سماء غائمة جزئيا تتخللها سحب رعدية بعدد من المناطق    المملكة تجدد إدانتها استهداف إسرائيل ل«الأونروا»    "سلمان للإغاثة" يوزع 1.600 سلة غذائية في إقليم شاري باقرمي بجمهورية تشاد    أمير الرياض يفتتح اليوم منتدى الرياض الاقتصادي    «حزم».. نظام سعودي جديد للتعامل مع التهديدات الجوية والسطحية    «السلطنة» في يومها الوطني.. مسيرة بناء تؤطرها «رؤية 2040»    منطقة العجائب    القصبي يفتتح مؤتمر الجودة في عصر التقنيات المتقدمة    1.7 مليون عقد لسيارات مسجلة بوزارة النقل    9% نموا بصفقات الاستحواذ والاندماج بالشرق الأوسط    وزير الدفاع يستعرض العلاقات الثنائية مع سفير الصين    المملكة ونصرة فلسطين ولبنان    عدوان الاحتلال يواصل حصد الأرواح الفلسطينية    حسابات ال «ثريد»    صبي في ال 14 متهم بإحراق غابات نيوجيرسي    الاحتلال يعيد فصول النازية في غزة    الأخضر يكثف تحضيراته للقاء إندونيسيا في تصفيات المونديال    وزير الإعلام اختتم زيارته لبكين.. السعودية والصين.. شراكة راسخة وتعاون مثمر    الأخضر يرفع استعداده لمواجهة إندونيسيا في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026    محافظ جدة يستقبل قنصل كازاخستان    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    مع انطلاقة الفصل الثاني.. «التعليم» تشدّد على انضباط المدارس    إحباط 3 محاولات لتهريب 645 ألف حبة محظورة وكميات من «الشبو»    الإجازة ونهايتها بالنسبة للطلاب    قتل 4 من أسرته وهرب.. الأسباب مجهولة !    كل الحب    البوابة السحرية لتكنولوجيا المستقبل    استقبال 127 مشاركة من 41 دولة.. إغلاق التسجيل في ملتقى" الفيديو آرت" الدولي    كونان أوبراين.. يقدم حفل الأوسكار لأول مرة في 2025    يا ليتني لم أقل لها أفٍ أبداً    موافقة خادم الحرمين على استضافة 1000 معتمر من 66 دولة    قلق في بريطانيا: إرهاق.. صداع.. وإسهال.. أعراض فايروس جديد    القاتل الصامت يعيش في مطابخكم.. احذروه    5 أعراض لفطريات الأظافر    هيئة الشورى توافق على تقارير الأداء السنوية لعدد من الجهات الحكومية    الخليج يتغلب على أهلي سداب العماني ويتصدّر مجموعته في "آسيوية اليد"    تبدأ من 35 ريال .. النصر يطرح تذاكر مباراته أمام السد "آسيوياً"    أوربارينا يجهز «سكري القصيم» «محلياً وقارياً»    مكالمة السيتي    «سعود الطبية» تستقبل 750 طفلاً خديجاً    الله عليه أخضر عنيد    أعاصير تضرب المركب الألماني    «القمة غير العادية».. المسار الوضيء    لغز البيتكوين!    المكتشفات الحديثة ما بين التصريح الإعلامي والبحث العلمي    الدرعية.. عاصمة الماضي ومدينة المستقبل !    المملكة تقود المواجهة العالمية لمقاومة مضادات الميكروبات    مجمع الملك سلمان يطلق النسخة الرابعة من «تحدي الإلقاء للأطفال»    شراكة إعلامية سعودية صينية واتفاقيات للتعاون الثنائي    انتظام 30 ألف طالب وطالبة في أكثر من 96 مدرسة تابعة لمكتب التعليم ببيش    خامس أيام كأس نادي الصقور السعودي بحفر الباطن يشهد تنافس وإثارة    وزير الدفاع يلتقي سفير جمهورية الصين الشعبية لدى المملكة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل المندوب الدائم لجمهورية تركيا    محافظ الطائف يلتقي مديرة الحماية الأسرية    اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    أهم باب للسعادة والتوفيق    بيني وبين زوجي قاب قوسين أو أدنى    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاعدام . مصر : الحسم مع المتطرفين باب الى التغيير في الولاية الثالثة
نشر في الحياة يوم 28 - 12 - 1997

اخيراً بلغت المواجهة بين السلطة والجماعات الاسلامية في مصر مرحلة الاعدامات. ومع ان اصطفاف المحكومين بالاعدام في انتظار مصيرهم يجعل الكثيرين يخشون المنحى الذي قد تأخذه المواجهة، الا ان الاقدام على تنفيذ الاحكام اظهر بوضوح تصميم السلطة على الذهاب في حربها ضد التطرف الى أقصى حد.
ويعتقد كثير من السياسيين والمراقبين المحليين في مصر بأن الحكومة تراهن على الاعدامات كاجراء ردعي حاسم من شأنه ان يحد من موجات العنف، لكنها تفكر في الوقت نفسه في مبادرات سياسية تستكمل بها المعالجة الامنية الحالية لظاهرة التطرف وما افرزته من اجواء توتر اثرت سلباً في الوضع الاقتصادي والمزاج العام للمجتمع المصري.
ويبدو "التغيير"، شعاراً واستحقاقاً، قاسماً مشتركاً بين الجميع حكماً ومعارضة، معتدلين ومتطرفين. واذا كان التغيير على طريقة الجماعات الدينية انزلق الى الارهاب وبات مرفوضاً في كل اوساط المجتمع، الا انه يبقى موضع اخذ ورد بين الحكم نفسه والمعارضة التقليدية المعروفة الاحزاب والاطراف.
