينطبق أيضاً على "رايثيون" التي باتت مسؤولة بدورها عن الحيز الأساسي من تطوير الصواريخ الأميركية وانتاجها، مثل الصواريخ جو - جو "سبارو" و"سايد وايندر" و"أمرام"، والصواريخ المضادة للطائرات وللصواريخ من طراز "باتريوت" وطرازات أخرى من القذائف والذخائر "الذكية" الموجهة بدقة.
وحتى بعد اندماجها وتوحيد جزء كبير من أعمالها، فإن هذه الشركات الأميركية العملاقة الجديدة تتجه الى ادخال قدر أكبر من التعاون والتكامل في ما بينها. وينطبق هذا خصوصاً على البرامج الرئيسية التي تعمل هذه الشركات على تنفيذها لحساب القوات الأميركية لتطوير أسلحة جديدة وانتاجها خلال القرن المقبل. وأهم الأمثلة على ذلك برنامج المقاتلة الجديدة "ف - 22 رابتور" الذي تتعاون على تنفيذه حالياً كل من شركتي "لوكهيد" و"بوينغ".
وهذا البرنامج، الذي يعد الأهم والأضخم من نوعه على الاطلاق بالنسبة الى القوات الجوية الأميركية خلال العقد المقبل، لن يكون الوحيد الذي يتم تنفيذه ضمن اطار من التعاون والتنسيق بين الشركات الأميركية العملاقة. فمثله أيضاً سيكون برنامج تطوير "المقاتلة الهجومية المشتركة" ج.س.ف الجديدة المعدة لدخول الخدمة بحلول العام 2010، حيث يجري العمل على تنفيذه حالياً بالتعاون بين "لوكهيد" و"نورثروب غرومان" ومعهما شركة "بريتيش ايروسبايس" البريطانية، في تعبير ربما كان الأوضح من نوعه حتى الآن عن التوجه المتزايد نحو "عولمة" الصناعات الجوية والدفاعية الدولية و"عملقتها".
أوروبا في مواجهة أميركا
ولم تقف أوروبا مكتوفة اليدين أمام هذا التوجه الأميركي، بل انها كانت عملياً سبّاقة في اعتماده أساساً لتعزيز قاعدة صناعاتها الجوية والفضائية والدفاعية وتمكينها من الاستمرار والتطور وخوض المنافسة.
فما بدأ بخطوات خجولة ومترددة في الستينات، عندما تعاونت فرنسا وبريطانيا على تطوير طائرة الركاب الأسرع من الصوت "كونكورد"، تحول الآن الى نمط شامل ومتنام وفر للصناعات الأوروبية فرصاً كبيرة من النجاح. وبعد طائرة الركاب "كونكورد" والمقاتلة الفرنسية - البريطانية المشتركة "جاغوار" وطائرة التدريب والمساندة الهجومية النفاثة الفرنسية - الألمانية "ألفا - جت"، نجح تجمع "بانافيا" الذي ضم شركات بريطانية والمانية وايطالية في تنفيذ برنامج المقاتلة "تورنادو" التي تم تطويرها وانتاجها في السبعينات والثمانينات. ووصل الأمر الآن الى برنامج المقاتلة الأوروبية المشتركة الجديدة "يوروفايتر - 2000" الذي تتعاون على تنفيذه كل من "بريتيش ايروسبايس" البريطانية و"داسا" الألمانية و"كازا" الاسبانية و"ألينيا" الايطالية، والذي يعد أضخم برنامج تعاوني من نوعه في تاريخ الصناعات الأوروبية.
وإذا كان الأوروبيون يعلقون آمالاً كبيرة على نجاح مقاتلتهم المشتركة الجديدة في الوقوف في مواجهة المقاتلات الأميركية ومنافستها بقوة في الأسواق الدفاعية العالمية خلال القرن المقبل، فإن قصة النجاح الأوروبي الأبرز هي تجمع "إيرباص" الذي أصبح المنافس الحقيقي الوحيد في العالم لصناعة طائرات النقل المدنية الأميركية، وتحديداً لشركة "بوينغ" التي تسيطر على هذه الصناعة بشكل كامل تقريباً.
