الصين تعلن «معارضتها القاطعة» للرسوم الأمريكية وتدعو إلى «الحوار»    البديوي يؤكد أهمية تفعيل التعاون الأمني بين الجانب الخليجي - الأوروبي    بعد تحرير الرميلة.. الجيش السوداني يزحف نحو قلب الخرطوم    إحباط تهريب 120 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر بجازان    «صحة جازان»: خطط لتطوير القطاع غير الربحي    طالبتان من الطائف يحصلن على المستوى الذهبي وطالبتان تفوزان في مسابقة تحدي الإلقاء للأطفال    "هداية" تحتفي بإنجازاتها لعام 2024م بأكثر من 1500 مسلم جديد    مدفوعة برؤية 2030.. 7 مستشفيات سعودية ضمن أفضل 250 مستشفى عالمياً    لا للتهجير.. اجتماع فلسطيني - مصري في القاهرة اليوم    بدء أعمال السجل العقاري ل (15) حيًا بالمدينة المنورة    رابطة العالم الإسلامي تثمِّن عاليًا تأكيد المملكة موقفها الثابت والراسخ من قيام دولة فلسطين وعاصمتها "القدس الشرقية"    مساحة العُلا للتصميم تحتضن معرض "مدرسة الديرة"    رياح وأمطار متفرقة وتوقعات بتساقط ثلوج على مرتفعات تبوك    «فروسية الطائف» تحتفل بكأس سعود بن محمد    «موسم الرياض» يرعى حفل الزواج الجماعي «ليلة العمر» ل 300 عريس    مقترح بتحويل «بني حرام» إلى وجهة سياحية وربطها ب «المساجد السبعة» بالمدينة المنورة    الكويت: صدور مرسوم أميري بتعديل وزاري يشمل "الداخلية" و"الدفاع"    «رماح النصر».. تمرين جوي لرفع القدرات القتالية بمشاركة 15 دولة    الدوسري لجيسوس: «ليش طلعتني؟»    الرياض تحتضن «بطولة المملكة المفتوحة» للكيك بوكسينغ.. غداً    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    أسترالي يصطحب صندوق قمامة في نزهة    انتحار طبيب هرباً من نفقة أطفاله    ضم هيئة التأمين لعضوية اللجنة الدائمة لمكافحة غسل الأموال.. مجلس الوزراء: نقل اختصاص تراخيص 4 مهن لهيئة المراجعين والمحاسبين    الاقتصاد السعودي.. أداء قوي واستدامة مالية    السماح للشركات الأجنبية الخاصة ب«الطلب» بنقل الركاب    طرح تذاكر كلاسيكو الأهلي والنصر    في ختام الجولة 20 من" يلو".. الباطن يواجه النجمة.. والجندل في ضيافة العربي    ولي العهد ورئيس الإمارات يبحثان تطوير التعاون    محادثات بين الشرع وأردوغان لتعزيز العلاقات والتعاون الدفاعي    بيئة حيوية    أخضر تحت 20 عاماً يواصل الإعداد للآسيوية    تحديث بيانات مقدمي الإفطار الرمضاني بالمسجد النبوي    جريمة دهس تهز لبنان.. العنف يغتال حياة عشريني    10 % من مشاهير التواصل مصابون بالانفصام    نورة الجربوع: العمل الفني ترجمة للمشاعر في مساحات اللون    فريق جرعة عطاء ينظم فعالية للتوعية بمناسبة اليوم العالمي للسرطان    انطلاق أعمال المؤتمر الدولي الثاني لطب حديثي الولادة في جازان    9 تنبؤات لأكبر اختراقات بحثية لعام 2025    استعراض إنجازات لجنة السلامة المرورية أمام محمد بن ناصر    مترو الرياض.. وإعادة تشكيل الهوية    وزارة الصحة بالمدينة المنورة تنظم دورة تدريبية للمتطوعين الصحيين    طلاب وطالبات جامعة الملك سعود يُتوجون ببطولة الجامعات التنشيطية للبادل    فهد بن نافل: صافرات الاستهجان لا تمثل جماهيرنا ولا تمثل الهلال ولا تخدم النادي    شتان بين القناص ومن ترك (الفلوس)    نصائح عند علاج الكحة المستمرة    علاج السرطان بتقنية cytokinogenetic therapy    بئر بروطة    666% نموا بدعم مربي النحل وإنتاج العسل    السعودية تقود المسار.. وسوريا تبدأ صفحة جديدة    80 يوما على سقوط المطالبات التجارية    تطبيع البشر    بقعة زيت قلبت سيارتها 4 مرات.. نجاة ابنة المنتصر بالله من الموت    نائب أمير تبوك يتسلم تقرير أعمال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر    «911» يتلقى (2.606.704) اتصالات خلال يناير    الرئيس السوري أحمد الشرع يغادر جدة    رئيس الوزراء الصومالي يصل إلى جدة    العلاقات بين الذل والكرامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحوار اليمني في مهب الريح بعد اخفاق الوساطة العربية
نشر في الحياة يوم 11 - 04 - 1994

لم يثمر لقاء صلالة الذي جمع فيه السلطان قابوس بن سعيد رئيس مجلس الرئاسة اليمني الفريق علي عبدالله صالح ونائب الرئيس السيد علي سالم البيض ... لكن هذه النتيجة لم تترك اثاراً وانعكاسات سلبية ميدانية في اليمن. ولكن بدا من قرار مسقط انسحابها من اللجنة العسكرية ان الوساطة العمانية - الاردنية توقفت او جمدت. علماً ان الوساطة المصرية لا تزال مستمرة من دون بروز ما يشير الى تقدمها او تعثرها. والسؤال: أين اصبحت الأزمة ... والحوار؟
"يحاول جانب من احزاب الائتلاف انهاء الجانب الآخر. ويحاول الجانب الآخر انهاء لجنة الحوار. وتحاول لجنة الحوار انهاء الأزمة، وتحاول الأزمة انهاء أحزاب الائتلاف".
