رياح و امطار على عدة اجزاء من مناطق المملكة    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    المخزونات الغذائية والطبية تتناقص بشكل خطير في غزة    تراجع النفط وسط تأثير التوترات التجارية    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية    الهدد وصل منطقة جازان.. الأمانة العامة تعلن رسميًا عن الشوارع والأحياء التي تشملها خطة إزالة العشوائيات    أمير منطقة جازان يرعى حفل تخريج الدفعة ال20 من طلبة جامعة جازان    ولي العهد يتبرع بمليار ريال دعماً لتمليك الإسكان    ولي العهد يعزز صناعة الخير    الفالح: 700 فرصة استثمارية في الشرقية بقيمة 330 ملياراً    توجّه دولي يضع نهاية لزمن الميليشيات.. عون:.. الجيش اللبناني وحده الضامن للحدود والقرار بيد الدولة    بوتين يعلن هدنة مؤقتة في ذكرى انتصار الاتحاد السوفيتي    الانتخابات العراقية بين تعقيدات الخريطة وضغوط المال والسلاح    النصر يتوج بكأس دوري أبطال آسيا الإلكترونية للنخبة 2025    المنتخب السعودي للخماسي الحديث يستعد لبطولة اتحاد غرب آسيا    نادي الثقبة لكرة قدم الصالات تحت 20 سنة إلى الدوري الممتاز    في الجولة 31 من يلو.. نيوم لحسم اللقب.. والحزم للاقتراب من الوصافة    كلاسيكو نار في نصف نهائي نخبة آسيا للأبطال.. الأهلي والهلال.. قمة سعودية لحجز مقعد في المباراة الختامية    رافينيا: تلقيت عرضا مغريا من الدوري السعودي    بالتعاون بين وزارة النقل و«كاوست».. إطلاق مشروع «أرض التجارب» لتطوير قطاع النقل بالمملكة    السعودية ومصر تعززان التعاون الصناعي    الضيف وضيفه    شدّد على تأهيل المنشآت وفق المعايير الدولية.. «الشورى» يطالب بتوحيد تصنيف الإعاقة    زواجات أملج .. أرواح تتلاقى    أمير المدينة يدشّن مرافق المتحف الدولي للسيرة النبوية    الأمير فيصل بن سلمان:"لجنة البحوث" تعزز توثيق التاريخ الوطني    وفاة «أمح».. أشهر مشجعي الأهلي المصري    حكاية أطفال الأنابيب (2)    مباحثات دولية حول تأثير التقنيات الحديثة لتمويل الإرهاب في اجتماع الرياض.. اليوم    استعراض منجزات وأعمال "شرف" أمام أمير تبوك    «الشورى» يقر توصيات لتطوير مراكز متخصصة للكشف المبكر لذوي الإعاقة والتأهيل    وزارة الداخلية تواصل تنفيذ مبادرة "طريق مكة" في (7) دول و(11) مطارًا    محمد بن عبدالرحمن يلتقي نائب "أمن المنشآت"    بيئة جدة تشارك في فعالية «امش 30»    مستشفى الملك خالد بالخرج يدشن عيادة جراحة السمنة    محافظ محايل يكرم العاملين والشركاء في مبادرة "أجاويد 3"    هيئة الربط الخليجي ومعهد أبحاث الطاقة الكهربائية ينظمان ورشة عن الذكاء الاصطناعي التوليدي    6.47 مليارات ريال إيرادات المنشآت السياحية في 90 يوما    فرقنا نحو المجد الآسيوي: إنجازات غير مسبوقة.. ونهائي نحلم به    يايسله: الهلال لا يقلقني    46 قتيلا في انفجار ميناء إيران    شذرات من الفلكلور العالمي يعرف بالفن    GPT-5 وGPT-6 يتفوقان على الذكاء البشري    انطلاق ملتقى "عين على المستقبل" في نسخته الثانية    مكتبة الملك عبدالعزيز تعقد ندوة "مؤلف وقارئ بين ثنايا الكتب"    أمير المدينة المنورة يدشّن المرافق الحديثة للمتحف الدولي للسيرة النبوية    تدشين 9 مسارات جديدة ضمن شبكة "حافلات المدينة"    جمعية الخدمات الصحية في بريدة تفوز بجائزة ضمان    القبض على مواطن بتبوك لترويجه مادة الحشيش المخدر    محافظ تيماء يرأس الجلسه الأولى من الدورة السادسة للمجلس المحلي    بلدية مركز شري تُفعّل مبادرة "امش 30" لتعزيز ثقافة المشي    جامعة الأمير سلطان تطلق أول برنامج بكالوريوس في "اللغة والإعلام" لتهيئة قادة المستقبل في الإعلام الرقمي    أمير الشرقية يرعى تخريج الدفعة ال 46 من جامعة الملك فيصل    بتوجيه من ولي العهد.. إطلاق اسم "مطلب النفيسة" على أحد شوارع الرياض    السعودية تمتلك تجارب رائدة في تعزيز ممارسات الصيد    كيف تحل مشاكلك الزوجيه ؟    مدير الجوازات يستعرض خطة أعمال موسم الحج    ملتقى «توطين وظيفة مرشد حافلة» لخدمة ضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وحدة اليمن : الطلاق أو الشروط الصعبة
نشر في الحياة يوم 08 - 11 - 1993

علي عبدالله صالح : أطراف تصب الزيت والنار ستكوي المنطقة
الرئيس ونائبه : استقرار اليمن جزء من استقرار المنطقة
الوحدة أمام طلاق دام أو إعادة نظر ... مدمرة !
