«درويش» السودان، وصاحب «الجُبّة»، الباحث عن موطئ في «أزقة السياسة»، كان في خنادقها «بيدقاً»، وفي بنادقها «رصاصة»، حاك المؤامرات، وأجاد «صناعة خصومه»، ليقضي بينهم صريعاً، فيعاود الكرّة مرة تلو أخرى، لا يثنيه عن السلطة خطب ولا قيمة، حتى أذِن الحق للروح، فغادرته وغادر مُخلّفاً إرثاً تنوء منه الجبال. وظّف «الدين» في مشروعه، فوُصِف ب «المُجَدد»، وهي «كلمة السّر» في ابتعاده عن «الأصول»، وخروجه على «الإجماع»، خالطاً- بما ذهب إليه- بين «المقدّس»، في عوالم الدين، و «المدنّس»، في دهاليز السياسة، ساعياً إلى طوق نجاة من حواضن «الهزيمة»، فالتبس عليه الأمر. العلم والعمل حسن بن عبدالله الترابي، الموصول نسبه بقبيلة البديرية، ولد عام 1932 في «كسلا»، عاصمة «ولاية كَسَلا» الشرقية، لأسرة متدينة، فوالده رجل دين، امتهن القضاء، إلى جانب قيادته ل «جماعة صوفية»، أما أُمه فقد توفاها الله مبكراً. المعلومات عن نشأة الترابي المبكرة نادرة، لكن من الواضح تأثره بوالده، صاحب الطريقة الصوفية، الذي لعب دور المعلم لابنه، فحفّظه القرآن الكريم بعدة قراءات، ودرّسه علوم اللغة العربية والشريعة، ولعل ذلك أسس لدى الابن «روحية الدَروَشَة»، التي تجاوزت عنده الدين إلى السياسة. "الدَروَشَة»، ويُسمى صاحبها ب «الدرويش» ويُجمَع ب «الدراويش»، ترتبط لدى «الجماعات الصوفية» ب «الارتقاء الروحي»، وهي أولى مراتبه، لكنها في السودان ارتبطت بالدلالة «الغربية»، وقُصِد بها «المقاومين» و«المقاتلين» و«المجاهدين»، الذين انتفضوا وقاتلوا لحرية بلادهم ضد الاحتلال الغربي، وتحديداً خلال «الثورة المهدية». «الثورة المهدية»، التي تزعمها محمد أحمد المهدي (1843-1885) ضد الحكم العثماني والاستعمار البريطاني، ترتبط وثيقاً بسيرة الترابي، الذي تزوّج من حفيدة زعيم الثورة وصال الصديق المهدي، وهي أيضاً شقيقة السياسي المخضرم ورئيس الوزراء السوداني لعدة سنوات الصادق الصديق المهدي، وهو ما أفسح له –لاحقاً- موقعاً متقدماً في تراتيبية السلطة. درس الترابي الحقوق في جامعة الخرطوم (1951-1955)، وحصل منها على درجته الجامعية الأولى، ليتابع- مستفيداً من سعة حال عائلته– في جامعة أكسفورد البريطانية، التي تحصّل منها على درجة الماجستير عام 1957، ومن ثم انتقل إلى العاصمة الفرنسية ليكمل مسيرته العلمية في جامعة السوربون، ويتخرج منها حاملاً «دكتوراة الدولة» في «حالات الطوارئ في الفقه الدستوري» عام 1964، ليكون بذلك– وفق مصادر متعددة– أول سوداني يحوز على الشهادة العالمية، ترافقها أربع لغات يتقنها بطلاقة، هي: العربية والفرنسية والإنجليزية والألمانية. البحث عن مكان في فقه «الاجتماع السياسي» يعتبر مركز الدولة، المتمثّل عادة بالعاصمة، النطاق الأكثر فاعلية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ويحج إليه «الطامحون» من أطراف الدولة، وهو ما كان عليه الترابي بانتقاله إلى العاصمة الخرطوم، التي تبعد عن مسقط رأسه نحو 480 كم، ليبدأ فيها– إلى جانب دراسته الجامعية- نشاطه السياسي ضمن «حركة» متأثرة بجماعة الإخوان المسلمين. نشط الترابي في التنظيم الطلابي ل «جبهة الميثاق الإسلامية»، وهي أول حزب سياسي للحركة الإسلامية السودانية يحمل فكر «الإخوان المسلمين»، ليرتقي فيه- فور عودته من دراساته العليا– إلى مرتبة الأمين العام، وتبدأ سيرة السياسي، وتزامن هذا مع عمله أستاذاً للقانون في جامعة الخرطوم، وتدرجه في السلك الأكاديمي حتى اعتلى عمادة كلية الحقوق. في المرحلة الانتقالية من حياته، وهي الفاصلة بين أمانته ل «جبهة الميثاق» (1964) وانقلاب جعفر النميري العسكري (1969)، أدرك «الدرويش» مبكراً أن مشروعه السياسي، الذي آمن به، تعترضه 3 عقبات، تتوزع بين: طائفتين صوفيتين (الأنصار والختمية) اللتين تدعمان حزبي «الأمة» و«الاتحادي» ذوي الفكر العلماني، و«الحزب الشيوعي»، الذي كان ذا ثقل في تلك الفترة، ويبدو أن هذه العقبات شكّلت عقدة لدى الرجل، دفعته إلى التخصص ب «حالات الطوارئ في الفقه الدستوري»، وهي أطروحة الدكتوراه التي تناولت «مشروعية حل الحزب الشيوعي في النظام الديمقراطي». بحث الترابي عميقاً في «التجربة الفرنسية»، وتحديداً في جزئية تغوّل السلطة التنفيذية في الدولة الفرنسية (بين عامي 1939-1940) على سلطتي التشريع والإدارة، تحت لافتة «الصالح العام» و«مصلحة فرنسا»، وما أعقبه من منح «الجيش» سلطات واسعة، كان من بينها حل «الحزب الشيوعي الفرنسي»، لرفضه دعم ميزانية الحرب، ومن ثم اجتثاث الشيوعيين من البرلمان ومختلف الجمعيات المنتخبة في البلاد. آنذاك، أثارت آلية السلطات الفرنسية في اجتثاث الشيوعيين إعجاب الترابي، إذ شكّلت «الشيوعية»– في السودان- خصماً كبيراً ليس سهلاً ل «الإخوانية»، وحظيت بنفوذ شعبي واسع، وهو ما دفعه إلى إعادة التجربة في السودان، ضمن محاولته البحث عن موطئ قدم في السياسة السودانية. عقد الترابي مع الطائفتين الصوفيتين، النافذتين آنذاك، تحالفاً لاجتثاث الشيوعيين، وانتظر الفرصة، وقد تأتت في شتاء 1965 بكلمات ممجوجة، أدلى بها طالب شيوعي (بعض الروايات تنفي شيوعيته وتؤكد أنه دُسّ لهذه الغاية)، حول «حديث الإفك» (الذي سعى إلى النيل من أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها)، لتثور ثائرة التحالف، الذي حرّك جماهير واسعة، بالتعاون مع القوى السياسية الأخرى، للمطالبة بحل «الحزب الشيوعي»، والاشتباك مع عناصره، ليجيز البرلمان السوداني في ديسمبر 1965 بشكل نهائي «قانون حل الحزب الشيوعي». تحالُف الترابي، في ذلك الوقت، وظّف الدين في المواجهة، واشتغل على «القناعات الشعبية» ب «كفر» و«إلحاد» الشيوعيين، لإخراجهم من المعادلة السياسية، وإحلال «الإخوان المسلمين» في مواقعهم، وبعد نجاز الأمر، وتمكين جماعة الترابي من السلطة، عاد الرجل– في التسعينيات- إلى تبرئة الشيوعيين من «الكفر والإلحاد»، وقال إن «الذين يحسبون أن هؤلاء (الشيوعيين) غير مسلمين مخطئون»، وهي «ميكيافيلية» (نسبة إلى ميكيافلي) مفرطة، خاصة أن قبوله بكونهم مسلمين ارتبط بحاجته إليهم في مواجهة الإقصاء السياسي الذي مُني به. انقلاب النميري قاد