وزارة الداخلية تُحدد «محظورات استخدام العلم».. تعرف عليها    ب 2378 علمًا بلدية محافظة الأسياح تحتفي باليوم الوطني ال94    أمين الشرقية يدشن مجسم ميدان ذاكرة الخبر في الواجهة البحرية    برعاية وزير النقل انطلاق المؤتمر السعودي البحري اللوجستي 2024    غوارديولا يعرب عن سعادته بعودة فودين للمشاركة في المباريات    جمعية إسناد تنفذ مبادرة نسمعهم لمستفيديها ذوي الاعاقة السمعية    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تحتفي باليوم الوطني 94 بفعاليات تشكيلية وسينمائية وتراثية وثقافية    مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية ينظم مؤتمره الدولي الثالث    المراكز الصحية بالقطيف تدعو لتحسين التشخيص لضمان سلامه المرضى    جيش إسرائيل يؤكد مقتل الرجل الثاني في حزب الله اللبناني إبراهيم عقيل    نائب الشرقية يتفقد مركز القيادة الميداني للاحتفالات اليوم الوطني    المركز الوطني للأرصاد يحذر من المعلومات الفردية غير الرسمية عن مناخ المملكة    زعلة: ذكرى اليوم الوطني ال94 ترسخ الانتماء وتجدد الولاء    "الصندوق العالمي": انخفاض معدلات الوفيات الناجمة عن مرض الإيدز والسل والملاريا    حركة الشباب تستغل النزاعات المحلية الصومالية    الذهب يرتفع بعد خفض سعر الفائدة.. والنحاس ينتعش مع التحفيز الصيني    حافظ :العديد من المنجزات والقفزات النوعية والتاريخية هذا العام    خطيب المسجد النبوي: يفرض على المسلم التزام قيم الصدق والحق والعدل في شؤونه كلها    خطيب المسجد الحرام: أعظم مأمور هو توحيد الله تعالى وأعظم منهي هو الشرك بالله    "رفيعة محمد " تقنية الإنياغرام تستخدم كأداة فعالة لتحليل الشخصيات    رئيس جمهورية جامبيا يصل إلى المدينة المنورة    تشكيل النصر المتوقع أمام الاتفاق    محافظ بيش يطلق برنامج "انتماء ونماء" الدعوي بالتزامن مع اليوم الوطني ال94    أمطار متوسطة على منطقة المدينة المنورة    محافظ حفرالباطن يرأس المجلس المحلي    الأمم المتحدة تؤكد أنها نفذت خطط الاستجابة الإنسانية ل 245 مليون شخص    الأخدود يتعادل سلبياً مع القادسية في دوري روشن للمحترفين    محمد القشعمي: أنا لستُ مقاول كتابة.. ويوم الأحد لا أردّ على أحد    وظيفةُ النَّقد السُّعودي    جمعية النشر.. بين تنظيم المهنة والمخالفات النظامية المحتملة    5 محاذير عند استخدام العلم السعودي    «الجيولوجيا»: 2,300 رخصة تعدينية.. ومضاعفة الإنفاق على الاستكشاف    «المجنون» و«الحكومة» .. مين قدها    إسرائيل - حزب الله.. هل هي الحرب الشاملة؟    حصّن نفسك..ارتفاع ضغط الدم يهدد بالعمى    احمِ قلبك ب 3 أكوب من القهوة    احذر «النرجسي».. يؤذيك وقد يدمر حياتك    الذكاء الاصطناعي يقودني إلى قلب المملكة    ديفيد رايا ينقذ أرسنال من الخسارة أمام أتلانتا    جوشوا ودوبوا يطلقان تصريحات التحدي    مصادرة صوت المدرجات    النصر وسكّة التائهين!    أدب تختتم ورشة عمل ترجمة الكتاب الأول بجدة    ماكرون: الحرب في لبنان «ليست حتمية».. وفرنسا تقف إلى جانب اللبنانيين    قصيدة بعصيدة    حروب بلا ضربة قاضية!    قراءة في الخطاب الملكي    سوق المجلس التراثي بشقراء يواصل استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني 94    شرطة الرياض: القبض على مواطن لمساسه بالقيم الإسلامية    التزامات المقاولين    صحة جازان تدشن فعاليات "اليوم العالمي لسلامة المرضى"    جازان: إحباط تهريب (210) كيلوجرامات من نبات القات المخدر    أكثر من 5 ملايين مصلٍ يؤدون الصلوات في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    نائب أمير منطقة جازان ينوه بمضامين الخطاب الملكي في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجلس الشورى    أمطار متوسطة إلى غزيرة مصحوبة بالبرد وتؤدي لجريان السيول على 5 مناطق    اليابان تحطم الأرقام القياسية ل"المعمرين"    هيئتا الأمر بالمعروف في بلجرشي والمخواة تفعّلان برنامج "جهود المملكة العربية السعودية في محاربة التطرف والإرهاب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيرة الصادق المهدي . عن الزواج والأبناء والثقافة الجنسية
نشر في الحياة يوم 18 - 07 - 1994

الحلقة السابقة من سيرة الصادق المهدي تطرقت الى ثقافة زعيم حزب الأمة التي تشكلت من الواقع الاسلامي واختلطت بعلوم العصر، ثم الى علاقته بالأحزاب السودانية والنقابات، قبل وصوله الى رئاسة الحكومة في العام 1966 وبعده.