بهذه العبارة الساخرة صور مستشار سياسي في تصريحه الى "الوسط" واقع الازمة السياسية في اليمن، من خلال منظوره لتداخل العلاقات وتباينها بين اطراف الازمة. وهذه العبارة، بقدر ما تبدو ساخرة ومتجاوزة المعادلات الموضوعية في تحليل الواقع الحالي للأزمة، الا انها بالفعل تصور جانباً منظوراً ومحسوساً في الازمة هو الجانب الساخر المتمثل في تأرجح النقيضين في صورة لا تكاد تتيح للمراقب فرصة لرؤية او ترجيحاً لاحتمال في اتجاه مستقبلها القريب.
وهذا الواقع ناتج في حد ذاته - كما ترى مصادر مطلعة - من أن الازمة أصبحت تتطور في مسارها بصفة تلقائية، ولم تعد خاضعة في معظمها لسيطرة احد الاطراف وبعضها أو مجموعها، في ادارة الازمة وتوجيهها. وتعلل هذه المصادر رؤيتها هذه في مجمل تصريحاتها الى "الوسط" بأن اطراف الازمة، سواء داخل لجنة الحوار أو خارجها، تاهت في عموميات الوثائق وتناقض المقترحات. فلا تكاد هذه الاطراف تنتهي من وثيقة او مجموعة وثائق حتى تواجه اخرى مماثلة تفرض نفسها على الأزمة وأطرافها وعلى الحوار احياناً، وتتنافى في ما بينها بالتناقض من دون ان تفيد أو تدع فرصة لوضع برامج عملية تحاول التأليف بين شتات المقترحات والآراء، في أقصى مستوى ممكن من الوفاق، من جهة، وفي اتجاه الأهداف العامة لپ"وثيقة العهد والاتفاق" من جهة اخرى. الا ان حالة التأرجح التي تطورت في الفترة الاخيرة بصفة ملفتة زادت من ضباب الرؤية وتعثر الخطوات. وأهدرت الجهد والوقت في البحث عن الخطوة الأولى لتنفيذ وثيقة الوفاق.
هدوء غامض
في وسط هذا الواقع، ظهرت بوادر شعبية نقابية عبرت عنها حركة الاعتصام - على حد تعبير بعض الصحف الحزبية - وانتشرت لجان ومقرات ودعوات الاعتصام في كل المدن الرئيسية اليمنية. وكذا لجان التحضير لما أطلق عليه "الهيئات الشعبية للدفاع عن الوحدة والديموقراطية، والتصدي لدعوات الانفصال والاقتتال والتداعيات الاعلامية". لكنها على طابعها الشعبي العام والتقائها حول الأهداف العامة، لا تخلو من دوافع حزبية تمثل طرفي الخلاف. ويظهر هذا في صيغ البيانات التي تصدرها. ولعل هذا الدور الشعبي كان واحداً من العوامل التي ساعدت على وجود حالة من التقارب والهدوء النسبي في تداعيات الخلاف، في بداية ما يمكن ان يعتبر مرحلة جديدة ضمن حالة التأرجح التي تميزت بها هذه المرحلة وتمثلت ضمنها حالة الهدوء في ملامح خمسة:
الأول - استئناف لجنة الحوار اجتماعاتها في صنعاء منذ 19 آذار مارس الماضي وحتى 22 منه. وقد ناقشت اعمال لجانها الفرعية وقائمة مقترحات لجنتها الخاصة بوضع تصورات لالتئام اجتماعات مجلسي الرئاسة والوزراء. وأقرت عموماً حل عقدة: أين ومتى تجتمع الحكومة؟ فحددت اجتماعات مجلس الوزراء في مدينة عدن بدءاً من 23 الشهر الماضي، ثم في مدينة تعز ثم في صنعاء. وواصلت اللجنة اجتماعاتها في عدن، منذ 24 اذار الماضي، واجتمعت مع السيد علي سالم البيض، في 28 منه، ثم استقبلها الفريق علي عبدالله صالح في صنعاء مطلع نيسان ابريل الجاري. وأكد كل من الرئيس ونائبه في الاجتماعين أهم العناصر المتعلقة بتحريك اعمال اللجنة واجتماعات مجلسي الرئاسة والوزراء، وتنفيذ القرارات الصادرة أخيراً في اتجاه تنفيذ الوثيقة.
