أثارت قضية الشيخ طارق الفضلي، ابن أحد سلاطين اليمن السابقين، سؤالاً كبيراً: هل صحيح ان الفضلي هو زعيم "الافغان" اليمنيين - أي اليمنيين الذين قاتلوا في افغانستان ثم عادوا الى بلادهم - وانه قائد فرق مسلحة متهمة بالقيام بعمليات اغتيال وتفجير في اليمن؟ برز اسم الشيخ طارق الفضلي بصورة مفاجئة عندما وجهت السلطات الأمنية في مدينة عدن اتهامات خطيرة اليه، منها: محاولة اغتيال القيادي البارز علي صالح عباد، عضو المكتب السياسي في الحزب الاشتراكي اليمني في عدن في 23 كانون الأول ديسمبر الماضي، والتخطيط لتفجير المنشآت السياحية والفندقية في المدينة في 25 من الشهر نفسه ومنها فندقان أقامت في احدهما مجموعة من العسكريين الاميركيين العاملين مع قوات الأممالمتحدة في الصومال في اطار عملية اعادة الأمل. وبعد انكشاف أمر المجموعة التي حاولت تفجير فندق عدن اثر انفجار قنبلة يدوية في يد حاملها، واتضاح انتماء المجموعة الى تنظيم "الافغان" اليمنيين، كما اعلنت السلطات الامنية في عدن في حينه، لجأ الشيخ طارق الفضلي، مع مجموعة من مؤيديه الى خور المراقشة في جبال المراقشة الوعرة في محافظة أبين. وأظهرت اعترافات المجموعة نفسها في عدن، امام سلطاتها الامنية والقضائية، ضلوع مجموعة الافغان في اعمال عنف متعددة، اخطرها محاولة اغتيال رئيس المجلس النيابي اليمني الدكتور ياسين سعيد نعمان بواسطة قصف منزله في صنعاء في 22 آب اغسطس الماضي، كذلك محاولة اغتيال وزير العدل اليمني عبد الواسع سلام في اواسط نيسان ابريل الماضي وتردد ان الفضلي هو زعيم الافغان اليمنيين. وأدى ذلك الى استعانة السلطات الامنية في مدينة عدن بوحدات من اللواء الثالث في الجيش التابع لسلاح المدرعات، نظراً الى نوعية الاسلحة المتطورة والكثيفة المتوفرة لدى جماعة الافغان وبسبب القرى المكتظة بالسكان حول الخور الذي لجأ اليه الشيخ الفضلي مع جماعته. وقبل نهاية الشهر الماضي وجهت القوة الامنية التي حاصرت مقر الفضلي ومجموعته انذاراً شديد اللهجة: اما الاستسلام الى السلطات الامنية، وإما مواجهة نتائج الاقتحام الذي ستنفذه الوحدة الامنية. وقالت مصادر الحزب الاشتراكي في صنعاء لپ"الوسط": "ضيقت القوة الامنية الحصار على الفضلي لعلمها انه لن يتمكن من الهرب من جبال المراقشة، التي تبعد 02 كلم عن ساحل أبين واللجوء الى جيبوتي لأن قوات الامن منتشرة على الساحل الشرقي من المنطقة، كما يصعب عليه مواصلة سيره الى منطقة شبوه نظراً الى تطويق رجال الامن جبال المراقشة". ولوحظ ان الفضلي بدأ يعدل من لهجته المتشددة الرافضة الامتثال لأوامر السلطات الامنية اليمنية منذ 6 كانون الثاني يناير الحالي، اذ اعلن خلال اتصال هاتفي معه في مقر اقامته في خور المراقشة انه سيتوجه الى صنعاء اذا ما حصل على ضمان شخصي من الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر، زعيم حزب الاصلاح وشيخ مشايخ قبيلة حاشد. وتزامنت ليونة الشيخ الفضلي المفاجئة مع انتهاء مهلة الانذار الموجه اليه ومع وصول وفد من الشخصيات المعروفة في المنطقة الى مقر اقامته في محاولة اخيرة للوصول الى نهاية سلمية للمواجهة بينه وبين السلطات الامنية. وضم الوفد، كما علمت "الوسط"، الشيخ علي شيخ عمر وحسين عثمان عشال وعبدربه منصور. وسبق زيارة وفد الشخصيات المعروفة لمقر اقامة الفضلي في خور المراقشة، زيارة خاطفة قام بها الى محافظة أبين