لم تحقق الحرب التي اندلعت في اليمن قبل نحو شهر النتائج العسكرية والسياسية والديبلوماسية التي امل كل من الطرفين في تحقيقها، على رغم قدرة كل منهما على الحديث عن تسجيل نقاط. وأدى غياب الحسم السريع الى افساح المجال لعودة الحديث عن وساطة تنطلق من السعي الى وقف اطلاق النار. لكن الاتفاق على مجرد وقف للنار يبدو متعذراً ما لم يرفق بخطوات سياسية. لا شك في أن الألوية التابعة للرئيس علي عبدالله صالح نجحت في تسجيل نقاط عسكرية. فقد سيطرت على محافظة شبوه وكذلك على قاعدة العند الجوية. لكن تطويق عدن شيء ومحاولة اسقاطها شيء آخر. فالتقدم في اتجاه هذه المدينة سيلزم القوات التابعة للرئيس علي عبدالله صالح اجتياز منبسطات تعرضها لاحتمال تكبد خسائر فادحة بسبب غارات القوات الجوية الجنوبية ومعارك المناطق المكشوفة، فضلاً عن أن اقتحام العاصمة الجنوبية ينذر باندلاع حرب شوارع مكلفة. تمكَّن الرئيس اليمني من جعل الحرب برمتها تدور على أرض الجنوب باستثناء الصواريخ التي سقطت على صنعاء. لكن الرهان على حسم سريع بدا غير دقيق فضلاً عن ان الخسائر البشرية تفتح باب المساءلة عن المسؤولية. في المقابل بدا الجنوب في حال ارتباك عسكرية وسياسية. فبعد اعلان السيد علي سالم البيض قيام "جمهورية اليمن الديموقراطية" ارتفعت أصوات جنوبية تجاهر بمعارضتها، وفضلت أصوات أخرى موقف التحفظ والانتظار. وإذا كان الموقف الجنوبي حظي قبل الاعلان بقدر غير قليل من التفهم أو التعاطف اقليمياً ودولياً فإن الاعتراف بالجمهورية الجديدة جاء أقل بكثير من حجم التعاطف، وبدا ان الجهات الفاعلة اقليمياً ودولياً اختارت المراقبة والانتظار، باستثناء "اعتراف ضمني" من دولة الامارات العربية المتحدة ربما للضغط على صنعاء للقبول بوقف النار، واعتراف كامل من "جمهورية أرض الصومال" التي لا تزال تنتظر اعتراف العالم بها. في موازاة ذلك نجحت الألوية الموالية للبيض في اثبات ان الحرب ستكون طويلة ومكلفة وانها لن تُحسم حتى ولو سقطت عدن، خصوصاً بعدما ظهرت حضرموت كأنها البديل الجاهز. في ضوء هذه المعطيات العسكرية والديبلوماسية بدأ الحديث عن وساطة يمنية خماسية ترتكز في جوهرها على وقف النار والتراجع عن اعلان "جمهورية اليمن الديموقراطية" في مقابل الحوار والبحث في صيغة تضمن عدم تكرار الأحداث. وقد تبلور هذا التوجه نتيجة لاتصالات شارك فيها العميد مجاهد أبو شوارب نائب رئيس الوزراء والسيد سالم صالح محمد عضو مجلس الرئاسة والسفير عبدالله الأشطل مندوب اليمن لدى الأممالمتحدة والرئيس السابق علي ناصر ومحسن العيني سفير اليمن في واشنطن. معركة عدن تحولت الى ما يشبه المأزق. وهو مأزق للجمهورية التي أعلنها البيض وكذلك لطموحات الحسم في صنعاء. فهل يفتح الشعور بالمأزق باب الحوار، خصوصاً ان المزيد من القتال ينذر بتعميق المأزق المزدوج لا بإنهائه، فضلاً عن أن عزل عدن عن حضرموت لا يكفي لضرب الجمهورية التي أعلنت، في حين ان بقاء عدن على حالها لا يكفي بدوره لضمان مستقبل هذه الجمهورية؟ في هذه الأجواء ظهرت ملامح تحرك أميركي لوقف النار وحصر الأزمة وضبط المواقف، وبدأ الحديث في أروقة مجلس الأمن عن ضرورة احتواء الحرب اليمنية - اليمنية. وفي الوقت نفسه قالت السلطات في صنعاء ان قواتها لا تنوي اقتحام عدن واعترفت باتصالات مع مسؤولين من الحزب الاشتراكي. ووسط تبادل الاشارات والصواريخ اشتد السباق بين الحرب والحوار وبدا واضحاً ان الخروج من المأزق مرهون بقرار دولي حاسم بضبط النار اليمنية واخمادها. "الوسط" تابعت الأزمة اليمنية من صنعاء حيث مراسلها الدائم، ومن عدن التي أوفدت اليها مندوباً خاصاً ومن لندن التي مرّ بها عدد من المسؤولين اليمنيين. وزير الخارجية اليمني لپ"الوسط": البيض يخطط لدولة في حضرموت حلم قديم لديه كانت "الوسط" نشرت حواراً مع وزير الخارجية اليمني السيد محمد سالم باسندوة العدد 118 في 2 أيار/مايو الجاري، توقع فيه حدوث معارك محدودة واغتيالات فردية في اليمن. وانفجرت الحرب في الرابع من الشهر نفسه. وبعد اعلان قيادة الاشتراكي في عدن الانفصال وقيام "جمهورية اليمن الديموقراطية"، ازداد مستقبل الوضع العسكري والسياسي في اليمن غموضاً، خصوصاً في ما يتعلق بمدى استمرار الحرب، ونجاح أو سقوط الدولة في الجنوب، وإمكان وقف القتال والعودة الى التفاوض. واتجهت "الوسط" ثانية الى وزير الخارجية اليمني لاستطلاعه رأيه وتوقعاته نظراً الى قربه من القيادة السياسية للدولة في صنعاء ومشاركته في صناعة القرار. وهذا نص الحوار: بعدما انفجرت الحرب هل ما زلتم تعتقدون بأن المعارك ستكون محدودة، ولن تستمر طويلاً؟ - نعم، لا أتوقع أن يصبح القتال الجاري في بلادنا الآن حرباً أهلية طويلة المدى، ذلك أن قوات الشرعية ومعها الشعب قادرة على حسم المعركة وإنهاء التمرد في وقت قريب. كنتم توقعتم حسم القتال خلال بضعة أيام لمصلحة قوات الجمهورية اليمنية، وقد مرت حتى الآن ثلاثة أسابيع ولا يزال القتال مستمراً، فما هو تعليقكم؟ - على رغم أننا كنا نعرف ان قيادة الاشتراكي كانت تحتفظ بالسيطرة على قوات مسلحة ضخمة ومدججة بكثير من الاسلحة والذخائر الخفيفة والثقيلة الحديثة بكميات تفوق حاجتها، طبعاً، لا بهدف السيطرة على كل اليمن فحسب بل بهدف الهيمنة على كل المنطقة. الا أننا لم نكن نتصور أبداً أن يكون حجم تلك القوات وكميات اسلحتها بهذا القدر الذي اكتشف خلال المعركة. ولا كان أحد يعرف أن التحصينات التي أقامتها قيادة الاشتراكي في عدد من المواقع بهذا المستوى من المناعة والضخامة. ولهذا استغرق اختراق تلك التحصينات فترات أكثر مما كان مقدراً. فقاعدة العَنَد مثلاً كانت من المناعة والقوة الى درجة أنها تشكل حاجزاً قتالياً، يفوق حاجز "خط بارليف" الذي أقامه الاسرائيليون في قناة السويس ونجح الابطال في القوات المصرية في اجتيازه في حرب اكتوبر 1973. وعلى رغم ذلك استطاعت قوات الشرعية ان تفرض سلطة الدولة على ثلاث محافظات كبيرة ومهمة كانت خاضعة لسيطرة قوات الانفصال هي محافظات أبين ولحج وشبوة. وباتت هذه القوات تطوق محافظة عدن لتضرب حصاراً على المدينة القديمة. ولعل هذا ما جعل علي سالم البيض يفرّ الى حضرموت مخافة الوقوع في قبضة السلطة الشرعية إن هو بقي في عدن بعدما تسبب في تعريض كل من الضالع وردفان وغيرهما للدمار والضرر، بل من غير المستبعد أنه كان يود التخلص من نفوذ القادة العسكريين المنتمين الىهما الى الضالع وردفان. والآن هل تتوقعون أن ينجح علي سالم البيض في مشروع الدولة التي أعلنها؟ - طبعاً لا، وذلك لأسباب عدة، أهمها أولاً، أن دول العالم سواء الشقيقة أو الصديقة تعتبر ما يجري في اليمن شأناً داخلياً، وتجد نفسها ملزمة تأييد وحدة اليمن، باعتبار الوحدة تجسيداً لارادة الشعب اليمني وخياره، ويكفي مؤشراً الى هذا موقف الادارة الاميركية. وثانياً، ان البيض لا يستطيع ان يتخذ من عدن الباسلة عاصمة لدولته الشطرية. وكيف يمكنه فرض الدولة التي يحلم بها فيما لا يملك أي سيطرة على العاصمة عدن. وثالثاً، ان هروب البيض وبطانته من رفاقه الخُلّص الى حضرموت لا يعني انه يستطيع ان يفرض سلطته على محافظة حضرموت التي عانى أهلها منهم طويلاً، وما من شك في أن قوات الشرعية ستلاحقهم حتى أقصى نقطة من أرض الوطن. ورابعاً، ان معظم قوات قيادة الاشتراكي اما انضمت الى قوات الشرعية وإما دمرت نهائياً. ومهما حاول البيض ومجموعته انشاء قوات جديدة فانهم لن يستطيعوا أن يصمدوا أمام قوات السلطة الشرعية ومن خلفها كل الشعب. وخامساً، ان البيض احترق شعبياً وفقد صدقيته كلياً، سواء في الداخل أو الخارج، والمعركة الآن ليست بين البيض والرئيس علي عبدالله صالح ولا بين الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي، وإنما بينه - مع مجموعته - وبين الشعب بما فيه قطاعات كبيرة من الحزب الاشتراكي. اذاً كيف يمكن ان يكسب المعركة؟ لو عدنا الى التفكير في السلام ما هي في تقديركم وسيلته لوقف نزف الدماء؟ وما هو موقع الحزب الاشتراكي من هذه العملية؟ - ان الحل يكمن في قيام العناصر الوحدوية في الحزب الاشتراكي بتحديد موقف حازم وصريح من البيض ومجموعته، ودخولها في حوار جديد مع القيادة الشرعية للدولة وبهذا يمكن التوصل الى حل سياسي يساهم في بناء جسور الثقة مجدداً. ولكن لا بد أن يسبق بدء أي حوار ادانة البيض وكل الضالعين معه في مخطط الانفصال من قبل الآخرين في قيادة الحزب وقواعده، لئلا يُعتبروا بسبب سكوتهم وعدم اتخاذهم موقفاً علنياً واضحاً متواطئين معهم. ولست أشك في وجود كثيرين داخل الحزب غير موافقين ولا راضين عما أقدم عليه البيض لكنهم غير قادرين على ان يتعرضوا لتهديدات. وماذا تتوقعون ان يفعل علي سالم البيض تجاه مشروع الدولة التي اعلنها بعدما خسر معظم القوة العسكرية وخسر المعركة في المحافظات الثلاث المحيطة بعدن؟ - أعتقد بأن مخططه منذ البداية كان يرمي الى اقامة دولة حضرموت والمهرة، وكنت ألمس ذلك منذ فترة طويلة، بل كنت أتهمه بهذا حتى انه عاتبني مرة لأنني أرميه بهذه التهمة. وها هي الأيام تؤكد حدسي وتوقعاتي لكن بلوغه حلمه هذا غير ممكن مطلقاً، فالمواطنون انفسهم في حضرموت والمهرة ليسوا معه وإنما هم مع الوحدة بالتأكيد. علي أي أساس، تحكمون على البيض انه لم يكن وحدوياً من البداية؟ - كنت أشعر منذ البداية بأن البيض دخل في الوحدة مكرهاً، وانه ظل يفكر في الانفصال حتى عند موافقته على الوحدة، ولكن بعد ان يكون قد نجح في تجاوز المأزق الذي كانت فيه دولة الشطر الجنوبي سابقاً، نتيجة فقدان الظهير الدولي، بحكم المتغيرات التي أدخلها غورباتشوف على نهج الاتحاد السوفياتي اذذاك، وسقوط نظم الحكم الشيوعية. وكذا في محاولة من البيض لاحتواء احتمالات المواجهة التي كانت واردة اذذاك مع خصومه الكثر في الداخل ودول المنطقة التي كانت قيادة الحزب الحاكمة في عدن تعاديها على مدى عقدين من الزمن. وجاءت سلوكيات البيض ومجموعته منذ قيام الوحدة لتؤكد انه لم يكن حريصاً على بقاء الوحدة ولا مؤمناً بها. صحيح انهم كانوا يزايدون بالوحدة، الا انهم كانوا يقومون بممارسات انفصالية. وكذا بالنسبة الى الديموقراطية التي ظلوا يرفضون التسليم بقواعدها والقبول بنتائجها. بل لو كان البيض يؤمن بالوحدة لكان انهى الازمة حين حصل على تنازلات لم يكن يتوقعها. لكنه ظل يتصرف وهو نائب للرئيس كما لو كان رئيساً آخر للدولة.