تجمع فعاليات سياسية يمنية، من مختلف الاتجاهات السياسية غير المشاركة في السلطة، على ان علاقة الحكومة اليمنية بالشريحة القبلية في الجمهورية اليمنية خسرت قسطاً من رصيد الثقة الذي بنته السلطة الحاكمة مع القبائل منذ اعلان الوحدة في 22 ايار مايو 1990، اثر الاحداث التي شهدتها محافظة مأرب في 26 آب اغسطس الماضي بسبب المواجهة الدامية بين قوة امنية وعناصر من قبائل آل الفقراء. وتعتبر اوساط نافذة في وزارة الداخلية اليمنية ان المواجهة بين القوة الامنية والعناصر القبلية، والتي تسببت بسقوط 13 قتيلاً، هي "انتكاسة للخطة الامنية الحكومية التي تتوخى تحويل حوادث الثأر الى جرائم يحاسب عليها الحق العام والنيابة"، عوضاً عن ابقائها تحت سلطة مجلس القبيلة، يحلها العقلاء بالاحتكام الى العرف القبلي. وتعترف قيادات بارزة في حزبي السلطة، المؤتمر والاشتراكي، لپ"الوسط" بأن خطة الحكومة "اكثر طموحاً" من مجرد استبدال العرف القبلي بلوائح قوانين تنفذها محاكم عصرية لا مجلس القبائل. فالخطة الامنية الحكومية تسعى الى وضع حد لظاهرة "الثأر المسيس" الذي تشهدها الجمهورية اليمنية منذ اعلان دولة الوحدة. وتعترف هذه القيادات لپ"الوسط" بأن "مناخ الديموقراطية التعددية جعل قطاعات واسعة في مجتمعنا القبلي تفقد توازنها النفسي الذي استغلته جهات لضرب الوحدة ومكاسبها". نظرية "المؤامرة" و"استهداف مكاسب الوحدة" مقولة تجمع عليها مختلف الفعاليات اليمنية المتضررة من انفلات حبل الامن وتفاقم حوادث محاولات الاغتيال. فمن هي القوى التي تهدد الأمن في اليمن؟ وهل هي ذات لون واحد ام متعددة؟ وهل ستؤدي ظاهرة العنف المتفاقمة الى تأجيل الاستحقاق الانتخابي، المفترض انجازه قبل 22 تشرين الثاني نوفمبر المقبل، ما سيحتم بالضرورة تمديد الفترة الانتقالية؟ وكيف ستعالج الحكومة اليمنية تفاقم ظاهرة العنف، لا سيما بعد الانتكاسة التي منيت بها الخطة الامنية اخيراً من جراء المواجهة الدامية في محافظة مأرب؟ اعترف الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، خلال لقائه مع "الوسط" 8 حزيران - يونيو - 1992 ان ظاهرة الاغتيال السياسي - وآخرها محاولة اغتيال رئيس مجلس النواب اليمني الدكتور ياسين سعيد نعمان في 20 آب اغسطس الماضي بالقاء قذيفة آر.بي.جي. على منزله في صنعاء - "جزء من المؤامرات التي واجهتها الدولة اليمنية منذ الاشهر الاولى لولادتها، خصوصاً المجال الاقتصادي. ونحن نثق دوماً في يقظة الشعب اليمني". كما قال الرئيس اليمني في حديثه الخاص مع "الوسط" "ان بعض الصحف المحلية والخارجية، لأسباب ودوافع شتى، تضخم الاحداث وبعض الجرائم وكأن اليمن على حافة الانهيار الامني". وحاول الرئيس اليمني التقليل من خطورة ظاهرة العنف في بلاده لدى قوله "الحوادث الامنية سواء كانت اعمالاً تخريبية او حوادث جنائية لأسباب تتعلق بالثأر او بالجريمة امر طبيعي، وهي تحدث في كثير من