حال الوحدة في اليمن كحال الطائرة التي أقلّتنا من صنعاء الى عدن، قبل يوم من تعرّض اثنين من أبناء الأمين العام للحزب الاشتراكي نائب الرئيس السيد علي سالم البيض لمحاولة اغتيال راح ضحيتها ابن شقيقته.
الطائرة قديمة، كندية الصنع من طراز "داش 7" DASH 7، ذات أربعة محركات مروحية تحدث ضجيجاً يصم، وتتسع لنحو أربعين راكباً. كانت تهتز وترتج على ارتفاع 16 ألف قدم، كلما اخترقت طبقة من الغيوم الداكنة فوق سلسلة من القمم الصخرية الجرداء. وقال زميل يمني رافقنا في الرحلة، محاولاً أن يبدد مخاوفنا وقد تعود مثل هذه المغامرة: "انها تشبه الوحدة، فإما أن تكمّل رحلتها من العاصمة السياسية للبلاد الى العاصمة الاقتصادية على رغم كل الأخطار، واما ان تسقط ويكون سقوطها عظيماً. ذلك أن ثمة شكوكاً في أن يكون الطلاق - إذا وقع - ديموقراطياً، فهناك جيشان كبيران لم تندمج وحداتهما بعد والبلاد لا يعوزها الكثير لتعصف بها الانقسامات الطائفية والقبلية والمناطقية، فضلاً عن الحزبية. والخوف من حرب أهلية أو تشطير لن يقف هذه المرة عند حدود كيانين، واحد في الشمال وآخر في الجنوب"...
والسيد البيض نفسه عبّر ل "الوسط" عن الخوف من التشطير مجدداً، مذكراً بأن الجنوب وحّد يوم تحرره 22 كياناً. وهذا الخوف لا يخفيه الصنعانيون ولا العدنيون ولا اليمنيون جميعاً. وهو يتعمق عندما يذهب بعضهم الى حد تشبيه أوضاعهم بالأوضاع في لبنان عشية حربه أو حروبه، أو عندما يتحدث الاشتراكيون، وعلى رأسهم أمينهم العام، عن الاختلاف بين عقليتين. وعن احساس الجنوبيين بانعدام المساواة وبمركزية متشددة في صنعاء. فهم كما قال أحدهم قدموا، لئلا يقول تنازلوا عن دولة، ولا يجوز تالياً معاملتهم كأنهم أهل محافظة من المحافظات الأخرى. أو هم يرفضون مبدأ الأكثرية العددية كما قال البيض، معتبراً "ان المسألة ليست في التصويت العددي فالوحدة تحتاج الى رعاية ومراعاة".
لكن الرئيس اليمني الفريق علي عبدالله صالح الذي استقبل "الوسط"، بعد حادث عدن بيومين، يؤكد بثقة وارتياح تفاؤله بمستقبل الوحدة. وقال "ان العد التنازلي لحل الأزمة قد بدأ، وان الأوضاع في طريق الحلحلة". لكنه لم ينس الاشارة الى "ان أطرافاً تصب الزيت على النار"، محذراً من "أن النار لن تحرق اليمنيين وحدهم، اذا اشتعلت، بل ستكوي جميع أهل المنطقة ذلك ان استقرار اليمن جزء من استقرارها". وشدد على أن الوحدة ليست في خطر.
صنعاء غير عدن
هكذا تبدو الرؤية في صنعاء غيرها في عدن، ليس في السياسة فحسب بل في كثير غيرها. فهذه لا تشبه تلك. بل صنعاء لا تشبهها إلا صنعاء ومدن الداخل، وان احتضنت العاصمتين جبال حادة الشموخ في لوحة من الجمال الوحشي الآسر.
صنعاء بعمارتها اليمنية التقليدية وأبوابها ونوافذها التي تعلوها الفسيفساء بنصف دائرة ويكاد اللون الرمادي يوحد منازلها، هي غير عدن التي تشبه الكثير من المدن التي تطأ منازلها شاطئ البحر وما يحمله من تماس مع الخارج بتعدد ثقافاته وحضاراته، حتى العامل الذي استقبلنا أمام فندق "عدن موفنبيك" كان يرتدي ثياباً بيضاء ويعتمر قبعة بريطانية من ذلك النوع الذي نشاهده في الأفلام القديمة يوم كان المستعمر البريطاني يغطي رأسه بقبعة دائرية كبيرة اتقاء لشمس لا تغيب عن أراضيه، وهي بالطبع قبعة لا تمت بصلة الى تلك الكوفية التي يشد بها اليمني رأسه.