والواقع أن "دبي 97" كان مسرحاً آخر من مسارح المواجهة التي أصبحت تقليدية بين الصناعات الأميركية والأوروبية، خصوصاً في مجالي الطائرات المقاتلة وطائرات الركاب الرئيسية. فالأوروبيون ينظرون الى المقاتلة "يوروفايتر - 2000" باعتبارها الوحيدة المؤهلة لمنافسة المقاتلة الأميركية الجديدة "ف - 22 رابتور" التي تتعاون "بوينغ" و"لوكهيد" على انتاجها. وهم يصرون في الوقت نفسه على رفض محاولات "لوكهيد" الهادفة الى تقديم مقاتلتها "ف - 16 فالكون" طرفاً في هذه المنافسة من خلال طراز جديد منها يعرف باسم "ف - 16/60"، على اعتبار انه مهما بلغت درجة تطوير هذا الطراز، فإنها لن تكون كفيلة بضم هذه المقاتلة، التي يعود تصميمها الأساسي الى السبعينات والتي تعمل على نطاق واسع في العالم حالياً بطرازات عدة، الى قائمة الجيل الجديد من الطائرات التي بدأ تطويرها في التسعينات ولن تدخل طرازاتها الانتاجية حيز الخدمة الفعلية قبل مطلع القرن المقبل.
وفي موازاة هذا التنافس الأميركي - الأوروبي على أسواق الطائرات القتالية، يبرز بحدة التنافس بين "ايرباص" الأوروبية و"بوينغ" الأميركية على الفوز بأسواق أساطيل شركات الخطوط الجوية العالمية. بل ان هذا التنافس يسيطر حالياً بشكل كلي على هذه الأسواق، وهو مرشح للبقاء كذلك على امتداد عقود مقبلة.
وتتوزع الحصص في هذه الأسواق حالياً بنسبة 40 في المئة تقريباً لطائرات "ايرباص" و60 في المئة لطائرات "بوينغ". لكن هذا الوضع مرشح للتبدل خلال السنوات المقبلة. ولا تستبعد مصادر "ايرباص" أن تتمكن الطائرات الأوروبية من اقتسام هذه الأسواق مناصفة تقريباً مع "بوينغ" بحلول العام 2015. وهي تعتمد في تقديراتها هذه على نجاحات متزايدة تسجلها هذه الطائرات في الأسواق العالمية بما في ذلك السوق الأميركية نفسها.
وتتركز المنافسة بين "ايرباص" و"بوينغ" على عائلتين رئيسيتين من طائرات الركاب، إذ يعرض التجمع الأوروبي عائلة طائرات "ايرباص - 319" و"ايرباص - 320" و"ايرباص - 321" المخصصة للرحلات القصيرة والمتوسطة بحمولات تتراوح بين 120 و180 راكباً، في مواجهة الجيل الجديد من عائلة "بوينغ - 737" الأميركية المؤلف من الطرازات "بوينغ - 737/ 600" و"بوينغ - 737/ 700" و"بوينغ - 737/800"، وهي مثل منافساتها الأوروبيات مزودة بمحركين نفاثين ومخصصة لرحلات وحمولات متشابهة.
أما على صعيد الطائرات الكبيرة المخصصة للرحلات الطويلة بحمولات ثقيلة، فإن هذه المنافسة تتركز بدورها على عائلتين تتألف الأولى من العائلة الأوروبية "ايرباص - 330" ذات المحركين و"ايرباص - 340" ذات المحركات الأربعة، بحمولات تصل الى 350 راكباً، في مواجهة عائلة "بوينغ" المؤلفة من الطائرتين "بوينغ - 767" و"بوينغ - 777" بطرازاتهما المختلفة والمخصصتين للرحلات الطويلة بحمولات تصل بدورها الى نحو 350 راكباً. ولا تزال "بوينغ" تسيطر حتى الآن على قطاع الطائرات الضخمة جمبوجت ذات المحركات الأربعة والمخصصة لنقل حوالي 500 راكب على مسافات طويلة بفضل طائرتها "بوينغ - 747"، وخصوصاً طرازها الحالي "747/400". لكن "ايرباص" تخطط من جهتها لتطوير طائرة ضخمة جديدة بحمولة تزيد على 600 راكب تعرف حالياً باسم "ايرباص - 3 أكس. أكس"، على أن يبدأ انتاجها وتطويرها خلال العقد الأول من القرن المقبل. أما "بوينغ"، فقد فضلت حتى الآن البقاء خارج اطار هذه المنافسة والاكتفاء بالاعتماد على ما قد تطوره لاحقاً من طرازات جديدة من الطائرة "747" خلال الفترة المستقبلية نفسها.