المجتمعات، ناهيك عن مجتمعنا الذي بلغ عدد سكانه 14 مليون نسمة بعد اعلان الوحدة. السلاح في كل بيت ويعيش اليمنيون مناخات واسعة من الديموقراطية والحرية والتعددية السياسية". اما القوى المسؤولة عن إثارة العنف وزعزعة الامن في الجمهورية اليمنية فيعتبرها الرئيس اليمني انها "عناصر في لعبة جهنمية يريد المتآمرون زج الشعب اليمني فيها وإقلاق امنه واستقراره وإعاقة جهوده الرامية الى تحقيق المزيد من التطور والتقدم". ويعتقد الرئيس اليمني ان القوى المتربصة باليمن يجمعها هدف واحد هو "ان يظل شعبنا رهين الحاجة ويعاني من التخلف". ولا يعتقد الرئيس اليمني ان الخطة الامنية قد تؤدي الى اندلاع ثورة قبلية ضد اجراءات الحكومة "فالخطة الامنية، ومنها جهود تنظيم السلاح في البلاد، لا تستهدف نزع السلاح من المواطنين بل تنظيم حمله في العاصمة والمدن الرئيسية، وقانون الاسلحة الذي اقره مجلس النواب اخيراً واضح في هذا الامر ولا مبرر للمخاوف" التي تتوقع حدوث ثورة ضد اجراءات الحكومة. وأكد الرئيس اليمني ان الانتخابات النيابية ستجري في موعدها قبل انتهاء الفترة الانتقالية. ولفت النظر ان علي عبدالله صالح زار محافظة مأرب، حيث يتوفر الماء والنفط وتنمو المحاصيل الزراعية بسبب السد المائي الكبير، قبل 13 يوماً من المواجهة بين قبائل آل الفقراء والقوة الامنية، في اطار جولة تفقدية على بعض المناطق. وركز الرئيس اليمني في كلمة القاها في مبنى المحافظة على الظروف الاقتصادية الصعبة في اليمن، وشح العملة الصعبة بسبب عودة المهاجرين. كما اشار الى هبوط اسعار النفط وتدني كمية التصدير بسبب زيادة الاستهلاك الذي بلغ 65 الف برميل يومياً وهو ما يعادل نصف كمية الانتاج. وركز علي عبدالله صالح على الاكتشافات النفطية الواعدة، لا سيما في محافظة مأرب الاكثر تضرراً من الازمة الاقتصادية على رغم وفرة عنصري الماء والنفط فيها، وقال ان الانتاج النفطي "بحاجة الى العملة الصعبة والى استتباب الامن". "اعملوا أو استقيلوا" منذ اعلان توحيد شطري البلاد في 22 ايار مايو 1990 تجتاح اليمن موجة عنف لم تشهد مثلها البلاد، على رغم المرحلة الدامية التي شهدها الشطر الجنوبي من اليمن في كانون الثاني يناير 1987. واستهدفت محاولات الاغتيال رموزاً قيادية، ومراكز تابعة للحزب الاشتراكي الشريك في السلطة مع حزب المؤتمر. ففي 26 نيسان ابريل الماضي نجا عبدالواسع سلام وزير العدل، عضو المكتب السياسي في الاشتراكي، من محاولة اغتيال، ورجحت مصادر يمنية وجود علاقة ما بين محاولة اغتيال وزير العدل ومسؤوليته الفنية عن جانب في اتفاقية ترسيم الحدود اليمنية - العمانية. وفي 10 ايار مايو الماضي انفجرت عبوة في حديقة منزل سالم صالح، عضو مجلس الرئاسة والامين العام المساعد في الاشتراكي، وربطت مصادر مطلعة بين المحاولة والدور التوفيقي الذي يتولاه سالم صالح محمد داخل الحزب الاشتراكي، ومع حزب المؤتمر الشريك