في صنعاء لا تكاد تميز حياً عن حي أو عمارة عن عمارة وان بدأت المدينة تدخل ببطء شديد مرحلة التنظيم المدني. وفي عدن شيء من التنوع ملفت، هنا في منطقة القلوعة تجمع سكني من أيام البريطانيين وعلى طرازهم. وهنا آخر بناه الصينيون، وثالث السوفيات، ورابع السعوديون. وهناك طريق كويتية أي شقت بأموال الكويتيين ومساعدتهم، ونفق حفره الصينيون وآخر الألمان الشرقيون... فيما اكتفت العاصمة السياسية باطلاق أسماء عدد من العواصم العربية على شوارعها، وان كان فيها بعض المساهمات الاسكانية العربية، كالمشروع السكني الليبي... الذي توقف ولم يستكمل! كأن صنعاء ترفض أي مس بطابعها، هي التي تستقبلك عند بواباتها بلوحات ترحيب "أهلاً بكم في عاصمة الحضارة اليمنية".
يحلو لأهل اليمن ان يتغنوا بالكثير، بالحضارة التي عبرت البحر الأحمر الى القرن الافريقي والساحل الشرقي للقارة، وعبرت المحيط الهندي الى الشرق حتى اندونيسيا. ولكن يحلو لأهل صنعاء ان يلفتوا الزائر الى المدينة القديمة وأسواقها وبوابتيها وآثارها... وطقسها الجاف حيث لا رطوبة على ارتفاع 2300 متر، والى توزع أحيائها بين تلال صخرية شامخة. كما يحلو لأهل عدن أن يسهبوا في الحديث عن شواطئها وبحرها وثماره... و"متنفساتها" التي يجد فيها الوافد الأجنبي وسيلته لقتل الوقت ليلاً، وهو ما لا توفره صنعاء.
وراح عدني كنا برفقته يتحدث بإسهاب عن محاسن عدن ومعالمها: هنا جبل شمسان يحتضن المدينة. هنا طريق تشق عبر الجبل الى المقلب الثاني حيث شاطئ العشاق الذي لا يقصده إلا هم اذ لا طريق اليه يستعملها العزال الحاسدون. هنا "باب السلم" كان يوم كان الداخلون الى عدن يضعون سلاحهم عند بوابته قبل أن يدخلوا. وهنا التواهي "حمراء بيروت"، لكن آثار الاشتباكات لا تزال على بعض الجدران والمنازل من أيام المجزرة التي أطاحت الرئيس علي ناصر محمد في كانون الثاني يناير 1986، وهي آثار تبدو في أكثر من مكان وحيّ.
ولم يغفل الاشارة الى منزل السيد سالم صالح محمد الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي عضو مجلس الرئاسة. كما لم يغفل الاشارة الى الحي الشعبي الذي ترعرع فيه... لعله لا يزال يحتفظ ببقايا الاعجاب الذي يكنه الايديولوجيون، خصوصاً في الأحزاب الاشتراكية الماركسية لقادتهم العصاميين!
الفارق بين عقليتين
لم يتوقف العدني عن الحديث حتى عندما توقف أمام الضوء الأحمر لاشارة المرور، وكانت الساعة قرابة العاشرة ليلاً، قال: "لو كنا في صنعاء في مثل هذه الساعة لما توقف السائق أمام الضوء الأحمر"... قال هذا من أجل ان يؤكد الفارق بين عقليتين، حتى انه ذهب بعيداً ونبش من ذاكرته ما قرأه قبل سنوات. فروى ان رالف بانش زار الصومال مبعوثاً من الأمم المتحدة فآلمه ما حل بهذا البلد فلعن الاستعمار واباه، لكنه عندما زار شمال اليمن أسف لأن الاستعمار لم يمر من هناك!
... بعد دقائق كنا نجلس الى طاولة العشاء في المطعم الصيني في عدن مع عدد من الزملاء الصحافيين ومسؤولين في الاشتراكي. وقال عدني يقيم في صنعاء منذ قيام جمهورية الجنوب الديموقراطي الشعبي، ان عائلته تفضل العيش في عدن على رغم انها تقيم في العاصمة منذ أكثر من عشرين عاماً... كأنه كان يكمل حديث العدني الآخر، الاشتراكي.
وعندما تعلق بالقول ان الفوارق والتنوع في العقليات والثقافات وتعددها فيها اثراء لليمن وأغناء لحضارتها وثقافتها ومستقبل أبنائها، يبدأ الجواب بنقلة نوعية في الحديث. ولا يكبت الاشتراكيون شعورهم بالغبن وعدم المساواة والتمييز بين جنوبي وشمالي. حتى ان السيد البيض يتحدث عن الأجواء غير الانسانية التي يعيشها قادة حزبه منذ انتقالهم الى صنعاء. ويوجه انتقادات حادة الى الآلية أو العقلية التي تدار بها البلاد، منبهاً الى ان الاشتراكيين بنوا دولة القانون والنظام والأمن في الجنوب قبل الوحدة، اما الآن "فلا أمن في دولة الوحدة"، على حد قوله.
البيض: عقلية صنعاء
وراح الأمين العام للاشتراكي يسرد في لقائه مع "الوسط" كيف ان دولة الوحدة لم تقدم شيئاً الى اليمنيين "بل استنزفت كل شيء جميل فينا"، الأمر الذي أصاب المواطن بصدمة، ذلك ان حلمه لم يتحقق كما أراد "ولم ينفذ شيء من الاتفاق بين الحزبين على أخذ الأفضل من الجمهوريتين، بل فرضت علينا آلية صنعاء ما قبل الوحدة".