الترابي الدعوة إلى إقامة «دولة دينية» في السودان، مستفيداً من البيئة الديمقراطية، إلا أن الأمر لم يمكث طويلاً، فالنظام الديمقراطي انهار بالانقلاب العسكري الذي قاده العقيد جعفر النميري في 25 مايو 1969، وهو ما قاد «الدرويش» إلى سنوات عجاف من الاعتقال والإقصاء. النميري، الذي رقيّ صبيحة يوم الانقلاب إلى رتبة «لواء» ومن ثم «مشير»، ترأس مجلس قيادة الثورة، ونصّب اليساري بابكر عوض الله (شيوعي ترأس القضاء واستقال منه عام 1965 احتجاجاً على حل «الحزب الشيوعي»)، رئيساً لحكومة الانقلاب، ما يعني أن الانقلاب أعاد خصوم الترابي إلى السلطة، وفي ظل نظام دكتاتوري. الانقلابيون اتهموا الديمقراطية بالفشل في حل مشكلات «التنمية» و«الجنوب» و«الدستور»، واعتبروا أن الفشل جاء نتيجة للصراع الحاد بين دعاة «العلمانية» و«الدولة الدينية»، لتبدأ حرب ضروس بين الانقلابيين والأحزاب التقليدية، وهو ما قاد «الدرويش» إلى اعتقال دام 7 سنوات، بدأ عام 1970. خارج السجن دار صراع مرير بين قوى اليسار السوداني، الذي ضم «الشيوعيين» و«القوميين العرب» و«الناصريين»، أسفر إلى انقسام قومي– أيديولوجي، فريقه الأول: «القوميون العرب» و«الناصريون»، الذين رفعوا شعار «الدين» في وجه «الشيوعية»، ودعوا إلى بناء «اشتراكية عربية» ترتكز على الإسلام؛ وفريقه الثاني: الشيوعيون، الذين تبنوا فكرة الدولة العلمانية، ودعوا إلى بناء «اشتراكية علمية» (وفق الفهم الماركسي). مال النميري إلى الفريق الأول، وعقد مصالحة مع الحركة الإسلامية، قادت إلى الإفراج عن «الدرويش» عام 1977، ومساهمته في حكم الانقلاب، الذي أَوكَل إليه (عام 1979) رئاسة «لجنة مراجعة القوانين وأسلَمتها»، وليصبح الرجل وزيراً للعدل في حكومة الانقلاب، في خطوة قادت إلى «أسلمة الدولة» وتطبيقها لقوانين الشريعة الإسلامية (أسمتها المعارضة العلمانية قوانين سبتمبر) عام 1983. المصالحة مع الإسلاميين لم تدم طويلاً، فانقلب النميري مجدداً على حلفائه «جبهة الميثاق الإسلامية»، ليقود الترابي تحالفاً احتجاجياً مع القوى القومية، التي عارضت إجراءات الانقلاب، وصولاً إلى عام 1985 حيث قاد «الدرويش» انتفاضة شعبية، أدت إلى إسقاط حكم النميري بقرار عسكري اتخذه القائد الأعلى للقوات المسلحة السودانية الفريق عبدالرحمن سوار الذهب. الرداء القومي الفريق سوار الذهب، وهو أيضاً رئيس مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية القريبة من الترابي، عقد تفاهماً مع أحزاب الانتفاضة الشعبية، يقضي بفترة انتقالية لمدة عام يجري بعدها انتخابات ديمقراطية. أواسط الثمانينيات، المد القومي كان في أشده، وأدرك الترابي في حينه أن قوة الإسلاميين وحدها لن تحمله إلى السلطة، فقرر ارتداء «القومية»، والتدثّر بها، إلى جانب «الإخوانية»، فأنشأ عام 1986 «الجبهة الإسلامية القومية»، وخاض بها الانتخابات، إلا أنه أخفق في المواجهة الانتخابية أمام حفيد «الثورة المهدية»، رئيس حزب الأمة القومي الصادق صديق المهدي، وهو شقيق زوجة «الدرويش». لم يطب المقام ل «الدرويش» في