السيد سالم صالح، عضو مجلس الرئاسة اليمني والأمين العام المساعد في الحزب الاشتراكي اليمني، يوم 3 كانون الثاني يناير الحالي. ولم يتسرب شيء، عن الدور الذي قد يكون لعبه سالم صالح لمنع المواجهة الدموية التي كانت ستسفر عن اقتحام القوة الامنية مقر اقامة الشيخ الفضلي، نظراً الى علاقة القيادي الاشتراكي البارز، سالم صالح، المناطقية بمحافظة أبين. وقبل ان يستسلم الفضلي الى سلطات الامن بلا مقاومة وينقل مع عدد من انصاره الى صنعاء اكد في اتصال هاتفي معه ان لا علاقة له بمحاولة اغتيال علي صالح عباد مقبل وبالتفجيرات التي وقعت في عدن، وقال انه لا يقود ميليشيات او فرقاً مسلحة. ونفى ان يكون زعيم "الافغان" اليمنيين، موضحاً "ان الكثيرين من الاخوة الذين جاهدوا في افغانستان على اتصال بي ويزورونني في منطقتي وبين اهلي". والمعروف ان الفضلي شارك في الجهاد الافغاني لسنوات. وقال الفضلي ان الحزب الاشتراكي هو الذي يوجه الاتهامات اليه وانه بريء من هذه التهم وأضاف: "ربما كان بعض هذه الاحداث من صنع بعض الاجهزة السرية في الحزب الاشتراكي من اجل تصفية الحساب معي". ونفى الفضلي وجود أية علاقات خارجية له. في الوقت نفسه اعتبر الشيخ عبدالله الاحمر ان التهم الموجهة الى الفضلي "بسيطة" خصوصاً ان علي صالح عباد "لم يصب بل هو معافى". واستبعد وجود تنظيم لپ"الجهاد الاسلامي" في اليمن ودافع عن "الافغان" اليمنيين قائلاً: "هؤلاء من المؤمنين الذين هبوا مع اخوانهم من غير اليمنيين لمحاربة الشيوعية وهم محل احترام الجميع وتقديرهم". واتهم الشيخ الاحمر الحزب الاشتراكي بأنه لا يريد ان "تستعيد القبائل هيبتها ومكانتها". يوم 11 كانون الثاني يناير الجاري أكد مصدر مسؤول في وزارة الداخلية اليمنية ان الشيخ طارق الفضلي أحيل على النيابة العامة للتحقيق معه في محاولة اغتيال علي صالح عباد وفي التفجيرات التي وقعت في عدن. وقال الدكتور محمد أحمد جرهوم، وزير الاعلام اليمني، في اتصال هاتفي مع "الوسط"، "ان التحقيقات تجري مع المتهم الفضلي مثلما تجري مع أي متهم آخر في الجمهورية اليمنية. ولا تمييز امام القانون بين متهم وآخر". وعلمت "الوسط" ان لجنة وطنية من شخصيات رفيعة المستوى في مجلس النواب اليمني توجهت من صنعاء الى خور المراقشة، في جبال المراقشة حول محافظة أبين، يوم 6 كانون الثاني يناير الحالي وأقنعت الفضلي وصحبه بالاستسلام الى اللجنة التي نقلته الى صنعاء. وقال وزير الاعلام اليمني لپ"الوسط" ان "هذا الاجراء شكّل حلاً وسطاً تم التوصل اليه تحاشياً لردود فعل عنيفة كان يمكن ان تحدث لو ان طارق ناصر الفضلي استسلم الى السلطات الامنية في محافظتي أبين أو عدن"، كما طالبت بعض الجهات في محافظة أبين. وكشف مصدر في وزارة الاعلام اليمنية لپ"الوسط" ان اللجنة التي استسلم اليها الفضلي لم يكن من بينها فعاليات أمنية او عسكرية. لكن بعض فعاليات اللجنة نفسها لهم ماضٍ عسكري نظراً الى توليهم مسؤوليات سابقة". وذكرت مصادر مطلعة في صنعاء لپ"الوسط"، كل جوانب القضية ان القضية تتجمع في مسألة واحدة، هي التحقيق مع الفضلي و"تقريبه للحق"، بحسب ما يثبت عليه من التهم وتطبيق ما يصدر ضده تجاهها. وهذه المسألة تحظى باهتمام الجميع، وعلمت "الوسط" من مصادر مطلعة، ان الحديث الذي دار اثناء استقبال الرئيس اليمني علي عبدالله صالح لطارق الفضلي، بحضور رئيس الوزراء والشيخ الأحمر، تركز