لن يستطيع أحد الآن أن يقول ماذا حصل في البدء: هل أعمال العسكريين في الجمهورية الشيشانية هي التي سببت الأزمة الجديدة للسلطات الفيديرالية الروسية أم أن السلطات نفسها هي التي دبرت حرباً بكل معنى الكلمة في جنوبروسيا لحل مشاكلها الداخلية؟ فالواضح فقط ان الحرب الدعائية التي قامت في وسائل الاعلام الروسية بعد اخفاق الهجوم الجديد على العاصمة الشيشانية غروزني موجهة على الأكثر ليس الى أعداء الكرملين الخارجيين مسلحي دودايف الشيشانيين، بل الى الاعداء الداخليين المعارضين لسياسة الرئيس بوريس يلتسن. وفي اطار هذه المواجهة حدث ما لم يكن متوقعاً، فقد ترددت اسماء أعضاء "حزب الحرب" المغفل الذين هم ، في اعتقاد الكثيرين من السياسيين الروس، المسؤولون الرئيسيون عن الأزمة الناشبة في جنوبروسيا، وبينهم النائب الأول لرئيس الحكومة اوليغ سوسكوفيتس ورئيس الادارة العامة لحرس يلتسن الجنرال السابق في المخابرات وحارسه الشخصي الكسندر كورجاكوف رئيس المؤامرة ورئيس إدارة الرئيس سيرغي فيلاتوف المدبر. وهدف "حزب الحرب" اقامة نظام استبدادي فردي في روسيا عن طريق ايجاد حالة أزمة هي الحرب الشيشانية. وتؤخذ هنا في الاعتبار خصائص الدستور الروسي الذي بموجبه يصبح رئيس الحكومة تلقائياً رئيساً للدولة اذا عجز هذا الأخير عن القيام بواجباته. ويعتقد محللون روس بأن "حزب الحرب" يريد في هذه المرحلة تحقيق شيء واحد هو استبدال رئيس الحكومة الحالي فيكتور تشيرنوميردين بنائبه الأول أوليغ سوسكوفيتس. وإذا نجحوا في هذا يكون "حزب الحرب" ضمن لنفسه نصف النصر لأن أحداً لن يستطيع أن يكفل صحة وأمن رئيس الدولة المحاط طول الأربع والعشرين ساعة في اليوم بطوق محكم من حراسه برئاسة الجنرال كورجاكوف. فقد أصبح من عادة يلتسن في الآونة الأخيرة أن يغفو فجأة وان يمرض فجأة وان يتوارى وقتاً طويلاً عن أنظار المواطنين ولا يتواجه معه على الأكثر الا بواسطة سكرتيره الصحافي. وحسب المحللين بدأت "الدسائس" ضد رئيس الحكومة تشيرنوميردين منذ الخريف الماضي، وكان على الأزمة الشيشانية ان تنهي سيرته السياسية. من ذلك، مثلا، ان "الثلاثاء الأسود" في سوق الأوراق المالية في موسكو في 11 تشرين الأول اكتوبر الماضي عندما تدهور سعر الروبل بالنسبة الى الدولار الأميركي بنسبة الثلث خلال ساعات قليلة كان يجب أن يصبح سبباً لاستقالة تشيرنوميردين، ولكن هذا لم يزد عن أن يخسر موقتاً حظوته لدى رئيس الدولة. وفي أثناء الأزمة الشيشانية بقي تشيرنوميردين طول الوقت خارج دائرة الضوء ولم يتدخل في أعمال العسكريين النشطة. ومع ذلك اذا اخفقت العملية العسكرية في هذه الجمهورية القوقازية كان لا بد أن تقع مسؤولية ذلك عليه بوصفه رئيساً للحكومة التي تضم قادة العملية الشيشانية، وهم وزير الدفاع بافيل غراتشوف ووزير الداخلية فيكتور يسرين ومدير المصلحة الفيديرالية لمكافحة التجسس سيرغي ستيباشين ووزير شؤون القوميات نيقولاي يغوروف. من سوء حظ "حزب الحرب" أعلن تشيرنوميردين هدنة في شيشانيا لمدة 48 ساعة. ومن حسن حظ انصار القوة العسكرية أحبطت الهدنة عملياً بواسطة مسلحي دودايف من جهة وسبب عدم صبر العسكريين الروس، الذين واصلوا قصف غروزني جواً وبراً من جهة أخرى. وعلى صعيد آخر، يرى برلمانيون روس طريقة واحدة فقط لحل الأزمة وهي اتخاذ قانون بأسرع ما يمكن يمنع استخدام الجيش داخل أراضي روسيا. ويشير المراقبون الى أنه حتى ولو تم اقرار هذا القانون فمن المستبعد ان يصادق عليه الرئيس الواقع تحت تأثير شديد من أقرب المقربين اليه الذين هم، كما تبين، "حزب الحرب". المأساة الأخرى للديموقراطيين الروس هي استحالة اللجوء الى انتخابات مبكرة لرئيس الدولة كأفضل وسيلة لمواجهة "حزب الحرب". وبالامكان محاولة جمع العدد الضروري من الأصوات في مجلسي البرلمان والتغلب على مقاومة المسؤولين الحاليين في الكرملين. وإذا نجح كل شيء فاجراء الانتخابات. ولكن مصيبة معارضي الحكم "الاستبدادي" في روسيا أنهم لا يملكون شيئاً، وليس بين صفوفهم من يستطيع خوض الانتخابات الرئاسية الجديدة.