الثاني - اجتماع مجلس الوزراء في عدن برئاسة رئيسه السيد حيدر العطاس في الموعد الذي حددته لجنة الحوار. وناقش المجلس الخطوات الأولى لتنفيذ الوثيقة والتصورات الخاصة بها. وشكّل للغرض نفسه ثلاث لجان من بين أعضائه، احداها برئاسة رئيس الوزراء وعضوية نوابه لوضع تصورات لتشكيل لجان تشريعية خاصة باعداد مشروعات التعديلات الدستورية وقوانين الحكم المحلي والتقسيم الاداري والانتخابات. واللجنة الثانية برئاسة نائب رئيس الوزراء السيد محمد حيدرة مسدوس من الاشتراكي وعضوية وزراء الداخلية العميد يحيى المتوكل المؤتمر والدفاع العميد هيثم قاسم طاهر الاشتراكي والشؤون القانونية السيد عبدالسلام خالد كرمان الاصلاح، ومهمتها وضع تصورات لتنفيذ الجزء الأول من الوثيقة الخاص بالترتيبات الأمنية والعسكرية. واللجنة الثالثة برئاسة السيد عبدالوهاب الآنسي نائب رئيس الوزراء الاصلاح وعضوية وزيري العدل السيد عبدالله احمد غانم المؤتمر والكهرباء السيد احمد علي السلامي الاشتراكي وعضوين من لجنة الحوار، مهمتها وضع تصورات للمتطلبات اللازمة للجنة الحوار. وناقش مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير في عدن 27 آذار الماضي هذه التصورات، وأقر مواصلة اجتماعاته المقبلة في تعز. وأصدر 14 قراراً، أولها:"تقديم خطة للقبض على المتهمين الفارين او الهاربين من السجن او الذين يقفون وراء المتهمين هاتان الجملتان تأتيان للمرة الأولى، واستكمال التحقيقات مع المقبوض عليهم، واحالتهم على المحاكمة".
10 لجان
ومن القرارات، تشكيل عشر لجان لأداء الأعمال الآتية:
1 - التحري عن وجود معسكرات للتدريب على أعمال العنف، لليمنيين والأجانب.
2 - ازالة النقاط العسكرية وتحديد الأماكن التي تقتضي المصلحة اقامة نقاط فيها.
3 - الاعداد لعقد مؤتمر وطني للمصالحة بين القبائل وإنهاء الثأر.
4 - وضع خطة لنقل الوحدات العسكرية مما كان يسمى الاطراف الى المناطق التي تتطلبها الأغراض الدفاعية للدولة.
5 - اعداد مشروع قانون جهاز الاستخبارات.
6 - اعداد مشروعات القوانين الخاصة بالجوانب الأمنية.
7 - الاشراف على تنفيذ القسم الأول من الوثيقة الخاص بالجانب الأمني والعسكري.
8 - اعداد مشروعات القوانين واللوائح الخاصة بتحديد العلاقات والصلاحيات المخوّلة الى رئيس مجلس الرئاسة ونائب رئيس المجلس وأعضائه واعادة النظر في قانون مجلس الوزراء.
9 - اعداد مشروع التقسيم الاداري وقانونه ومشروع قانون الحكم المحلي.
10 - اعداد مشروعي التعديلات الدستورية وقانون الانتخابات. اضافة الى تكليف قيادة وزارة الدفاع اعداد خطة لاخلاء المدن من القوات المسلحة واعادة مركزتها تمهيداً لدمجها وتصحيح أوضاعها. وكذا تكليف وزارتي الداخلية والدفاع تنفيذ ما تضمنته الفقرتان 13 و16 من وثيقة العهد والاتفاق.