نحو صناعة أوروبية موحدة
وتطمح الصناعات الأوروبية الى تكرار تجربة "ايرباص" الناجحة جداً في ميدان طائرات النقل المدنية من خلال تطبيقها على مجالات التطوير والانتاج الأخرى. وبات كثيرون من مسؤولي هذه الصناعات مقتنعين بأن الخيار الوحيد المتاح لها مستقبلاً في مواجهة تحولات السوق وتحديات القرن المقبل وخطوات "العملقة" الصناعية الأميركية هو في اعتمادها سياسة تقوم على تحقيق المزيد من التوحيد والدمج على صعيد هياكلها وفروعها ونشاطاتها الاستثمارية والانتاجية والتسويقية، وصولاً الى هدف اقامة صناعة أوروبية جوية ودفاعية وفضائية موحدة مؤهلة لمنافسة الصناعة الأميركية.
وفيما يشكل تجمع "ايرباص" وبرنامج "يوروفايتر" نواتين أساسيتين، مدنية وعسكرية، لهذه الطموحات، فإن امتداداتها لا تقف عند هذا الحد. فشركة "بريتيش ايروسبايس" البريطانية، التي تقود حالياً التوجه الأوروبي نحو التوحيد، نفذت خلال العامين الماضيين خطوات مهمة في هذا المجال، من أبرزها دخولها شريكاً كاملاً في برنامج المقاتلة "جاس - 39 غريبن" التي كانت شركة "ساب" السويدية تقوم بتنفيذه منفردة لحساب القوات الجوية السويدية.
أما الخطوة المتميزة الثانية التي تحققت فكانت قيام "بريتيش ايروسبايس" البريطانية وشركة "ماترا" الفرنسية التابعة لمجموعة "لاغاردير" الضخمة بدمج نشاطاتهما في مضمار الأنظمة الصاروخية وانشاء شركة موحدة تحت اسم "ماترا - بريتيش ايروسبايس ديناميكس"، لتصبح بذلك احدى أكبر شركات انتاج الصواريخ في أوروبا والعالم.
وكانت الشركتان البريطانية والفرنسية تأملان في أن يتم تتويج هذا المسار الاندماجي من خلال توحيد نشاطاتهما الصاروخية والالكترونية مع شركة "طومسون سي. س. ف" الفرنسية، ما كان سيؤدي الى قيام تجمع أوروبي صناعي جديد يعد الأضخم من نوعه في العالم. لكن الحكومة الفرنسية فضلت قبول العرض الذي قدمته "ألكاتيل" على حساب عرض "لاغاردير"، وقررت اقامة تجمع صناعي موحد متخصص بانتاج الأنظمة الالكترونية والفضائية يتألف من "طومسون سي. س. ف" و"ألكاتيل" و"داسو الكترونيك".
وعلى أي حال، فإن الخطوات الأوروبية نحو الدمج لا تزال تتواصل. وهناك خطط يجري البحث فيها حالياً تهدف الى ضم المزيد من المؤسسات والهيئات الحكومية والخاصة، أو أقله تأطيرها في برامج ونشاطات مشتركة. ومن بينها مفاوضات تجرى بين "بريتيش ايروسبايس" و"ماترا - لاغاردير" و"داسا" الألمانية للوصول الى اطار انتاجي وتسويقي مشترك. كما تجري هذه الأخيرة مفاوضات مماثلة مع "طومسون سي. س. ف - ألكاتيل - داسو الكترونيك" بهدف التوصل الى صيغة مشابهة.
لكن الهدف الأشمل والأبعد مدى في نظر دعاة التوحيد يظل التوصل الى اطار أوروبي جامع يضم الصناعات الجوية والدفاعية الوطنية، من حكومية وخاصة، على غرار ما تم تحقيقه بنجاح من خلال تجمع "ايرباص" لانتاج الطائرات المدنية. ومن غير المستبعد أن يشهد القرن المقبل ولادة مثل هذا التجمع الذي سيضم في عضويته، إذا ما صدقت توقعات الوحدويين الأوروبيين، كلاً من "بريتيش ايروسبايس" البريطانية، و"داسو" و"ايروسباسيال" الفرنسيتين، و"داسا" الألمانية، و"كازا" الاسبانية، و"ألينيا" الايطالية. وفي موازاة هذا التجمع المتخصص بانتاج الطائرات، يأمل هؤلاء في رؤية قيام تجمع شامل مماثل في مجال صناعة الصواريخ والالكترونيات يضم "بريتيش ايروسبايس" و"ماترا - لاغاردير" و"طومسون سي. س. ف - ألكاتيل" و"يوروميسيل" و"سيمنس"، لتتمكن أوروبا في هذه الحالة من اقامة الصناعة الجوية والدفاعية الموحدة التي تأمل في تحقيقها.