ويأخذ السيد البيض على صنعاء مركزيتها حتى ان موظفاً صغيراً يقطع مئات الكيلومترات ليجبي بضعة نقود من حضرموت أو غيرها لينقلها الى المركز، ويشكو من تكريس الامساك بجهاز الجباية وجهاز العسكر. هكذا تشعر بأن اعتكافه المستمر منذ آب اغسطس الماضي ليس وليد حادثة بعينها، بل هو ناجم عن جملة من التراكمات. ولا تخونه الذاكرة في سوق عدد من الأمثلة الشعبية. يقول ان من عادة بعض اليمنيين ان يرمي الجنبية الخنجر الذي يشد الى وسطهم في الجو ثم يمسكها من مقبضها قبل ان تسقط على الأرض، مظهراً براعة إذا خانته قد يمسك بالنصل فيجرح. ويتابع ان "ابن مسعدة ألقى الجنبية في الهواء وقال يللي يشتي يرغب يمسكها"! أي انه تركها.
ويستنتج البيض من المثل ان الوحدة تلزمها رعاية ومتابعة. ويكرر أمام زواره انتقاداته ل "جمهورية مرو". و"مرو" كلمة يبدأ بها الرئيس علي عبدالله صالح التوجيهات والأوامر التي يوقعها طالباً من الجهات المعنية بأن "تأمر" بكذا وكذا. ويقول الأمين العام للاشتراكي: "هل يعقل مثلاً ان يأمر الرئيس بتعيين مواطن عادي ضابطاً برتبة ملازم ثان ثم يأمر بصرف مرتب له!".
وعندما سألته "الوسط" لماذا ينادي بالديموقراطية ويصر عليها مرادفة للوحدة، ويرفض في أي خلاف الاحتكام الى مجلس النواب حيث الأكثرية هي التي تحسم الأكثرية الى جانب المؤتمر الشعبي.
اجاب: "نحن عرب وتجربتنا ليست مقطوعة الجذور عن التجارب العربية، وثقافتنا ليست مقطوعة الجذور عن الثقافة العربية. أتمنى ان تكون هناك فائدة مما حصل خطأ. ان اليمن تشهد قيام دولة جديدة في ضوء تشطير دام قروناً من الزمن وليس عهوداً، التشطير قائم منذ القرن السابع عشر، وتمت آخر وحدة في عهد المتوكل على الله اسماعيل، وكانت العاصمة زوران في ذمار وليس في صنعاء. ومنذ ذلك الوقت حصل ما حصل، في القرن السابع عشر توسعت اليمن ثم انحسرت بعد ذلك.
تضررت وحدتنا دائماً من العقلية التي تقبع في صنعاء. فعندما جاء البريطانيون الى هنا، الى المناطق الجنوبية، تعاقدوا مع مشايخ يمنيين. وكان الامام يدعي حكمه لكل اليمن، لأن ما كان يهمه هو الجباية وخطبة في المسجد وعسكر ينفذ عندما كان هناك بعض العسكر. لكن إدارة البلاد الأخرى، العدالة والشؤون الاجتماعية فكانت قضية أخرى... وجاء البريطانيون ودخلوا بواسطة اليمنيين، وذاك جالس في صنعاء لا يهتم، لأن ما يهمه هو ان تبقى صنعاء فقط. هذه العقلية خطأ".
القضية ليست عددية
وأضاف البيض: "إذا عدنا من جديد لنبني وحدة فيجب ألا نفكر بهذه العقلية المركزية. نحن بعد هذه الفترة الزمنية من التشطير الطويل، نحتاج الى رعاية الوحدة ومراعاة، فالقضية ليست عددية. الديموقراطية في الدستور، والدستور توفيقي ووضع هكذا مراعياً ظروف اليمن. وعندما تريد ان تنتقل من حالة الى حالة يجب أن تكون هناك رعاية، وليست المسألة في التصويت العددي. للأسف ان الكثير من الأصوات الوطنية التي كنا نطمئن اليها أبعدها الطرف الآخر، مثل السحاري والدكتور النور والدكتور حسن العامري والأخ سعيد الحكيمي... والفسيّل وكثير غيرهم من الشخصيات التي تملك خبرة برلمانية ويثق بها الشعب ويحبها. لماذا يبعد هؤلاء ولديهم تأثير؟
عندما أرى هذا أرى ان ثمة نية ليست حسنة. ولكن عندما تقرّب هؤلاء أرى ان النية حسنة. يجب أن لا يستبعد الناس الذين يبذلون جهوداً من أجل هذه الأهداف الكبيرة وبناء اليمن الجديد الموحد الديموقراطي. عندما آتي بمن يمثلني يجب أن أرى فيه القدرة، اما ان نلفلف عدداً من الناس وهم يدخلون رافعين أصواتهم من خارج القاعة وفي رؤوسهم شيء... فهذا موضوع آخر، وعلى كل واحد أن يتحمل مسؤوليته.