الجميع ضد الارهاب والتطرف. ولكن، من دون عناء كبير، يمكن تحسس المراهنة الضمنية على المتطرفين واستخدام ممارساتهم في تفعيل شعارات التغيير والتحكم بتطبيقها واتجاهاتها. فالسلطة والمعارضة تلتقيان عند ضرورة قطع دابر التطرف، ولا تلبثان ان تفترقا في تحليل الدروس المستمدة من المعاناة الحالية للبلاد، وبالتالي في تحديد المبادرات المطلوبة للبدء بالاصلاح السياسي. اذ تعتبر المعارضة ان المواجهة مع التطرف ليست مواجهة مع حالة معزولة خلقت من فراغ، وان الخروج منها لا يمكن ان يتم بالابقاء على الاوضاع كما هي. اما السلطة فتنظر الى انتصارها في المواجهة على انه تدعيم لقوتها واوضاعها، وبالتالي فان اي تغييرات محتملة ستبقى في هذا التصور نفسه.
روزنامة الاستحقاقات المصرية، من تبديل حكومي اصبح ضرورة حتمية الى خطوات مرتقبة لتصويب خطة التجديد الاقتصادي وتسريعها، الى الانتخابات الرئاسية في الخريف المقبل، اعطت الاولوية لحسم المعركة مع التطرف، تحضيراً لمواجهة الاستحقاقات الاخرى.
صيف سياسي - امني ساخن في مصر، ام بداية انحسار نهائي للتطرف تبعد التشنج عن الاستحقاقات الاخرى الاكثر اهمية؟ لا شك في ان هناك تأثيراً متبادلاً بين سائر التطورات، ومن المنطقي توقع ولاية ثالثة مختلفة للرئيس حسني مبارك يبدأ خلالها ما كان ينويه منذ ولايته الاولى من اصلاح سياسي جذري، الا ان مفاعيل الارث السياسي الذي حمله أخّرت مبادراته.
جاء حادث انفجار عبوة ناسفة في منطقة شبرا، يوم الجمعة 18/6/1993 ومقتل سبعة اشخاص واصابة 20 آخرين، ليثير التساؤل عن ردود الفعل التي يمكن ان تتخذها الجماعات الدينية المتطرفة في مواجهة احكام الاعدام التي صدرت على عدد من اعضائها وبدء تنفيذ الحكم باعدام شريف حسن احمد، والذي كانت المحكمة العسكرية العليا في الاسكندرية اصدرته في قضية "العائدون من افغانستان" يوم 3 كانون الاول ديسمبر من العام الماضي.
وعلى رغم ان "الجماعة الاسلامية" التي يتزعمها الشيخ عمر عبدالرحمن المقيم حالياً في الولايات المتحدة نفت عبر بيانات لها مسؤوليتها عن تفجيرات عدة وقعت في القاهرة، ومن بينها حوادث مقهى وادي النيل والقللي ومدينة نصر ونفق الهرم، واعلنت "ان عملياتها لا تقوم على قتل المواطنين الابرياء"، الا ان اجهزة الامن المصرية تتهم "الجماعة" وجناحها العسكري بتنفيذ التفجيرات بهدف زعزعة الاستقرار والايحاء بان النظام غير قادر على فرض الامن. وعكست التظاهرة التي شاركت فيها حشود من المواطنين بعد الحادث الاخير في شبرا غضب الجماهير وسخطهم على عمليات الارهاب، فطالبوا بالقصاص من "قتلة الابرياء" وتنفيذ بقية احكام الاعدام التي صدرت على عدد من المتطرفين.
المصادر الامنية المصرية اكدت ان الحادث وقع بالاسلوب نفسه الذي نفذت به الانفجارات في مقهى وادي النيل وميدان القللي ونفق الهرم، ورجحت ان يكون الجناح العسكري ل "الجماعة الاسلامية" الذي يضم بعض العائدين من افغانستان ما زالوا فارين من قبضة الشرطة وراء هذه الانفجارات.
ومنذ ان اصدرت المحكمة العسكرية العليا في الاسكندرية في كانون الاول من العام الماضي احكاماً باعدام ثمانية من اعضاء "الجماعة الاسلامية" في قضية "العائدون من افغانستان" والترقب يسود الاوساط المصرية في انتظار ردود الفعل التي يمكن ان تسببها هذه الاحكام سواء على مستوى حركة الجماعات المتطرفة ونشاطها او على مستوى القبول السياسي والشعبي لها.
وجاءت الاشهر التالية لتشهد احكاماً اخرى بالاعدام اصدرتها محاكم عسكرية على متطرفين اتهموا بارتكاب اعمال ارهابية.
ولم يكن تنفيذ الحكم باعدام شريف حسن احمد، يوم السبت 12/6/93 اي في اليوم نفسه الذي نفذ الحكم باعدام محمد عبدالسلام الذي دين بتهمة التخابر مع اسرائيل امراً غير مقصود. فالمراقبون رأوا ان اعدام الاثنين واعلان ذلك في بيان واحد قصد به التأكيد انهما من الخونة والخارجين على الشرعية والقانون وان اعمالهما الحقت "اضراراً بالمجتمع واقتصاده القومي".
وما زالت قائمة المحكوم عليهم بالاعدام من اعضاء الجماعات الدينية تضم 21 متطرفاً بينهم سبعة في قضية "العائدون من افغانستان" ما زالوا فارين وسبعة في قضية "ضرب السياحة" وستة في قضية محاولة اغتيال السيد صفوت الشريف وزير الاعلام ومنهم فار واحد، وكذلك المتطرف حسن شحاتة بدران المتهم بقتل النقيب علي خاطر، وكلهم اصدرت محاكم عسكرية احكاماً باعدامهم، في حين ان محكمة امن الدولة في الفيوم اصدرت الشهر الماضي حكماً باعدام المتطرف مرسي رمضان بعد ادانته بقتل المقدم احمد علاء الدين البراوي في العام الماضي.