لكن هذه الخطط على جانبي المحيط الأطلسي لا تعني غياباً كاملاً عن الساحة للاعبين آخرين لا يزالون قادرين على القيام بدور أساسي في عالم الطيران والدفاع. فشركة "داسو" الفرنسية كانت بارزة في حضورها "دبي 97" من خلال طائراتها المقاتلة وطائرات رجال الأعمال التي تنتجها. وتتميز هذه الشركة عن غيرها بأنها الوحيدة التي تنفذ برنامجاً منفرداً كاملاً لتطوير طائرة قتالية جديدة وانتاجها، وهي المقاتلة "رافال" التي من المقرر أن تدخل الخدمة لدى القوات الفرنسية أواخر هذا العقد ومطلع القرن المقبل. كما تستمر "داسو" في هذه الأثناء في انتاج عائلة مقاتلات "ميراج - 2000" التي سجلت نجاحاً كبيراً، وكذلك عائلة طائرات "فالكون" المعدة لمهمات النقل الحكومي ورحلات رجال الأعمال على مختلف المسافات.
ولا بد أن يشكل نجاح "داسو" في تنفيذ برنامج رئيسي كبرنامج المقاتلة "رافال"، واستكمال مراحل تطويرها وانتاجها وتسويقها، عبرة للشركات والمؤسسات الأميركية والأوروبية الأخرى التي فضلت انتهاج طريق التوحيد والاندماج لتنفيذ برامجها التطويرية الجديدة. وهذه العبرة لن تكون خافية خصوصاً على الصناعات الجوية والدفاعية الروسية التي أثبتت مرة أخرى من خلال ما عرضته في "دبي 97" انها لا تزال قادرة على انتاج بعض أفضل الطائرات والمعدات الصاروخية المتوافرة في العالم حالياً، على رغم جميع الصعوبات والمشاكل الحادة التي واجهتها على أصعدة التمويل والتسويق وإعادة الهيكلة والتنظيم خلال السنوات الماضية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي والكتلة الاشتراكية.
عودة الصناعات الروسية؟
وتحاول الصناعات الروسية جاهدة الآن العودة الى احتلال موقعها التقليدي السابق كقوة رئيسية مؤثرة في أسواق السلاح والطيران العالمية. وتمكنت فعلاً من تحقيق خطوات مهمة في سعيها هذا، وعقدت صفقات رئيسية مع دول مثل الصين والهند واندونيسيا وماليزيا وايران ومصر وقبرص، وربما سورية، وهي تتنافس حالياً للفوز بصفقات مع دول أخرى مثل الامارات العربية والكويت وتايلاند وحتى كوريا الجنوبية وجنوب افريقيا. ويعود الفضل في هذه النجاحات الروسية الى منتجات برهنت عن جاذبية كبيرة بالمقارنة مع نظيراتها الأميركيات والأوروبيات، مثل المقاتلة "ميغ - 29"، وعائلة المقاتلات "سوخوي - 27" بما تشتمل عليه من طرازات مشتقة عنها مثل "سوخوي - 30" و"سوخوي - 34" و"سوخوي - 35"، وأنظمة الدفاع الجوي المضادة للطائرات والصواريخ "س - 300" سام - 12، وطرازات عدة من طائرات النقل والهليكوبتر والأنظمة الصاروخية.
لكن هذه الانجازات لن تكون كافية لانقاذ الصناعات الجوية والدفاعية الروسية من مصاعبها، بل ان أي معالجة بعيدة الأمد لأوضاعها لا بد وأن تنطلق من استعادة جزء من الدعم الحكومي ومصادر التمويل ومجالات التسويق المحلية، وهو ما يرتبط مباشرة بتحسن أوضاع الاقتصاد الروسي وعودة الحكومة الروسية الى الاستثمار في هذه الصناعات وتوفير الأموال اللازمة لقواتها المسلحة لتمكينها من شراء حاجاتها الملحة من المعدات الجديدة.
وفي الوقت نفسه، فإن هذه الصناعات لم تظل بعيدة عن توجهات "العولمة" وأنماط التعاون المشترك التي ميزت جهود نظيراتها في الولايات المتحدة وأوروبا. وكان لافتاً خلال "دبي 97" اشتمال المنتجات الروسية المعروضة على كل من طائرة التدريب والمساندة الهجومية النفاثة الجديدة "ميغ - أ.ت" التي تعمل شركة "مابو"، المسؤولة عن انتاج مقاتلات "ميغ" الشهيرة، على تطويرها بالتعاون مع الصناعات الالكترونية الفرنسية، وطائرة النقل التجارية الجديدة "توبوليف - 204" بطراز محسّن تم تزويده بمحركات نفاثة بريطانية من انتاج شركة "رولس رويس".