في الحكومة. وفي 15 ايار مايو الماضي ايضاً استهدفت عبوة حارقة رئيس الوزراء حيدر ابو بكر العطاس وانفجرت في حديقة منزله في صنعاء، وربطت المصادر بين المحاولة الفاشلة واتهامات غير محقة زعمت ان رئيس الوزراء اليمني تنازل، لصالح سلطنة عمان، في اتفاقية ترسيم الحدود معها. وفي 16 حزيران يونيو الماضي، ولدى مقتل شقيق رئيس الوزراء، اعتبرت المصادر نفسها ان اغتيال شقيق العطاس "رسالة تحذير بالغة الجرأة" بعث بها الجناة. وفي 10 آب اغسطس الماضي القيت قنبلة حارقة على منزل فضل محسن وزير التجارة والتموين عضو المكتب السياسي في الحزب الاشتراكي، وربطت المصادر نفسها بين المحاولة الفاشلة ودور وزير التجارة في مشروع المنطقة الحرة في عدن. وفي 20 آب اغسطس الماضي القيت قذيفة آر.بي.جي. على منزل ياسين سعيد نعمان، رئيس مجلس النواب عضو المكتب السياسي في الاشتراكي، في صنعاء. ومرة اخرى تحدثت المصادر اليمنية في صنعاء ولندن لپ"الوسط"، عن علاقة ما بين المحاولة الفاشلة ودور رئيس مجلس النواب في اعداد وإقرار قانون التربية والتعليم في 10 آب اغسطس الماضي، وهو القانون الذي اثار جدلاً واسعاً في المجلس النيابي ومجلس الرئاسة والوزراء، كونه يوحد المناهج التعليمية ويضع المعاهد العلمية تحت سلطة الدولة بعد ان كانت باشراف حزب التجمع اليمني للاصلاح وقبله الاصوليون المتحالفون مع الرموز القبلية في حزب الاصلاح بعد 3 اشهر من الوحدة. واعتبر اقرار قانون التربية ضربة سياسية موجعة لحزب التجمع. فالدولة اليمنية كانت تخصص للمعاهد العلمية 1021 مليون ريال يمني سنوياً وتترك لمدرائها حرية وضع المناهج التعليمية، المختلفة عن المناهج التي تدرّس في المعاهد الرسمية. كما ترك لمدراء المعاهد العلمية حرية دعوة قيادات اصولية غير يمنية للتدريس في المعاهد وإقامة الندوات والقاء المحاضرات. وفي هذا الاطار علمت "الوسط" من مصادر ديبلوماسية اوروبية ان مسؤولاً امنياً يمنياً بارزاً كان على علم مسبق بتفاصيل محاولة اغتيال رئيس المجلس النيابي. واوضحت ان هذا المسؤول، وهو من جنوب اليمن، كان على علم بنوع القذيفة التي سيستخدمها مخططو محاولة الاغتيال، والجهة المستهدفة اي منزل نعمان في صنعاء. لكن هذا المسؤول لم يخبر رئيسه المباشر بما لديه من معلومات، مكتفياً بتحذير رئيس مجلس النواب. وفي هذا الاطار تفهم تصريحات علي عبدالله صالح، لدى اجتماع مجلس الرئاسة في 22 اغسطس آب الماضي حين اعطى الاجهزة الامنية مهلة محددة لكشف ما لديها من معلومات، ووضع حد لظاهرة العنف. فتصريحات الرئيس اليمني هذه منحت مهلة نهائية لكبار مسؤولي جهاز الامن ومفادها: اعملوا او استقيلوا. هل هناك مؤامرة؟ صحيح ان محاولات اغتيال اكثر حدة استهدفت، على امتداد ما انقضى من الفترة الانتقالية، قيادات غير اشتراكية، ففي 21 آب اغسطس 1991 تعرض احمد محمد الاصبحي، الرجل الثاني في اللجنة الدائمة لحزب المؤتمر، مكتب سياسي لمحاولة اغتيال اضطرته الى الانتقال بصورة شبه دائمة الى الاردن. وفي 18 تشرين الأول اكتوبر الماضي تعرض صدوق عبدالله الاحمر، نجل الشيخ عبدالله الاحمر لمحاول اغتيال فاشلة، لكن مع هذا تتميز ظاهرة العنف التي تستهدف قيادات الاشتراكي "بالاصرار والتركيز ودقة التصويب" كما قال لپ"الوسط" جار الله عمر مسؤول التثقيف في الحزب الاشتراكي. ويعتقد جار الله ان قادة الاشتراكي "مستهدفة في العمق لأنها اختارت الاعتدال والاقتراب من الواقع اليمني ولأنها اختارت المشروع الحضاري الوحدوي". فمن هي العناصر المسؤولة عن ظاهرة الاغتيالات المستهدفة قيادات الاشتراكي؟ "عناصر محلية متضررة من المشروع الحضاري الذي اختارته حكومة الوحدة اليمنية". مشروع ترسيم الحدود مع سلطنة عمان، والقوانين الاخرى التي اجازها المجلس النيابي وأقرها مجلس الوزراء، لا سيما قانون التربية والتعليم يدرجها جار الله عمر، على ما يفهم من تصريحاته لپ"الوسط"، ضمن "المشروع الحضاري"، حرصاً على تأجيل المواجهة ولربما تحاشياً لنسف الجسور مع فعاليات سياسية يعتقد الاشتراكي انها تقف خلف تفشي ظاهرة العنف في البلاد، بالتنسيق مع اهداف ومخططات غير يمنية. ولا يرى جار الله عمر ان الشريحة القبلية تضع معوقات في وجه "المشروع الحضاري" الوحدوي والخطة الامنية. "القبائل افسدها السياسيون وهي تطالب الدولة ببسط سلطتها في مختلف مناطق الجمهورية اليمنية". خلال لقاء مطول مع "الوسط" في 15 حزيران يونيو الماضي اكد رئيس الوزراء اليمني حيدر ابو بكر العطاس ان العناصر المسؤولة عن زعزعة الامن في اليمن "ليست ذات حجم سياسي في البلاد يستحق ذكره. وأنا اتوقع ان تنجح الاجهزة المختصة بمعاونة المواطنين في الكشف عنهم وتعريتهم"، مع هذا وفي كل مرة تحدث محاولات اغتيال سياسية تعلن سلطات الامن اليمنية القاء القبض على مجموعة اشخاص ليختفي اي ذكر لنتائج التحقيق بعد ذلك. مصادر نافذة في وزارة الداخلية اليمنية اكدت لپ"الوسط"، خلال اتصال هاتفي، "ان التحقيقات تظهر ارتباط مرتكبي اعمال العنف بالخارج". ويشيع منطق المؤامرة في تصريحات المسؤولين اليمنيين، في جهازي الامن والقضاء، ويجمع عليه كل السياسيين. مع هذا يكتفي المسؤولون بالتعميم والتلميح، وفي حين تخوف كثيرون من محاذير تطبيق الخطة الامنية التي وضعتها الحكومة، وعززت فاعليتها السياسية من خلال اعداد "برنامج البناء الوطني والاصلاح السياسي" ليكون "المانيفستو السياسي" لدولة الوحدة، يقول رئيس الوزراء اليمني لپ"الوسط": "ان الخطة حين وضعت استوعبت الظروف المحلية، حيث أعداد كبرى من مواطنينا يحملون السلاح، ولم يكن هدف الخطة الامنية تحريم اقتناء السلاح انما توخت الحكومة تنظيم حمل الاسلحة، لا سيما في المدن الرئيسية كصنعاء، لارتباط ظاهرة اقتناء السلاح بظاهرة اخرى شائعة في المجتمع اليمني، وهي ظاهرة الثأر، وهي ذات اسباب وجذور تاريخية". وأشار رئيس الوزراء