تنبع أهمية المركز الثقافي الاسلامي في روما الذي افتتح الاسبوع الماضي ليس في خدمة حوالي 800 ألف مسلم يعيشون في ايطاليا فقط بل لوجوده في عاصمة المسيحية الغربية بالقرب من الفاتيكان. لذا فإن هذا المركز لن يقتصر دوره على تلبية الاحتياجات الروحية والثقافية للجالية الاسلامية بل أيضاً سيكون مركزاً للاتصال والحوار مع العالم المسيحي حتى يتفهم الغرب حقيقة الاسلام ويتعرف على صورته الحقيقية. وقد أكد على ذلك الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض الذي افتتح المركز ممثلاً لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حيث قال في كلمته في حفلة الافتتاح: ان خادم الحرمين الشريفين قد أعطى الأهمية الكبرى لمشروع المركز الاسلامي واضطلع برعايته ليكون مناراً للتعريف بحقيقة الاسلام الذي يشيد بتكريم الله للانسان وتهيئته للتنقل في أرجاء الأرض لعمارتها مادياً وروحياً والتعاون على ذلك بين بني آدم جميعاً بسلالاتهم وثقافاتهم المتباينة على أساس المساواة الانسانية والعدل والاحسان...". فكرة المشروع ويذكر أن المركز الثقافي الاسلامي تبنت فكرته السعودية عندما زار العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبدالعزيز روما عام 1974 حيث أقنع الحكومة الايطالية بفكرة انشاء المركز فقامت الحكومة الايطالية بإهداء قطعة أرض مساحتها 30 ألف متر مربع ليقام عليها المركز، وقامت السعودية بتمويل سبعين في المئة من تكاليف بنائه واقامته التي بلغت 50 مليون دولار. وعلى الرغم من الضجة التي أثارها "البعض" في روما على فكرة اقامة المركز الاسلامي الا أن الحكومة الايطالية التي كان يترأسها في ذلك الحين جوليو أندريوتي رحبت باقامته وكذلك فعل الفاتيكان. وقال أمين عام المجلس الفاتيكاني للحوار بين الأديان الأسقف مايكل فيتزجيرالد ل "الوسط": "قد يعتقد البعض أن بناء مسجد في روما قد يشكل مساساً بالطابع الكاثوليكي للعاصمة الايطالية لكن توافر وجود اسلامي فيها من خلال المركز الاسلامي الذي يضم مركزاً ثقافياً يحتوي على مكتبة وقاعة للمحاضرات الى جانب المسجد فإنه سوف يشكل حتماً فرصة طيبة للقاء والحوار". وشدد الأسقف فيتزجيرالد على ما يمثله مسجد روما من انتصار للحرية الدينية مشيراً الى ما يثار حول حرية اقامة كنائس في دول الخليج داعياً الى ضرورة تفهم أن السعودية هي حالة خاصة جداً. جوليو أندريوتي رئيس وزراء ايطاليا ووزير خارجيتها الأسبق أحد الذين أيدوا بشدة اقامة المركز، رأى فيه رمزاً لمدخل جديد نحو فهم العالم الاسلامي برمته وبروح جديدة تختلف عن تلك الروح القديمة. وعندما شارك الرئيس الايطالي أوسكار لويجي سكالفارو الاسبوع الماضي في افتتاح المركز ومعه كبار المسؤولين الايطاليين بينهم وزيرة الخارجية سوزانا انيللي وعمدة مدينة روما، كان في الحقيقة يشارك في التظاهرة الاسلامية التي جرت في ذلك اليوم وهي تظاهرة حب وتسامح تؤكد على لقاء الأديان السماوية من أجل أن يكون هناك تفاهم بين أبناء هذه الديانات بعيداً عن المغرضين الذين يشوهون صورة الدين الاسلامي، ومن أجل ذلك دعا الرئيس الايطالي الى التعاون "لكبح أعمال من يحاولون تشويه الدين الاسلامي لأن المسَّ بهذا الدين أمر بالغ الخطورة". ويقول المطران هيلاريون كابوتشي الذي كان مطراناً للقدس للروم الكاثوليك "ان من يشوهون صورة الدين الاسلامي هم مغرضون يقومون بذلك لأسباب شخصية وسياسية" وأشار في حديث الى "الوسط" "ان هؤلاء بعدما كانوا يتذرعون بوجود الشيوعية لخلق حالة العداء بين البشر، تحولوا الآن الى تشويه صورة الدين الاسلامي من أجل أن لا يكون هناك سلام في هذا العالم، و يدعون الى التطرف والارهاب والاسلام من كل ذلك بريء لأن من يريد أن يعرف تسامح الاسلام يجب أن يعرف كيف هاجر المسلمون الاوائل الى الحبشة هرباً من اضطهاد الكفار، ويجب أن يعرف قصة الخليفة العادل عمر بن الخطاب عندما دخل مدينة القدس منتصراً ورفض الصلاة في كنيسة القيامة خوفاً من أن ينشب نزاع بين المسيحيين والمسلمين حول الكنيسة". ملتقى الأفكار الايجابية ولا شك أن المركز الثقافي الاسلامي سيكون ملتقى الأفكار الايجابية المتبادلة للحوار بين دعاة الحوار والتسامح، والأمير سلمان بن عبدالعزيز طمأن مسيحيي روما الى ذلك عندما أوضح في كلمته أن الهدف من انشاء المركز الاسلامي الثقافي في روما هو "الاسهام في تقديم صورة فكرية وعملية لما يمكن أن يقوم به المؤمنون بالله ورسالاته - ويقصد المسلمين - من جهود في انقاذ سفينة البشرية الجانحة وسد ما نجم بها من ثقوب وثغرات". والمسلمون الحقيقيون كما يرى أمير منطقة الرياض هم الحريصون على إفهام العالم وتعريفه بدينهم وبمبادئه الانسانية العظيمة، لذا فهو أكد على أن المركز الاسلامي سيكون "مؤسسة ثقافية اسلامية تعرف الشعب الايطالي بحقيقة الاسلام ومبادئه السامية التي تدعو الى التعاون والتسامح والحوار الهادف البناء، وجسراً مهماً لارساء العلاقات الثقافية والحضارية بين العالم الاسلامي والشعب الايطالي". وبافتتاح المركز الثقافي الاسلامي سيجد مسلمو ايطاليا وخصوصاً الجالية الاسلامية في روما مقراً ليمارسوا فيه عباداتهم وانتماءهم الى دينهم، فهذا المركز اضافة الى أنه يضم مسجداً يتسع لحوالي خمسة آلاف مصلٍ - 3000 داخل المسجد وألفان في ساحته - فإنه يضم مدرسة لتعليم أبناء الجالية الاسلامية والعرب وقاعات للبحث ومكتبة ثقافية كبيرة، واضافة الى هذا سيوفر المركز الخدمات الاجتماعية الأخرى مثل الزواج وتقديم الفتاوى. والأهم من ذلك أن هذا المركز سيقدم لمسلمي روماوايطاليا فهماً صحيحاً لتعاليم الاسلام خصوصاً في مجال العبادات بعيداً عن تفسيرات المتشددين وادعياء الفقه... ومن أجل ذلك حرص المسؤولون على المركز أن تكون الجهة المشرفة على المركز هي رابطة العالم الاسلامي التي هي المرجع الشرعي لتفسير تعاليم الدين الحنيف عند المسلمين.