وقد تكون مثل هذه الخطوات لا تزال خجولة لكنها تعكس رغبة الصناعات الروسية في الانفتاح على الخارج. كما ان هذه الخطوات ليست الوحيدة التي يتم تنفيذها، بل انها مجرد أمثلة على برامج مشتركة يجري البحث حالياً في امكانات تنفيذها بين هيئات صناعية روسية وأخرى أوروبية وأميركية، في ما يشكل دليلاً واضحاً على الاحتمالات الكامنة في هذا المجال مستقبلاً.
وفيما نجحت الصناعات الجوية الروسية مرة أخرى في تقديم "نجمة" عروض "دبي 97" من دون منازع، في المجال العسكري، من خلال مقاتلتها الجديدة "سوخوي - 37"، تماماً كما كانت فعلت قبل أشهر في معرض "لوبوروجيه 97"، وقبل ذلك بعام في معرض "فارنبورو" حيث عرضت هذه الطائرة المتطورة وذات القدرات المتميزة للمرة الأولى على الملأ، فإن هذه المرتبة بالنسبة للطائرات المدنية كانت هذه المرة من نصيب طائرتين مخصصتين لمهمات النقل الحكومي الخاص ورحلات رجال الأعمال.
معركة طائرات رجال الأعمال
فعلى خلاف معرض "دبي 97" مثلاً، حيث استحوذت على الاهتمام في مضمار الطيران المدني طائرات ركاب كبيرة تمثلت في كل من طائرة "بوينغ" الجديدة آنذاك "777" وطائرتي "ايرباص" من طراز "330" ذات المحركين و"340" ذات المحركات الأربعة، تركز الاهتمام هذا العام على طائرتي رجال الأعمال النفاثتين الجديدتين "غلف ستريم - 5" من انتاج شركة "غلف ستريم" الأميركية، و"غلوبال اكسبرس" من انتاج شركة "بومباردييه" الكندية.
وعكس هذا الوضع الى حد كبير المنافسة الحامية بين هاتين الطائرتين للفوز بالأسواق العالمية المتنامية في هذا الجانب الحيوي، لا سيما في ما يتعلق بالرحلات البعيدة المدى. وعلى رغم التقارب الذي يميّز مواصفاتهما الادائية وخصائصهما التقنية، فإن معركة تسويق هاتين الطائرتين مرشحة لأن تكون طويلة وعلى قدر كبير من الضراوة. والمرجح انها ستتركز على النواحي المتعلقة بالمدى والسلامة والراحة والفخامة، بالاضافة طبعاً الى النواحي المادية المتعلقة بالسعر وكلفة التشغيل. لكن الثابت ان دخول الطائرتين "غلف ستريم - 5" و"غلوبال اكسبرس" حيز الانتاج والخدمة سيكون بمثابة "ثورة" في عالم طائرات النقل الخاص ورجال الاعمال، حيث انه لم يعد من حاجة الى استخدام طائرات ركاب تجارية معدلة للقيام برحلات طويلة وعلى مسافات بعيدة أو بعيدة جداً، بعدما أصبح في مقدور هاتين الطائرتين الجديدتين تقديم مثل هذه الخدمة في رحلات من دون توقف يزيد طولها عن 12 ألف كلم وبمستوى من الفخامة والراحة والسلامة يضاهي المستوى الذي كان حكراً حتى الآن على الطائرات الكبيرة الباهظة الثمن والعالية الكلفة التشغيلية.
"دبي 99": المستقبل
يبقى ان "دبي 99" نجح في القيام بدوره وتحقيق هدفه الرئيسي. فالاعتبارات التي تحكم أوضاع الصناعات الجوية والدفاعية والفضائية والالكترونية العالمية، والهموم التي تحيط بها، والطموحات والآمال التي تراودها، والتوجهات التي تعتزم اعتمادها مستقبلاً، كانت جميعها بارزة فيه. كما تجلت خلاله الأهمية التي تعلقها هذه الصناعات، بشقيها العسكري والمدني، على منطقة الخليج والشرق الأوسط باعتبارها السوق الأكثر حيوية في العالم حالياً. وهذه الأهمية، التي يبدو أنها مرشحة للاستمرار مستقبلاً، ستكون ظاهرة أيضاً بقوة في المعرض المقبل، أي "دبي 99"، الذي سيكون بالتأكيد مناسبة رئيسية تدل على الأوضاع التي سيكون عليها عالم الدفاع والطيران ومسارات تطوره على مشارف القرن المقبل .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.