شكّل انفجار الظهران نقطة تحوّل في مسار الارهاب المنظّم الذي تشهده منطقة الخليج والشرق الأوسط منذ فترة، وفي وسائل الرد عليه. فالعملية تجاوزت خطوطاً عدة، من حيث حجمها وأهدافها ومسرح حدوثها، وساهمت، في المقابل، في تكريس قرار دولي حازم يقضي بمواجهة هذه الظاهرة والقضاء عليها مهما كلّف الأمر ومهما كانت هوية الجهة أو الجهات التي تقف وراءها. وفيما سارعت السلطات السعودية الى تأكيد عزمها ومقدرتها على ملاحقة الجناة والكشف عنهم وانزال أشد العقوبات بهم، كان الرئيس بيل كلينتون واضحاً في تحديد اسس سياسة الولاياتالمتحدة في المرحلة المقبلة ازاء هذه الممارسات وسبل الرد عليها، حين أكد ان "مكافحة الارهاب العالمي ستكون الاولوية من الآن فصاعداً"، وهو ما سارعت الى تأييده جميع العواصم العربية والعالمية التي أجمعت على استنكار التفجير والاعراب عن ضرورة التصدي للارهاب في جميع اشكاله وبجميع الوسائل المتاحة. بل ان هذه المسألة تصدرت جدول اعمال قمة الدول الصناعية الرئيسية السبع جي - 7 التي انعقدت في مدينة ليون في فرنسا، حيث اتخذ زعماء هذه الدول قرارات تشكل "اعلان حرب على الارهاب". لا يستطيع العقل البشري أن يتقبل تحول عائلة بكاملها كانت تتابع مباراة في كرة القدم على شاشة التلفزيون، في لحظات قليلة، إلى أكوام من العظام والدماء واللحوم المسحوقة تحت أنقاض القطع الأسمنتية الضخمة المتهدمة، ووسط أشلاء الضحايا والجرحى. هذا ما حدث بالضبط ليل الثلثاء الماضي في إحدى بنايات المجمع السكني التابع لوزارة الدفاع والطيران في مدينة الخبر شرق المملكة العربية السعودية. وعلى رغم ان بشاعة العملية الارهابية التي استخدم فيها صهريج وقود مفخخ أحدثت حالة من الفزع في نفوس سكان المدينة الهادئة، إلا أن سلطات الأمن السعودية بدت واثقة من أنها ستصل إلى الجناة في وقت قصير وعلى رغم الغموض والألغاز الكثيرة التي احاطت بالحادث الذي أدى على الفور إلى مقتل 19 أميركياً واصابة 386 شخصاً بجروح، بينهم 147 سعودياً و118 بنغالياً و109 أميركيين و4 مصريين وأردنيان وأندونيسيان وفيليبينيان، اصابة بعضهم خطيرة حسب البيان الرسمي السعودي. ووصف ديبلوماسيون أميركيون هذا الحادث بأنه أعنف هجوم تتعرض له القوات الأميركية في الشرق الأوسط منذ الانفجار الذي وقع في بيروت عام 1983 وقتل فيه أكثر من 241 جندياً أميركياً. وأفادت بعض المعلومات غير الرسمية التي أعلنت عقب وقوع الانفجار أن شخصين شوهدا وهما ينزلان من الصهريج المفخخ، بعدما رفض رجال الأمن السماح لهما بالدخول إلى القاعدة، فأوقفاه أمام المبنى المستهدف ثم استقلا سيارة أخرى إلى جهة غير معلومة. ولم يستبعد المراقبون وجود صلة بين انفجار الخبر والانفجار الذي وقع في الرياض في شهر تشرين الثاني نوفمبر من العام الماضي واستهدف مبنى البعثة الأميركية لتدريب الحرس الوطني وراح ضحيته خمسة أميركيين، حيث أن القاسم المشترك هو استهداف المؤسسات والتجمعات الغربية في المملكة وفي مقدمها الأميركية، وهو وجود وصفه بعض المصادر بأن هدفه اما تدريب القوات المسلحة والحرس الوطني أو ضمان تنفيذ قرارات مجلس الأمن المتعلقة بحظر