التئام المؤسسات
الثالث - بداية اجتماعات مجلس النواب بهدوء لم يكن متوقعاً، وبالتركيز على قرار أصدره تضمن البدء فوراً بتنفيذ ما لا يحتاج من الوثيقة الى تعديلات دستورية او قانونية، وتقديم مشروعات القوانين والتعديلات الدستورية الى مجلس النواب للبدء بمناقشتها. وكلف المجلس لجانه الدائمة متابعة تنفيذ ما أقره في خصوص الوثيقة.
الرابع - وضع وسائل الاعلام الرسمية منذ 24 الشهر الماضي تحت اشراف لجنة الحوار. وبهذا توقف التصعيد الاعلامي توقفاً نهائياً في الاعلام الرسمي، وان كان لا يزال مستمراً في الصحف الحزبية.
الخامس - كان مقرراً بحسب ما صدر عن لجنة الحوار ان يجتمع مجلس الرئاسة في صنعاء، يوم 28 آذار لوضع الترتيبات اللازمة لالتئام الهيئات والمؤسسات الرسمية، وأن السيد سالم صالح محمد عضو مجلس الرئاسة الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي سيشارك في هذا الاجتماع، الا انه انعقد من دون حضوره. وهذا ما عرض الاشتراكي لانتقاد لجنة الحوار. وبررت مصادر الاشتراكي، غيابه بأنه لم يتلق دعوة من مجلس الرئاسة ولا بلاغاً من لجنة الحوار في الوقت المناسب.
وأبلغت مصادر مطلعة "الوسط" ان سبب غيابه آت من جدول أعمال الاجتماع، سواء لأنه لم يتضمن مجموعة البنود التي تقرر أن يناقشها، أو لأنه تضمن مناقشة نتائج الزيارة التي قام بها الفريق علي عبدالله صالح لدمشق، في 24 آذار الماضي. وهي موضوع ينطوي على كثير من الخلاف بين الحزبين من حيث اهدافها. وبالتالي كان غيابه موضع اهتمام لجنة الحوار التي أكدت في اجتماعها نهاية الشهر الماضي ان يكون يوم الخامس من الجاري موعداً لحضوره اجتماع مجلس الرئاسة في صنعاء.
خطوات ومحاذير
من الملامح السالفة لحال التقارب والهدوء يمكن القول ان الخطى العملية لتنفيذ الوثيقة بدأت، على رغم انها تسير ببطء ومحاطة بكثير من المحاذير والتوقعات المضادة وبعدم وضوح الرؤية وضوحاً كافياً في اتجاه مستقبل التنفيذ الفعلي. اما كون البداية هذه لا تزال محصورة بالجانب النظري، فهو أمر طبيعي بحكم ان البداية تنطلق منه. وبصفة عامة، فان هذا القول يتعزز بما تعكسه الملامح السالفة من مؤشرات يتلخص أبرزها بالآتي:
أولاً - ان التئام مجلس الوزراء وموافقته على برنامج اجتماعاته وعلى القرارات الصادرة عنه هو في حد ذاته خطوة قياسية كما يؤكد اعضاء من داخله. وهي خطوة تعني - كما قال لپ"الوسط" عضو في لجنة الحوار - "عودة الحياة من جديد الى مجلس الوزراء". اضافة الى أن اصدار المجلس قرارات بهذا الحجم والمضمون يرجح جانب الجد في التوجه، مع الاحتفاظ بكون الاعتبار يتحدد بمدى الاستمرار في الاتجاه نفسه. وتجدر الاشارة الى ان "القسم الأول من الوثيقة" الوارد ضمن قرارات مجلس الوزراء يقع تحت عنوان: "أولاً: التداعيات وسبل استعادة الثقة"، ويتكوّن من جزئين:
أولهما "1 - المتهمون في قضايا الاخلال بالأمن"، ويتضمن عشرة بنود في شكل قرارات، وفي نهايتها أربعة بنود تحدد طرق التنفيذ وفتراته والجهات المسؤولة عنه. وثانيهما "2 - الجانب الأمني والعسكري"، ويتضمن 16 بنداً تشمل كل ما جاء في الوثيقة عما يتعلق بقضايا الأمن والجيش. وضمن هذا الجانب تأتي الفقرتان 13 و16 المشار اليهما في قرارات مجلس الوزراء ونصهما كالآتي:
"13 - يُمنع ضباط وجنود القوات المسلحة من التدخل في قضايا المواطنين وشؤون السلطات المحلية او مزاولة اي نشاط في مواقع عملهم يتداخل مع وظائف السلطات القضائية والتنفيذية". "16 - تلغى جميع الترقيات غير القانونية التي تمت منذ بداية عام 1993".