العودة الى الغالبية العددية من دون مراعاة تطور البلاد وتكوينها في هذه المرحلة ومستقبل علاقاتها ونقلها الى بر الأمان خطوة خطوة، هي العقلية التي تدمر وتتحمل المسؤولية إذا راحت البلاد. يجب ان نفكر في المستقبل وفي رعاية التجربة الديموقراطية وتبني الرأي الذي يخدم البلاد، فالديموقراطية محاججة ورأي ورأي آخر والبحث عن المشترك، وليس ان تدخل هكذا متصلباً مصمماً على شيء تريده. هذا ليس في مصلحتنا. علينا ان نتعاون. وأنا لا أقول ان الحزب الاشتراكي لم يختر اناساً كلهم تمام. الجماهير هنا اختارت من كان يمثل الحزب، ولم أكن أتوقع فوز بعض من فازوا. أحد أصدقائي قال "الحزب الاشتراكي فاز رغماً عنه". الجماهير تحركت ذاتياً واختارت من اختارت، حتى ان قيادات معروفة بدورها التاريخي هنا سقطت أمام اناس غير معروفين. سقط شخص قيادي من المؤتمر كان له دور حتى نضالي مسلح... لذلك كنا نود ان نناقش نتائج الانتخابات ونفوضها بما يخدم المكسب الكبير في الوحدة والتوجه الديموقراطي والعمل لبناء اليمن الحديث والجديد.
أنا أريد وضع حد لما يجري. وعلينا، للإفادة من ثمار الديموقراطية، ان ندفع مجلس النواب الى بناء الدولة والاقتصاد والتفكير في معيشة الناس، فهل يعقل ان يرتفع الدولار عشرة ريالات في اسبوع؟ هناك تحريك للأيدي المتحكمة في السوق والصرافة... البنك المركزي يدار بالتلفون، مع احترامي للاخ محمد أحمد الجنيد رئيس البنك وعضو المؤتمر الشعبي كانسان وكمهندس وطني. انه في وضع أسير ولا يزال، فلا دور للحكومة ولا لأحد. يدار بالتلفون. ان الأوضاع تدار خطأ. هناك فوضى وأسعار عدة لصرف الدولار.
ما رأيك عندما تعطى الدولار بخمسة ريالات ونصف ريال وتبيعه في السوق بستين ريالاً، هذا أسوأ من تجارة المخدرات... ووراء البند الخامس طابور خامس. هذه حقائق يتداولها الناس. والجديد انني أقولها أنا. حاولت وبذلت جهوداً مع أجهزة الرقابة... ولكن عبثاً. ومن دون الاقلاع عن هذا الوضع لن نكون في الطريق السوي للتطور. كنا وقعنا على قضية نبيلة، وحققنا حلم الناس، وإذا كان الناس قبلوا يوم وقعنا، فانهم لن يقبلوا منا بأن ندير البلاد بهذا الشكل الذي لا يخدم الوحدة ولا يتوافق مع مضامينها الوطنية والديموقراطية وخلق مزيد من الاستقرار في اليمن والمنطقة، لأن لاستقرارنا علاقة بالاستقرار من حولنا".
صالح: سأرد بالوثائق
وعندما استقبل الرئيس علي عبدالله صالح "الوسط" بعد يومين من لقائها السيد البيض، رفض الرد على كل الاتهامات حرصاً على عدم التصعيد، والتزاماً لقرار اتخذته اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي بوجوب عدم الرد. وقال: "لست في صدد الرد لأننا حريصون على الوحدة والديموقراطية، وإذا لزم الأمر سأرد في الوقت المناسب، ولدينا الكثير من الوثائق". ورأى "ان الأزمة مفتعلة لمزيد من الابتزاز السياسي". وشدد على أن "الوحدة ليست في خطر، فهي ليست مرهونة بأشخاص، بل هي مرهونة بمصلحة الشعب".
وابتسم الرئيس عندما سألناه كيف يدير الدولة بالتلفون، فأجاب: "بموجب صلاحياتي الدستورية ادير الدولة بالاجتماعات واللقاءات والاستقبالات... والتلفونات"... وكرر الدعوة الى الاحتكام الى المؤسسات وخيار الديموقراطية والحوار، "فكل القضايا تحل بالحوار وليس بالتسريبات والخطب غير المسؤولة"... في اشارة الى خطاب البيض في الضالع قبل اسابيع والذي هاجم فيه بشدة شريكه في السلطة.
الضمانات
وعندما سألته "الوسط" عن ضمانات يطالب بها الاشتراكيون تضمن لهم المشاركة في السلطة ما داموا ليسوا أكثرية في مجلس النواب، اجاب: "نحن سكان بيت واحد ولسنا جيراناً". أما التنازلات التي يدعو بعضهم المؤتمر الى تقديمها لطمأنة الأقلية، فقال الرئيس اليمني: "لا يمنن أحد أحداً. التنازلات قدمت وتقدم الى الشعب اليمني ودولة الوحدة". وتابع ضاحكاً ومستشهداً بمثل شعبي "المسيء يستوحش".
وحديث الاشتراكيين عن الضمانات والتنازلات مرده الخوف وانعدام الثقة السياسية والأمنية، بل هذا الانقسام الحاد الذي تعبّر عنه الكوادر الوسطى في الحزبين، في خطابها السياسي وجدالها وحوارها، على رغم ان قيادتي المؤتمر والاشتراكي طالبتا بتوجيهات حزبية داخلية بضبط النفس ووقف الحملات الاعلامية المتبادلة.