ينظر الصادق المهدي الى التربية العسكرية على انها جزء لا يتجزأ من التربية الاسلامية، وهي تورث الحزم والانضباط والجهد الجماعي، وهي خصال مطلوبة للانسان. ويقول ان "العسكرية الصحيحة مبرّأة تماماً من العدوانية، وعندما تستخدم القوة تستخدمها باقتصاد شديد في الدم. والانصارية التي كوّنها الامام المهدي في السودان تقيم وزناً كبيراً للتربية العسكرية. وهي سمة ظاهرة فيها، سواء تحدثنا عن عهد الامام المهدي وخليفته أي المهدية أو عن عهد الامام عبدالرحمن وخليفته. وانطلاقاً من هذه الحقائق كنت دائماً اتساءل لماذا لم ادخل أنا وجيلي بأعداد كبيرة في القوات المسلحة؟ وكيف ان اهلنا مع حسهم السياسي القوي اهتموا ببناء التنظيم السياسي الشعبي لكنهم تركوا موضوع الانخراط في القوات المسلحة من دون توجيه محدد؟ لعل السبب هو انه اثناء تكوين قوة دفاع السودان اتبعت سياسة عدم اشراك الانصار. أو لعل السبب هو اعتبار ان القوات المسلحة بعيدة عن السياسة وهكذا سيكون حالها باستمرار.
كنت منذ البداية أحس بنقص في ثقافتي العسكرية مع ما توافر لي من ثقافة مدنية في مجالات مختلفة. لذلك لجأت الى من اعتبره مثلاً اعلى للجندي السوداني، المرحوم اللواء أحمد عبدالوهاب. وتتلمذت عليه، حيث اعطاني دروساً خصوصية في العسكرية استمرت شهوراً حتى بلغت ما اعتبره محواً للأمية العسكرية على يديه.
وكنت أحس بعدم وجود توجيه لابنائنا لدخول كليات القوات المسلحة والشرطة والسجون وغيرها، لذلك حرصت على تشجيع ابني الأكبر عبدالرحمن على اختيار مستقبل عسكري.
لقد بدا لي منذ اشتغالي بالسياسة ان القوات السودانية المسلحة المولودة من قوة دفاع السودان نشأت بتوجيه بريطاني، بشكل فيه سوء ظن دفين بكيان الانصار. والعلة الثانية هي نمو احساس دفين في القوات السودانية المسلحة له خلفية ناصرية بأن لها دوراً قيادياً سياسياً يتطلع اليه بعض الضباط منذ دخولهم الكلية الحربية ومنذ تخرج الواحد منهم برتبة ملازم.
وفي ظل الديموقراطية الثالثة قامت العلاقة بين الكيان السياسي الديموقراطي المنتخب والقوات المسلحة على اساس عجيب. فأثناء فترة المجلس العسكري الانتقالي 1985 - 1986 وضع قانون للقوات المسلحة جعل قوميتها تعني انها كيان شبه مستقل ولا دور للقيادة السياسية فيه، ما جعل وزير الدفاع السياسي مجرد حلقة وصل بين القوات المسلحة ووزارة المال! وحاولنا تعديل هذا القانون مستعينين بقوانين الدول الاخرى، لكن التصورات الائتلافية وحساسية الموضوع أبطأت الاجراء.