كنف «النسيب المهدي»، رغم أنه عيّنه وزيراً للخارجية عام 1988، فأعد العُدة للانقلاب على النظام الديمقراطي، كردة فعل على طرد أعضاء حزبه من البرلمان وإلغاء قوانين الشريعة الإسلامية، وأوعز إلى قائد اللواء الثامن مشاة عمر حسن البشير بتنفيذ انقلاب عسكري تدعمه الجبهة الإسلامية القومية، وأعد خطة للاستيلاء على السلطة، وهو ما تم في يونيو 1989 عبر ما عُرِف ب «ثورة الإنقاذ الوطني». البشير و«الدرويش" تحالف البشير و«الدرويش» دام نحو عشر سنوات، في بدايتها اعتبر الترابي أن «البشير هدية لنا (السودانيين) من الله»، خاصة أن الزعيم السوداني الجديد نظر إليه باعتباره «مُلهم» الثورة وأباها «الروحي»، ومفكر «حكومة الإنقاذ الوطني»، حتى بلغ عام 1996 رئاسة البرلمان السوداني. بين «ثورة الإنقاذ» و«رئاسة البرلمان»، تبلورت «الفكرة الأممية» لدى «الدرويش»، ليؤسس في أبريل 1991 «المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي»، الذي ضم ممثلي قوى سياسية من 45 دولة إسلامية، وأصبح أمينه العام، وجمع فيه خليطاً من الحركات الإسلامية والقومية والماركسية. "المؤتمر» دفع ب «الدرويش الترابي» إلى فضاءات أوسع من السودان، أرضت طموحه مؤقتاً، خاصة في ظل حالة الارتباك التي منيت بها المنطقة العربية في حرب الخليج، وما رافقها من نمو لحركات الإسلام الجهادي، وهو ما يفسر استضافة السودان لشخصيات ظلّت مثار جدل، من بينها زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وكارلوس وغيرهم. رئاسة «الدرويش» للبرلمان السوداني فتحت الباب واسعاً أمام طموحاته «السلطوية»، فسعى إلى «دمقرطة» بنية الحكم، عبر تعديلات قانونية ودستورية استهدفت «الشورى» و«الحريات» و«الولاة» و«رئاسة الوزراء»، الأمر الذي اعتبره البشير تغولاً على السلطة وانتقاصاً من صلاحياته، فوقع الشِقاق بين الحليفين. "شِقاق الحليفين» دفع ب «الدرويش» إلى خارج السلطة والحزب، مجرداً من أية قوة، لينتقل مجدداً إلى صفوف المعارضة، لكنها بدت «معارضة ثأرية»، إذ سقط حلمه بالسلطة التي حاك خطة السيطرة عليها، دون أن يدرك أنه لا يملك قِواماً لقيادتها، فهو رجل مدني لم يلبس بزة عسكرية قط، فكيف له أن يقود نظاماً عسكرياً. الغاضبون من البشير التحقوا ب «الدرويش»، ليؤسس في يونيو 2001 «حزب المؤتمر الشعبي»، الذي قاد من خلاله معارضته «الثأرية» مع حليف الأمس. ثأرية «الدرويش» ثأرية «الدرويش» دفعت به إلى الاعتقال مجدداً، إذ بحث عن حلفاء جدد لينقض معهم على السلطة، فلم يجد سوى «الحركة الشعبية الجنوبية»، التي يتزعمها جون قرنق، والساعية إلى الانفصال عن السودان، فوقع معها مذكرة تفاهم. تفاهم الترابي وقرنق، الذي أبرم في جنيف فبراير 2002، تضمن «منح الجنوب حق تقرير المصير» و«تصعيد وسائل المقاومة الشعبية السلمية»، وطالب ب «إلغاء القوانين المقيدة للحريات»، و«رفع حالة الطوارئ»، ما يعني الاعتراف ضمنياً بحق الجنوبيين في الانفصال عن السودان، وهو ما أثار البشير، الذي كان يخوض حرباً ضروسا لإبقاء السودان موحداً، فزج ب «الدرويش» في