حتى رئيس الوزراء المهندس حيدر أبو بكر العطاس الذي قصدته "الوسط" ثانية الاسبوع الماضي... في منزله هذه المرة وليس في مكتبه، عبّر في حديثه عن انعدام الثقة بالأمن. وكان أحد مساعديه بادرنا لدى دخولنا الدار "تصور ان رئيس الحكومة يعمل من منزله. انه هنا أكثر أماناً"!
وعندما تحدثنا الى المهندس العطاس بدا متشائماً بحل المسألة الأمنية وقال انه طرح في اجتماع اللجنة المشتركة من أحزاب الائتلاف الحاكم، المؤتمر والاشتراكي والتجمع اليمني للاصلاح، قضية اخلاء المدن من العسكر اذا كان لا بد من قيام ما سماه "مدناً حضارية بلا سلاح". وأضاف ان النقاش استمر ست ساعات في هذا المجال ولم ينته الى شيء... لكن الرئيس علي عبدالله صالح تساءل أمام "الوسط": "لماذا الخوف من الجيش فرجاله من أبناء البلد وحافظوا على وحدتها والتعددية والديموقراطية، وهم لا دخل لهم. ووجودهم في العاصمة أو المدن كوجود أي حاميات عسكرية في مدن العالم. ما هو سائد في العالم متبع في اليمن. انهم حامية دفاعية لحماية العاصمة والمدن من أي عدو ولحماية الشرعية الدستورية. لن تخلى المدن من العسكر، وقد أبعدنا العسكر عن السياسة".
لكن قادة الاشتراكي يرون غير ذلك، مع حرصهم على حياد الجيش، فهم يأخذون على شريكهم تقاعسه في القبض على المخلين بالأمن والذين نفذوا محاولات اغتيال لبعض عناصر الحزب الذي قال أحد عناصره انه فقد منذ الوحدة وحتى الآن نحو 150. وقد أفاد بعض المتشددين في الحزب من محاولة اغتيال اثنين من أبناء البيض، للمطالبة بتسليح الطلاب المنتمين الى منظماته في جامعة عدن وغيرها ويرد "مؤتمريون" ان ما يتعرض له الاشتراكيون عمليات ثأر، ذلك ان كثيرين عانوا من حكم "اليمن الديموقراطي الجنوبي" وأجهزته قبل الوحدة.
انعدام الثقة السياسية
ويذهب اشتراكيون الى ان مدينة تعز سقط في انتخاباتها احد ابرز المقربين من الرئيس اليمني تعاني ايضاً لذلك بدأت تتحرك، "ففيها التهريب والصفقات وفرض الخوات..."! ويبالغ آخرون بالقول "انهم في صنعاء لا يحتفلون حتى بذكرى ثورة اكتوبر"، ذكرى استقلال دولة الجنوب... لكن ثمة من يذكرهم بأنهم كانوا وما زالوا شركاء في السلطة.
وانعدام الثقة السياسية بين الاشتراكي والمؤتمر لا يقل عنه في الموضوع الامني. فقادة الحزب يسوقون الى شركائهم انهم يريدون ايجاد مشكلة داخل الاشتراكي باللعب على بعض التباينات الطبيعية او بالايحاء بأن المؤتمر لا يريد التعامل الا مع خمسة او ستة من الطرف الآخر. ويشيرون الى ان شريكهم في السلطة كان قبل الانتخابات وبعدها يرفض كل الاوراق او الاقتراحات التي تقدم في شأن عملهما المشترك. ويصر رئيس الوزراء على ان ورقة التعديلات الدستورية التي اتفق عليها الائتلاف ورفضها البيض لاحقاً، جرى تغيير فيها، وان المؤتمر اعترف بذلك معتبراً ان احد اعضائه اسماعيل الوزير اجتهد في الصياغة... "وهذا ما يؤدي الى تعميق انعدام الثقة".
ويعود السيد عبدالسلام العنسي، احد قادة المؤتمر، في رده على هذه الاتهامات الى ما قبل الانتخابات. فيعترف ان المؤتمر رفض عشية ذلك الاستحقاق الدستوري اقتراحاً لتقاسم اللوائح مع الاشتراكي، اذ لا يقبل ان يفرض على قاعدته والمسؤولين عنها مرشحين من الطرف الآخر. لأن ذلك قد يؤدي الى انشقاقات والى وصول احزاب اخرى كالبعث والاصلاح وغيرهما. لذلك قدم حزبه اقتراحاً ان يخوض الانتخابات في ائتلاف مع الاشتراكي والاصلاح وغيرهما، لكن الاشتراكي رفض.
عندها - والكلام للعنسي - طرحت فكرة دمج المؤتمر والاشتراكي في حزب واحد يرأسه الفريق علي عبدالله صالح ويتولى البيض امانته العامة. وعقد اجتماع تكلم فيه الرئيس ونائبه موافقين... وعندما جاء التوقيع اعلن السيد سالم صالح محمد الأمين العام المساعد للاشتراكي رفضه مبرراً ذلك بأن حل الحزب من صلاحية المؤتمر العام... وهكذا "رحل الاقتراح الى المؤتمر العام الرابع الذي لم يعقد بعد".