على ضرورة اجراء التحقيق كاملاً، في ضوء ما يتوفر من الأدلة وطبقاً للقانون. وبصرف النظر عما قد يثبت على الفضلي، فإن قضايا اخرى ذات أهمية ملحوظة، تولدت عن هذه القضية، ومنها: أولاً، أنه نتج عن نقل الفضلي الى صنعاء، كما يقول المختصون، تجاوز الاختصاص في التحقيق والمحاكمة، لحق السلطات النيابية والقضائية في محافظة أبين، وهذا الاختصاص أصل من أصول القانون والقضاء، ويرى هؤلاء المختصون في مجموع تصريحاتهم لپ"الوسط"، ان تجاوزه يمثل سابقة خطيرة، كون القانون لا يسمح بنقل المتهم بحسب طلبه، الى منطقة أو محكمة خارج منطقة القضية المطلوب اليها، الا في حدود محصورة خاصة بالمحاكمة لا التحقيق. بيد ان آخرين يعتبرون هذه القضية، حالة استثنائية اتسمت بطابع سياسي من خلال ما تم فيها من وساطات ومفاوضات، ولكنهم لا يستبعدون احتجاج القانونيين والقضاة عبر المنظمات النقابية. ثانياً، ان قانون العقوبات لدولة الوحدة، لم يصدر بعد، ولا يزال العمل سارياً بقانوني الدولتين سابقاً. وهذا يؤكد بالضرورة اهمية الاختصاص. ثالثاً، يرى هؤلاء القانونيون، أن محاكمة الفضلي في حد ذاتها، تثبت حقه القانوني كمواطن يمني، وما يترتب على حق المواطنة من اقامته وأسرته في اليمن، وممارسة كل الانشطة المشروعة السياسية وغير السياسية، بصرف النظر عن ماضيه. وهذا يفتح المجال لتطبيق الحق نفسه على كل أسر وأفراد السلاطين الذين كانوا يحكمون قبل الثورة، في ظل القوانين والأنظمة السارية، وليس فيها ما يمنع من هذا، الا انها مسألة لا تزال موضع تحفظ سياسي. ولم تستمر طويلاً في عدن مشاعر الارتياح لاستسلام الفضلي الى السلطات الامنية، فمرة اخرى أطلق رصاص كثيف في سيارة عبرت مسرعة على مقربة من محمد سعيد عبدالله، وزير الحكم المحلي، وعبدالواسع سلام، وزير العدل، وهما من قيادات الحزب الاشتراكي البارزة. كما تعرض محمد صالح الصلاحي، الامين العام لتلاحم جماهير الوحدة اليمنية، الى محاولة اغتيال فاشلة في صنعاء في اليوم نفسه، وبالاسلوب ذاته من خلال استخدام سيارة نقل عامة من طراز "هيلوكس". أطلق الرصاص من داخلها. وأعلنت السلطات الامنية اليمنية اكتشاف مجموعات تابعة للجهاد الاسلامي في محافظتي لحج وشبوه، واعتقل في محافظة لحج: فضل احمد محسن، وهو أيضاً من ابناء سلاطين الجنوب وقاتل في افغانستان، وعبدالله محمد شرف. وقالت مصادر امنية في صنعاء لپ"الوسط" ان اشخاصاً كثيرين اعتقلوا في منطقة الصعيد من محافظة شبوه، واعترفوا بتخطيطهم لنسف منشآت وحقول النفط في محافظة شبوه. وعلى صعيد التحقيقات مع المتهمين في تنظيم "الجهاد" في عدن ذكرت مصادر امنية "ان قائمة وجدت لدى بعض القياديين في الجهاد تدل على ان هناك 130 شخصية يمنية مطلوب تصفيتها جسدياً، بينها شخصيات صحافية وشخصيات قيادية في الحزبين الحاكمين". على المستوى السياسي، وفي تطور بارز يعكس تحسن الاجواء نسبياً بين الحزبين الحاكمين، المؤتمر الشعبي العام والاشتراكي، اتخذت قيادتهما قراراً بوقف الصحف التابعة مباشرة لهما مدة اسبوع بغية وضع سياسة اعلامية انطلاقاً من الاتفاق الذي توصلا اليه حديثاً، بعد بروز قضية الجهاد الاسلامي ودورها الهادف الى افتعال الوقيعة بين شريكي السلطة. وفي صنعاء اعربت قيادات بارزة في المؤتمر والاشتراكي ل "الوسط"عن تفاؤلها في امكانية التوصل الى أقصى درجات التنسيق بين شريكي السلطة في الجمهورية اليمنية.