أضافت صنعاء بعداً جديداً الى ملف النزاع اليمني عندما قال الدكتور عبدالكريم الأرياني، وزير التخطيط اليمني لپ"الوسط" هاتفياً ان ما يحدث هو "أمر ابرم في ليل" مؤكداً ان "صنعاء التي ترفض مبدأ التدخل في شؤونها الخاصة تعاطت بمرونة مع قرار مجلس الامن الرقم 924 من منطلق اتاحة الفرصة لوقف اطلاق النار. ومنح فسحة لمبدأ الحوار لحل الأزمة". وفي هذا الاطار رحبت صنعاء بزيارة الموفد الدولي الاخضر الابراهيمي، كما قال الارياني الذي برز مجدداً الى واجهة العمل السياسي الخارجي في بلاده مع استفحال المواجهة المسلحة بين جيشي اليمن. وقال الأرياني لپ"الوسط" ان الابراهيمي التقى في صنعاء الرئيس علي عبدالله صالح، واجتمع بممثلي 21 حزباً سياسياً، والتقى 30 برلمانياً يشكلون الكتل السياسية في مجلس النواب، و"اكد الجميع له ان لا خيار غير الوحدة. وان التراجع عنها هو الحرب الشاملة. لذا نفضل الحفاظ عليها سلماً". كما اكدوا "رفضهم تدويل القضية اليمنية أو التعاطي معها خارج الشرعية الدستورية". واوضح الأرياني ان "موقف صنعاء التفاوضي، التزاماً بقرار مجلس الامن الرقم 924 واحتراماً للشرعية الدستورية يتلخص بالثوابت الثلاثة: - الوحدة اليمنية حتمية سياسية. - التقيد بالشرعية الدستورية واحترامها. - التقيد بنتائج الانتخابات النيابية في 27 نيسان ابريل الماضي. وأي حوار خارج هذه الثوابت لا نقبله ولا نشترك به". وبالنسبة الى الوضع العسكري على جبهات القتال قال الأرياني "ان قوات الشرعية انهت قرابة 90 في المئة من عمليات القضاء على جيوب التمرد ولم يبق سوى 10 في المئة". ومع هذا "تواصل صنعاء تجاوبها مع مجلس الامن لاعطاء المتمردين فرصة اخرى للعودة عن تمردهم". وعلى رغم رفض صنعاء نظرياً منطق تدويل الأزمة وقبوله عملياً، كعامل ضغط لوقف اطلاق النار واطلاق الحوار، واصل عبدالعزيز عبدالغني، نائب رئيس الجمهورية، جولته الدولية فزار باريس وبكين بعد ان كان اشرف على المداخلات التي شهدها مجلس الامن قبل صدور القرار 924. ومن المعروف ان فرنسا لعبت دوراً لافتاً في مجلس الامن لجهة اعداد صياغة خاصة لنص القرار بحيث تضمن الاشارة الى "الجمهورية اليمنية"، كحل وسط بين طلب صنعاء التي أصرت على نص يشير الى الوحدة اليمنية، ورفض الجانب اليمني الجنوبي ذلك. ويبدو ان زيارة عبدالغني للصين العضو الدائم في مجلس الامن، هدفت الى احتواء أي تحرك مستقبلي في مجلس الامن لرفع درجة تدويل الأزمة اليمنية. دور سوري واستخدمت صنعاء منطق "المؤامرة ضد الجمهورية اليمنية ووحدتها"، الأمر الذي مكنها من توسيع تحركها الديبلوماسي فأوفدت وزير العدل اليمني عبدالله غانم الى دمشق وعمان ناقلاً رسالتين من الرئيس علي عبدالله صالح الى الرئيس حافظ الاسد والملك حسين. وكان تردد في دمشق ولندن ان الوزير غانم، وهو جنوبي من عدن، حمل عرضاً الى الرئيس اليمني الجنوبي السابق علي ناصر محمد يتضمن "العودة الى صنعاء والمشاركة في تحمل المسؤوليات في ظروف حساسة تجتازها الجمهورية اليمنية". الا ان الأرياني قال لپ"الوسط" ان "الأطراف العربية التي استبعدت سورية من دائرة الدول المهتمة بالصراع في بلادنا همشت زيارة الوزير غانم بأن اعتبرتها مجرد نقل عرض من القيادة في صنعاء الى الرئيس السابق علي ناصر محمد. ان وزير العدل لم يزر دمشق حاملاً عرضاً محدداً الى الرئيس السابق علي ناصر محمد إنما بهدف اطلاع الرئيس الأسد على مستجدات الأوضاع في بلادنا". وقال الأرياني ان "دمشق أكدت حرصها على الوحدة اليمنية والشرعية الدستورية ما أدى الى استبعادها". ولم يشر الوزير اليمني الى أي دور للاردن الذي خاض مع اليمن الشمالي ومصر والعراق تجربة وحدوية في اطار "مجلس التعاون العربي" في العام 1989، في الفترة نفسها التي اعلن خلالها عن تشكيل "الاتحاد المغاربي" في مراكش في شباط فبراير 1989. وفي عدن التي لا تزال تنتظر اعترافات اقليمية ودولية بپ"الجمهورية اليمنية الديموقراطية" قال "وزير الثقافة والاعلام" السيد بابكر باذيب لپ"الوسط" ان "الاعترافات مسألة وقت وتحصيل حاصل"، مؤكداً ان "المواجهة العسكرية داست الوحدة وقطعت الأواصر الاجتماعية بين الناس. وبالتالي لا يمكن ان يدعونا المجتمع الدولي الى التحاور حول الوحدة. أي وحدة هذه؟ قد نتحاور على اشكال متعددة للتعاون ولكن ليس انطلاقاً من الواقع السياسي الذي ساد بعد 22 أيار مايو 1990 وسقط مع تطبيق خيار المواجهة العسكرية". ولا يعرف باذيب ما الذي سمعه الموفد الدولي الأخضر الابراهيمي في المكلا. غير ان الوزير المرابط في عدن قال لپ"الوسط" "ان المواطنين الذين انتظروا الابراهيمي في عدن هتفوا قائلين: لا وحدة بعد اليوم". لكن أي شكل من أشكال التعاون يتصوره جنوب اليمن مع شماله؟ تعاون قائم على اساس "وثيقة العهد والاتفاق"؟ يجيب باذيب: "كلها معطيات تجاوزتها المواجهة المسلحة، ولا بد من معطيات جديدة، إذ لا يمكن فرض الوحدة بالقوة". وعلى رغم هذا يكشف باذيب بعض أوراقه بحذر شديد: "النكوص عن الوحدة كما فهمها الاخوة في الشمال كان بمثابة شكل من أشكال الدفاع عن النفس. الحرب أوجدت الكيان الجديد في الجنوب. لو كانت هناك ظروف أخرى لكان للحزب الاشتراكي موقف آخر. فنحن حزب وحدوي عريق. كانت الوحدة متجذرة في أدبيات الحزب في الجنوب عندما كان تحت حكم الانكليز. ونحن من ضحى والغى نفسه عندما أقبلنا على خيار الوحدة". ولا ينظر باذيب بقلق الى تلكؤ بعض العواصم الغربية عن الاعتراف بالدولة الجديدة في الجنوب، "الادارة الاميركية أعلنت تأييدها بيان أبها الذي اعترف ضمنياً بجمهورية اليمن الديموقراطية". والحقيقة ان قرار مجلس الامن الرقم 924 اعترف بدول مجلس التعاون الخليجي كواحدة من المرجعيات المؤثرة والمهتمة بالأزمة اليمنية ما حتم على الابراهيمي اعتماد ديبلوماسية المكوك في جولته على عواصم مجلس التعاون لاعداد تقرير يرفعه الى الامين العام للامم المتحدة. وتشعر عدن بارتياح الى اعتراف القرار الاممي بمرجعية دول الجوار في وقت قررت قيادة الاشتراكي العودة عن خيار الوحدة الذي اقبلت عليه منفردة ومن دون اعلام دول الجوار به وخرجت منه مضطرة، كما يقول الوزير باذيب.