ثانياً - ان ما تضمنته قرارات مجلس الوزراء تشمل معظم الوثيقة في جانب التنفيذ النظري. ممثلاً في القسم الأول المشار اليه، وأسس بناء الدولة الحديثة باستثناء مجلس الشورى. وكذا تعديل الدستور وآلية التنفيذ وآلية المتابعة والترتيبات والظروف الأمنية... الخ. ثالثاً - جاء اقرار مجلس النواب وثيقة الوفاق بصفة ضمنية أقوى دلالة وأبلغ تعبيراً من الاقرار المباشر. اذ جاء في قرار عملي يؤكد الانسجام مع الوثيقة والبدء من جانب تنفيذها.
واعتبر اعضاء في لجنة الحوار، قرار مجلس النواب، "الخطوة الأولى للخطوات التنفيذية الأولى لوثيقة العهد والاتفاق، تجاوزت كل المحاذير والتوقعات التي ظلت قائمة حتى انعقاد الجلسة الأولى من الدورة الحالية لمجلس النواب". وهي توقعات وصل فيها بعضهم الى ما يقرب من القطع بأن مجلس النواب لن يوافق على الوثيقة، الا بشروط يصعب توافرها، وان وافق على مجملها فلن يوافق على التعديلات الدستورية المترتبة على تنفيذها.
رابعاً - بالنسبة الى الماضي، فان من ألمع المؤشرات الى مدى تقارب احزاب الائتلاف في الفترة الأخيرة السابقة للقاء صلالة في 3 من الجاري، موافقة قيادة الاشتراكي على حضور السيد سالم صالح محمد اجتماعات مجلس الرئاسة. وهنا يمكن التنويه بأن غيابه عن اجتماعات المجلس استمر لفترة تزيد على خمسة اشهر. كما ان السيد البيض، غائب عن اجتماعات مجلس الرئاسة منذ حزيران يونيو الماضي. وظلت اجتماعات المجلس تنعقد في غياب زعيمي الاشتراكي.
مقايضات سياسية
في ضوء ما سلف، ومن مجمل التصريحات والمعلومات التي حصلت عليها "الوسط"، يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:
الأولى - ان بداية التئام الهيئات الدستورية الثلاث الرئاسة والحكومة والبرلمان من حيث تزامن التئامها واتجاهها نحو غاية واحدة هي تطور جديد على صعيد الازمة منذ بدايتها. وترى أوساط سياسية ان هذا الالتئام جاء في شكل مقايضة سياسية، فالمؤتمر الشعبي العام وافق على اجتماعات مجلس الوزراء، في عدن ثم في تعز ثم في صنعاء. والحزب الاشتراكي وافق على العودة الى مجلس الرئاسة، والتجمع اليمني للاصلاح وافق رئيسه على العمل في مجلس النواب لاقرار الوثيقة واتخاذ القرارات اللازمة لتنفيذها، اضافة الى تنازلات اخرى لا لزوم للاستطراد فيها.
والثانية - ان قياديين من "التكتل الوطني للمعارضة" ما زالوا يؤكدون عجز حكومة الائتلاف عن تنفيذ الوثيقة، ويطرحون البديل منها "حكومة وحدة وطنية للانقاذ"، حسب تعبير السيد عمر الجاوي زعيم حزب "التجمع الوحدوي اليمني". لكن الجاوي يرى في ندوة اقامها حزبه في عدن منتصف الشهر الماضي ان تشكيل الحكومة البديل ليس أمراً سهلاً "لأننا نعيش في مأزق، اذ أن مراكز القوى في أحزاب الائتلاف لن تقبل بحكومة وحدة وطنية للانقاذ". ولعل الأهم، ان زعيم التجمع الوحدوي اليمني. طرح للمرة الأولى بهذا الشكل ان "هذه الوثيقة وثيقة العهد والاتفاق تملك شرعية جديدة غير الشرعية الدستورية" وأن "الشرعية الدستورية لم تعد قائمة بعدما احبطت وحُجِّمت ومضت في طريق غير صحيح".
لقاء صلالة
هذه الواجهة من ملامح التقارب، في اطار تنفيذ الوثيقة مثلت الجانب الرسمي المعلن لأحزاب الائتلاف. فهي لم تكن الوحيدة على الساحة، بل رافقتها ظواهر وممارسات خارج الاطار وفي الاتجاه المضاد. اضافة الى ما أشارت اليه هذه الظواهر من تطورات تجري وراء الكواليس ادت الى لقاء صلالة، بين الرئيس علي عبدالله صالح والنائب علي سالم البيض، برعاية السلطان قابوس بن سعيد. وانتهى اللقاء بفشل.