اليمني الى "لقاءات عقدتها مع شخصيات وطنية وقبلية ذات وزن، من مشايخ وفعاليات اجتماعية، وكشفت هذه اللقاءات للحكومة تطلعات هذه الشخصيات الى اليوم الذي تتلاشى فيه ظاهرة الثأر، وما يرافقها من مظاهر حمل الاسلحة". فالمخاوف، ليست في محلها "وغير مبررة" كما يعتقد رئيس الوزراء. في وقت تعتبر مصادر رفيعة المستوى في وزارة الداخلية اليمنية ان المواجهة الدامية بين رجال الشرطة وعناصر قبلية في محافظة مأرب في 26 آب اغسطس الماضي تشكل "انتكاسة كبرى للخطة الامنية"، ترفض اوساط رئاسة الوزراء الحديث عن ابعادها المقبلة. وكان مجلس الوزراء اليمني، في دورته الاسبوعية يوم الاربعاء 26 آب اغسطس الماضي، منح الاجهزة الامنية مهلة عشرة ايام لتتمكن من ضبط الامن في صنعاء، وطالب العطاس الاجهزة الامنية "ان لا يكون الامن موسمياً في الجمهورية اليمنية انما سياسة عامة تتوخى اشاعة الاستقرار في الجمهورية بصورة مستمرة". في المقابل اجتمع مجلس الرئاسة اليمني في 23 آب اغسطس الماضي بصورة مفاجئة، وقبل 48 ساعة من موعده الاسبوعي، بعد ثلاثة ايام من محاولة اغتيال رئيس مجلس النواب، وطلب الرئيس علي عبدالله صالح من وزارة الداخلية "اتخاذ اجراءات صارمة لحماية الامن والاستقرار في البلاد". عبدالله الاحمر يتهم وعلى رغم تصريحات كبار المسؤولين التي توخت التهدئة والتقليل من أهمية ما حدث في محافظة مأرب في 26 الشهر الماضي، وآثاره على الخطة الامنية، حمل الشيخ عبدالله الاحمر زعيم حزب التجمع اليمني للاصلاح وشيخ مشايخ قبيلة حاشد، على السلطة اليمنية واتهمها "بالتقصير في حماية الامن والحفاظ على التراث القبلي المحتكم الى الشريعة الاسلامية". وخلال اتصال هاتفي معه اكد الشيخ عبدالله الاحمر لپ"الوسط" "ان العلاقة بين الدولة والقبائل في اليمن الشمالي لن تكون على ما درجت عليه في السابق من ثقة متبادلة وتعاون". وحمّل الشيخ عبدالله الحكومة مسؤولية تردي العلاقة بين الشريحة القبلية والسلطة "التي لم تعط الوقت الكافي لعقلاء قبائل آل الصياد وآل الفقراء لمعالجة الوضع من خلال الاحتكام، كما درجت العادة منذ آلاف السنين، الى العرف القبلي". وعن محاولة الاغتيال التي تعرض لها رئيس مجلس النواب اليمني قال الشيخ عبدالله الاحمر لپ"الوسط": "نحن نشجب محاولات الاغتيال والعنف المسلطة على اعناق الجميع. مع هذا نقول ان رئيس مجلس النواب والحكومة يتحملان مسؤولية اقرار قانون التربية والتعليم، على رغم مخالفته الصريحة لتعاليم الشريعة الاسلامية. فالقانون يصادر المعاهد التعليمية التي درّست الشريعة لابناء اليمن". مع هذا استبعد زعيم حزب التجمع اليمني للاصلاح اي علاقة بين اقرار القانون في 10 آب اغسطس الماضي ومحاولة الاغتيال التي تعرّض لها ياسين نعمان، كذلك رفض الشيخ الاحمر الربط بين محاولات الاغتيال التي تعرّض لها قيادات الاشتراكي واعتبرها "تصفية حسابات داخلية". واتهم الشيخ عبدالله