وتترقب الاوساط المصرية الاحكام التي ستصدرها محكمة امن الدولة العليا في القاهرة يوم 14 آب اغسطس المقبل في قضية اغتيال الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب وكذلك الأحكام في قضية اغتيال الكاتب فرج فودة التي لم تحجز للحكم بعد، وتباينت الآراء والمواقف اثر البدء بتنفيذ الاحكام، ف "الجماعة الاسلامية" هددت في بيان اصدرته بالقصاص والانتقام من النظام والحكومة واعضاء هيئة المحكمة التي اصدرت الاحكام. وصفوت عبدالغني قائد الجناح العسكري ل "الجماعة" ادلى بتصريحات من داخل قفص الاتهام اثناء النظر في قضية فودة في اليوم التالي لاعدام شريف حسن، اعلن فيها "رفضه واستنكاره المحاكم العسكرية" ورأى ان العنف لا يولد الا العنف. وجاء نجاح القوات المسلحة في ابطال مفعول عبوات ناسفة في منطقة بين السرايات بعد يوم واحد من تنفيذ حكم الاعدام وحادث الانفجار في شبرا ليشير الى ان تهديدات الجماعة دخلت حيز التنفيذ.
الا ان البدء بتنفيذ احكام الاعدام ما زال يثير التساؤل عن جدوى المحاكم العسكرية واحكام الاعدام، ورأت مصادر امنية ان الاحكام الرادعة ستساهم في الحد من عمليات الارهاب، فيما توقعت الباحثة المصرية هالة مصطفى المهتمة بقضايا الاسلام السياسي ولها كتاب في الموضوع اثار ضجة في الاوساط المصرية حين صدر، ان تلجأ الجماعات المتطرفة الى ارتكاب مزيد من أعمال العنف رداً على البدء بتنفيذ تلك الاحكام.
وتدلل على ذلك بأن هذه الجماعات ارتكبت جرائم عدة باغتيال ضباط وجنود بعد مقتل الدكتور علاء محيي الدين الناطق باسم "الجماعة" التي اعتبرت ان اجهزة الامن هي المسؤولة عن قتله.
حرب عصابات
وقالت هالة مصطفى ان لجوء الجماعات المتطرفة الى اسلوب تفجير القنابل وسط مناطق آهلة وتجمعات الشرطة والسياح هو نوع من انواع "حرب العصابات" ويصعب على اجهزة الامن توجيه ضربة حاسمة الى هذه الجماعات، لأن هذه الاعمال تنفذها مجموعات صغيرة ربما انتمت جميعها الى "الجماعة" او الى اكثر من جماعة متطرفة. وهذا قد يفسر استعجال هذه الجماعات، عبر بيانات توزعها على وسائل الاعلام المختلفة، الى نفي صلتها ببعض حوادث التفجير، مثل حادث السيارة المفخخة في منطقة القللي الذي راح ضحيته عدد من المواطنين الابرياء بينهم اطفال. وهذا النفي من جانب "الجماعة" قد يشير الى ان جماعات اخرى تزرع العبوات الناسفة. وقد يشير ايضاً الى ان "الجماعة" هي المتورطة فعلاً في هذه الاعمال، لكنها تنفي ذلك كنوع من التضليل. وهذا اسلوب معتمد في عقيدتها الايديولوجية لخدمة اهداف تكتيكية معينة.
واكدت ان "محاكمة المتورطين في تفجير القنابل والعبوات الناسفة والحارقة امام القضاء العسكري يعتبر امراً طبيعياً لأن الدولة تجد نفسها امام اعمال عنف خارجة على القانون". الا انها اشارت الى ان "المحاكم العسكرية ليست كافية لأن مهمتها تنحصر في معاقبة فئة معينة تقف وراء وجودها عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية، وان ردع الجماعات المتطرفة ليس كافياً لوقف العنف لأن الجماعات تستقطب اعداداً كبيرة من الاهالي خصوصاً الشباب".
وأضافت: "لا بد من التعرف الى خلفياتها الاجتماعية وطرح عملية اصلاح اجتماعي واقتصادي شاملة كأحد الحلول على المدى الطويل للحد من انتشار هذه الجماعات التي يكاد ينحصر وجودها في الصعيد وفي المناطق الحضرية العشوائية. وهذه المناطق سواء كانت في الصعيد او في القاهرة تعاني من المشاكل نفسها: تكدس سكاني عاٍل، غياب الخدمات، البطالة العالية وتفشي الامية، العادات والتقاليد المتزمتة".
الاعدام ردع
في المقابل فان اللواء محمد عنتر مدير الامن في محافظة اسيوط، وهي اكبر محافظات الصعيد التي تشهد مواجهات بين الشرطة والمتطرفين، يرى ان احكام الاعدام تمثل ردعاً للارهابيين، وانها "الحل الطبيعي للرد على جرائمهم فهم يقتلون رجال الامن والمسؤولين والمواطنين والسياح. واي ارهابي سيفكر الف مرة قبل ان يرتكب جريمة جديدة".
واستشهد على ذلك بقوله: "ان جرائم الارهاب صارت قليلة مقارنة بالشهور التي سبقت اصدار الاحكام او البدء بتنفذها".
الا ان مدير الامن في اسيوط رأى ان "قلة من الارهابيين الذين صدرت عليهم احكام وهم فارون سيحاولون ارتكاب اعمال ارهابية بدافع الانتقام، وان الشرطة مستعدة لمواجهة تلك المحاولات، وتمكنت في الاشهر الماضية من القبض على عدد كبير من قيادات الارهابيين وان معظم منفذي الحوادث الاخيرة هم في الصفين الثاني والثالث الذين ليست لديهم القدرة على ارتكاب اعمال ارهابية كبيرة".