هذا اللقاء الذي جاء مفاجئاً لكل الاوساط ومحاطاً بكثير من الاهتمام وبكثير من السرية تتركز أهميته في جوانب رئيسية ثلاثة، هي: خلفيته وموضوعه وانعكاساته. وعلى رغم شح المعلومات وتعدد التفسيرات والتوقعات، استطاعت "الوسط" من خلال ما اجرته من اتصالات ان تسلط بعض الأضواء على جوانب هذا اللقاء، في العناصر الآتية:
أولاً - كما أكدت "الوسط" في اعداد سابقة ان "وثيقة العهد والاتفاق" اقتصرت على معالجة الجانب الفني في الأزمة، وهو ما يتعلق ببناء اجهزة الدولة واصلاحها، ولم تتناول جانب الخلاف السياسي، وهو الأهم، بوصفه يمثل الأزمة تمثيلاً حقيقياً في أسبابها وتداعياتها وانعكاساتها.
ثانياً - كان لا بد لجانب الخلاف من ان يعبر عن اهميته من ناحيتين: الأولى، ما يجري في الخفاء من اتصالات ومشاورات ووفود وجهود محلية وعربية للوساطة والمصالحة. والثانية، ما يجري في العلن من ممارسات وإجراءات وتصريحات تعبر عن استمرار الخلاف وتصاعده. وهذا ينصبّ على لجنة الحوار التي تقوم باتصالاتها من جديد ازاء كل حادث لمحاولة ازالة آثاره وضمان عدم تكراره. لكن الآثار تظل قائمة، والأحداث تتكرر على طول الماضي. وبالتالي، ظل دور اللجنة في الخلاف دوراً لاحقاً ومتوقفاً على الظواهر اليومية.
عجز الوساطات
ثالثاً - من هنا يتضح عجز ما يجري في الخفاء من وساطات وما يجري في العلن من ملاحقة الأحداث وتداركها وذلك في جانبين:
أولهما ان كل الوساطات على طول الماضي اكدت فشلها، سواء المحلية منها او العربية. وهذا ناتج من اسباب عدة، منها بحسب ما تراه مصادر مقربة من قيادتي الخلاف ومراقبة ومطلعة:
- أن الوساطات المحلية ظلت متأثرة لذاتيتها ومحتفظة بميولها السياسية، على الأقل، من وجهة نظر هذا الطرف او ذاك. وبالتالي لم تستطع في مجموعها ان تحوز ثقة الطرفين بصفة كافية ومتساوية.
2 - ظلت الوساطات العربية والاجنبية في حدود القواعد الديبلوماسية، تسمع من الطرفين لتقول في الأخير نصيحتها بالأسلوب الذي يحفظ لها علاقاتها متساوية مع كلا الجانبين. وهي معزورة في هذا لأنها لا تملك اكثر منه.
3 - ان كلتا قيادتي الخلاف لم تطرح جوهر الخلاف أو أسبابه الحقيقية. ولذا يلاحظ انه طوال الماضي لم تتحدد نقاط الخلاف في ما هو معلن. ولم تتوقف المقترحات والشروط والضمانات عند حد.
وثانيهما ان ما ظهر من تطورات وممارسات وإجراءات حملت مؤشرات واضحة في معظمها، يفترض أن تكون كافية لكشف حقيقة الخلاف وأسبابه وأبعاده. ومنها مثلاً من دون ترتيب زمني أو نوعي:
- وضع القوات المسلحة والمماطلة في دمجها ثم تحركها اثناء الأزمة.
- المفارقات في التعامل مع وثيقة الوفاق بين جانبي الخلاف.
- ظهور بوادر وإجراءات ادارية، تتنافى مع الانظمة المركزية للدولة.
- مجمل المؤشرات التي تكررت في الحملات الاعلامية المتبادلة.
- تأخر محاكمة المتهمين بالاغتيالات والتفجيرات.
- موضوع الضمانات السياسية والأمنية.
