السيد رئيس التحرير تحية طيبة وبعد، نشرتم في العدد 191: "الوسط" تحاور معارضاً وموالياً وأشهر سجين سياسي في السودان، من إعداد معاوية يس وكمال أحمد. حدثان مذهلان يجعلان القارئ يشعر أنه انتقل من عصر إلى عصر آخر لا علاقة له بعصر الديموقراطية وحقوق الانسان ونزول الانسان على سطح القمر. الأول قول أشهر سجين سياسي في السودان الحاج عبدالرحمن عبدالله نقدالله وزير الأوقاف في حكومة المهدي الديموقراطية التي أطاح بها انقلاب الجبهة الإسلامية: "لكن بعص زملائنا لم تدم محاكمته أكثر من خمس دقائق فقط وصدر بعدها الحكم بالاعدام ... كنا نستعد لأداء صلاة المغرب ونودي على هذا الزميل لدخول الجلسة فذهب وعاد ولحق بنا في الركعة الأخيرة بعد أن انتهت محاكمته في خمس دقائق وصدر عليه الحكم بالاعدام". هذه هي العدالة "القراقوشية" المسلطة على رؤوسنا كالسيف المسموم!! أما الحدث الثاني المرعب أيضاً فهو ما جاء في حديث "قطب الجبهة القومية الاسلامية" الحاكمة في السودان عثمان خالد عندما أكد: "الكلام عن أي حزب سياسي داخل السودان غير منطقي مطلقاً لأن الأحزاب محلولة فعلياً منذ 1989 وليس هناك أي حزب سياسي يمارس نشاطاً". وواضح من لهجة قطب الجبهة الاسلامية المطمئنة أنه يبشرنا بحل جميع الأحزاب والنقابات والجمعيات والصحافة المستقلة المجردة كالخمر والحشيش في إيران والسودان وأفغانستان حتى تبقى الدولة الشمولية وحدها في الساحة وأمامها رعايا ... ذرات بشرية ... هباب ... لا يملكون أي قناة شرعية يدافعون بها عن أنفسهم أمام جبروت الدولة وجيشها وشبكات بوليسه السري والعلني وميليشياتها. المفارقة أن صحافة الإسلاميين في العالمين العربي والإسلامي تساند إيران والسودان الشموليتين لكنها لا تستحي من أن تطالب بحقها "الديموقراطي" في الاعتراف بها كأحزاب سياسية في المغرب وتونس ومصر وسورية والعراق... يصفقون لدولة الحكم المطلق في إيران والسودان ويتباكون على "عدم توسيع الديموقراطية لتشملهم" في الدولة الديموقراطية أو نصف الديموقراطية، وبعبارة أخرى فالتعددية الديموقراطية شر مطلق في إيران والسودان وخير مطلق في البلدان التي لم يستولوا فيها على الحكم، لكي يقيموا فيها دولاً تمحو الفرد والمجتمع محواً. أرجو أن تجيبوني عن هذا السؤال: هل يحق لمن يرقص لذبح الديموقراطية في بلد أن يطالب بها لنفسه في بلد آخر؟! أشرف عبدالفتاح عبدالقادر باريس - فرنسا