أداء متدن
كان أول اختبار حقيقي للعلاقة العسكرية في فبراير شباط 1989 عندما أَخْلت القوات المسلحة بلدة ليريا وقابلني القائد العام ورئيس هيئة الاركان ونوابه وقادة القيادات في غرفة العمليات لتنويري عن سبب الاخلاء الذي قالوا انه قلة الامكانات في العتاد، وان المناخ الاعلامي والسياسي في البلاد تسببا في اضعاف الروح المعنوية. لكنني لم اقبل هذا التوضيح وقلت أمام الحاضرين انني فهمت ما جاء في التوضيح، وان عتادنا كان يمكن ان يكون اكبر وان يكون الوضع السياسي والاعلامي افضل، لكن هناك رأيآ آخر عن اسباب سوء الاداء العسكري في ليريا وكبويتا والناصر، في اداء الكتيبة 118، واداء لواء الردع. وعددت عشرة مواقع وقلت ان الاداء فيها كان دون المتوقع وان استخدام العتاد المتاح كان دون المستوى المطلوب، وعددت الاخفاقات العسكرية وخلصت الى خمسة اسباب لهذا الاداء المتدني هي:
1- سوء اداء الاستخبارات العسكرية التي تركز أكثر على مراقبة ضباطنا وجنودنا ولا تركز على معلومات بخصوص العدو وتحركاته.
2- سوء اداء التوجيه المعنوي الذي لا يوضح اسباب القتال ويشرك كل قيادات المجتمع بصورة مخططة في مخاطبة القوات والشد من أزرها.
3- النهج التقليدي العسكري في مواجهة خصم يستخدم اسلوب العصابات مما يوجب نهجاً آخر في التصدي له.
4- عدم اختيار القائد المناسب في الموقع المناسب بل دخول عوامل غير موضوعية في النقل للقيادة في الجنوب.
5- عدم الاستخدام الامثل للمعدات العسكرية الموجودة فعلاً.
وقلت للقادة هذا هو اقتناعي وانا معكم، فان كان هذا نقداً صائباً فلا بد من علاجه، وان كان خاطئاً فأنا مستعد لأن تأتوني بالصواب. فقال متحدثهم انه نقد صائب، فطلبت منهم الاجتماع لتحديد العلاج. واجتمعوا، ولكن بدل الاجابة عن المساءلة العسكرية اتفقوا على مساءلة سياسية أدت الى كتابة المذكرة الشهيرة. وسأوضح في مجال آخر كيف ان المناخ السياسي القائم حرَّف مهمة ذلك الاجتماع. ولكن لا شك في ان تلك المذكرة كانت العلامة الاولى والخطيرة على هدم جسر التفاهم السياسي - العسكري لأنها وضعت في الاجندة دوراً سياسياً للقوات المسلحة وأدت كتابتها الى تنوير للقواعد العسكرية هيأها لتحرك انقلابي. وهذا كله وياللاسف صرف النظر عن مساءلات عسكرية موضوعية لا يعالجها الانصراف الى مساءلات سياسية. صحيح انني استطعت احتواء المذكرة وآثارها المباشرة لكن آثارها غير المباشرة مهّدت لانقلاب 30 حزيران يونيو 1989.
والمهم الآن ليس البكاء على ما فاتنا، فالناس يتعلمون من اخطائهم. المهم هو ان العلاقة السياسية - العسكرية لابد من وضعها على أسس صحيحة ومستقرة. وفي ظل النظم الديموقراطية الراسخة استطاع الطرفان السياسي والعسكري التوصل الى معادلة ان تكون القوات المسلحة تحت أمرة القيادة السياسية الشرعية وقادرة على المحافظة على قوميتها وانضباطها. أما في ظل النظم الاوتوقراطية فلا مشكلة لأن القوات المسلحة تخضع لأمر السلطة وتتحول الى شرطة لمصلحة النظام.
في البلاد النامية يؤدي ضعف الكيان القومي وكيان الدولة الهش الى اغراء القوات المسلحة للقيام بدور سياسي، وهو تطلع تستغله دائماً الاحزاب العقائدية الضعيفة شعبياً لاختصار الطريق الى السلطة. هكذا فعل الشيوعيون والناصريون في العام 1969، وهكذا فعل الجبهويون في العام 1989، وسيستمر هذا الاستغلال الذي من شأنه افساد الحياة السياسية من ناحية وتدمير القوات المسلحة من الناحية الأخرى. هذا الدرس وعته القوات المسلحة في كثير من بلاد العالم، لا سيما منها بلدان اميركا اللاتينية، فانتشرت الانقلابات العسكرية. ويدعم هذا الدرس ان المناخ العالمي الآن معاد للانقلابات العسكرية بعدما كان في الماضي يشجعها. لقد كان الغرب يتطلع الى القوات المسلحة في العالم الثالث لتكون اداة التحديث كما كان الشرق يتطلع اليها لتكون أداة التحول الاشتراكي. كلا المعسكرين الغربي والشرقي اكتشف خطأ تطلعاته وأحرق اصابعه في التعامل مع الانقلابات العسكرية.