واضاف اللواء عنتر ان رد الفعل الجماهيري في اسيوط على تنفيذ احكام الاعدام اتسم بالارتياح: "المواطنون تقبلوا الاحكام وابدوا ارتياحاً بعد البدء بتنفذها لانهم مقتنعون تماماً بأنهم صاروا هدفاً من اهداف الارهابيين"
انحياز وتقلب
لكن وزير الاعلام المصري السابق واستاذ القانون الدكتور احمد كمال ابو المجد رأى ان مسألة تقويم مدى تأثير احكام الاعدام وتنفيذها في "عناصر الارهاب" امر لا يمكن حسمه الآن. وقال ان الامر رهن بدراسات ميدانية واحصاءات يجب البدء باجرائها، "وعلينا ان نفهم الاطار النفسي والذهني لمن يرتكبون هذه الجرائم فبعضهم يعتقد بأنه ينفذ مهمة وطنية وواجباً دينياً، وهنا يكون المدخل الحقيقي الى العلاج، وهو ضرورة تصحيح المفاهيم مع استمرار وجوب العقوبة بغض النظر عن مدى شدتها".
وأضاف ان مشاعر الجماهير حيال احكام الاعدام وتنفيذها "منحازة ومتقلبة، فعند وقوع الجريمة يتعاطف الناس مع المجنى عليهم ويطالبون بأقصى العقوبات، لكن يوم تنفيذ العقوبة يتعاطفون مع الجاني. والقضية الاساسية ليست البحث عن مشاعر الجماهير بقدر ما هي حماية تطبيق القانون وحماية المجتمع من دون افراط او تفريط".
وجهة نظر اخرى يبديها اللواء منصور عيسوي مدير الامن في القاهرة الذي اكد ان "الارهابيين" خارج اسوار السجون يخشون الموت، وبالتالي فان احكام الاعدام تمثل رادعاً مناسباً لهم. وقال: "ان المحاكم المدنية لم تحل مشكلة التطرف والارهاب لأن المحامين والمتهمين يماطلون في الاجراءات وتستمر القضايا في دوائر المحاكم لسنوات". ولاحظ ان احكام الاعدام التي اصدرتها محاكم عسكرية كان لها دور كبير في تقليل العمليات الارهابية في العاصمة والمحافظات الاخرى.
وعن رد فعل الجماعات الدينية قال اللواء عيسوي: "سيترددون قبل تنفيذ اي عملية ارهابية".
لن تحل المشكلة؟
وعلى النقيض تماماً تحدث المحامي سعد حسب الله الذي شارك في الدفاع عن المتهمين في قضايا العائدون من افغانستان وضرب السياحة والمحجوب ومحاولة اغتيال صفوت الشريف، واكد ان احكام الاعدام "لن تحل المشكلة لأن اعضاء الجماعات سيزدادون عنفاً، وان قتل 20 او مئة منهم لن يقضي عليهم. والمواطنون يرفضون الاحكام التي تصدرها محاكم عسكرية لأن القوات المسلحة يجب ان تكون بعيدة تماماً عن هذه الخلافات الداخلية". واشار الى ان المحاكم العسكرية "لا تعطي الفرصة كاملة للمحامين او المتهمين للدفاع عن انفسهم الدفاع القانوني".
رأي مختلف بعض الشيء للواء علي ابو النصر وكيل مصلحة الامن العام في مصر، فهو يعتقد بأن احكام الاعدام وحدها لن تحل المشكلة وان جهود اجهزة عدة يجب ان تتكاتف للقضاء على الارهاب، "يجب ان تواكب احكام الاعدام اجراءات امنية مشددة لمنع وقوع جرائم جديدة، وفي الوقت نفسه على المساجد ان تقوم بدور في توضيح الافكار المتطرفة وفضحها، وعلى وسائل الاعلام ان تحذر المواطنين وتكشف الارهابيين".
واكد ان احكام الاعدام "طبيعية والمحاكم العسكرية تتميز فقط بالسرعة في تنفيذ الاجراءات". واستغرب القول ان المواطنين يبدون تعاطفاً مع المحكوم عليه بالاعدام، "فالمواطنون يموتون في الشوارع بفعل الارهاب وحادث الازبكية الذي راح ضحيته ثلاثة اشقاء ما زال في الاذهان والشعب يعلم ان المحاكم تقتص له من الارهابيين".
ومن بين القضايا التي نظرت فيها محكمة عسكرية "قضية ضرب السياحة" والتي صدر الحكم فيها في نيسان ابريل الماضي باعدام سبعة من اعضاء "الجماعة الاسلامية" في مدينة قنا. واكد اللواء حسين توفيق مدير الامن في قنا "ان الحكم باعدام الارهابيين السبعة كان له اثر في القضاء على العمليات الارهابية في المحافظة. فالارهاب ضرب ارزاق الناس، ولهذا فان الاهالي ابدوا ارتياحاً حينما صدرت الاحكام وعندما نفذ الحكم في واحد من الارهابيين المتهمين في قضية العائدون من افغانستان اظهروا رغبة واضحة في سرعة تنفيذ الاحكام في بقية الارهابيين".
اما المحامي ممدوح اسماعيل عضو هيئة الدفاع عن المتهمين في قضايا العنف الديني فطرح فكرة اعادة فتح الحوار مع اعضاء الجماعات الدينية لوقف تيار العنف وقال: "الاعدام لن يحل المشكلة واعدام بعضهم لن يوقف الآخرين لانهم اصحاب رؤية وفكر يرغبون في تنفيذه من اجل مصلحة المجتمع من وجهة نظرهم".
تحديات أمام الولاية الثالثة
ولا يمثل الوضع الامني ونشاط الجماعات الدينية المتطرفة التحدي الوحيد الذي تواجهه مصر الشعب والنظام حالياً، ففي الوقت الذي تستعد الاوساط المصرية لاعادة انتخاب الرئيس حسني مبارك لولاية ثالثة هناك تحديات اخرى.
صحيح ان الحديث عن التغيير الوزاري قل نسبياً بعدما اعلن الرئيس مبارك ان التغيير المنتظر سيتم بعد شهر تموز يوليو المقبل، الا ان قوى سياسية مصرية من المعارضة استطاعت استغلال قضية التغيير لتثير قضية تغيير النظام بأكمله. وظهرت في صحف المعارضة آراء تطالب بتعديل الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية من بين اكثر من مرشح للرئاسة. وهناك قوى اخرى طرحت مسألة تكوين جبهة وطنية تستطيع مواجهة التحديات التي تتعرض لها البلاد.