قضايا خارج الحوار
ومن الملامح العامة لواقع الخلاف والمؤشرات التي أفرزها الواقع في الماضي، برزت من جديد قضايا ترددت في ماضي الازمة بين فترة وأخرى، في شكل مقترحات أو ضمانات أو شروط أو كل هذه الصفات مجتمعة. لكنها لم تطرح من جانب الحزب الاشتراكي بصفة ملحة، ولم يتوقف عن طرحها في الوقت نفسه. كما انها لم تجد قبولاً لدى المؤتمر الشعبي العام. وأنها بحسب ما هو معلن، لم تطرح في نقاش حاسم لبتها. وظلت في معظمها موضوعاً اعلامياً. الا ان مصادر سياسية ترى ان ما أصدرته اخيراً لجنة الحوار ومجلس الوزراء من قرارات في اتجاه تنفيذ الوثيقة والتئام مؤسسات الدولة، فرض طرح هذه القضايا، خصوصاً ما يرتبط منها بتنفيذ القرارات، ومن أبرزها ثلاث:
الأولى - عاصمة دولة الوحدة. وكان السيد البيض طرح في بداية الازمة في حديث عام ما يمكن وصفه باقتراح او وجهة نظر، لنقل العاصمة من صنعاء الى تعز او ذمار او غيرهما. وترددت هذه النقطة من جانب الاشتراكي اكثر من مرة، بحجة ما يوجد في صنعاء من معسكرات ومستودعات عسكرية، ومن كثافة في حمل السلاح بين عامة الناس، وبما وقع فيها من احداث الاخلال بالأمن في صورة أعجزت الحكومة عن السيطرة عليها. ما دفع قادة الاشتراكي الى الانحسار عن صنعاء الى عدن، وبالتالي فان وضع العاصمة في هذه الحال - كما يرى قادة الاشتراكي - يصبح عقبة في طريق تنفيذ الوثيقة في ما يتعلق بالتئام المؤسسات او الهيئات القيادية للدولة.
والثانية - انسحاب الوحدات العسكرية مما كان يسمى الاطراف. وعلى رغم ان اللجنة العسكرية المشتركة نجحت الى حد كبير في تنفيذ قرارات الانسحاب، الا ان مصادر سياسية نسبت اخيراً الى قياديين في الحزب الاشتراكي، وجهة نظرهم في هذا الصدد، ممثلة في انسحاب الوحدات العسكرية مسافة خمسين كيلومتراً الى الخلف من مواقع المواجهة، على ان تفصل بينها قوات مراقبة عربية ودولية مشتركة لضمان عدم حدوث انفجار عسكري. وهذا ما انتقده قياديون في المؤتمر الشعبي العام ووصفوه باتجاه الطرف الآخر نحو تدويل الازمة. الا ان عضواً في لجنة الحوار، قال لپ"الوسط": "ان المعنيين في قيادة الاشتراكي نفوا ان يكون صدر عنهم شيء من هذا".
والثالثة - الوضع الدستوري للبلاد. وكان تردد عن مصادر في الحزب الاشتراكي وفي احزاب المعارضة الممثلة في لجنة الحوار طروحات في هذا الشأن مفادها ان الاجماع الوطني والسياسي على "وثيقة العهد والاتفاق" منح الوثيقة الشرعية الدستورية، وأصبحت شرعية الدستور ومؤسساته، موقتة باجراء التعديلات الدستورية في ضوء الوثيقة. وبالتالي فان اي تشريعات تصدر حالياً تظل هي الاخرى موقتة. اضافة الى ان التمسك بالشرعيتين على حد سواء، يؤدي الى الازدواج والى صعوبة تنفيذ الوثيقة. وكما سلف، ذهب بعض قادة المعارضة الى اعتبار ان الشرعية الدستورية غير موجودة. ولعل هذا الطرح كان في معظمه بواقع القلق من موقف مجلس النواب، واحتمال ان يستخدم الشرعية الدستورية لالغاء أو تعطيل الوثيقة. الا أن اقرار مجلس النواب أخيراً الوثيقة واصداره قرارات في اتجاه البدء فوراً بتنفيذها خففت حدة المواجهة.
هذه أبرز القضايا التي ترى المصادر السياسية التي امكن "الوسط" الاتصال بها في صنعاء وعدن انها جاءت ضمن لقاء صلالة في شكل او بآخر. وفي تصريحه الى "الوسط"، قال السيد عبدالعزيز عبدالغني عضو مجلس الرئاسة الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام: "لم تظهر تفاصيل دقيقة عن هذا اللقاء حتى الآن". وأضاف: "الاخوان في الاشتراكي طرحوا ان تنسحب الوحدات العسكرية فيما كان يسمى الاطراف مسافة خمسين كيلومتراً الى الخلف، وتأتي قوات خارجية للفصل في ما بينها. كما طرحوا ان الوثيقة تعلو على الدستور".
وحدد موقف حزبه بالقول: "نحن متمسكون بنصوص الوثيقة وبما صدر من قرارات لتنفيذها، بما في ذلك انسحاب الوحدات العسكرية الى مواقعها قبل الأزمة". وعن الشرعية الدستورية، قال: "كذلك نصت الوثيقة على ان يتم العمل بالدستور حتى اجراء التعديلات. وهو ينص على ان صنعاء هي عاصمة دولة الوحدة اليمنية".