ان التربية العسكرية ضرروة لكل مجتمع. ووجود قوات مسلحة وقوات شرطة وسجون وغيرها ضرورة لكل مجتمع. ولا يتحقق الدفاع الوطني الا بموجب قوات مسلحة قادرة. ولكن لا بد امن ن يكون ولاء القوات المسلحة للنظام السياسي الشرعي مضموناً بكل الوسائل. ولا بد من ان تكون قومية القوات المسلحة وانضباطها مكفولين. ولا بد من ان يكون الصرف العسكري مراعياً لامكانات الاقتصاد الوطني. هذه الابجديات لا بد من تحقيقها لتقوم القوات المسلحة بدورها الاساسي ويحال دون استغلالها لاغراض احزاب الاقلية والزج بها في مواقف تكون هي أولى ضحاياها".
اسرة المهدي
يمثل الصادق المهدي اليوم أحد الاعمدة الرئيسية في بيت المهدي. ونحن نعرض مراحل حياته الخاصة ينبغي ان نتوغل في اسرته العامة والخاصة بحكم تأثيره العام والخاص في الحياة السياسية والفكرية في البلاد. وأسرة آل المهدي من ناحية عامة اسرة مفتوحة على كل قبائل السودان تقريباً لان الزيجات التي كانت تتم منذ عهد الامام محمد احمد المهدي وابنه الامام عبدالرحمن وبقية جيل البيت المهدي كانت في معظمها، خليطاً من القبائل السودانية المختلفة فتزوجت نساء عدة من آل المهدي من ابناء الاسر والقبائل السودانية المختلفة. وكان هذا من الاهداف التي عمل لها الامام محمد أحمد المهدي، وهو ربط السودانيين برباط الرحم.
الجيل الجديد من آل المهدي لم يكن حريصاً بمقدار حرص الجيل السابق اذ كثرت الزيجات داخل الاسرة اكثر منها خارجها، وكان قرار الصادق بعد عودته من الدراسة الجامعية في اكسفورد عام 1967 ان يكرر عادة اجداده، وهي الزواج من خارج الاسرة، وعمل لعقد الكثير من الزيجات بين آل المهدي والاسر من خارجه، لكن قراره وتفكيره الخاص ورغبته في الزواج من خارج الاسرة لم تجد القبول من جده الامام عبدالرحمن المهدي ووالده السيد الصديق اللذين حددا له بالاسم السيدة حفية ابنة السيد مأمون حسين شريف، والدتها السيدة شامة ابنة السيد عبدالرحمن المهدي ابنة عمته. ووافق على رغبة والده وجده ولم تكن له رغبة في الزواج بأكثر من واحدة كعادة معظم رجال اسرة المهدي في ذلك الوقت. لكن علاقة خاصة كانت تربط بينه وبين سارة الفاضل محمود عبدالكريم وهي ابنة عمته عائشة بنت السيد عبدالرحمن المهدي، فقد عملا معا في ميدان ثقافي واجتماعي قبل سفرها للدراسة في اميركا. وبعد عودتها من هناك، وكان هو متزوجاً من السيدة حفية، علم انها رفضت بعض الذين تقدموا لخطبتها، وكان يعلم جيداً قدراتها الفكرية والثقافية وتذكر حواراً دار بينه وبين والده قبيل زواجه من السيدة حفية حيث قال لوالده: "انني لا أعرف حفية معرفة جيدة لكنني أعرف سارة". ورد عليه والده: "وما المانع من الزواج من الاثنتين حفية وسارة"؟ لكن الصادق كان يرفض الزواج بأكثر من واحدة... وتزوج حفية وانتهى الأمر.
بعد عودة سارة من اميركا تذكر الصادق حواره السابق مع والده عن سارة وحفية وقرر التراجع عن قراره عدم الزواج بأكثر من واحدة، وتحدث مع سارة في موضوع الاقتران بها واتفقا، لكنهما اشترطا موافقة السيدة حفية. وكانت المفاجأة ان حفية هي نفسها التي بادرت وخطبت سارة لزوجها. وهكذا جاء زواج الصادق مثل تعليمه، وكلاهما سار في اتجاه مخالف لرغبته، فهو كان يرفض زواج الاقارب ولم يكن متحمساً الى الزواج بأكثر من واحدة، الا انه تزوج اثنتين، وكلاهما من قريباته. ويعتبر زواجه ناجحاً وحياته الاسرية مستقرة بسبب التعاون والانسجام بين الزوجتين.