وصحيح ان علاقات مصر الدولية شهدت في السنوات العشر الماضية نجاحات ملموسة لمصلحة النظام الا ان العلاقات مع الولايات المتحدة ما زالت تستحوذ على اهتمام المسؤولين المصريين، اذ اعتراها اخيراً نوع من الضباب لاسباب عدة لا يخفى ان من بينها وجود الدكتور عمر عبدالرحمن زعيم "الجماعة الاسلامية" في الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه فان العلاقات مع السودان ومواجهة التهديدات الايرانية والانشغال بمحادثات السلام الخاصة بالشرق الاوسط تشكل تحديات اخرى تواجه النظام الذي تشغله ايضاً هموم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وتنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادي.
ايران
يمثل الدور الايراني في دعم الجماعات الدينية المتطرفة تحدياً آخر للنظام، فالقاهرة تؤكد ذلك الدور واجهزة الامن اعلنت ان اعترافات بعض المعتقلين والمتهمين في قضايا الارهاب كشفت التورط الايراني. والرئيس مبارك اكد في تصريحات صحافية كثيرة دعم النظام الايراني "الارهابيين"، الا انه اوضح ايضاً استعداده لاقامة علاقات مع طهران اذا توقفت عن دعم المتطرفين والتدخل في الشؤون الداخلية المصرية.
وتأتي قضية الديموقراطية والعلاقة مع احزاب المعارضة التي يصعب فصلها عما يدور في المجتمع المصري حالياً لتمثل تحدياً آخر. فالسيد مصطفى كامل مراد رئيس حزب الاحرار يرصد انجازات مبارك ويقول: "ان اسقاط 21 بليون دولار من ديون مصر يعد عملاً تاريخياً، واتمام انسحاب اسرائيل من سيناء، واسترداد طابا، وعودة الجامعة العربية الى القاهرة، ودعم العلاقات مع الدول الافريقية، وتنفيذ مشاريع عملاقة للبنية الاساسية، وسياسة التحرر الاقتصادي كلها انجازات". الا انه يطالب الرئيس ب "اتمام الهيكل الديموقراطي للبلاد بتعديل الدستور تعديلاً يتلاءم مع مرحلة الليبيرالية والتحرر الاقتصادي وتعدد الاحزاب"، وبانتخاب رئيس الجمهورية ونائبه من بين اكثر من مرشح واعطاء مجلس الشعب البرلمان سلطة تعديل الموازنة العامة وسحب الثقة من الحكومة والغاء المادة 74 من الدستور التي تعطي رئيس الجمهورية سلطة اتخاذ "تدابير" اذا حدث ما يهدد الوحدة الوطنية او السلام الاجتماعي.
واكد مراد ان من مطالب احزاب المعارضة - بينها حزبه - "الغاء العمل بقوانين الطوارئ". ولاحظ ان الارهاب تزايد في ظل العمل بهذه القوانين. ودعا الى "الغاء قانون الاشتباه وتعديل قانون ممارسة الحقوق السياسية واعادة تشكيل الجداول الانتخابية التي وضعت عام 1956.
ويعتبر رئيس حزب الاحرار ان الرئيس مبارك "هو رئيس شرف لكل الاحزاب في مصر وعليه ان يترك رئاسة الحزب الوطني على نحو يؤدي الى امكان تداول السلطة بين الاحزاب المختلفة".
اما السيد ياسين سراج الدين عضو الهيئة العليا لحزب الوفد فيرى ان نظام الرئيس مبارك ورث تركة مثقلة عن الحكم السابق، ومر بكثير من الازمات الداخلية والخارجية استطاع تخطيها بنجاح، الا انه يطالب بأن "يكون مبارك رئيساً لمصر كلها ولكل الاحزاب وليس للحزب الوطني فقط".
ويعترض السيد ضياء الدين داود رئيس الحزب الناصري على "سياسة النظام المالي في اضعاف سيطرة الدولة على اقتصادها وبيع المشاريع المملوكة للشعب الى الاجانب، والخضوع لشروط صندوق النقد الدولي بما أدى الى انخفاض مستوى المعيشة".
ويؤكد الدكتور رفعت السعيد الامين العام لحزب التجمع أن "اسلوب انتخاب رئيس الجمهورية بالاستفتاء لم يعد ملائماً لروح العصر او التطورات التي حدثت في المجتمع المصري". ويطالب مبارك تعديل الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية "ومواجهة الفساد والانحراف والتصدي للارهاب".
قضية "الاخوان"
وتظل قضية "الاخوان المسلمين" تمثل تحدياً مستمراً للنظام في مصر فالجماعة "التي حظر نشاطها بعد ثورة تموز يوليو ما زالت تصر على العودة الى ممارسة نشاطها ممارسة شرعية، في حين يؤكد النظام رفضه قيام حزب او تنظيم ديني او على اساس عقائدي.
ويقول المستشار مأمون الهضيبي الناطق باسم "الاخوان" ان الجماعة "تؤمن بأن هذا البلد مسلم يدين اهله بالاسلام وبالشريعة الاسلامية كدستور وقانون لحياتهم،"، ويطالب "بتطبيق الشريعة الاسلامية تطبيقاً صحيحاً في كل مناحي الحياة".
