ذهبت "الوسط" الى بيروت لتسأل عن المفاوضات فوجدت المدينة منشغلة بالانتخابات. ربما لأن بيروت لا تفاوض وتعتبر ان نموذج الحل في الجولان سينعكس بالضرورة "سلاماً متكافئاً" في جنوبلبنان. وربما لأن بيروت تثق في قرارة نفسها بأن الدور يصنع ولا يعطى وان الغياب عن عملية صناعة الادوار لا يعني في الضرورة شطب دور الغائب "خصوصاً اذا كان مؤهلاً ويتعذر اختراع بديل منه". لم يكن متوقعاً ان تكون الصالونات السياسية وديوانيات الاقطاب في بيروت منشغلة الى هذا الحد بالانتخابات النيابية المتوقعة مطلع الخريف المقبل. وحرص هؤلاء الاقطاب على القول "بعد بكير" لا يعني ان الهموم الانتخابية لم تستحوذ بعد على حركتهم، بل يعكس رغبتهم في ابقاء خياراتهم مفتوحة في انتظار التفاوض على اللوائح والمواقع والحصص. اختراع تمديد ولاية رئيس الجمهورية الحالي الياس الهراوي جعل ديموقراطية الجمهورية الثانية غير واثقة من اي موعد واستحقاق. وثمة من يعتقد بأن أي تعثر في مفاوضات السلام سينجب اختراعاً جديداً يقوم على التمديد للمجلس الحالي. لكن الحديث الدائر في مكاتب كبار المسؤولين يجزم بأن الانتخابات جارية في موعدها، وان حسم مسألة الدوار الانتخابية سيتم في آذار مارس أو نيسان ابريل وسيتضح آنذاك هل تعتمد المحافظة دائرة انتخابية على كل الاراضي اللبنانية ام تكون هناك استثناءات خصوصاً في جبل لبنان. يميل السياسيون حالياً الى الاعتقاد بأن مصير الانتخابات في الشمال والبقاع والجنوب ستحسمه عملية تشكيل لوائح ائتلافية بين ابرز الشخصيات والقوى التي تربطها علاقات وثيقة بدمشق، الامر الذي يجعل المفاجآت قليلة الاحتمال أو مستبعدة. ويتحدث السياسيون عن معركتين الاولى في بيروت والثانية في جبل لبنان. لا شيء مضموناً حتى الآن بالنسبة الى التقسيمات الانتخابية على رغم ترجيح اعتماد المحافظة في غالبية المناطق لكن الأكيد في نظر اللبنانيين هو ان المجلس المقبل سيكون شبيهاً بالحالي في خياراته الداخلية والخارجية، خصوصاً لجهة التطابق مع دمشق، مع احتمال انضمام بعض الاصوات المعارضة اليه من دون امتلاك القدرة على تغيير مسار الامور. ويسلم اللبنانيون بأن الكلمة الاخيرة في صياغة الدوائر الانتخابية ستكون لدمشق التي تدرك ان المجلس الجديد مدعو لانتخاب رئيس جديد للجمهورية واختيار شخصية "مضمونة" لهذا المنصب. ستكون الانتخابات في بيروت اقرب الى معركة الزعامة منها الى معركة الفوز بمقعد نيابي. هذا هو انطباع من يرصدون الحركة الجارية في قريطم منزل الرئيس رفيق الحريري وفي عائشة بكار منزل الرئيس سليم الحص وفي المصيطبة منزل تمام صائب سلام. وهي معركة على زعامة بيروت يرى المراقبون انها قد تتحول معركة على زعامة الطائفة السنية في لبنان. التكافؤ والتغييرات لا بد أولاً من الالتفات الى خريطة الناخبين في محافظة بيروت التي تضم 19 نائباً على الشكل الآتي: - السنة 6 - الشيعة 2 - الدروز 1 - الموارنة 1 - روم كاثوليك 1 - روم ارثوذكس 2 - انجيلي 1 - أرمن كاثوليك 1 - أرمن ارثوذكس 3 - أقليات 1 يبلغ عدد الذين يحق لهم الانتخاب في بيروت نحو 350 ألف شخص بينهم 140 ألف سني و40 ألف شيعي وعدد محدود من الدروز يقدر ببضعة آلاف. واذا كان التكافؤ بين عدد الناخبين المسلمين والمسيحيين موجوداً من الناحية النظرية، فانه غائب عملياً، ذلك ان نزف الهجرة خلال الحرب اضعف كثيراً عدد الناخبين المسيحيين، اضافة الى ان فريقاً غير قليل من مسيحيي بيروت الغربية انتقل الى مناطق خارج العاصمة. هذا الواقع يجعل كتلة الناخبين السنة صاحبة الثقل الاساسي في تحديد مصير المعركة الانتخابية. بمعنى ان الفوز بتأييد اكثرية الناخبين السنة يجعل نجاح الفائز مرجحاً او شبه مضمون لمجرد حصوله على نسبة معقولة من ناخبي الطوائف الاخرى. كما ان هذا الواقع، اضافة الى التوازن الجديد في البلد كله، يجعل من المستبعد قيام زعامة مسيحية في بيروت شبيهة بتلك التي كانت للراحل بيار الجميل رئيس حزب الكتائب في ظل تقسيم انتخابي مختلف للعاصمة وتوازن آخر على الصعيد اللبناني. ولأن بيروت هي مركز الثقل في البلاد ولأن شطرها الغربي هو المصنع التقليدي لرؤساء الحكومات، على رغم الاستثناءات، ترتدي الانتخابات المقبلة اهمية استثنائية في ارساء التوازنات أو تصحيحها على أرض الواقع بمعزل عن النصوص. اقطاب وفاعليات في كثير من البيوت السنية في بيروت يلمس الزائر رغبة في تفادي معركة زعامة تتخذ طابع كسر العظم. وثمة من يرى ان الحل هو في تشكيل لائحة ائتلافية على صعيد الزعامات السنية تضم الحريري والحص وسلام. ويتوقع هؤلاء ان تنصح دمشق في النهاية بلائحة من هذا النوع او ان تسعى على الاقل الى تركيبة تضمن وصول الحريري والحص معاً ولو على لوائح متنافسة ليكون اي فوز بالنقاط وليس ب "الضربة القاضية"، حت لو استلزم ذلك خوض الانتخابات بلوائح غير مكتملة. لكن خبراء الانتخابات يقولون ان اعلان مثل هذا التحالف الثلاثي ليس وارداً منذ الآن، وان ظروفه ليست ناضجة، وان كلا من الحريري والحص وسلام يفضل استجماع اوراقه، مؤجلاً البحث في التحالفات بانتظار اتضاح معالم المعركة وميزان القوى. وحتى لو طرحت فكرة التحالف فان المفاوضات على تشكيل اللائحة ستكون صعبة، خصوصاً ان الحص يفضل ان يتم اللقاء الانتخابي على قواعد سياسية توفر أساساً لتعاون دائم وليس على حسابات انتخابية ظرفية. ولا بد لعملية تشكيل اللوائح من ان تأخذ في الاعتبار الفاعليات أو الشخصيات الممثلة حالياً في مجلس النواب أو ذات الحضور على المسرح البيروتي كالنواب محمد يوسف بيضون وبشارة مرهج ونجاح واكيم والرئيس رشيد الصلح والسيد كمال شاتيلا اضافة الى العائلات ذات الثقل الانتخابي كشاتيلا وعيتاني وشهاب. واذا كان الارمن 40 ألف ناخب درجوا على الانضواء في اللائحة "الرسمية" فان توزع اصوات الارثوذكس 45 الفاً والموارنة 30 الفاً سيتأثر بموقف العماد ميشال عون وحزب الكتائب. ويتحتم ايضاً على اللعبة الانتخابية ان تأخذ في الاعتبار اصوات الاصوليين السنة والشيعة