وهناك نقطة أخرى جديرة بالاشارة في هذا الامر، وهي ان زواج الصادق كان ايضاً زواجاً غريباً اذ ان زوجته الثانية سارة كانت أكبر سناً من زوجته الاولى حفية. بل هي أكبر سناً منه شخصياً، وهذا ما يؤكد ان زواجه منها كان لمعانٍ مختلفة وبسبب تقارب فكري وثقافي، ولهذا شاركت السيدة سارة الفاضل محمود في الحياة السياسية والحزبية والفكرية ولا تزال. واضافة الى العلاقة المتميزة بين الزوجتين، ساهم استقرار الاسرة في تفاهم ومودة لا حدود لهما بين الابناء والبنات.
ويرى الصادق ان لتعدد الزوجات اضرارا على رغم انه لم يعان من هذه المسألة، "بسبب المشادة التي تقع بين الواقع الاقتصادي والمعيشي وواقع الشرع الذي يبيح التعدد". ويرى ان التعدد ممكن في اضيق الحدود وبموافقة كل الاطراف الزوج ثم الزوجات ويؤيد هذا ان المرأة السودانية اليوم تتطلع الى دور أكبر في الحياة العامة ولها الحق في ذلك.
ويعلق الصادق على مسألة التعامل في الاسرة السودانية بأنه "ناقص حيث لا تتنافس الامور بحرية وصراحة في مسائل تعدد الزوجات وتربية الاولاد وتعليمهم وحقهم في اختيار مستقبلهم الدراسي والمهني وحتى الاسري الاجتماعي. وقد طلبت دراسة عن حالات الطلاق في السودان فوجدت ان ثلث الزيجات ينتهي بالطلاق، وهذا أمر خطير وأزمة اجتماعية ضارة وفيه مفاسد وضرر على تربية الاولاد الذين يعيشون مع أحد الوالدين من دون الآخر. وقد عملت في اسرتي الصغيرة على اجراء حوار مستمر مع زوجتيّ والاستفادة من قدرة كل منهما وشخصيتها لمساعدتي. فمثلاً السيدة حفية تهتم بالعلاقات الاجتماعية والعائلية والسيدة سارة تهتم بالمجالات الفكرية والسياسية، وتركت لكل منهما حق تطوير شخصيتها وقدراتها بما يعود بالفائدة على مجتمعنا الصغير والكبير".
ويضيف: "نحن معشر الشرقيين لا نتحدث بالقدر الكافي في أمور الأسرة وأنوي اعداد كتاب عن الزواج والثقافة الجنسية والعلاقات الزوجية لأساهم في تثقيف الاجيال بعدما تأكد لي ان مجتمعنا يتعامل مع هذه المواضيع بحساسية وسرية لا مبرر لهما".
أبناء الصادق
للصادق المهدي ست بنات وأربعة أولاد. له ثلاث بنات وابنان من كل من زوجتيه حفية وسارة. وبناته أكبر من ابنائه. وأكبر ذريته هي أم سلمة التي درست الزراعة في جامعة الجزيرة وتزوجت من زميلها مرتضى كمال خلف الله خالد، وهما في بعثة الآن في المانيا. وابنته الثانية هي رندة وتخرجت صيدلية من جامعة الرياض ومتزوجة من المهندس عبدالرحمن يعقوب الحلو ويعملان في العاصمة السعودية.. الثالثة تدعى مريم وتخرجت طبيبة من جامعة الأردن وتعمل في وزارة الصحة السودانية. الرابع عبدالرحمن، تخرج من الكلية الحربية الأردنية لأن كلية بلاده لم تقبله أيام حكم جعفر نميري وكان يعشق العسكرية وعاد وعمل ملازماً في القوات المسلحة السودانية قبل ان يعفى من منصبه بعد انقلاب 30 حزيران 1989. الخامسة زينب تخرجت من كلية الهندسة في جامعة الأردن وتعمل حالياً في مكتب هندسي خاص في الخرطوم. السادسة رباح، تخرجت مهندسة كهربائية من جامعة الخرطوم. السابع صديق ويدرس حالياً هندسة البترول في جامعة الكويت. الثامنة طاهرة، تدرس الطب في كلية الاحفاد الجامعية. ثم التاسع محمد أحمد، أنهى هذا العام امتحان الشهادة السودانية. وآخر العنقود بشرى وتدرس في المرحلة المتوسطة.