الاعلام اليمني بالتستر على "قضايا عنف اشد خطورة من تلك التي يطبّلون لها. ففي اليوم التالي لمحاولة اغتيال نعمان، وصادف يوم جمعة فتح رجال الشرطة في عدن النار على المصلين لدى خروجهم من صلاة الجمعة في ضاحية المنصورة شمال عدن. هذا لأن المصلين حاولوا تحطيم سور اقيم حول قطعة ارض ملحقة بمدافن الضاحية، كان وزير الاسكان اليمني محمد سلمان باعها الى احد المستثمرين ليقيم عليها فندقاً سياحياً، ما ادى الى سقوط 4 قتلى من المصلين وجرح عشرة". وعن المهلة التي منحها مجلس الوزراء لأجهزة السلطة، ومطالبة مجلس الرئاسة وزارة الداخلية باتخاذ تدابير صارمة لضبط الامن، واحتمال اعلان حالة الطوارئ في اليمن قال الشيخ عبدالله الاحمر: "كلها محاولات واضحة للالتفاف على الاستحقاق الانتخابي وتمديد الفترة الانتقالية. ان حزبنا مع الاحزاب الاخرى لن يسمح باستمرار هذه الممارسات". العقيد يحيى المتوكل، مسؤول الدائرة السياسية والعلاقات الخارجية في حزب المؤتمر الشعبي العام قال لپ"الوسط" خلال اتصال هاتفي: "حالة طوارئ؟ ابداً. هذا غير وارد. تلميحات السيد الرئيس علي عبدالله صالح هي تحذير مبطن الى الاجهزة الامنية وقادتها، ومفادها: اذا عجزتم عن تطبيق الخطة الامنية ووضع حد للتسيب الامني استقيلوا من مناصبكم ودعوا غيركم يحاول ذلك". وعن علاقة السلطة بالقبائل، بعد حادثة محافظة مأرب، لا يعتقد العقيد المتوكل انها تضررت، فالحادثة "جنائية بحته وغير سياسية. ارادت القوة الامنية القاء القبض على بعض المطلوبين من قبائل آل الفقراء، بعد اشتباكهم مع قبائل آل الصياد، ولما رفض المطلوبون حدثت المواجهة. اعطت الدولة مهلة كافية لعقلاء القبائل، ولما تعثرت جهودهم وجهت القوة الامنية فحدث ما حدث". وكشف العقيد المتوكل لپ"الوسط" ان التحقيقات التي اجرتها السلطات اليمنية مع المجموعة التي قبض عليها بعد محاولة اغتيال رئيس المجلس النيابي "اكدت وجود اصابع خارجية، وان المجموعة التي القت قذيفة آر.بي.جي. تلقت تدريبها في الخارج". والتحقيقات الجارية حول قضايا عنف سابقة "كشفت لغاية الآن معلومات مثيرة وخطيرة تعزز اعتقادنا بوجود مؤامرات جهنمية ضد الوحدة اليمنية". ويبدو العقيد المتوكل واثقاً من قدرة الحكومة اليمنية على تنفيذ خطتها الامنية. ويظهر تفاؤله في "نجاح الحكومة المؤكد في اجراء الانتخابات النيابية في موعدها حسب اتفاقية الوحدة. فالحكومة تمتلك الادوات اللازمة لتنفيذ الخطة الامنية في كل الجمهورية اليمنية". والادوات الاساسية لتنفيذ الخطة الامنية كما يعتقد العقيد يحيى المتوكل تتطلب لوائح قوانين وحدوية تنهي وجود القوانين الشطرية نسبة الى مرحلة ما قبل الوحدة. وقوى امن قادرة، كماً وقدرات تدريبية وأسلحة، على ضبط الامن في اليمن الذي يقدر عدد سكانه الآن بحوالي 14 مليون نسمة. الى جانب وجود تنسيق، سياسي وأمني، محكم بين حزبي السلطة والاحزاب خارج السلطة، بما يوجد