وهم حصلوا على ثلاثة مقاعد في بيروت في انتخابات 1992. وهناك حديث في العاصمة عن محاولات لاقناع الوزير السابق فؤاد بطرس بخوض الانتخابات عن أحد المقعدين المخصصين للروم الارثوذكس. ويرجع سبب هذه المحاولات الى كون بطرس "احد آخر الحكماء" الذين يدركون حساسيات التركيبة اللبنانية فضلا عن سمعته كرجل دولة يحترمه الخصوم والاصدقاء. كما يتردد ان الوزير ميشال اده قد يخوض الانتخابات عن المقعد الماروني... وعلى لائحة الحريري. الحريري والتفويض لماذا يخوض الحريري الانتخابات؟ طرحت "الوسط" هذا السؤال على سياسي بيروتي فسارع الى الرد "... وهل يستطيع الحريري عدم خوض الانتخابات؟". وحين كررت السؤال مطالبة بالتفاصيل قال: "لنترك جانباً ملاحظاتنا على اداء رفيق الحريري في الحكم وخطورة تعليق مصير بلد بكامله على مصير رجل واحد ولنتحدث عن الشخص والمشروع. يمكن القول اليوم ان النظام بأكمله يدور حول رجل واحد هو الحريري. فاتفاق الطائف اعطى مجلس الوزراء صلاحيات واسعة، وحين يكون رئيس الوزراء رجلاً بحجم الحريري تذهب الصلاحيات عملياً الى رئيس هذا المجلس. يضاف الى ذلك ان الخيار الذي اعتمد في البلد لجهة اعادة الاعمار يجعل وجود الحريري ضرورة دائمة في انتظار استكمال هذه المهمة التي تحتاج الى ما لا يقل عن خمس سنوات. ثم ان الحكم الحالي لا يملك بديلا من الحريري لأن غيابه سيفتح الباب لعودة الليرة اللبنانية الى الانهيار، وللاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما لا طاقة للحكم على احتماله ولا رغبة لسورية في مواجهته لأنه سيعتبر دليلا على عمق الازمة السياسية وعلى تعثر اسلوبها في ادارة الشأن اللبناني. واذا كان الحريري ضرورة لبنانية وسورية فهو ايضاً ضرورة اقليمية ودولية، فاذا كان الاقتصاد عصب المرحلة المقبلة في الشرق الأوسط الجديد فان الحريري هو نموذج رئيس الوزراء المناسب". ويضيف: "جاء الحريري الى رئاسة الحكومة من خارج النادي السياسي المعلن وان يكن تعاطى السياسة بدءاً من 1983 خصوصاً في المحطات الاساسية مثل الاتفاق الثلاثي ولقاءات الحوار الوطني في جنيف ولوزان وصولا الى اتفاق الطائف والانتخابات الرئاسية. هذا الدور الفاعل في تلك المحطات لم يصل الى الجمهور العريض وظل الحريري في نظر الناس قوة مالية ضاربة تطل على اللبنانيين من خلال عمل الخير وتعليم التلاميذ والمساعدات الاجتماعية أو الانمائية. وعندما تولى رئاسة الحكومة بدا كأن رجل الاعمال الناجح اقتحم نادي رؤساء الحكومة في مهمة انقاذية. لكن اشارات عدة اظهرت انه يحمل مشروع دولة ومشروع حكم ومشروع زعامة". وقال السياسي، بعدما حرص على التأكيد مراراً على موضوعيته، ان البلد صار اسير مشروع الحريري وان الحريري صار اسير مشروعه. واضاف: "صار البلد اسير مشروع الحريري لأن وقف هذا المشروع سيعني كارثة اقتصادية. ثم انك لا تستطيع المجيء برئيس ثان للحكومة لادارة ورشة وصلت على قياس الحريري. وصار الرجل اسير مشروعه لانه لم يعد يستطيع التراجع