أكد المهندس حيدر أبو بكر العطاس المكلف تشكيل الحكومة في "جمهورية اليمن الديموقراطية" "ان جميع أعضاء المكتب السياسي للحزب الاشتراكي، حتى غير الموجودين داخل اليمن، استشيروا قبل اتخاذ قرار اعلان دولة جمهورية اليمن الديموقراطية". وقال في لقاء مع "الوسط" في لندن انه تشاور مع عدد كبير من زملائه في المكتب السياسي، خلال وجوده في الولاياتالمتحدة لتلقي العلاج، وفي طليعتهم سالم صالح محمد، الأمين العام المساعد للحزب عضو مجلس الرئاسة اليمني الذي لم يرد اسمه في لائحة قيادات الاشتراكي ال 16 الذين أصدرت صنعاء مذكرة بالقبض عليهم. وأضاف العطاس الذي عزله الرئيس علي عبدالله صالح من رئاسة الحكومة بعد انفجار الوضع: "ان قرار العودة الى الوضع السياسي الذي سبق الوحدة كان بمثابة قرار الأمر الواقع. فالحرب ضربت الوحدة، والانفصال هو محطة ستستخدم لاخراج اليمن من المأزق الذي زج فيه. والعودة الى الصيغة السياسية التي سبقت الوحدة خطوة وقائية لانقاذ اليمن من التشرذم. ان الانفصال يمثل عينة من الجهود التي بذلناها لادخال اليمن مرحلة القرن العشرين. وربما كان خطوة متقدمة لانقاذ الخميرة الداعية الى اقامة دولة المؤسسات والقانون وتثبيت مفهوم التعددية السياسية وعصرنة الدولة". وبدا العطاس في تأكيده استشارة كل أعضاء المكتب السياسي للاشتراكي قبل اعلان الانفصال، كأنه يقفل الباب - ربما مرحلياً - في وجه ما يتردد عن محاولات تبذلها صنعاء لشق الحزب الاشتراكي من خلال اطلاق دعوة الى محاورة القيادات الشمالية فيه، مثل الدكتور ياسين سعيد نعمان وجار الله عمر ويحيى الشامي وأحمد السلامي، وكلهم أعضاء في المكتب السياسي للاشتراكي وينتمون الى محافظات شمالية. وأضاف: "كل ما يتردد في هذا الموضوع مجرد اشاعات تعبر عن رغبة أكيدة لدى حزبي المؤتمر والتجمع اليمني للاصلاح في شق صفوف الاشتراكي، وهذا كان دأبهم منذ اعلان الوحدة. كما روجوا في الأشهر الأولى لاعلان الوحدة لوجود تيار "فتاح" للتشدّد في الاشتراكي، وثبت لاحقاً أنها اشاعات تروج لها أجهزة الاستخبارات الشمالية". وأشار الى ما تردد عن مغادرة جار الله عمر عدن وتوجهه الى الشمال، مؤكداً "كذب هذه المزاعم فجار الله عمر مرشح لتولي واحدة من الحقائب الوزارية في جمهورية اليمن الديموقراطية". وتبدو المعركة السياسية، داخلياً واقليمياً، على أشدها بين صنعاءوعدن، اذ تحدثت مصادر مقربة من القيادة في صنعاء عن وجود مبادرة لمباشرة الحوار مع "القادة الوحدويين" في الاشتراكي. وعلم في هذا الاطار ان لجنة ثنائية مؤلفة من الدكتور عبدالكريم الأرياني وعبدالوهاب الانسي بدأت الاتصال بالسيد سالم صالح محمد الموجود في لندن عبر السفير عبدالله الأشطل رئيس البعثة اليمنية الى الأممالمتحدة. وتهدف اتصالات اللجنة مع سالم صالح الى الترتيب لوقف النار والعودة الى الحوار في مقابل عودة عدن عن قرار الانفصال. واتصلت "الوسط" بالارياني فأكد وجود اللجنة لكنه امتنع عن مناقشة "مهماتها الحساسة" كما قال. ورحبت أوساط سالم صالح "بأي مسعى لوقف اطلاق النار". ولوحظ في هذا السياق ان شروط صنعاء لوقف اطلاق النار قد طاولها تعديل جذري لافت، ففي المرحلة الأولى أصرّ الرئيس علي عبدالله صالح على "ان يسلم قادة الاشتراكي الثمانية أنفسهم الى العدالة لمحاكمتهم بتهم التصعيد العسكري والخيانة العظمى". وبعد اعلان الاشتراكي الانفصال تبدلت شروط صنعاء لتقتصر على العودة عن الانفصال في مقابل العودة الى التفاوض. ولكن، هل الوحدة لا تزال ممكنة، وكيف تكون صيغتها إذا تم التوصل الى وقف اطلاق النار؟ علي ناصر يقول علي ناصر محمد الرئيس اليمني السابق ل "الوسط": "خيار الانفصال قفزة في المجهول. كيف يتم الانقلاب على الوحدة لانقاذ اليمن؟ وكيف ننسف منجزاً تاريخياً لنعود ونقول لاحقاً اننا سنناضل في سبيل تحقيقه؟ لقد تم الخلط بين الوحدة والأشخاص. وإذا كان تعذر التعايش بين القيادات فكان من الأشرف لهم ان يستقيلوا لا أن ينسفوا الوحدة". وأعرب عن اعتقاده بأن "عدداً من قيادات الاشتراكي التاريخية بينها سالم صالح محمد كانت تفضل التريث قبل اتخاذ قرار الانفصال". ويرى العطاس ان لا مؤشرات الى احتمال وقف لغة السلاح والعودة الى الحوار، قال: "حاولنا وسعنا منذ أربع سنوات وفشلنا. حزب المؤتمر وحزب الاصلاح شيء واحد. تعاهدا على إبقاء اليمن في دائرة التخلف واللادولة، وتغليب سلطة القبيلة على سلطة الدولة بطرق متعددة منها تعطيل تنفيذ برنامج البناء الوطني والاصلاح السياسي والاقتصادي والمالي والاداري، سواء عبر أساليب المماطلة والتأجيل أو من خلال تخويفنا بأساليب الاغتيالات السياسية". غير أن اعلان "جمهورية اليمن الديموقراطية" واكبه توغل عسكري شمالي أحكم سيطرته على غالبية المحافظات الجنوبية متقدماً نحو عدن بعد سقوط قاعدة العند العسكرية، فهل تكتفي "الجمهورية" ببسط سلطتها على منطقة حضرموت التي انتقل اليها علي سالم البيض؟ قال العطاس ل "الوسط": "لا يعني احتلال جيش الشمال أي منطقة انها قد خضعت له نهائياً، فالحرب سجال. هم يتوغلون في المحافظات الجنوبية، ونحن قيادات ومواطنين سنقاوم الاحتلال. توغل الجيش الشمالي في مناطقنا يشبه اندفاع الجيش العراقي واحتلاله الكويت. هذا الاحتلال مرفوض قانونياً. لا يمكن فرض الوحدة علينا بالقوة. منذ اعلان الوحدة، تعامل الشمال معها كوسيلة لفرض الهيمنة على الجنوب بكثافته السكانية القليلة نسبياً. سنقاوم الاحتلال مع كل الأشقاء والأصدقاء". ... لكن "الأشقاء" الذين أشار اليهم العطاس لا تستطيع جامعتهم، جامعة الدول العربية، ان تتدخل لفض نزاعات داخلية، وحتى تستعيد "جمهورية اليمن الديموقراطية" عضويتها في الجامعة، عليها الحصول على اعتراف 11 دولة تنتمي الى الجامعة. وحتى صدور هذا العدد من "الوسط" لم تعترف بالجمهورية الجديدة سوى "جمهورية أرض الصومال" التي لا تحظى هي الأخرى باعتراف دولي. علماً ان صنعاء بدلت شروطها لوقف النار وتحاول محاورة قادة في الاشتراكي، الأمر الذي سيحرج أي دولة عربية تفكر حالياً في الاعتراف بالدولة الجديدة، خصوصاً إذا دخل الجيش الشمالي عدن عاصمة "جمهورية اليمن الديموقراطية"... إلا إذا أعلنت المكلا عاصمة محافظة حضرموت عاصمة جديدة للجمهورية. اما الأصدقاء الذين يتحدث عنهم العطاس، وفي طليعتهم الولاياتالمتحدة، فليس في استطاعتهم دعوة مجلس الأمن الى التدخل في اليمن ما لم تعترف جامعة الدول العربية والمنظمات الاقليمية الأخرى بالجمهورية الجديدة. علماً أن واشنطن مثل دول غربية وعربية عدة لا تزال تدعو الى وقف الحرب ومعاودة الحوار والتفاوض... ولكن على رغم هذا يبدو رئيس الوزراء اليمني الجنوبي واثقاً من "ان المعركة الديبلوماسية ستحسم لمصلحة جمهورية اليمن الديموقراطية فتنهال الاعترافات الاقليمية والدولية عليها وتتمكن من بناء ما هدمته الوحدة حتى نعيد ترميم الوشائج التي تقطعت بفعل المواجهات العسكرية". وفي ما يمكن اعتباره اشارات مطمئنة الى دول الجوار عن توجهات عدن قال العطاس: "كل الاتفاقات والمواثيق التي تم التوقيع عليها في فترة الوحدة ستحظى بالاحترام والاعتراف من طرفنا". وسألته "الوسط" عن اتفاقية الحدود اليمنية - العمانية، فأجاب: "نحن بدأنا المحادثات الحدودية مع سلطنة عمان إثر عودتي من زيارة لمسقط عام 1988، عندما كنت رئيساً لهيئة الرئاسة. وجاءت الوحدة، ثم حصل غزو الكويت فتأخر الموضوع. وأنا وقّعت شخصياً على هذه الاتفاقية التي نلتزمها جملة وتفصيلاً. أما الملف الحدودي بين اليمن والمملكة العربية السعودية فنرغب في معالجته معالجة نهائية مع الاخوة في المملكة، لكن الجزء الأكبر من هذا الملف بين الشمال والاخوة في المملكة". وأكد أخيراً "ان العلاقة بين الشمال والجنوب كانت أفضل قبل الوحدة. والوحدة تبقى هدفاً ثابتاً ونسعى الى إيجاد الظروف المناسبة لتحقيقها".