وضع الصادق نهجاً خاصاً لتربية أولاده الذكور والاناث، لكنه لم يتمكن من الاشراف المباشر على تطبيق هذا النهج بسبب غيابه شبه الكامل عنهم في مراحل السجون والمنفى والمعتقل والعمل المعارض خارج البلاد، وكذلك لأن المسؤولية السياسية جاءته مبكرة قبل أوانها فأخذ العمل معظم وقته خصوصا في بداية الستينات حيث كان يسكن في مكتبه في مجلس الوزراء للتعرف الى كل صغيرة وكبيرة لتعويض قلة الخبرة والثقافة بالمزيد من العمل والاجتهاد والاطلاع، وكان هذا على حساب الأسرة والاطفال. وبسبب الغياب الطويل خارج المنزل حدث ان ابنته الصغرى طاهرة لم تعرفه بعد عودته من المنفى، واستغربت حينما رأته يتكلم ولم تكن رأت سوى صورته الفوتوغرافية فعجبت كيف تنطق الصورة؟
لكن زوجتيه قامتا بدور الأم والأب، ولهذا لم تظهر اعراض غياب الأب في التربية. ولم يكن أولاد الصادق من أبناء الذوات كما كان يخشى، وفي هذا يقول: "من أكبر الهواجس ان يتحول اولادك لابناء ذوات، فالله يبتلي الناس بالخير والشر والثراء والفقر. وكنت دائماً اتذكر وأتخوف من فتنة المال والجاه على تربية الأولاد، وقد قال ابن خلدون ان الذين يؤسسون المجد تأتي اجيال بعدهم تحطم هذا المجد ويظهر هذا في الجيل الرابع". ويحمد الصادق ان ابناءه وهم الجيل الرابع لم يكونوا هكذا.
حاول الصادق ان يكون قريباً من اولاده في الفترات القصيرة التي تتوافر له، وكذلك في فترات الاقامة الجبرية، وكان يحكي لهم تجربته وآراءه ويترك لهم اختيار المستقبل الذي يريدون. وتطابق اختيارهم مع رغبته، ومزجوا بين الاصالة والمعاصرة، حسب تعبيره. كما أورثهم حبه للخيل والفروسية التي يعتبرها من العوامل المساعدة في تربية الاولاد لأن الخيل تعلم الخصال الحميدة والرياضة البدنية والعشرة الاسرية والثقافة الجنسية.
قال الصادق في هذا المجال: وجدت ان القدوة والايحاء يمكن ان يحققا تقارباً بين الوالد واطفاله تماماً كالعشرة، بل ربما كان اثرهما اقوى لانهما يعملان بوسائل معنوية وهي بالنسبة الى الانسان دائماً أقوى من الوسائل المادية".
ويقوّم الصادق مدى النجاح والفشل الذي حققه أولاده من ناحية التربية والتعليم والثقافة والفكر فيقول: "ان ما حققوه فوق المتوسط، وهذه نتيجة ارتاح اليها، حسب الظروف التي عاشوها". وعن علاقته بالذكور والاناث من أولاده وبناته يقول: "لا أهتم بالمولود، ذكراً أم انثى، انما اسأل الله ان يكون بشراً سوياً، فللمرأة اليوم مكانة لا تقل عن مكانة الرجل، وكل منهم يشق طريقه ويؤدي رسالته بجهده الشخصي. وتفضيل مجتمعاتنا للذكور على الاناث فيه ضرر على الطرفين، فالاولاد يعتمدون على ذكورتهم فيفقدون اهليتهم والبنات يشعرن بالاضطهاد فيتطلعن الى تعويضه فيحدث التضارب". وللصادق رأي محدد في موضوع المرأة دوَّنه في كتيب "المرأة وحقوقها في الاسلام" وهو في صدد تأليف كتاب مرجعي في هذا الموضوع.
حسن الترابي ووصال المهدي
أسرة الصادق المهدي التي عرضناها يجب الا تجعلنا نمر على اسرة والده السيد الامام الصديق المهدي مروراً عابراً ذلك ان اسرة والده وبالتحديد اخوته واخواته اضافوا الى آل المهدي أسراً اخرى بالمصاهرة، ومن هؤلاء الدكتور حسن الترابي زوج السيدة وصال الصديق المهدي - شقيقة الصادق - وتعتبر هذه أشهر مصاهرة امتدت جذورها لانها جمعت بين اكثر شخصين مؤثرين في الحياة السياسية السودانية منذ نهاية الستينات وحتى اليوم، هما الصادق المهدي وصهره الدكتور حسن الترابي.