بعد صلالة
بعد هذا يبرز السؤال: ما هي الآثار المتوقع انعكاسها بعد اخفاق لقاء صلالة على واقع الازمة اليمنية؟
لعل أقرب طريق الى محاولة الاجابة عن هذا السؤال هو استقراء سريع لأوائل ردود الفعل على الساحة السياسية في اليمن من خلال العناصر الآتية:
أولاً - ان أول ما يفيده الاستقراء بصفة تلقائية هو عدم وجود أي رد فعل يذكر بتجاوز حدود الاهتمام بمتابعة اللقاء وأخباره باستثناء حالة القلق التي عمت الاوساط السياسية، عند سماع الخبر الأول للقاء، اذ أبلغ "الوسط"، مصدر قيادي في احد احزاب الائتلاف في مدينة الحديدة ظهيرة الثالث من نيسان الجاري أن قيادات التنظيمات والمنظمات السياسية والنقابية هنالك تستعد لتفجير تظاهرات صاخبة، فيما لو سمعت أي نتيجة للقاء تمس الوحدة.
ثانياً - وفي اليوم التالي 4 نيسان، كان تصريح الوزير العماني عن فشل الوساطة لتجاوز مسائل الخلاف بين الرئيس اليمني ونائب الرئيس كفيلاً بإزاحة القلق عما كان متوقعاً حدوثه في اللقاء وصدوره عن الاجتماع. وظلت حالة الهدوء التي سادت اخيراً كما هي على كل المستويات. كما أثار فشل اللقاء احتمالات عدة لدى بعض المراقبين في صنعاء، منها ان هذا اللقاء تم بما يشبه الصدفة ولم يكن مرتباً لا من حيث موعده ولا موضوعه. ومنها انه ربما جاء ليمثل خطوة تمهيدية لخطوة تالية تظهر مستقبلاً. ولعل حالة التعتيم والغموض التي احاطت باللقاء كانت سبب هذه الاحتمالات.
ثالثاً - باستثناء الاحتمالات والتوقعات، ظل الوضع العام طبيعياً، وكذا على مستوى احزاب الائتلاف ولجنة الحوار ومؤسسات الدولة. وعلى سبيل المثال، استمر مجلس النواب في مناقشة موضوع الترقيات والعلاوات الخاصة بالقوات المسلحة والأمن. وواصلت لجنة الحوار في عدن مناقشة المقترحات الخاصة بتشكيل اللجنة الوطنية لإعداد مشروع التعديلات الدستورية.
"لم نعلم شيئاً"!
وسألت "الوسط" هاتفياً السيد عمر الجاوي الموجود في عدن عن موقف لجنة الحوار من اللقاء، بصفته عضواً في اللجنة، فأجاب:
"اتفق جميع الأطراف في لجنة الحوار من خارج احزاب الائتلاف على ان نصدر بياناً نعبّر فيه عن أسفنا لما يعمله قادة الائتلاف من أشياء لا نعلم عنها شيئاً بينما نحن هنا نتحاور في الموضوع والاطار اياهما.
يعني انكم لم تعلموا شيئاً عن هذا اللقاء، بمن فيكم الأعضاء من احزاب الائتلاف؟
- نعم لم يكن الجميع يعلمون شيئاً عن هذا اللقاء، بمن فينا اعضاء من المكتب السياسي للحزب الاشتراكي. وأكثر من هذا ان اعضاء في الوفد الذي سافر الى سلطنة عمان لم يكن يعرف شيئاً عن اللقاء الا في صلالة.
وهل ترى ان التئام المؤسسات الدستورية سيستمر كما سبق اعلانه؟
- ربما كان هناك بعض الصعوبات اثر هذه التداعيات التي طرأت. لكن اجتماع مجلس الرئاسة الاثنين الجاري سينعقد على الارجح، اذا انعقد مجلس الوزراء في تعز يوم الأربعاء 6 الجاري.
وماذا تتوقع من انعكاسات سلبية على الحوار بعد اعلان فشل لقاء صلالة؟
- الوزير العماني، تحدث عن فشل الوساطة، مؤكداً انه لا يوجد خلاف شخصي بين الرئيس ونائبه. وإنما هناك خلافات حزبية، وان الحل سيكون يمنياً. وبالتالي لا أتوقع انعكاسات سلبية.
تعني ان لا داعي للقلق من ردود فعل اخرى؟
- احسست بالقلق في اليوم الأول فقط. وفي اليوم التالي كان الانطباع لديّ جيداً، لأنهم لم يفشلوا، لكنهم نجحوا في افشالنا.
كيف؟
- كلام لا يقال في الهاتف!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.