الطيران العراقي في جنوبالعراق، الأمر الذي استوجب وجود بعض العناصر من قوات التحالف، بينهم 2900 من العاملين في سلاح الطيران في المنطقة الشرقية السعودية التي شهدت الانفجار الأخير. وعلى رغم التشابه بين الحادثين في الوسيلة حيث استخدمت في كلاهما سيارة مفخخة، إلا أن خبراء أمنيين يؤكدون وجود نوع من التباين في التكتيك الذي اتبع في تنفيذ كل من الحادثين، سواء من حيث التوقيت أو من حيث المكان، حيث وقع انفجار الرياض في وضح النهار في حين اختار منفذو انفجار الخبر الليل، الأمر الذي أدى إلى وقوع عدد أكبر من الضحايا، حيث كان الجميع قد أووا إلى منازلهم، خصوصاً أن الحادث تزامن مع موعد الاختبارات المدرسية في السعودية، الأمر الذي استوجب اعتكاف الكثير من العائلات، خصوصاً السعودية منها في منازلها، ولولا وقوف السيارة على بعد خمسين متراً خلف السور الذي يحيط بالمجمع السكني لكان عدد الضحايا أكبر بكثير. ويشار أيضاً إلى تغير جغرافية المكان من العاصمة إلى المنطقة الشرقية التي تمثل قلعة اقتصادية كبرى للسعودية، حيث توجد فيها حقول النفط والموانئ المهمة وهي ميناء الملك عبدالعزيز في الدمام وميناء الملك فهد الصناعي في الجبيل وميناء رأس تنورة. كما يوجد في المنطقة الشرقية عدد من القواعد العسكرية مثل القاعدة البحرية في الجبيل وقاعدة الملك عبدالعزيز الجوية في الخبر، حيث وقع الانفجار والتي تضم أيضاً معهداً للدراسات الفنية. ومع أن السلطات السعودية لم توجه مساء الخميس الماضي الاتهام إلى أية جهة في الداخل أو الخارج، بانتظار ما ستسفر عنه التحقيقات المكثفة التي تجريها أجهزتها الأمنية للوصول إلى أي خيط، إلا أن المراقبين توقعوا أن تكون جماعة إسلامية متشددة وراء الحادث، حيث يقول بعض المصادر إن هناك محاولات لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتستشهد في ذلك بما حدث في دولة البحرين المجاورة التي تبعد عن مدينة الخبر 25 كيلومتراً ويربط بينهما جسر الملك فهد. ومن المعروف أن دول مجلس التعاون الخليجي، خصوصاً السعودية، اتخذت مواقف حازمة ضد العمليات الارهابية، ولوحظ أن السلطات السعودية نفذت في مكان الحادث أكبر عملية استنفار أمني لم تشهد المنطقة الشرقية مثيلاً له منذ عام 1990 عندما اجتاحت القوات العراقيةالكويت، الأمر الذي يؤكد المسعى السعودي الجاد في القبض على الجناة بأسرع وقت ممكن، إضافة إلى الاعلان الذي صدر بعد ساعات قليلة من وقوع الحادث عن رصد مكافأة مالية تبلغ قيمتها عشرة ملايين ريال سعودي 6،2 مليون دولار أميركي "لكل من يرشد أو يدل أو يسهم مع الأجهزة الأمنية في القبض على من خطط أو ارتكب أو أسهم أو أعان على جريمة التفجير"، ويشار في هذا الصدد أيضاً إلى وصول الأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز نائب وزير الدفاع والطيران إلى مكان الحادث باعتباره أول مسؤول سعودي رفيع المستوى يصل إلى مكان الانفجار بعد الأمير سعود بن نايف نائب أمير المنطقة الشرقية، فيما اضطر أمير المنطقة الأمير محمد بن فهد إلى قطع اجازته السنوية والعودة. وعلى رغم الذعر والهلع الذي أحدثه الانفجار الذي سُمع دويه