موقفاً واحداً من ظاهرة العنف التي تجتاح البلاد منذ اعلان الوحدة. خلال حديثه الى "الوسط" في 15 حزيران يونيو الماضي كان رئيس الوزراء اليمني اول من كشف عن رغبة الحكومة في اعادة النظر في تركيبة القوات المسلحة اليمنية، بما "يتلاءم وعدم حاجة الجمهورية اليمنية الى جيش كبير وقوات مسلحة لمحاربة بعضنا بعضاً". وفي 20 تموز يوليو الماضي اقر مجلس الرئاسة الحاق قرابة 5 آلاف جندي بقوى الامن الداخلي بهدف تعزيز الكادر الامني المكلف تنفيذ الخطة الامنية. والاشكالية لا تنتهي بموافقة مجلس الرئاسة على خطة اعادة النظر في القوات المسلحة اليمنية، بقدر ما تتعلق بما يثيره الحديث عن اعادة النظر في القوات المسلحة في لغط متزايد لاعتبارات قبلية ومناطقية وسياسية على رغم حظر تعاطي السياسة على رجال القوات المسلحة. فالجيش في ما كان يعرف، قبل الوحدة، باليمن الجنوبي، يشكل الجدل السياسي والايديولوجي هوايته شبه المفضلة، ومن الصعوبة، وحتى الاستحالة، توقع الكف عن هذا بمجرد مطالبته بذلك بعد اعلان الوحدة اليمنية، والاقتداء بزملاء السلاح في الشمال. وفي هذا السياق يبدو الحديث عن اعادة تركيب القوات المسلحة اليمنية "شعاراً" او طموحاً يبدو ممكناً على المستوى النظري. بعد مرور 72 ساعة على محاولة اغتيال رئيس مجلس النواب اليمني نشرت واحدة من مطبوعات الحزب الاشتراكي "المستقبل" في صنعاء، في 22 آب اغسطس الماضي نص مذكرة كان المكتب السياسي للاشتراكي وجهها الى اللجنة الدائمة مكتب سياسي في حزب المؤتمر شريكه في السلطة، منذ شهر ونصف الشهر تقريباً. واعتبر كثيرون ان نشر المذكرة وتعميمها ذو دلالة كبرى على طبيعة العلاقة بين حزبي السلطة، تكشف غياب التنسيق بينهما. ونبهت مذكرة الاشتراكي الى جملة قضايا اخطرها: - اذا اصبحت ظاهرة العنف خارج السيطرة فسوف تؤدي الى بروز صعوبات تؤثر سلباً في الديموقراطية والانتخابات النيابية. - أي تدهور اضافي في الاوضاع الامنية سيؤثر في اعمال شركات النفط في اليمن. وربما ادى الى تجميد اعمالها او حملها على اتخاذ تدابير لحماية مصالحها. - اذا لم تنجح الحكومة في تنفيذ وعودها عن طريق تطبيق الخطة الامنية، خلال فترة زمنية محددة، فسيلجأ المواطنون الى حماية انفسهم، بكافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة وستنمو فاعلية وتأثير الكيانات الموازية لسلطة الدولة الأمرالذي يضعف فاعلية السلطة المركزية، ويوجد فراغاً نفسياً وسياسياً وقد تؤدي اشاعة او أزمة ما أو قفزة في الاسعار الى انفجار شعبي مفاجئ يصعب السيطرة عليه... ومعنى ذلك ان اليمن يتجه نحو حرب اهلية قد تقسمه الى اشطار عديدة. وطالبت مذكرة المكتب السياسي في الاشتراكي وحزب المؤتمر الشعبي العام بما يأتي: الكشف عن نتائج التحقيقات، وتسمية مرتكبي الجرائم تحديد وظيفة الامن السياسي وصلاحياته منع حمل الاسلحة في المدن الرئيسية وتعزيز وحدات القوات المسلحة واعادة