السجن، وبعد الإفراج عنه لم يدرك أن التسوية السياسية مع «الإنقاذ» باتت ضرورة له، وسعى إلى ترتيب محاولة لقلب السلطة، فأعيد إلى السجن مجدداً في مارس 2004. برزت ثأرية «الدرويش» مجدداً مع عودة الحياة الديمقراطية إلى السودان في مايو 2010، في أول انتخابات تعددية منذ 24 عاماً، ليرفض المشاركة في المؤسسات المنبثقة عنها، متهماً حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم ب «التزوير»؛ ليعقبها في يناير 2011 بتصريحات ل «وكالة الأنباء الفرنسية» حذّر فيها من انتفاضة شعبية على غرار ما حصل في تونس، ودعا خلالها البشير إلى «الرحيل»، طالباً منه أن «يستغفر الله ويخرج، لإنقاذ البشر من الموت في دارفور وكردفان والنيل الأزرق». لكن، بعد تثبت «الدرويش» من قوة خصمه، أدرك أن منازعته لن تجدي نفعاً، فاقتنص أول دعوة للحوار الوطني، أطلقها البشير 2015، ليعود إلى حلفاء الأمس، وسارع لتأييدها والمشاركة فيها، وأعد مسودة لاتفاق وطني سماه «النظام الخالف»، وقصد منه توحيد الإسلاميين من جديد، وعمد في أكثر من مجلس إلى بث آماله بعودة الوحدة الوطنية. «الدرويش» مُفتياً الترابي السياسي، الساعي إلى السلطة، والمتقلب في ردهاتها، والمكتوي بنارها، سعى عبر سيرته الطويلة إلى توظيفات دينية، فهو مفكر إسلامي أيضاً، اجتهد كثيراً، فأصاب وأخطأ وفق العالِمين بالشأن الفقهي، وترك إرثاً فقهياً واسعاً، أثار فيه الكثير من الجدل، ضمّنه في مؤلفات تجاوزت 16 مؤلفاً، ناقشت الدين والسياسة، وقدمت رؤى متعددة. العديد من اجتهادات «الدرويش» أثارت علماء المسلمين، لعل من بينها وصفه ل «الفقه الإسلامي» ب «الجمود والتقليد واستحضار القديم والامتنان به»، ودعوته إلى «التفرقة بين المُلزم وغير المُلزم من أوامر النبي مُحمد عليه الصلاة والسلام»، ودعوته إلى «إعادة النظر في علم الحديث، وتنقيح مناهج الجرح والتعديل، ومعايير التصحيح والتضعيف»، وتبنيه لما سماه «الفقهَ الشعبي، الذي يسند الإجماع فيه بإجماع الشعوب المُسلمة، لا إجماع الفقهاء»، ودعوته إلى «تصالح جماهير المسلمين مع الفن»، ورفضه ل «حد الرّدة حدًا شرعيًا»، واعتباره «تبديل الدين جُزءا من حرية الفكر والاعتقاد، ولا يُوجب المعاقبة»، وقبوله ب «إمامة المرأة للرجل»، وقبول «الاختلاط بين الذكور والإناث»، وغيرها العشرات من القضايا التي دفعت مريديه قبل خصومه إلى استغرابها وإنكارها عليه. اجتهادات الرجل، كما هي حياته السياسية، ستظل مثار نقاش حتى يتبين الغث فيها من السمين، إلا أن تجربة «الترابي الدرويش» تستحق التأمل، فهو أستاذ العديد من رجالات الإسلام الحركي، ومنظر الحركة الإسلامية السودانية أولاً، والأممية ثانياً، وفكره سيجد العشرات ممن يحملونه ويعملون به. لا شك في أن «الدرويش» ساهم في المشهد السياسي السوداني، بوحدته وتشظيه، لكنه وقُبيل وفاته (في 6 مارس 2016) بيومين دعا إلى لم الشمل، ووحدة القوى الوطنية والإسلامية، وهي الدعوة التي سابقها الموت، ليرحل الرجل، وهذا هو إرثه، بين أيدي الناظرين، ليمحصوه ويقولوا فيه ما يشاءون.