بدأ العميد عبدالعزيز خالد قائد تنظيم "قوات التحالف السودانية" المنضوي تحت لواء التنظيم الجامع للقوى المعارضة لنظام الفريق عمر البشير زيارة لبريطانيا تستمر اسبوعاً يتحادث خلالها مع وزير الدولة في وزارة الخارجية ديريك فاتشيت ومسؤولين آخرين في حكومة حزب العمال . وتأتي هذه الزيارة في أعقاب زيارة للولايات المتحدة تلبية لدعوة تلقاها من ادارة الرئيس بيل كلينتون. وتمت الزيارتان وسط دلائل على ان التيار المتشدد في الادارة الاميركية حيال النظام السوداني الذي تديره الجبهة الاسلامية القومية بزعامة الدكتور حسن الترابي بات الأقوى داخل الادارة في ما يتعلق برسم السياسة الخارجية الاميركية، خصوصاً تجاه السودان ونيجيريا التي تواجه ايضاً أزمة خطيرة في الحكم. وأبرز شخصيات هذا التيار المتشدد هي سوزان رايس مسؤولة الشؤون الافريقية في مجلس الأمن القومي الاميركي. ويتوقع ان تعزز رايس نفوذها على السياسة الخارجية للولايات المتحدة بتعيينها خلفاً لجورج موس مساعد وزيرة الخارجية الاميركية للشؤون الافريقية. والتقى العميد خالد، الذي يعتبر أوثق المعارضين السودانيين صلة بالرئيس الاريتري اسياس أفورقي، خلال زيارته لواشنطن رايس ومسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع. وأطلع عدداً من اعضاء الكونغرس على الأوضاع في السودان، والبحث مع مسؤولي منظمات طوعية غير حكومية في قضايا الاغاثة ومساعدة منكوبي الحرب الأهلية الدائرة في السودان. وسأله مراسل "الوسط" في واشنطن عن غرض زيارته للولايات المتحدة، فقال: "ان الولاياتالمتحدة هي الدولة الكبرى في العالم، ولا شك في ان النزاع السوداني لم يعد قضية محلية وانما هو قضية اقليمية. ومن واجبنا ان نضمن ان الولاياتالمتحدة مطلعة على الوضع السوداني بطريقة شاملة". وعندما سئل: هل يرحب بوساطة اميركية بين الحكومة والمعارضة في بلاده؟ أجاب "لا. لن أرحب. إذا كانت الوساطة ستكون عملاً مجدياً، فباستطاعتنا - نحن السودانيين - أن نتولى ذلك وحدنا، نحن نعتقد ان هذه الحكومة السودانية يجب ان تزال نهائياً، لأنها نظام يدعم الارهاب في المنطقة. ونحن نبحث عن دعم سياسي أميركي لإزالتها. كذلك نريد من الاميركيين ان يتفهموا قضية شعبنا الذي يعاني في المناطق الريفية". وذكر مسؤول في قسم شؤون السودان في وزارة الخارجية الاميركية ان المسؤولين أبدوا ارتياحاً لمقابلة العميد خالد، وقال ان الادارة قابلت رئيس وزراء السودان السابق الصادق المهدي، وقبله العقيد جون قرنق زعيم الجيش الشعبي لتحرير السودان، "مرحباً بهم السودانيون جميعاً. ومرحباً أيضاً بقادة حكومة الخرطوم". وقال المسؤول الاميركي: "نحن لا نقف مع جانب ضد آخر. نريد فقط ان نسمع وجهات نظر كل طرف من أطراف الأزمة. الصادق المهدي وقرنق كانا هنا في واشنطن والحكومة السودانية كانت هنا أيضاً". وسألته "الوسط": هل يعني ذلك ان الولاياتالمتحدة تريد ان تتوسط بين الفرقاء السودانيين؟ فرد: "أعتقد بأن الأمر كذلك... إذا طلبوا السودانيون جميعاً منا ذلك". نزاع طويل وقال مصدر في مكتب الاستخبارات والأبحاث في وزارة الخارجية الاميركية: "طبعاً نحن نقوم بوساطة. نحن لا نقف مع طرف ضد آخر. هذا النزاع السوداني مستمر طوال حياة معظم السودانيين المعاصرين". وأضاف: "نحن لا نساند جون قرنق والعميد خالد لأننا نعارض الأصولية الاسلامية". واتصل مراسل "الوسط" في واشنطن بسفارة السودان لدى الولاياتالمتحدة مستفسراً عن الفهم الحكومي السوداني للموقف الاميركي من النزاع الدائر هناك، فأبلغه الناطق باسم السفارة محمد الطيب "ان وزارة الخارجية الاميركية أكدت لنا أنها ليست مع طرف ضد آخر. وقد خُفف بعض القيود التجارية التي تفرضها الولاياتالمتحدة على السودان. ونحن نعمل على التوصل الى حل وسط يكون مقبولاً لدى الجميع". ورفض مسؤول شؤون السودان في مكتب الاستخبارات والأبحاث في وزارة الخارجية الرد على اتصالات "الوسط" الهاتفية، وربما كان ذلك امتثالاً لتعليمات يعتقد ان جورج موس مساعد وزيرة الخارجية الاميركية أصدرها. لكن محلل شؤون اقليمية تابعاً لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية سي.آي.اي قال لپ"الوسط": "بالطبع نحن نريد حلاً يضعف حكومة الخرطوم. نحن لا نريد ان تولد نسخة طبق الأصل عن وضع ايران. نحن في الولاياتالمتحدة لا نطلب من الآخرين ان يحبوننا، ان يحترموننا فحسب، وسواء حُل الأمر عن طريق قيام كونفيديرالية كالتي يدعو مساعد وزيرة الخارجية ريتشارد هولبروك الى تطبيقها في قبرص، أو بقيام حكم ائتلافي في الخرطوم، أو حتى من خلال حدوث انفصال - ففي النهاية، البريطانيون وليس السودانيين هم الذين رسموا حدود السودان - أو أي شيء من شأنه ان يخرج السودان من وضعه الحالي الشبيه بما كان يحدث هناك في نهاية القرن الماضي، فهي فكرة جيدة". سألت "الوسط" المحلل الاميركي: هل يعني ذلك ان الولاياتالمتحدة تفضل استقلال جنوب السودان؟ فقال: "ولم لا؟ انه جنوب السودان أكبر من الشطر الشمالي من قبرص، ومساحته قطعاً أكبر عشر مرات من مساحة مالطا التي تطالب بالانضمام الى عضوية الاتحاد الأوروبي"، واكتفى مصدر في وزارة الخارجية مقرب الى الوزيرة اولبرايت بتأكيد ان العميد خالد دعي الى واشنطن للتشاور معه. وقال مسؤول رفيع في وزارة الدفاع ل "الوسط": "إن الحكومة السودانية رديئة للغاية، وأعتقد بأننا - حسب تقديري - سنفعل ما في وسعنا لمساعدة العميد خالد على الوصول الى السلطة من خلال مجهوداته الخاصة. ولكننا نحاول باليد الاخرى ان نشجع النظام على التخلي عن صلاته مع ايران. لذلك لا يمكننا ان نؤيد التمرد علناً" .