العلاقات الخارجية
وعلى صعيد الديبلوماسية المصرية فان الدائرة العربية تعد اهم الدوائر التي تتحرك فيها السياسة الخارجية المصرية وتوليها اهتماماً يلاحظ من خلال حجم الاتفاقات الثنائية واللجان المشتركة للتعاون في كل المجالات ولا سيما منها الاقتصادية والتجارية، ووجود مصر عضواً في "اعلان دمشق" ومشاركتها في التنسيق مع دول الطوق في عملية السلام، ووجود 8 ادارات مستقلة داخل التنظيم الجديد للعمل في وزارة الخارجية والذي بدأ العمل به مطلع العام الحالي هي ادارة العلاقات العربية وادارة العلاقات مع ليبيا وادارة شؤون السودان وادارة فلسطين وادارة الجامعة العربية وادارة شؤون العلاقات مع دول الخليج وادارة شؤون المغرب العربي، اضافة الى ادارة شبه مجمدة هي شؤون العلاقات مع دول مجلس التعاون العربي.
وعلى رغم ان هذا الاهتمام لا يعكس حجم التعاون وكثافة العلاقات، الا ان الخارجية المصرية اوضحت ان الامر يأتي ضمن تخطيط لحاضر العلاقات ومستقبلها الذي تأمل مصر بوصوله الى المستوى المرغوب فيه، وتصطدم هذه الرغبة مع واقع العلاقات مع الجارة الجنوبية لمصر. الا ان التعامل السياسي المصري مع السودان يعكس رغبة القاهرة في عدم التصعيد ومزيد من التوتر، لكن الرغبة ذاتها يوضحها الحرص على علاقات قوية مع ليبيا على رغم الخلافات القديمة في المرحلة الماضية، والسعي الى ايجاد حل لازمتها مع الغرب، الامر الذي اوضحه الرئيس مبارك مطلع الشهر مع وفد الصحافيين الافارقة، عندما اشار الى ان بعض علاقات مصر مع المغرب تتعرض لمشاكل بسبب جهودها لحل الازمة، اي ازمة لوكربي.
وتدور حالياً في هذا الاطار اتصالات مع سورية والسعودية على وجه الخصوص لاحياء التنسيق الثلاثي الذي بدأ مع ازمة الخليج الثانية. وهناك مساع الى تنسيق امني واسع مع الدول التي تعاني من ظاهرة الاصولية مع تونس والجزائر.
الولايات المتحدة
وتعتبر العلاقة مع الولايات المتحدة ركيزة اساسية في التحرك المصري الخارجي الا ان هناك مشكلات في العلاقة تتعلق بتباين وجهات النظر في الجهود المبذولة لنزع اسلحة الدمار الشامل وضبط التسلح التقليدي في الشرق الاوسط، ووجود عمر عبدالرحمن زعيم "الجماعة الاسلامية" في اميركا والمتهم في احدى القضايا المعروضة الآن امام القضاء المصري وهي التحريض على اعمال عنف، وعدم النجاح في التوصل الى حل وسط مع ليبيا في ازمة لوكربي، وما تراه القاهرة علاجاً خاطئاً لمشكلة مسلمي البوسنة - الهرسك، واستخدام شعار حقوق الانسان ذريعة لبعض الهيئات الاميركية للتدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول، اضافة الى الاتصالات التي اجرتها السفارة الاميركية في القاهرة مع التيار الاسلامي واقلقت السلطة.
الا ان مصر تؤكد حرصها على هذه العلاقات ليس فقط بسبب حجم المساعدات السنوية الاقتصادية والعسكرية الاميركية، ولكن لرؤيتها الخاصة ان الولايات المتحدة تحفظ الامن العام في المنطقة ولها دور في منع نشوب نزاعات مسلحة جديدة. وترى ان العلاقات المصرية - الاميركية استراتيجية والخلاف في وجهات النظر طبيعي وصحي.
ومنذ بدء تدهور العلاقات المصرية - السوفياتية سابقاً عام 1972 لم يطرأ على العلاقات سواء مع موسكو السوفياتية او موسكو الروسية اي تطور في الاتجاه المعاكس، فأخذت العلاقات منذ عودتها عام 1984، بعد انقطاع 3 سنوات كان الرئيس الراحل السادات قطعها قبل رحيله بشهر، تركز على جوانب التعاون الفنية والاقتصادية والتجارية، بعدما استعاضت المؤسسة العسكرية المصرية عن سلاحها الشرقي بالسلاح الغربي.
وتأتي استضافة القاهرة القمة الافريقية نهاية الشهر الجاري في اطار احياء الدور التاريخي، اذ ستشهد القمة احتفالا بمرور 30 عاماً على انشاء منظمة الوحدة، فالعلاقات المصرية - الافريقية تحولت اكثر نحو الاقتصاد والتجارة وتنسيق المواقف من القضايا العامة دونما تدخل مصري في نزاع او دعم لنظام حكم، باستثناء دعم بعض الانظمة ذات العلاقات التقليدية من باب الحفاظ على المصالح.
وفي هذا الاطار تعطي مصر اهتماماً كبيراً للدول التسع اعضاء منظمة "اندوجو"، الدول المشتركة في حوض نهر النيل. والحرص على العلاقات الرسمية والاحتفاظ بعلاقات قوية مع هذه الدول سيتضح من خلال دعمها بالخبرات الفنية والبشرية في كل المجالات.
وتحتل العلاقات مع الدول الاسلامية لها ادارة وحيدة في الخارجية اهتماماً تالياً بسبب اختلاف المصالح والنظم والارتباطات الخارجية.
وعلى رغم الحرص على التحرك دولياً من اجل ازالة المفاهيم الخاطئة عن الاسلام والتي اصبحت - حسب اعتقاد مسؤولين مصريين - حملة دولية منظمة ضد الاسلام والمسلمين اقوى مظاهرها مأساة مسلمي البوسنة، الا ان الخلاف بين الدول الاسلامية يعرقل التوصل الى تحرك مشترك على الساحة الدولية. وتعد السياسة الايرانية ومفهوم تصدير الثورة، وارتباط دول اسلامية بايران احدى هذه العراقيل حسبما تعتقده القاهرة.