يؤكد الصادق انه كان وراء اكمال زواج الترابي بشقيقته وصال اذ كان صديقاً عزيزاً له. وكانت وصال طالبة في كلية القانون في جامعة الخرطوم التي يعمل فيها الترابي استاذاً. ووجد الصادق في هذا الزواج فرصة لتوثيق الصلة بين كيان الانصار والحركة الاسلامية الحديثة وكلاهما يمثل رافداً في التيار الاسلامي في السودان. ورأى ان بين الحركتين تكاملاً ينبغي توظيفه لأمرين مهمين في نظره هما: احتواء المد الشيوعي المسنود من الخارج واقامة نظام اسلامي شعبي ديموقراطي. ويقول ان الخطة نجحت بالنسبة الى احتواء المد الشيوعي، لكنها اخفقت في اقامة النظام الاسلامي المنشود بسبب اختلاف حاد نشأ بين الطرفين على مشروع نميري الاسلامي في 1983، ثم حول انقلاب 30 حزيران 1989.
وكانت رغبة الصادق في زواج شقيقته من الترابي متوافقة بالكامل مع رغبة الطرفين مما أوجد زواجاً ناجحاً. والسيدة وصال هي الانثى الوحيدة في اشقاء الصادق المهدي لأمهم السيدة رحمة عبدالله جاد الله. فهي ولدت بين أربعة من الذكور هم الصادق وعصام الدين وفيصل وصلاح.
وكان السيد الصديق تزوج ابنة عمه السيد علي المهدي وانجب منها ثلاث بنات وولدين هم صفوة وسميرة واصفاء وعمر وعلي.
والزوجة الثانية هي السيدة رحمة عبدالله جاد الله والثالثة هي السيدة ملكة حسين شريف، وقد ولد للسيد الصديق منها كل من شامة وصافية وصديقة وعبدالرحمن.
ومعظم اشقاء الصادق المهدي وشقيقاته تزوجوا داخل اسرة المهدي، باستثناء وصال زوجة الترابي.
هواياته وصداقاته
الفروسية وحب الخيل والعيش معها في الاسطبلات هي هواية الصادق المهدي منذ نعومة أظفاره. وكان الامام عبدالرحمن من عشاق الفروسية وتربية الخيل. وساعدت الحياة مع الخيل في تربية ابناء المهدي على الخشونة واكتساب بعض العادات العربية الاصيلة. واستمر حب الخيل مع احفاد آل المهدي. وتعلم الصادق لعبة البولو من خلال صداقاته للعسكريين حتى اصبحت هواية جديدة من هواياته، ولعبها وأجاد فيها، وشاهده السودانيون عبر شاشة التلفزيون اثناء مباراة مع الرئيس جعفر نميري خلال فترة المصالحة التي لم تدم طويلاً.
الفنون الشعبية والتشكيلية
ولعب الصادق كرة القدم أو كرة الشراب على وجه الخصوص في طفولته، كعادة كل السودانيين الذين عاشوا في الاحياء الشعبية، ولم تصبح الكرة من همومه وهواياته، وكان يلعب في خط الوسط أو الهجوم على رغم حرصه على مشاهدة المباريات في التلفزيون. ويرفض البوح باسم النادي الرياضي الذي يشجعه، لكنه، بحكم سكنه في حي "العباسية" يميل الى هذا النادي، لكنه يعترف بأنه ما زال دون المتوسط ولم يحقق مجداً في لعبة الكرة بحكم امكاناته المحدودة.
ويلعب الصادق التنس التي بدأ بممارستها في كلية فيكتوريا ويداوم حتى اليوم على ممارستها مرتين في الاسبوع، وهو عضو ثابت في نادي التنس السوداني ونادي البولو ويرتاح الى وجوده في هذين الناديين من اجل التعرف الى اصدقاء من فئات المجتمع المتنوعة بعيداً عن السياسة.
ويحب الصادق الفن التشكيلي منذ دراسته في الخارج، ويرى ان لهذا الفن دوراً لم ينله بعد في السودان. يحب الفنون الشعبية والفولكلورية ويشجعها ويحرص على تقديم الهدايا الى ضيوفه الاجانب من اللوحات التشكيلية والمصنوعات اليدوية الشعبية السودانية.
يسمع الغناء والموسيقى ولم تقبل اذنه اطلاقاً الموسيقى الغربية ويميل بشدة الى اغاني "حقيبة الفن" ويستمع اليها كثيراً، وتعلم لعبة الشطرنج خلال المنفى، لكنه رفض الاستمرار في ممارستها اذ اعتبرها مضيعة للوقت.