او المراوحة. في السنوات الثلاث الماضية بدا المجلس النيابي نقطة الضعف الابرز في مشروع الحريري الذي نجح في ابرام تحالف مع رئيس الجمهورية على رغم الغيمة التي عبرت. واذا كان هذا التحالف وفر للحريري قدراً من التوازن مع رئيس مجلس النواب نبيه بري فان التوازن الفعلي مرهون بتحوله الى رئيس لكتلة نيابية". وتابع السياسي: "التفويض الذي حصل عليه الحريري حتى الآن هو تفويض من مجلس النواب جاء نتيجة لشعور الناس بأنه الرجل الوحيد القادر على مواجهة الازمة الاقتصادية، ونتيجة لموافقة دمشق على مجيئه. هذا التفويض يكفي لرئاسة الحكومة لكن الحلم بتزعم الطائفة السنية مدخلاً للتحول الى رقم ثابت في المعادلة اللبنانية واستحقاق لقب زعامة وطنية قادرة على دخول الحكم والخروج منه على أمل العودة اليه مرهونة بتفويض شعبي لا تحققه الا الانتخابات". وختم: "يستطيع الحريري الفوز بمقعد نيابي في اكثر من محافظة في لبنان لكن طريق الزعامة يمر حكماً ببيروت. فهو لا يستطيع القبول بموقع نائب صيدا، مسقط رأسه، في محافظة ذات غالبية شيعية والزعامة فيها معقودة لنبيه بري. وهو لا يستطيع القبول بأن يكون نائباً عن الشمال حيث تتوزع الزعامة بين الرئيس عمر كرامي والنائب سليمان فرنجية. لهذا السبب اختار الحريري خوض الانتخابات في بيروت وادى قراره الى بدايات معركة على زعامة العاصمة، خصوصاً ان الزعامات القائمة فيها تشعر بأن اي مبايعة واسعة له في الانتخابات المقبلة ستؤدي الى الغاء هذه الزعامات". نقاط القوة والضعف ما هي نقاط قوة الحريري المرشح في بيروت وما هي نقاط ضعفه؟ طرحت "الوسط" هذا السؤال على عدد من السياسيين والناخبين وهنا حصيلة الاجابات: يرى كثيرون ان نقاط قوة الحريري تختصر بالآتي: - صورته كرجل أوقف التدهور الاقتصادي، وكصاحب مشروع لاعادة بيروت عاصمة مزدهرة ذات ثقل حاسم على الصعيد الاقتصادي في الداخل، وكنقطة ارتكاز لدور لبنان في المرحلة المقبلة. ويشاهد البيروتي كل يوم كيف تحولت مدينته الى ورشة لا تنام سواء داخل الاسواق التجارية ام خارجها وحجم الفارق في وضع المدينة بين ما كانت عليه قبل 3 سنوات وما هي عليه اليوم. يضاف الى ذلك التحسن الملموس في الكهرباء والهاتف والخدمات البلدية. - صورة الحريري كرجل اعطى لمركز رئيس مجلس الوزراء ثقلاً كان يفتقد اليه في الجمهورية الاولى وبدايات الجمهورية الثانية، الامر الذي فتح الباب لمشاركة متكافئة وأكثر بينه وبين رئيس الجمهورية. - صورة الحريري كرجل اعطى الطائفة السنية قدرة على امتلاك موقع قوي في نادي الطوائف، خصوصاً بعد تراجع دور الموارنة وصعود دور الشيعة. - صورة الحريري كرجل صاحب قدرة مالية استثنائية يساعد عدداً غير قليل من البيروتيين افراد وجمعيات. ويعمل آخرون منهم في مؤسساته. اضافة الى صورته كزعيم على علاقة وثيقة بالاعتدال العربي وصاحب شبكة من العلاقات الدولية الفاعلة. - امتلاك الحريري فريق عمل واسعاً متخصصاً ومتجانساً يقدم اليه باستمرار دراسات علمية