ويأتي في ذيل اهتمامات السياسة الخارجية المصرية العلاقات مع الدول الآسيوية واللاتينية، فهي لا تخرج عن التعاون الاقتصادي والتجاري والتنسيق في المؤتمرات الدولية في القضايا ذات الاهتمام المشترك وفي مقدمها مشكلة الديون.
اما اوروبا، فتتعامل مصر معها بصفتها وحدة واحدة بعد انهيار المعسكر الشرقي، فهي محور السياسة الخارجية. وفي وقت ترتبط القاهرة بعلاقات طيبة مع مختلف العواصم الاوروبية خصوصاً باريس اولاً ثم لندن ومدريد وروما، فانها تسعى الى علاقات اكثر توثيقاً وترسيخاً مع بون. ولعل انشاء لجنة مشتركة للتنسيق السياسي والتعاون الاقتصادي عقدت اول اجتماعاتها في بون العام الماضي يعكس هذا التوجه. فهذه اللجنة هي الوحيدة بين دولة اوروبية ومصر. وتعتقد مصر بأن المانيا ستكون في المستقبل القريب اكبر الدول الاوروبية واقواها واكثر فاعلية وتأثيراً في السياسات الخارجية لاوروبا الموحدة.
الاعدام وعقوبة الموت
على مدى قرون، شكّل الاعدام الوسيلة الاكثر شيوعاً في تنفيذ الحكم بالموت. وحتى القرن التاسع عشر، كان هذا يُنفّذ بواسطة لف حبل معقود حول عنق المحكوم عليه تجذبه في الاتجاه الآخر عربات متحركة او سلم خشبي يربط به الحبل. لكن طول عملية الاختناق وألمها حملا القضاة على ابتكار طريقة اخرى "يحظى" بها المتهمون الذين تجوز عليهم الرأفة. وقد تمثل هذا الاعدام التخفيفي بشد المتهم من رجليه خلال عملية التنفيذ، تسريعاً للموت والالم.
وفي الثلث الثالث من القرن الماضي، تولى عدد من أمهر منفذي الاعدام تطوير تقنيات احدث. هكذا دخلت في الاعتبار مسائل كقياس الوزن وحجم العنق وبعض المواصفات الجسمانية الاخرى. وبموجب هذه "الدراسات" باتت المسافات بين المنصة والمتهم، فضلاً عن طول الحبل، تضمن ان يموت المتهم من جراء كسر سريعاً ما تتعرض له عنقه.
ومع ان عقوبة الموت اخذت اشكالاً اخرى كالمقصلة والغاز السام والصدمة الكهربائية، ظل الاعدام شنقاً أسرع الطرق السائدة في الاماتة. وهذا ما أكدته دراسة عن الموضوع وضعتها، في 1953، اللجنة البريطانية الملكية.
يبقى ان البلدان التي تلغي عقوبة الموت، على تعدد اشكالها، في تزايد مستمر، وهنا احتلت الدول الاوروبية الموقع المتقدم. فلوكسمبورغ ألغتها منذ 1318، والبرتغال في 1867، وهولندا في 1870، والسويد في 1319، والدنمارك في 1930، والنمسا وألمانيا الغربية يومذاك وفنلندا وايسلندا وايطاليا، خلال الاربعينات، وتأخرت بريطانيا حتى 1965، ودولة الفاتيكان حتى 1969. لكن اول من الغاها امارة ليختنشتاين، وكان ذلك في 1798. اما في "العالم الثالث"، فتبقى اميركا اللاتينية اكثر القارات اثارة للاستغراب، نظراً الى تقلّص بلدانها التي لا تزال تأخذ بهذه العقوبة. وفي هذا كانت فنزويلا سبّاقة اذ الغتها قبل 1900.
أشهر الاعدامات في مصر
استحوذت الاحكام بالاعدام في القضايا السياسية والجنائية عبر التاريخ القضائي المصري في العصر الحديث على اهتمام المؤرخين والباحثين والدارسين، لأنها تعد من الاشد في تسلسل العقوبات ونظراً الى فداحة الجرم.
وخلال قرن دخل بعض الاحكام بالاعدام الارشيف القضائي المصري على المحور السياسي والجنائي للاسباب الآتية:
- انها صادرة في قضايا شغلت الرأي العام الداخلي والخارجي.
- انها تخضع لمصادقة رئيس الهيئة التنفيذية العليا ويراجع فيها مفتي الديار المصرية الذي يمتلك السلطة لتخفيف الاحكام او الغائها.
- انها تخضع لاجراءات حددها قانون الاجراءات الجنائية ولائحة السجون منذ صدور الحكم حتى دفن المتهم وتنفيذ وصيته.
- ان معظم احكام الاعدام صدرت في قضايا مهمة ارتبطت بحدث كبير ومنها الاغتيال السياسي والتفجيرات والنسف والتجسس على المستوى السياسي، اما المستوى الجنائي فارتبطت الاحكام بالخطف والاغتصاب والقتل العمد والسطو المسلح والمخدرات.
- ان القانون المصري يمنع الاعدام العلني ويلزم مصلحة السجون التنفيذ داخل مكان مستور. ويعدم المدنيون شنقاً، والعسكريون رمياً بالرصاص. كما حرم القانون تنفيذ الاحكام في أيام الجمع والعطلات الرسمية والاعياد الدينية، وحرم التنفيذ بالمرأة الحامل حتى تضع مولودها بشهرين.
ومن أشهر احكام الاعدام في التاريخ القضائي المصري: -
- 1906 حكمت المحكمة العسكرية البريطانية بالاعدام العلني شنقاً للفلاحين علي حسن علي محفوظ ويوسف حسن سليم عيسى سالم ومحمد درويش زهران لانهم تعدوا وبعض الاهالي يوم 13 حزيران يونيو 1906 على خمسة ضباط من جنود الاحتلال البريطاني، فقتل احدهم وكسرت ذراع آخر واصيب الآخرون.
