منذ دواوينه الأولى، أثبت سيف الرحبي أنه بين أكثر الشعراء الجدد تميزاً. وفي مجموعته الجديدة الصادرة أخيراً عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" في بيروت، يبدو الشاعر العُماني أشد تمكناً من أدواته، وأكثر ادراكاً لمفاهيم الحداثة واللغة والشعر. واذا كانت القصائد التي كتبها على امتداد العقد الماضي تتسم بهاجس الترحال، على عادة أجداده البدو، فإن الديوان الجديد يعكس وضعه وقد استقر في بلاده بعد الطواف الطويل بين دمشقوبيروت والجزائر والقاهرة وطنجة والدار البيضاء وباريس ولاهاي... يعود سيف الرحبي إذاً إلى بلاده، إلى تلك "الصحراء العاتية" التي "تناسل فيها الاسلاف جدّاً عن جدٍ". فيتذكر طفولته عندما كان يركض مع اقرانه بين الشواطئ والجبال "بأرجل حافية وقلب مكلوم"، ويقود "القطيع إلى مسقط الوادي"، و "ينصب شباكاً للثعالب وأخرى لوعول الغيب". وتغوص القصيدة في الماضي السحيق، فاذا الشاعر يقف على أطلال الحبيبة: "لا أكاد المح جزيرة النخل/ قرب مهبط العقبان/ لقد فتكت بها الرياح الهوجاء/ وأمّها البلى كديار أحبة غربت للتو". ويرتد الرحبي إلى حاضره ليجد نفسه محاصراً، لا بالرمال والجبال كما كان في طفولته، بل ب "ناطحات سحاب مضاءة بأسماء الذين نزلوا حديثاً من الجبال، وما زال دمهم يسيل على البطاح، وليل السلالة والوحيد على ارثها الذي اقتلع من عُروقه". وعندئذ يصرخ ملتاعاً: "لم نعدْ نشبه هذا البحر ولا هذه الأرض/ يبدو أن قروناً مرت بزواحفها ونحن نيام". أو يستيقظ من نومه "المليء بالمذابح والاحلام" ليسأل نفسه: "ماذا تفعل في هذه البلاد؟". الشاعر الذي ترك كل شيء وراءه، "عويل أمك على سلم البئر/ الذي ظل يلاحقك في المدن والقارات/ نظرات ابيك الغاضبة/ مرابع طفولتك بين الجبال والشهب/ ميلاد النفط بين عظام الاجداد"، يشتعل فيه الحنين إلى أيام وسنوات الترحال: "في غرفة يسوحُ فيها البعوض/ أنام مع اشباحي/ متذكراً حانات طنجة/ وشاعر الاسكندرية العجوز في مقهى الاليت". وتبدو القصائد يوميات حميمة، مشحونة بعواطف الشاعر، مسكونة بعبق المدن وروائح الأمكنة، مثقلة بحاضر يهيمن عليه الانكسار ومرارة الغربة داخل الوطن.