عن المواضيع المتداولة اضافة الى استطلاعات لموقف الرأي العام من المسائل الحاسمة. - صورة الحريري كرجل يسعى الى تكريس وجود الدولة بالتعاون مع سورية، مع الاخذ في الاعتبار مستلزمات الحد الادنى من التوازن الداخلي. اما نقاط ضعف الحريري فيوجزها خصومه بالآتي: - سعيه الى بناء الدولة وفقاً لتصوره وامساك فريقه بقطاعات المال والخدمات والتنمية، كأن النواة الفاعلة صارت اشبه بدولة الحريري التي تتقدم للامساك بالدولة كاملة. - سعي الحريري الى جعل زعامته تنطلق من بيروت بالذات، علماً انه من ابناء صيدا وان الحساسيات البيروتية وان كانت لا تعارض وجوده واحداً من الزعماء فهي لا تقر اعتباره الزعيم الوحيد. - مراهنة الحريري على الدور الحاسم للقدرة المالية في دعم مشروعه السياسي، وحضوره القوي في وسائل الاعلام الى درجة تضيق الهامش المتاح لخصومه للحضور فيها. - لم يظهر الحريري رحابة صدر في التعامل مع خصومه، لا بل يضع الناس دائماً امام خيار ان يكونوا معه أو ان يصنفوا في خانة الخصوم. - خوف بعض البيروتيين من ان يؤدي قيام الزعامة الواحدة الى ربط مصير الطائفة بمصير رجل فيحل بالسنة - في حال غيابه - ما حل بالموارنة بعد غياب رموزهم. - عدم التدرج في طريق الزعامة، اي بدءاً بالنيابة ثم الوزارة ووصولاً الى رئاسة الوزراء ودخول المعترك السياسي بقوة يصعب الاحتفاظ بها كاملة. - قبوله بترتيب تعايش بين منطق الدولة وشيء من منطق الميليشيات المشاركة في حكومته خصوصاً الاولى وامساكه الكامل بقرار مجلس الوزراء مع الحكومة الثانية. الحص والامتحان الصعب ماذا تقول الجهات نفسها عن الرئيس سليم الحص؟ عن نقاط القوة تقول الآتي: - نجح سليم الحص خلال توليه رئاسة الحكومة والمناصب الوزارية، في ثلاثة عهود متتالية، في تقديم نفسه رجل الدولة الحريص على المؤسسات. - حاول الحص خلال مشاركته في الحكم مقاومة منطق الميليشيات، وحين عجز حاول جعل التعايش في حده الادنى، رافضاً تحويل حال الانقسام في البلد الى احتمال تقسيم دائم. - رفض الحص ان يعين نائباً عن بيروت فأظهر تعلقاً صريحاً بمرتكزات الديموقراطية. - حصل الحص في الانتخابات النيابية في 1992 على تفويض بيروتي صريح على رغم محدودية المشاركة في تلك الانتخابات التي تميزت بحجم المقاطعة لها. - اظهر الحص خلال عمله رئيساً لكتلة نيابية تمرساً بالعمل البرلماني وقدرة على اتخاذ موقف نقدي من عمل الحكومات المتعاقبة من دون الانزلاق الى التطابق غير المبرر أو المعارضة المطلقة التي تتنكر للانجازات. - نجح الحص في تقديم نفسه سياسياً نزيهاً لم يرد اسمه في اي عملية فساد أو افساد. - هذه الممارسة جعلت الحص يستند الى تيار شعبي يعتبر وجوده على الساحة البيروتية نوعاً من الضرورة. أما نقاط الضعف في سيرة الحص فهي في رأي هؤلاء: - عدم تمكنه من طرح نفسه بديلاً جاهزاً من الحريري خصوصاً انه لم يستطع لجم التدهور الاقتصادي خلال وجوده على رأس الحكومة. واذا كان قادراً على ان يكون رمزاً للاعتدال