ويتابع المسؤول "المؤتمري" ان الاشتراكي خاض الانتخابات منفرداً معتقداً انه سيحصد ليس مقاعد المحافظات الجنوبية فحسب بل الشمالية... و"لكن عندما مني بهزيمة خارج الجنوب، شعر البيض انه حقق انتصاراً على الذين رفضوا الاندماج".
وما لا يكمله العنسي، يقوله آخرون في احد المقايل، وهو ان البيض غضب لزعامته عندما وقع المكتب السياسي وثيقة التعديلات الدستورية في غيابه، وعندما عاد اعلن رفضه واعتكف، وتمكن من جرّ قيادات الحزب الى صفه مستفيداً من التململ والاوضاع الاقتصادية المتردية ونجح في ان يحكم قبضته على الحزب، بل ان يظهر زعيماً معارضاً اكبر من الاشتراكي وقيادته.
ويعلق العنسي على مطالبة الاشتراكي بتنازلات من شريكه وبضمانات يقول ان الحزب تقاسم مع المؤتمر كل شيء، فكان له نصف الحكومة فيما النصف الآخر ليس لشريكه وحده، بل هناك قوى وأحزاب اخرى. "انهم حصلوا على حصة تفوق حجمهم". اما مسألة الضمانات "فشأن غير معقول، اذ كيف يمكن اعطاءها لهم ومنع آخرين غداً من المطالبة بمثلها"... وعندها ستعمق المشاعر الفئوية والاقليمية وغيرها؟ ويذكر آخرون في المؤتمر بأن الاشتراكيين "هربوا من مشاكلهم الى الوحدة، وهم الآن بعدما حصدوا كل المقاعد في محافظات الجنوب وبقاء الوحدات العسكرية على تشكيلاتها قبل الوحدة، يحاولون الافادة من الاحوال الاقتصادية للحصول على مزيد من الضمانات... او لاعادة النظر في اتفاقات الوحدة، والوصول الى صيغة حكم برأسين... وهذه تجربة لم تنجح في التاريخ".
ويرد الاشتراكيون بأنهم تنازلوا عن الطعون في نتائج انتخابات الكثير من الدوائر، حتى انهم اخفوا عدد قتلاهم، وهو 28 عندما وقعت المشكلة مع احد انجال الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر زعيم الاصلاح في احدى الدوائر... كل ذلك حفاظاً على الاستقرار والشراكة في المسؤولية وهم كما قال البيض، صنعوا الوحدة ولا يشرفهم انهاؤها.
اعادة نظر؟
ماذا اذن؟
يعتقد ديبلوماسيون ومراقبون في صنعاء بأن ثمة محاولة لاعادة النظر في شروط الوحدة من جديد، من جانب الاشتراكي على الاقل، ويرى هؤلاء ان الحزب افاد كثيراً من المرحلة الانتقالية فهو مارس الشراكة في السلطة... لكنه مارس معها المعارضة ايضاً. وللمعارضة مبررات كثيرة لا تنحصر بالاوضاع الاقتصادية التي زادت تعقيداً بعد موقف اليمن من حرب الخليج الثانية، بل تعداها الى المشاكل والمصاعب والتعقيدات التي نجمت عن وحدة فورية عاطفية كان يجب ان يسبقها اعداد وتخطيط مدروسان.
ويقول هؤلاء الديبلوماسيون والمراقبون ان الشمال والجنوب هربا معاً من مشاكلهما ومتاعبهما الى الوحدة من دون اية مشاريع وخطط واعداد. ولفتوا الى وجود عدد كبير من المديرين العامين في مؤسسات الدولة مثلاً نتيجة لاندماج ادارتي دولتين. ومشكلة مماثلة طرحت على صعيد السفراء والبعثات في الخارج.
وأضافوا ان المشاكل التي نجمت بعد الوحدة كان يمكن تفاديها بخطوات مدروسة لئلا تتصدع التجربة وتلحق بمثيلاتها في العالم العربي ولئلا يصدم اليمنيون بما يحصل اليوم، مع تمسكهم بحلمهم الذي طالما تاقوا اليه. وربما كان عليهم بعد الوحدة ان يتفقوا على فترة انتقالية أطول.
تداول السلطة
ويعلق هؤلاء على مقولة الاحتكام الى الاكثرية في مجلس النواب حيث ممثلو الشعب، فيرون انها سبب كبير من اسباب انعدام الثقة. ويشيرون الى انها من اسباب تمسك الاشتراكي بسلاحه او بپ"جيشه" لأنه الضامن الوحيد لبقائه قوة سياسية لا يمكن استبعادها عن السلطة، اذ "من يضمن تداول السلطة في بلد ليس قريباً من السويد او بريطانيا"، كما انه يستحيل - في نظر الاشتراكيين قبولهم بأن يعاملوا على اساس العدد والحجم سكان الجنوب نحو 20 في المئة من مجموع سكان البلاد فهم قدموا دولة بقضها وقضيضها، بجيشها وادارتها ونظمها المتقدمة في مجالات كثيرة لذلك يصر البيض على ان يحكم ما دام في السلطة، ولذلك يطالب الاشتراكيون بضمانات للديموقراطية الحق التي تتيح لهم مثلاً الوقوف في صفوف المعارضة بعد الخروج من الشراكة في الحكم على امل العودة الى السلطة عندما يثبت خطهم انه الافضل وان آليتهم لتسيير البلاد هي الفضلى. ويقول بعضهم بصوت عالٍ "من يخرج من السلطة في بلد مثل اليمن... يلغى ويخرج ربما الى الأبد".
