مع تراجع دوما الدولة عن طلبه اقالة حكومة فيكتور تشيرنوميردين انتهت الأزمة الدستورية الجديدة لمصلحة الرئيس بوريس يلتسن. وكان رئيس الدولة الروسية وقع قبل ذلك ببضع ساعات مرسوماً بعزل وزيري الداخلية والقوميات ومدير مصلحة الأمن الفيديرالية الذين طالب المشرعون الروس باقالتهم، ما شكّل اعترافاً بأن المسؤول الاول عن الشرطة فيكتور يرين وكبير الخبراء في شؤون القوميات نيقولاي يغوروف وكبير مكافحي الجاسوسية والارهاب سيرغي ستيباشين هم المذنبون الاساسيون الذين اتاحوا الفرصة لمأساة مدينة بوديونوفسك الجنوبية عندما احتجز المسلحون الشيشان اكثر من ألف رهينة من المدنيين طوال خمسة أيام. وكان تشيرنوميردين الذي اجرى شخصياً محادثات مع الخاطفين أعلن بدء عصر جديد في السياسة الروسية قائلاً "ان الدولة الروسية التي اقدمت على التفاوض مع المسلحين الشيشان وضعت للمرة الأولى مصالح بعض مواطنيها فوق مصالح الدولة اجمالاً". ويجد علماء السياسة الروس الدليل الى صحة هذا القول في مظاهر اخرى للحياة، فالمحادثات السلمية لتسوية النزاع المسلح في شيشانيا تتقدم والرئيس الروسي تنازل للمرة الأولى لبرلمانه مضحياً بثلاثة من وزرائه، بينهم اثنان من اكثر المقربين منه. ويرى الخبير السياسي سيرغي كورغينيان ان "ليس هناك خط جديد بل هناك خط يلتسن القديم الرامي الى العثور في الوقت المناسب على المذنبين حيث يجب ان يكون هو قبل غيره المسؤول عما جرى". وفي رأيه ان الكريملين رضي بنتائج الحملة العسكرية في شيشانيا وقال: "ان قوات الجنرال دودايف مدحورة او مشتتة ولا تشكل خطراً كبيراً، وحان الوقت للاتفاق على من سيكون في هذه الظروف مندوب موسكو في هذه الجمهورية القوقازية ومن سيسيطر باسم الدولة الروسية على انابيب البترول والغاز التي تمر في اراضي شيشانيا. وكان من المنطقي تماماً، في اطار انهاء الحملة العسكرية، واقالة منظّري حل المشكلة الشيشانية بالقوة، ومنهم المقالون الثلاثة جميعاً". ويقدم مسؤول كبير في مجلس الأمن الروسي تفسيراً آخر لقرار يلتسن المفاجئ باقالة الوزراء الثلاثة قائلاً: "ان الأمر بسيط في ما يتعلق بوزير القوميات نيقولاي يغوروف، فمنذ تعيينه في هذا المنصب في خريف السنة الماضية كان مخططاً له ان يكون كبش فداء في حال تذمر الرأي العام من أعمال القوة التي يقوم بها الكريملين في القوقاز. اما عزل وزيري القوة - وزير الداخلية يرين ومدير مصلحة الأمن الفيديرالية ستيباشين - فوراءه هدف بعيد المدى وهو انشاء مؤسسة ضخمة للقوة يجتمع فيها برئاسة موظف غير معروف بعد زهاء مليوني شرطي وجندي من القوات الداخلية مع جيش من موظفي مصلحة الأمن الفيديرالية من حوالى نصف مليون شخص". وحسب قوله لم يتم بعد صوغ هذه الفكرة في صيغة قانونية نهائية ولكن من الواضح ان الوزير الجديد لمصلحة القوة الضخمة قد يصبح في الوقت نفسه نائباً لرئيس الحكومة مسؤولاً عن الأمن، من مكافحة الارهاب والجريمة حتى تهدئة الاضطرابات. وقال المسؤول في مجلس الأمن: "ان اللحظة مؤاتية الآن تماماً، فموجة الاجرام لا تهدأ بل اضيف اليها الارهاب ويجب مكافحة هذا بأي شكل من الاشكال. وقد يوافق الرأي العام الذي ارعبته مأساة بوديونوفسك على هذه الخطوة، وعندئذ ينشئ الرئيس جهازاً ضخماً ومخلصاً له وحده لقمع كل معارض".