فهو ليس قادراً على طمأنة الناس الى مستقبل الاقتصاد ولا الى جذب المستثمرين والرساميل. - اسلوب الحص الذي يقوم على تأجيل القرار واشباعه درساً حتى القتل. - عدم انطلاق الحص من زعامته في الشارع فعلاقة مؤيديه به تقوم على الاحترام والاعجاب وتعوزها حرارة الولاء والتفويض المطلق للشخص. - تصرف الحص كنائب وفق تصوره لما يفترض ان يكون عليه دوره وعدم ايلائه اهمية لدور النائب في تأدية خدمات فردية لناخبيه. - امتناع الحص عن المعارك الاعلامية الامر الذي زاد في ضيق الهامش المتروك له بفعل صعود الحريري واتساع حضوره. سلام والزعامة البيروتية وماذا عن تمام سلام؟ في نقاط القوة يورد رواد الصالونات السياسية: - ينطلق تمام سلام من بيروت سياسي عريق مشارك في ابرز المعارك الوطنية والسياسية التي عاشها لبنان. وبهذا المعنى ينطلق وريثاً لزعامة بيروتية راسخة مكنت والده الرئيس صائب سلام من احتلال موقع في الزعامة على مستوى الوطن بغض النظر عن مشاركته في الحكم أو اقامته في موقع المعارضة. - ينطلق تمام سلام أيضاً من رئاسة جمعية المقاصد الاسلامية بتفرعاتها التربوية والتعليمية والصحية والدينية. وهي تشكل في الواقع شبكة اتصال مع البيروتيين وهمومهم. - تمكن تمام سلام من ان يظهر في السنوات الماضية قدرته على متابعة خط والده سواء لجهة التشديد على التعايش والانفتاح أو لجهة المواقف البيروتية المميزة. - شهدت الفترة الاخيرة تحسناً في علاقات تمام سلام بدمشق بعد التباعد الذي ظهر عندما امتنع عام 1992 عن خوض الانتخابات النيابية احتجاجاً على قانون الانتخاب ومسائل اخرى. اما عن نقاط الضعف فيقولون: - اذا كان تمام ورث عن والده زعامة وصداقات نجح في الاحتفاظ بمعظمها أو جددها، فانه ورث في الوقت نفسه حساسيات وعداوات او منافسات تقليدية في الشارع البيروتي. - يجد تمام نفسه اليوم في منافسة غير عادية في بيروت فهناك من جهة الحص الذي حجز لنفسه موقعه البيروتي في الانتخابات الماضية، وهناك من جهة اخرى الحريري الذي دخل الساحة بقوة. - التداخل القائم في بعض الاوساط المؤيدة لسلام. بمعنى وجود قواعد تؤيد الحريري وسلام في الوقت نفسه، ويرجع هذا التداخل الى صعود شعبية الحريري من جهة وتأييد سلام له في السنوات الماضية. - يصعب على تمام سلام تشكيل لائحة منفردة في بيروت تواجه لائحتي الحريري والحص، كما يصعب عليه مواجهة تحالف بينهما تماماً كما سيصعب على الحريري مواجهة تحالف الحص وسلام حتى ولو بدا فوزه الشخصي مضموناً. من المبكر التكهن بالنتائج أو بتركيبة اللوائح اذ لا بد من انتظار مفاوضات السلام وتقسيم الدوائر الانتخابية وهل تجرى الانتخابات في ظل الحكومة الحالية أم لا. وفي انتظار ذلك تنشغل بيروت بأرقام استطلاعات وشائعات. فدخول الحريري المعركة اعطاها بعداً غير عادي وخصومه يسلمون بأنه قادر "على اقتحام البرلمان كما اقتحم رئاسة الحكومة"، وان "ماكينته انطلقت تحصي وتجذب وتستعد". وختاماً ليس افضل من قول احد نواب بيروت: "من سينقل الناخبين المؤيدين لي اذا قرر الحريري استئجار كل السيارات العمومية يوم الانتخاب؟". والواقع ان نتائج معركة بيروت الانتخابية ستكون حاسمة بالنسبة الى مستقبل كل من الثلاثة المنخرطين في معركة زعامة العاصمة. فالنجاح الكاسح للائحة الحريري سيدخل تعديلاً فورياً على التوازنات النيابية، خصوصاً بعدما أظهر رئيس الوزراء الحالي قدرة على استقطاب نواب من طوائف اخرى أو اجتذابهم الى خطه. وكون لائحة بيروت تضم نواباً من السنة والشيعة والأرمن والموارنة والروم الارثوذكس والكاثوليك فان الحريري يستطيع الانطلاق، في حال الفوز الكاسح للائحته، من تجمع نيابي متعدد الانتماءات الطائفية. وفوز من هذا النوع سيعطي الحريري تفويضاً كاملاً للبقاء في منصبه حتى نهاية القرن ولعب دور بارز في اختيار رئيس الجمهورية المقبل وضمان موقع مميز له في العهد الجديد. واذا كانت صالونات بيروت السياسية منشغلة حالياً برواية تقول ان الحريري يطمح الى تشكيل كتلة نيابية من 35 نائباً، فان الحسابات الواقعية تشير الى ان الحريري قد يرضى بنصف هذا الرقم. فخبراء الانتخابات ومفاتيحها في بيروت يقولون ان فوز الحريري الكاسح في الانتخابات يحتاج الى تحالف أما مع تمام سلام وأما مع سليم الحص على رغم ترجيحهم الاحتمال الأول. وكون سلام ينطلق من زعامة بيروتية يجعله قادراً على المطالبة بحصة من مقاعد اللائحة أي بنواة كتلة مستقلة عن كتلة الحريري. واذا اضفنا الى ذلك احتمال تعرض اللائحة للاختراق والوضع الخاص للنواب الأرمن وصعوبة ضمان الولاء الكامل من قبل كل المرشحين الشيعة والمسيحيين على اللائحة أمكن القول ان حصة الحريري من فوز واسع للائحته ستكون جيدة لكنها لن تكون كاسحة. اما اذا انتهت المواجهة بين لائحة الحريري - سلام ولائحة الحص بفوز الأول بما بين 60 و70 في المئة من المقاعد فان الأمر سيشكل للحريري نصف انتصار وسيبقي معركة زعامة بيروت معلقة، حتى ولو أظهرت الانتخابات انه الأقوى بين المتنافسين. واذا كان نجاح الحريري شخصياً شبه مضمون فان فوز لائحة تضمه مع سلام بنصف المقاعد أو أقل سيعتبر انتكاسة له ولمشروعه، وانتصاراً للحص وتياره. هذا من دون ان ننسى ان خوض الحريري وسلام الانتخابات على لائحة واحدة لا يبدو مضموناً اليوم وان كان مرجحاً في النهاية. فقد أظهرت الأسابيع الأخيرة ان تمام سلام يتطلع الى ان يكون شريكاً أساسياً في لائحة من هذا النوع وان تكون له حصة أساسية في اختيار اسماء مرشحيها. والنتائج ستكون حاسمة بالنسبة الى مستقبل الحص، فأي هزيمة كاسحة له ستؤدي الى انهاء حضوره السياسي، أما الانتصار الهزيل فسيحرمه من صفة البديل الجاهز أو المقنع، في حين ان انتصاره الكاسح سيعيد خلط الأوراق برمتها، وستشير النتائج ايضاً الى مدى قدرة تمام سلام على بلورة زعامة تنطلق من الأرث العائلي يضاف اليها الرصيد الشخصي. يبقى ان التوازنات في العاصمة مسألة تعني البلد برمته، كما تعني دمشق التي تتحمل مسؤولية "ادارة" السلام اللبناني.