- في 18 ايار مايو 1910 الحكم باعدام ابراهيم ناصف الورداني شنقاً لانه قتل عمدا في 14 آذار مارس 1910 بطرس بطرس غالي رئيس الوزراء، ونفذ الحكم في 82 حزيران 1910 الساعة الخامسة والدقيقة 49 صباحاً، وصدر امر بعد ذلك بحرمان اي مصري من الاحتفاظ بصورة القاتل وبقي الامر نافذاً حتى اعلن استقلال البلاد.
- اغتيال السير لي ستاك سردار الجيش المصري وحاكم السودان في 10 تشرين الثاني نوفمبر 1924 وصدر الحكم باعدام كل من شفيق منصور وعبدالفتاح عنايت خفف للاشغال الشاقة المؤبدة وعبد الحميد عنايت، ومحمود راشد وابراهيم موسى ومحمود احمد اسماعيل وراغب حسن ومحمود صالح.
- اغتيال احمد ماهر باشا رئيس الوزراء في 24 شباط فبراير 1945 بمعرفة محمود العيسوي عوض الله المحامي من مركز قويسنا وبدأت محاكمته في 12 تموز يوليو 1945، وفي جلسة 28 تموز 1945 اعلن رئيس هيئة المحكمة اعدامه شنقاً ومصادرة السلاح المضبوط وتمت المصادقة على الحكم في 22 آب اغسطس 1945 ونفذ في 18 ايلول سبتمبر 1945.
- اغتيال امين عثمان باشا وزير المال في 5 كانون الثاني يناير 1946 واتهم فيها كل من حسين توفيق احمد ومحمود يحيى مراد ومحمود احمد الجوهري وعمر حسين ابو علي وعبدالعزيز خميس ومحجوب علي محجوب ومحمد انور السادات ومحمد ابراهيم كامل وسعدالدين كامل وعيسى حسين فخري وغيرهم.
وصدر الحكم على المتهم الاول حسين توفيق احمد غيابياً بالاشغال الشاقة عشرة أعوام، وبرئ انور السادات.
- في 13 تشرين الاول اكتوبر 1949 صدر حكم باعدام عبدالمجيد احمد حسن في قضية اغتيال محمود فهمي النقراشي.
- في 16 آب 1952 اعدم محمد حسن البقري ومصطفى خميس من اقطاب الحركة الشيوعية المصرية لقيادتهما تظاهرات ضد حركة الضباط، وتمت المصادقة على الحكم بمعرفة اللواء محمد نجيب رئيس مجلس قيادة الثورة في ذلك الوقت.
- عام 5419 صدرت احكام باعدام قيادات حركة "الاخوان" عقب اطلاق الرصاص على الرئيس جمال عبدالناصر في ميدان المنشية في الاسكندرية، وشملت عبدالقادر عودة وحسن الهضيبي خفف للمؤبد ومحمد فرغلي وابراهيم الطيب وهنداوي دوير ويوسف طلعت ومحمود عبداللطيف محمد.
- عام 1966 اعدم سيد قطب احد اقطاب حركة "الاخوان".
- عام 1975 صدر حكم باعدام صالح سرية زعيم تنظيم الطلبة العسكري الذي قاد عملية الهجوم على الكلية عام 1974.
- عام 1977 اعدم شكري احمد مصطفى، احد قادة جماعة التكفير والهجرة التي اغتالت الشيخ محمد حسين الذهبي في 2 تموز 1977.
- في 6 آذار 1982 اعدم خالد احمد الاسلامبولي وعبدالحميد عبدالسلام وعطا طايل وحسين عباس ومحمد عبدالسلام فرج في قضية اغتيال الرئيس انور السادات.
- في 3 كانون الاول ديسمبر 1992 اصدرت المحكمة العسكرية العليا، في قضية "العائدون من افغانستان"، احكاماً باعدام محمد شوقي الاسلامبولي ومصطفى احمد حمزة ورفاعي احمد طه وعثمان خالد ابراهيم واحمد مصطفى نوارة وطلعت ياسين همام وطلعت فؤاد قاسم وشريف حسن احمد، ونفذ الحكم في الاخير قبل بضعة ايام. اما بقية المحكوم عليهم فهم فارون في افغانستان.
- في نيسان ابريل الماضي صدرت احكام في قضية ضرب السياحة باعدام سبعة من قيادات "الجماعة الاسلامية" وفي ايار الماضي صدرت احكام باعدام خمسة آخرين في قضية محاولة اغتيال صفوت الشريف وزير الاعلام. واصدرت محكمة أمن الدولة العليا في الفيوم حكمها الشهر الماضي باعدام مرسي رمضان السيد المتهم الاول باغتيال المقدم احمد علاء.
اما اشهر احكام الاعدام التي نفذت في القضايا الجنائية فهي قضية ريا وسكينة عام 1922 ونفذ فيهما الحكم في الاسكندرية، وكذلك في السفاح محمود امين سليمان عام 1961 وتمكن نجيب محفوظ من تحويل الموضوع الى رواية صورت فيلماً سينمائياً قام ببطولته الفنان شكري سرحان وهو فيلم "اللص والكلاب"، وهناك قضايا طالبت فيها النيابة العامة او العسكرية بتطبيق حكم الاعدام على بعض المتهمين واشهرهم خالد جمال عبدالناصر في قضية تنظيم "ثورة مصر" وصدر حكم ببراءته، كما خفف حكم الاعدام الصادر على علي صبري وشعراوي جمعة وسامي شرف الى الاشغال الشاقة المؤبدة في قضية مؤامرة شهر أيار 1971 ضد الرئيس محمد انور السادات. كما طالبت النيابة باعدام متطرفين في قضايا اغتيال رفعت المحجوب وفرج فودة وفي مقدمهم صفوت احمد عبدالغني، وممدوح علي يوسف ومحمد احمد النجار وعزت السلموني، وكذلك باعدام متهمين في قضايا "تنظيم الشوقيين" والسطو المسلح على محلات الذهب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.