قال العقيد جون قرنق، زعيم التيار الرئيسي في الجيش الشعبي لتحرير السودان المعارض لنظام الرئيس عمر حسن البشير في الخرطوم، ان زيارته الى الولاياتالمتحدة في وقت سابق هذا الشهر "لم تكن، كما تردد، نتيجة ضغوطات تتعرض لها الحركة الشعبية لتحرير السودان. اذ لا يستطيع أحد أن يلوي ذراع الجيش الشعبي لتحرير السودان". وكشف قرنق ل "الوسط"، خلال لقاء خاص معه في لندن، "ان المحادثات التي دارت في واشنطن ونيويورك ركزت على نقطتين: ضرورة تعيين مراقب من طرف الأممالمتحدة لرعاية مفاوضات السلام السودانية بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، وكيفية اقامة المناطق الآمنة في جنوب السودان بهدف اغاثة المتضررين من الحرب الأهلية هناك. أضاف قرنق: "زيارة الولاياتالمتحدة كانت مقررة منذ فترة. وفضلنا ان تتم هذه الزيارة خلال فصل الأمطار في الجنوب السوداني واستمرار وقف اطلاق النار حتى يتسنى لي السفر خارج مناطق المواجهة". وكان قرنق التقى جورج موس، مساعد وزير الخارجية الأميركي، في نيروبي في 15 نيسان ابريل الماضي، قبل يومين من صدور اعلان نيروبي عن اجتماع موسع للحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة قرنق والتجمع الوطني الديموقراطي المعارض لنظام البشير في الخرطوم، تقرر فيه إسقاط كل القوانين التي تتعارض ومواثيق وعقود حقوق الانسان، في الدستور الذي سيعمل به بعد سقوط النظام الحالي في الخرطوم، كما تقرر خلال اللقاء تفويض العقيد قرنق التفاوض مع الحكومة السودانية في أبوجا في 26 نيسان ابريل الماضي. وفي هذا السياق كشف قرنق ل "الوسط" ان لقاءه مع الدكتور بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة "كان شرفاً كبيراً" وانه استغل هذا اللقاء لحض غالي على "ضرورة ان تتعامل الأممالمتحدة بصورة أكثر جدية مع المسألة السودانية. فالمفاوضات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان التيار الرئيسي في أبوجا صعبة للغاية والتوصل الى تفاهم حول نقاط مشتركة شبه مستحيل. من هنا يتوجب ان تتمثل الأممالمتحدة في هذه المحادثات حتى يتحمل المتفاوضون مسؤولياتهم". ولاحظت "الوسط" ان المفاوضات بين حكومة انغولا وثوار يونيتا في ابيدجان، التي بدأت بالتزامن مع محادثات السلام السودانية في أبوجا وانتهت معها الى نتائج متشابهة، هي استمرار المراوحة، وقد شارك فيها ممثلون عن الأممالمتحدة وعن الولاياتالمتحدة وروسيا والبرتغال، وهي الدول التي رعت اتفاق عام 1991 بين يونيتا والحكومة الانغولية. ويرى قرنق، في هذا السياق، "ان العالم صار كلاً متداخلاً وما يجري بين يونيتا وانغولا يؤثر على تصورنا لمستقبل المفاوضات السودانية - السودانية في أبوجا". ولفت قرنق الى ان "ممثلاً عن الأممالمتحدة حرض المتفاوضين في أبوجا كي يكونوا أكثر جدية"، معتبراً ان مكسبين وحيدين انتهت اليهما مفاوضات أبوجا الأخيرة، التي لم يصدر في نهايتها بيان مشترك: استمرار وقف اطلاق النار، وقبول استئناف التفاوض في 19 حزيران يونيو المقبل، ومباشرة بعد مغادرة قرنق الولاياتالمتحدة، عينت الأممالمتحدة فياري تراكسلر، مندوب ايطاليا لدى الأممالمتحدة حتى نيسان ابريل الماضي، مبعوثاً خاصاً للدكتور بطرس بطرس غالي لمتابعة المسألة السودانية. وسيكون الاشراف على مفاوضات السلام السودانية من بين مسؤوليات تراكسلر، الى جانب مراقبة ممارسات الحكومة السودانية في ما يخص احترامها حقوق الانسان في الداخل، لا سيما الجنوب السوداني. ويعتبر العقيد قرنق، كما قال ل "الوسط"، "ان هذا الانجاز من ثمار الزيارة التي قمت بها الى الولاياتالمتحدة". وفي هذا السياق كشف زعيم الجيش الشعبي "ان السياسة الأميركية نحو السودان في عهد ادارة الرئيس كلينتون هي في مرحلة التبلور ولم تتضح معالمها بعد"، داعياً أحزاب المعارضة السودانية الى "اعادة صياغة نفسها وفق هيكلة جديدة تعكس فهمها للسودان الجديد"، ومطالباً الدول العربية الصديقة "بالتعاون مع قوى المعارضة السودانية بصورة أكثر جدية في مواجهة حكم أقلية سياسية صغيرة في الخرطوم تسير تحت راية الجبهة القومية الاسلامية بزعامة حسن الترابي". وفي ما يتعلق بفكرة اقامة مناطق آمنة في الجنوب السوداني لتسهيل ايصال مواد الاغاثة الى المواطنين، قال قرنق ل "الوسط": "ان هذه القضية شكلت محور محادثاتي مع الجانب الأميركي الذي أبدى تفهماً للمسألة ووعد بالتنسيق مع