وعندما يصل الخطاب السياسي الى هذا الحد، تجد في المؤتمر من يذكر بما حل بالاحزاب الشيوعية التي حكمت دولاً ومعسكرات... على اثر انهيار الحرب الباردة والاتحاد السوفياتي، ويتركون لك ان تقارن بما يسعى اليه الحكم في اليمن من محاولة احتضان لكل الاحزاب والتيارات من الشيوعيين الى الاصلاحيين، اصوليين وغير اصوليين، ذلك ان ما يجري في بعض الدول العربية وغير العربية لا يشجعهم على سلوك نهج مختلف.
... عندما يصل "الحوار" الى هذا الحد، يعتقد المراقبون بأن الازمة طويلة، وان الوساطات الخارجية قد لا تثمر... لذلك تبدو الوحدة كأنها امام اعادة نظر في شروطها. ولكن حتى اعادة النظر هذه ليست ممكنة او سهلة. فالعودة الى التدرج في الوحدة شبه مستحيلة اذ تبدو كأنها تراجع قد يؤدي الى تدمير الوحدة. ولعل اسوأ الاحتمالات الانفصال مجدداً، وهو طلاق قد لا يكون ديموقراطياً، خصوصاً في ظل قيام تجمعات قبلية ومناطقية بدأت تنادي بحقوقها او بحصتها، في ظل هذه الازمة، وفي ظل بلاد ينتشر فيها السلاح... اكثر من انتشار الخبز!
هذا الخوف من الطلاق الدامي ومن احتمال التشطير الى اكثر من كيانين يقض مضاجع اليمنيين ويدفعهم الى البحث عن مخرج من المأزق، لذلك تراهم يبالغون في القاء المسؤولية على ايد خارجية تعبث بهم وبوحدتهم، ولكن حتى في هذا ايجابية تعني انهم متمسكون بالوحدة وإن طحنتهم الازمة السياسية... والاقتصادية اولاً وأخيراً. بل ان الرئيس ونائبه الذي لم يقسم اليمين الدستورية بعد، يعتقدان بأن لا مصلحة لأحد في زعزعة الاستقرار في بلدهما، لأنه جزء من استقرار المنطقة. وذهب السيد البيض الى ابعد فأكد ان الوحدة ليست ملك اليمنيين وحدهم.
لكن ثمة مبالغة ايضاً في اعتبار امن اليمن من امن اهل المنطقة، ذلك ان التوتر بين الشطرين قبل الوحدة لم يترك آثاراً كبيرة على الجيران. وهي ملاحظة يسوقها ديبلوماسي عربي محنك ليخلص الى ان على اليمنيين ان يبحثوا عن الحلول بأنفسهم. على رغم انه يتوقع - ومثله مراقبون كثر - ان يستمر المأزق... وان وجد حل موقت، ما دام الأمين العام للاشتراكي يريد ان يعامل كرئيس دولة وان يشارك في حكم البلاد كلها، في حين ان شركاءه يريدون ان يعامل معاملة تتناسب وحجمه او حجم المحافظات الجنوبية التي استأثر بتمثيلها في مجلس النواب.
وتقرأ في كثير من الصحف اليمنية - وما اكثرها - مقالات وأخباراً عن ايد خارجية تدفع بالمال وغيره من اجل تعميق الهوة والانقسام... لكنها جزء من المبالغات التي يحلو لليمنيين ان يلجأوا اليها في ايام شدتهم هذه. فهم يدركون ان المأزق الذي تواجهه الوحدة اسبابه داخلية قبل كل شيء. لذلك لا يثمر الحديث عن الخارج ودوره. وهم يدركون ان التراجع عن الوحدة او العودة الى اعادة وضع اسس جديدة لها احتمال شبه مستحيل. والا كانت الكارثة. كما يعرفون جيداً ان العلاج لن تفيده المسكنات. فالازمة تسبق الحلول، وكلما طالت تشعبت واستعصت كأنما الحل، كيفما جاء لن يكون الا بجراحة مؤلمة... طلاقاً او استعادة للوحدة. اللهم الا اذا حصلت تنازلات كبيرة، او مفاجأة او معجزة في بلد يجمع الديبلوماسيون فيه على انه من الغرابة في العلاقات السياسية بين اطرافه ما لا ينطبق على اي منهج سياسي اكاديمي او متعارف عليه. ويتندر اليمنيون انفسهم بالاشارة الى ان سفير احدى الدول طلب من حكومته ان تنقله من هذا البلد اذ انه لا يعرف ما يجري فيه لكثرة ما يسمع كل يوم من متناقضات ومبالغات ومواقف لا سبيل الى تفسيرها استناداً الى اي منطق او علم او فلسفة في السياسة وعلاقاتها!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.