دانت الأطراف السياسية في العراق موجة العنف التي تجتاح البلاد وطالبت «بحلول ملموسة» لمعالجة التدهور، منتقدة في الوقت ذاته أداء الأجهزة الأمنية. وقتل امس أكثر من 54 عراقياً وجرح اكثر من 250 آخرين في موجة تفجيرات جديدة هزت العاصمة وعدداً من المحافظات فقد فجرت 18 سيارة مفخخة وعدد من العبوات الناسفة في مناطق الكاظمية والحرية الأولى والثانية والشعب ومدينة الصدر والحبيبية والبياع وحي الرسالة والشرطة الرابعة والمحمودية في العاصمة، كما انفجرت سيارات أخرى في محافظات واسط والمثنى والبصرة. وأعلن ائتلاف «متحدون» الذي يتزعمه رئيس البرلمان أسامة النجيفي أن «التفجيرات التي ضربت معظم مناطق العاصمة وبعض المحافظات تشير إلى تواطؤ واضح لبعض العناصر الفاسدة التي تخترق اليوم المؤسسة الأمنية». وأشار الائتلاف في بيان إلى أن التفجيرات «رسالة واضحة من خصوم وطننا الجريح أنهم (المهاجمون) يمتلكون القدرة على تنفيذ أفعالهم الآثمة في الوقت والمكان الذي يريدونه». وتابع ان «ما يحصل «يعزز الأقوال التي تشير إلى تواطؤ بعض العناصر الفاسدة التي تخترق اليوم المؤسسة الأمنية، مثلما إنه دليل على حالة الفشل التام الذي انتهت إليه الخطط الأمنية الحكومية». وطالب ائتلاف النجيفي ب «تفعيل الجهد الاستخباراتي، والقضاء على الفساد في الأجهزة الأمنية واتخاذ التدابير اللازمة لوقف نزيف الدم العراقي والعمل الحقيقي على إيجاد جو آمن على أرض الواقع وليس في الإعلام كما يحدث اليوم». إلى ذلك، وصف «الحزب الإسلامي» الأجهزة الأمنية بأنها «شبه عاجزة عن حماية المواطنين» وأعلن في بيان أن «وقوع انفجارات اليوم (أمس) بهذا العدد الكبير وبالتزامن في الوقت والمكان يؤشر إلى خلل واضح في العمل الأمني». وأضاف أن «على الأطراف السياسية والأجهزة المعنية وضع خطة عاجلة وجدية لحماية دماء العراقيين». وزاد: «فيما كنا نأمل بأن تكون أيام شهر رمضان المبارك أيام رحمة وخير وبركة على أبناء شعبنا إلا أن المجرمين يجعلونها الأكثر دموية منذ سنوات»، مشدداً على أن «حالة الاستقطاب الحاد اليوم وانعدام سبل الحل يزيد من تأزم المشهد». من جهة أخرى، أعرب الممثل الخاص بالنيابة للأمين العام للأمم المتحدة خورجي بوستن في بيان عن شعوره بالقلق إزاء «ارتفاع مستوى العنف الذي يحمل خطر ارتداد البلد إلى صراع طائفي»، مؤكداً أن «العراق ينزف من العنف العشوائي الذي وصل إلى معدلات قياسية خلال شهر رمضان». وحض جميع القادة السياسيين على اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة لوقف إراقة الدماء. وطالبت لجنة الأمن والدفاع، القوات الأمنية بالتحرك في المناطق الزراعية الواقعة في أطراف بغداد، كونها «حاضنة للإرهاب». وقال عضو اللجنة النائب عن «كتلة الأحرار» (تيار الصدر) حاكم الزاملي: «يجب أن تتحرك القوات الأمنية في اتجاه حزام بغداد، وتمسك المناطق الزراعية التي تعد الحاضنة للإرهاب، بدلاً من الحشد داخل بغداد والاعتماد على نقاط التفتيش التي تستخدم أجهزة كشف متفجرات فاشلة تسهل دخول السيارات المفخخة». وأضاف إن «المؤسسة العسكرية بدأت تفقد السيطرة على الملف الأمني بسبب ضعف الجهد الاستخباري والتقنية المستخدمة»، لافتاً في الوقت نفسه إلى «وجود فجوة بين البرلمان والحكومة تتعلق الملف الأمني». وفي البصرة قتل شخصان وأصيب 9 بجروح متفاوتة، بعد يوم على اغتيال شيخ عشيرة واستهداف ضابط رفيع المستوى في قيادة شرطة المحافظة بعبوة لاصقة في سيارته أدت إلى جرحه وثلاثة من مرافقيه. وقال مدير دائرة الصحة رياض عبد الأمير في تصريح إلى «الحياة» إن «مستشفى الموانئ استقبل قتيلين وتسعة جرحى من الباعة الذين يعملون في السوق الشعبي في منطقة خمسمة ميل جراء انفجار سيارة مفخخة وسط السوق». وأضاف «تم تعزيز جهاز الطوارئ في المستشفى للإسراع في معالجة الحالات الخطيرة «. وتضررت السيارات المدنية التي كانت متوقفة قرب مكان الحادث فضلاً عن احتراق ما يقرب من أربعة محال تجارية بالكامل. ويشكل هذا الانفجار جزءاً من سلسلة هجمات شبه يومية تشهدها المحافظة، فقد قتل شيخ عشيرة العثمان عيسى العثمان حين فتح مسلحون مجهولون عليه النار لدى خروجه من منزله في منطقة أبو الخصيب فأردوه على الفور، ولم تتمكن الأجهزة الأمنية حتى الآن من القبض على الجناة. إلى ذلك أعلنت اللجنة الأمنية في مجلس محافظة البصرة إصابة مدير الشؤون الداخلية في المحافظة العقيد حيدر عبود بحروق جراء انفجار عبوة لاصقة في سيارته. وأسفر انفجار سيارتين مفخختين في الكوت عن قتل ستة أشخاص وإصابة 57، فيما قتل شخصان آخران وأصيب 10 في السماوة. وفي بيجي (200 كلم شمال بغداد)، قال ضابط برتبة مقدم في الشرطة إن «خمسة أشخاص بينهم ضابط برتبة مقدم في الشرطة وابنه قتلوا جراء انفجار عبوة ناسفة استهدف دوريتهم على الطريق الرئيسي». كما قتل ضابط برتبة نقيب في قوات الطوارئ بانفجار عبوة ناسفة استهدفت سيارته الخاصة غرب الرمادي (100 كلم غرب بغداد). وأكدت مصادر طبية حصيلة ضحايا التفجيرات التي بلغت 54 قتيلاً ونحو 250 جريحاً. ويشهد العراق الذي يعيش سكانه على وقع أعمال القتل اليومية منذ اجتاحته القوات الأميركية عام 2003، موجة عنف متصاعدة حيث قتل اكثر من 2500 شخص بين نيسان (أبريل) وحزيران (يونيو)، وفقاً لأرقام الأممالمتحدة. وتحمل أعمال العنف طابعاً طائفياً متزايداً بين السنة والشيعة في بلاد عاشت حرباً أهلية طائفية بين عامي 2006 و2008 قضى فيها الآلاف. ومنذ بداية تموز (يوليو) الجاري، قتل اكثر من 790 شخصاً.