أصدقاؤه هم رفقاء الدراسة في مدارس الاحفاد وكمبونى والراهبات وكلية فيكتوريا وجامعة الخرطوم وجامعة اكسفورد، ولا تزال الصداقات التي تكونت موجودة والتواصل واللقاء مستمرين، لكنه يرى ان افضل العلاقات تبدأ مع زملاء السجن والاعتقال. ويحرص على تنوع صداقاته حتى تتنوع الحياة ولا تمضي على وتيرة واحدة من السياسة. ويفضل لقاء الاصدقاء من غير السياسيين والاقتصاديين لئلا تسير حياته على وتيرة واحدة ونمط واحد يجلب الملل.
وكما ورد في الحلقات السابقة ان حياة الصادق مضت على غير ما كان مخططاً لها، اذ كان يريد ان يدرس ويتفرغ للزراعة، لكنه الآن متفرغ للسياسة والفكر. ويرى ان الظروف لو قدرت له ان يختار مستقبله اليوم فانه يفضل الزراعة وتربية الخيول والماشية. وحتى بداية دخوله في العمل العام التي بدأت في اتحاد الطلبة السودانيين في المملكة المتحدة في منتصف الخمسينات كان عمله بعيداً عن الحزبية ويرى ان زملاءه الطلبة السودانيين كرموه حيث نال اعلى الاصوات وكان اصغرهم سناً ولم يكن لحزبه نفوذ واضح وسط الطلاب والمثقفين في ذلك الوقت.
الدخول الثاني له في العمل السياسي العام كان في شباط فبراير عام 1958 عقب عودته مباشرة من الدراسة في جامعة اكسفورد، ووجد حزب الأمة يستعد للانتخابات فكلفوه الاشراف على دوائر الحزب في دنقلا وجبال النوبة، وكان ذلك المدخل الحقيقي للمستقبل السياسي الذي اراده اهله له خصوصا انه تقدم بتقارير مفصلة تحتوي على اصلاحات سياسية جذرية للحزب والحياة السياسية وقدمها الى جده الامام عبدالرحمن راعي الحزب ووالده السيد الصديق رئيس الحزب. ثم فضل الالتحاق بوظيفة في قسم التخطيط في وزارة المال الى حين السفر لاكمال دراسته للزراعة في كاليفورنيا، ولكن وقع انقلاب ابراهيم عبود في 17 تشرين الثاني نوفمبر 1958 الذي اعتبره الصادق غدراً وتطرفاً في معارضته وكتب خطاب استقالته من وزارة المال على نحو فيه الكثير من حماسة الشباب واندفاعهم، لذلك استدعاه رئيسه المباشر السيد عبدالهادي حمدتو ونصحه بأن يعدل خطاب الاستقالة ليكون خاصاً بالعمل فقط، واستجاب للنصيحة وترك العمل وانتظر عودة والده السيد الصديق الذي كان خارج البلاد وقت الانقلاب.
شنو الحصل ده؟
وعاد الصديق مسرعاً الى السودان، وظهر الغضب عليه منذ وصوله الى المطار. وقاد السيارة التي استقبله بها ابنه الصادق، ولما علم ان والده الامام عبد الرحمن في سرايا المهدي قال له "خذني مباشرة اليه" وكان الغضب والشرر يتطايران من عينيه مردداً ان "الانقلاب طعنة من الخلف". ودخل السرايا وتحدث مع والده الامام بلهجة حادة للمرة الاولى: "ده شنو يا سيدي الحصل ده؟" وحاول الامام شرح الامر له بهدوء، لكنه رد باللهجة نفسها: "العلاج كان في يدنا واليوم هو في يد غيرنا". وأخيراً سحبه الامام عبدالرحمن من يده ودخل به لكن لم يبد منه اي قبول للانقلاب وظل معارضاً له بل كان رمزاً للمعارضة.
توفي الامام عبدالرحمن في آذار مارس 1959 وأصبح السيد الصديق هو الامام والمسؤول الاول عن الكيان والرمز الوحيد لمعارضة الحكومة العسكرية، ولهذا اختار ابنه الصادق للوقوف الى جانبه ومساعدته في كل شيء. ونسى الاخير نهائياً مشروعه لدراسة الزراعة وتفرغ للسياسة، فقد كان الساعد اليمنى للامام الراعي زعيم المعارضة للحكومة العسكرية والمنسق العام للعمل السياسي وبناء كيان الانصار، واندفع مع والده في هذا الاتجاه. ويرى الصادق ان هذا كان التحول النهائي في حياته اذ ان بدايته الفعلية الشاملة في العمل السياسي كانت في مواجهة الانقضاض العسكري على الديموقراطية. واستمر هذا حاله من معارضة انقلاب جعفر نميري في ايار مايو 1969 الى معارضة انقلاب عمر البشير في حزيران 1989.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.