انتشارها وتوزيعها بما يلبي احتياجات الدفاع عن الوطن واخراج القوات المسلحة من المدن، وعدم زج الجيش في اي قضية مدنية لا تخصه، الا في حالات ضرورية، وبقرار متفق عليه. - عقد مؤتمر وطني لانهاء مشاكل الثأر القبلي في صورة نهائية. واقترح الاشتراكي على حليفه حزب المؤتمر تشكيل حزام امني شعبي في كل الاحزاب لمكافحة الارهاب والعنف وتحاشي اندلاع الحرب الاهلية. ولفتت مذكرة الاشتراكي انتباه حزب المؤتمر الى ما اشيع من اقاويل عن وجود عناصر غير يمنية تتدرب في اليمن بهدف ممارسة الارهاب في بلادها، بما في ذلك عودة الافغان العرب اي المتطوعين العرب الذين قاتلوا في افغانستان الى اليمن. وتطالب مذكرة الحزب الاشتراكي اللجنة الدائمة في حزب المؤتمر "بصياغة رؤية مشتركة عن الارهاب السياسي وظاهرة الثأر المسيس". ينفي العقيد يحيى المتوكل، عضو اللجنة الدائمة ومسؤول الدائرة السياسية في حزب المؤتمر، خلال اتصال هاتفي مع الوسط تسلم "مذكرة الاشتراكي التي قرأناها في الصحف". ويكشف لپ"الوسط" ان لجنة تنسيق رباعية مكونة من أربعة قياديين من الاشتراكي والمؤتمر "عاكفة حالياً على استكمال مشروع دمج المؤتمر والاشتراكي في تنظيم سياسي واحد، وان تعذر تحقيق هذا الطموح فيخوض الحزبان الانتخابات النيابية على لائحة واحدة". مصادر قيادية في الحزب الاشتراكي اكدت لپ"الوسط"، خلال اتصال هاتفي، جدية المساعي التوحيدية بين حزبي السلطة، "ما يؤكد صوابية المطالب التي تقدمت بها مذكرة المكتب السياسي في الاشتراكي الى نظيرته اللجنة الدائمة في حزب المؤتمر". وبصرف النظر عن نتائج المحادثات الاندماجية بين الاشتراكي والمؤتمر فان ما يتحقق سيعزز الخطة الامنية الحكومية على قاعدة توفر نظرة واحدة وموقف واحد من ظاهرة العنف في اليمن. وتخشى قيادات رفيعة المستوى في الحكومة اليمنية ان يتسبب توحد الحزبين الحاكمين في اثارة احزاب سياسية فاعلة في الشارع الشعبي، كحزب التجمع اليمني للاصلاح، الذي يعد نفسه للفوز بالموقع الثاني في البلاد بعد حزب المؤتمر، في الانتخابات النيابية المقررة في غضون اشهر. وتعتبر مصادر مؤثرة في حزب التجمع اليمني للاصلاح، كما ذكرت لپ"الوسط"، ان تحالف المؤتمر مع الاشتراكي، "مؤامرة" خطط لها الاشتراكي لاحتواء الاحزاب "غير العلمانية" بهدف طمس هوية اليمن الاسلامية. وتعتبر مصادر الاصلاحيين ان توحد الحزبين الحاكمين، اذا حدث، "سيخلّ بمعادلة التوازن المعروفة التي مكنت اليمن الشمالي من التمتع بالاستقرار وحياة مرفهة وعلاقات طيبة مع دول الدائرة الاقليمية". في حين تنفي مصادر قيادية نافذة في الاشتراكي اقوال الاصلاحيين، وتصف مخاوفهم بأنها "غير مبررة" فالاشتراكي تحالف مع حزب "الحق" الاسلامي، وهو تجمع عدد من كبار علماء الدين في اليمن، خلال معركة قانون التربية والتعليم في مجلس النواب. والاشتراكي و"الحق" يدعوان السلطة الى تأسيس جامعة اسلامية في مدينة زبيد.