الأممالمتحدة لتنفيذ هذه الفكرة نظراً الى تعثر عملية التفاوض بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان". وعلمت "الوسط" ان قرنق زار لندن بناء على رغبته والتقى مارك اليوت، مساعد وزير الخارجية البريطاني، وتركزت محادثات قرنق في لندن على نقطتين: امكانية ان تتولى لندن اقناع المفوضية الأوروبية في بروكسيل بتعيين مراقب عنها يتولى متابعة المسألة السودانية على مستويين: مفاوضات السلام في أبوجا بهدف انتشالها من التعثر، ثم مراقبة ممارسات الحكومة السودانية لجهة التزامها المواثيق الدولية التي تنص على احترام حقوق المواطنين السودانيين، لا سيما في الجنوب السوداني. ويرى قرنق "ان لندن مؤهلة لاستيعاب الوضع في السودان بصورة جيدة نظراً الى علاقاتها التاريخية في المنطقة". والنقطة الثانية التي بحثها قرنق مع مارك اليوت ركزت على فكرة إقامة المناطق الآمنة في الجنوب السوداني، ودور الأممالمتحدة على هذا الصعيد. وفي الخرطوم التقى الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة السوداني ورئيس الوزراء السابق الذي اطاحه انقلاب البشير في 30 حزيران يونيو 1989، الدكتور حسن الترابي زعيم الجبهة القومية الاسلامية المتحالفة مع نظام البشير، أواخر نيسان ابريل الماضي. وتم اللقاء في منزل أحد رجال الأعمال السودانيين في الخرطوم وحضره مع الصادق المهدي عبدالرسول النور، وزير دولة سابق وعضو المكتب السياسي في حزب الأمة، وميرغني عبدالرحمن سليمان، من قياديي حزب الاتحادي الديموقراطي ووزير تجارة سابق. ورافق الترابي نائبه والرجل الثاني في الجبهة علي عثمان محمد طه. وكان مفترضاً ان يحضر اللقاء محمد ابراهيم نقد، الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني. وتردد أن اللقاء بين المهدي والترابي اللذين التقيا العام الماضي مرات عدة، تناول كيفية "إزالة الاحتقان السياسي في السودان وتنظيم الجبهة الوطنية في الداخل نظراً الى المستجدات الخطيرة التي تتهدد السودان" ونسب الى أوساط الترابي ان اللقاء تطرق الى احتمال مشاركة المهدي في الحكم. غير أن المهدي رفض ان تستمر اللقاءات مع نسيبه الترابي بصورة سرية، مكرراً دعوته التي تضمنتها مبادرته للسلام في النصف الثاني من آب اغسطس 1992، عقد مؤتمر دستوري تحضره كل الأطراف المعنية في السودان، من موالين ومعارضين. وبعد اسبوع من لقاء المهدي - الترابي ألقت سلطات الأمن السودانية القبض على عبدالرسول النور وميرغني عبدالرحمن سليمان اللذين رافقا المهدي خلال لقائه مع الترابي. كما قامت قوات من الشرطة السودانية، في 23 ايار مايو باقتحام جامع الخليفة عبدالله وقبة الإمام المهدي في مدينة أم درمان وهما باشراف هيئة الأوقاف التابعة لطائفة الأنصار التي يتزعمها الصادق المهدي. وعلمت "الوسط" ان قراراً حكومياً صدر في الخرطوم في مطلع ايار مايو الحالي قضى بتحويل جامع الخليفة في أم درمان وملحقاته الى "جامعة القرآن الكريم". وفي لندن قال مصدر رفيع المستوى في حزب الأمة ل "الوسط": لا نعرف سبباً لهذه الضجة الكبرى حول لقاء اجتماعي عادي بين المهدي والترابي. فما بين الرجلين ليس عداوة شخصية بقدر ما هو خلاف جذري عميق على نهجين فكريين وسياسيين حول نمط الحكم وأدواته وأساليبه. فقد ألقت سلطات الأمن السودانية القبض على وزيرين قيل انهما حضرا لقاء السيد الصادق مع الترابي، عبدالرسول النور وميرغني عبدالرحمن سليمان، ما يكشف عن صراعات عميقة في صفوف الجبهة القومية الحاكمة في السودان. فهناك تيار مع الوفاق، كما يبدو. وهناك طرف متشدد يرفض الانفتاح والحوار هو الذي وراء استدعاء السيد الصادق المهدي الى مبنى أمن الدولة لتبليغه قرار مصادرة الأوقاف التابعة لهيئة شؤون الانصار. في حين يوالي تيار آخر الاتصال بالسيد الصادق ويدعوه الى لقاءات سرية، الأمر الذي يكشف تخبط حزب الجبهة وانقساماته". وفي هذا السياق رجحت أوساط ديبلوماسية في لندن ان يكون قرار مصادرة مسجد الخليفة في أم درمان، حيث يصلي الصادق المهدي في جماهير طائفة الانصار التي يتزعمها، توطئة لحرمان المهدي من الصلاة مع جماهير الانصار والفئات السودانية الأخرى المعارضة للنظام السوداني يوم عيد الأضحى المبارك، تحاشياً لما حدث حين أمّ السيد الصادق المهدي جماهير الأنصار في عيد الفطر المبارك. حيث ألقى خطبة ساخنة هاجم فيها سياسات النظام السوداني في الداخل والخارج على السواء.