على مسافة 15 كليومتراً وأحدث تدميراً كاملاً في واجهة المبنى السكني المستهدف والمكون من ثمانية طبقات في نفوس المواطنين والمقيمين قرب مكان الحادث، إلا أن الشارع السعودي قابل الحادث باستنكار شديد، لكن ليس بقلق، ربما يرجع ذلك إلى ثقة المواطنين بأجهزتهم الأمنية، خصوصاً بعد نجاحها في نيسان ابريل الماضي في القبض على مرتكبي حادث تفجير مبنى بعثة التدريب الأميركية في الرياض، في وقت وصفته الأجهزة الأمنية الغربية بأنه "قياسي"، نظراً إلى الغموض الذي أحاط يومها بذلك الحادث. وذكر مصدر سعودي ل "الوسط" في معرض تعليقه على ذلك بقوله: "لقد دلت سابقة انفجار الرياض على أن الأجهزة الأمنية السعودية قادرة على كشف خفايا هذا الانفجار وتحديد القائمين به، ويمكن الاطمئنان إلى أن نجاحاً جديداً ينتظرها وأنه لن يمضي وقت طويل حتى تتضح هوية الذين أقدموا على تحدي أجهزتنا الأمنية". وتوقع خبراء أمنيون أن تستفيد السلطات الأمنية السعودية بشكل أو بآخر من نتائج الاعترافات التي أدلى بها مرتكبو انفجار الرياض العام الماضي حول شبكة المتطرفين من خلال الاسماء والمعلومات التي قد تكون وردت في التحقيقات، سواء تلك التي اذيعت على لسان منفذي ذلك التفجير أو المعلومات التي ربما لم تعلن لاعتبارات أمنية تتعلق بمتابعة ورصد بقية أفراد الشبكة. ولوحظ أن أجهزة الاعلام السعودية تعاملت مع الحادث بانفتاح يعكس خطاً اعلامياً جديداً في التعامل مع مثل هذه الأحداث، حيث أعلن عن وقوع الانفجار في حينه، وعرض التلفزيون السعودي صوراً لمكان الانفجار توضح حجم الدمار. وخلف الانفجار حفرة هائلة يبلغ قطرها أكثر من 15 متراً وعمقها نحو خمسة أمتار، مما دفع الخبراء إلى تقدير حجم المتفجرات المستخدمة في الحادث بنحو 2000 كيلوغرام من مادة "اي ان تي". وذكرت مصادر في البحرين ان الانفجار أدى إلى اهتزاز المنازل والمباني الحكومية والتجارية في بعض انحاء البحرين، وان البحرينيين من سكان المناطق البحرية المقابلة للساحل الشرقي للسعودية تمكنوا من مشاهدة ألسنة اللهب المتصاعدة من مكان الانفجار الذي يبعد مسافة أربعة كيلومترات عن جسر الملك فهد الذي يربط بين البلدين وهرعت وحدات من القوات الأميركية المتواجدة في البحرين وكذلك الديبلوماسيون الأميركيون في المنامة إلى الظهران لتقديم المساعدات إلى ضحايا الانفجار. وارسلت الولاياتالمتحدة على الفور فريقاً من مكتب التحقيقات الفيديرالي اف. بي. اي إلى مكان الانفجار لمساعدة سلطات الأمن السعودية في تحرياتها للكشف عن الجناة. فيما وصل وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر إلى مكان الحادث للوقوف على حجم الخسائر وزيارة الجرحى والمصابين. وقد دفع حادث التفجير بموضوع الارهاب إلى مقدمة الموضوعات التي بحثها مؤتمر الدول الصناعية السبع في مدينة ليون الفرنسية يوم الخميس الماضي باعتبار أن "الأمن الاقتصادي لا يمكن تحقيقه إلا بعد مكافحة الارهاب". وتقع المنطقة التي شهدت الحادث جنوب شرقي الخبر، وتحيط بها أراض فضاء وشارع العزيزية العام، ويضم المجمع السكني الذي استهدفه التفجير 100 بناية منها سبع بنايات يقطنها أميركيون.