* الرؤساء يزرعون جماعاتهم في مفاصل الدولة ومشكلتنا في رجل الدولة الذي يرشو الجميع * وسورية وايران لن تصطدما * الجزائر ضحية الصراع الاميركي - الفرنسي قال السيد محمد حسين فضل الله ان الصدام لن يقع بين سورية وايران بسبب أزمة الشرق الأوسط. واعتبر في حوار اجرته معه "الوسط" في بيروت أن مشكلة لبنان تكمن اليوم في رجل الدولة الذي يرشو الجميع، وان الاسلاميين مع قيام مشروع الدولة وضد الفوضى. وأكد ان الدول التي تحتفظ بنفوذ فرنسي ستعاني ما تعانيه الجزائر اليوم، ملاحظاً ان اميركا وفرنسا تتصارعان في الدولة الجزائرية، وان ايران هي الدولة الأقل تدخلاً في هذا البلد... وهنا نص الحوار: هل ما زلت المرشد الروحي لپ"حزب الله"؟ - ليس هذا اللقب أمراً اعتذر منه ولم يكن يوماً يعني شيئاً واقعياً على الصعيد التنظيمي، لقد اعطتني اياه المخابرات الغربية عندما لم تجد احداً في الساحة. كنت أتحرك منذ أربعين سنة وما زلت في الافق الاسلامي العام، ولم أجمد نفسي عند حزب معين، انفتحت في العراق على حزب الدعوة ولم أكن في داخله وانفتحت على حزب الله والاحزاب الاخرى الموجودة في العالم الاسلامي. وأنا لا أتحرك شيعياً بالمعنى المذهبي بل اسلامياً. وفي الوقت نفسه كنت ولا أزال انفتح على كل التيارات الأخرى العلمانية، ومنذ الخمسينات عندي صداقات مع الشيوعيين والقوميين والبعثيين ولي حوارات معهم لأنني لا أؤمن بالانغلاق على أحد باعتبار ان كل صاحب فكر اذا كان يؤمن بفكره ويحترمه ويفخر به عليه ان يحترم الفكر الآخر. يبدو أن على التيار الاسلامي ان يواجه اليوم التقدم الذي يحققه مشروع الدولة، ما يعني أن عليه ان يواجهه او ينخرط فيه، فما الذي يختاره هذا التيار؟ - انا لا أتصور أن مشروع الدولة في اطاره الواسع يمكن ان يكون محل تحفظ اي تيار اسلامي لأن قضية أن يكون هناك دولة يقابله أن تكون هناك فوضى، ونحن كمسلمين نجد في المسألة الشرعية ان لا بد للناس من إمرة حق أو باطل، كما قال أمير المؤمنين، لأن الفراغ لا يمكن ان يخدم احداً، ولأن الفوضى يمكن ان تساهم في اسقاط المجتمع أكثر مما يساهم فيه الحكم الذي لا ترتضيه. لذا فان تكون هناك دولة أو لا تكون هذا ليس خيار أحد. الخيار هو أن تكون دولة وأن تنطلق في داخلها لتعارض مشاريعها ولتطرح فكراً يمكن ان يُغيّر اتجاهها في المستقبل. ان المعارضة تتحرك داخل الدولة وليس خارج الدولة ونحن الآن في لبنان ضد الانفلات الأمني والاجتماعي والسياسي. هل يعني هذا أنكم مع التداول السلمي للسلطة وتوافقون على الدستور وعلى كل ما ترتكز اليه الدولة؟ - هناك فرق: أن تشعر بأن من الضروري بقاء الدولة لا يعني أن تؤمن بكل مفرداتها. اننا نتعايش مع الباطل ولا نعترف بشرعيته تماماً كأي صاحب فكر، فهو يرى ان فكره هو الشرعية بالمعنى المبدئي للشرعية، لكنه في الوقت نفسه لا يتمرد على الشرعية المطروحة في بلده، هذه الشرعية التي تحفظ النظام العام، وإن كان يحاول ان يدعو الناس بالاساليب السلمية الى أن تكون الشرعية شرعيته. لا جمهورية اسلامية هل تسمحون بالمظاهر والنشاطات الحديثة في مناطقكم؟ - عندما تأتي الى الضاحية أو تذهب الى بعلبك أو بعض مناطق الجنوب تجد السافرة الى جانب المحجبة. وتجد الاذاعة التي تبث كل أنواع الأغاني الى جانب الاذاعة التي تبث اناشيد اسلامية، والناس يمارسون حرياتهم في شكل طبيعي جداً. منذ أن انطلقت الحركة الاسلامية وحتى الآن لم يحدث ان ضُربت امرأة لأنها سافرة أو فرض الحجاب على الطالبات في المدارس. هل يمكن الحزب الشيوعي أن يقيم ندوة سياسية بالقرب من منزلك؟ - كان يفعل ذلك، ربما في أيام الفتنة خاف بعضهم من الجو العام فامتنع عن النشاط. ان الحديث عن الجمهورية الاسلامية في الضاحية وبعلبك وتطبيق الاسلام بشكل أو بآخر ليس وارداً. لكنكم تعرفون أن مجرماً أُعدم في بعلبك في مقر "حزب الله"، وعلى الطريقة الاسلامية؟ - مقاطعاً... كان الأمر يتصل بتحرك عشائري وكانت المنطقة مقبلة على فتنة تسفك فيها الدماء بلا حساب. لم يبادر الاسلاميون الى اعتقال القاتل واعدامه وانما الناس هم الذين انطلقوا نحو الشرع ليس بصفته "حزب الله" وأعدم القاتل بالتوافق مع كل العشائر المعنية بالموضوع. وكان هناك نوع من الصمت الرسمي في مواقع رسمية متنوعة يعطي الضوء الأخضر لهذه العملية من دون أن يسجل ذلك على نفسه. كانت الدولة غير قادرة بسبب ظروف المجتمع العشائري أن تمنع سفك الدماء. وتعرفون ان الدولة لم تستطع في أي يوم أن تمنع الثأر العشائري الا عن طريق المصالحات والتوافق. تجاوز رجال الدولة تقول الدولة ان لا بد من اعادة تنظيم الاعلام، فهل أنتم معها؟ - الواقع ان كل من يملك مالاً في لبنان يفتح تلفزيوناً. ومن المفارقات ان الذين يملكون التلفزيونات اللاشرعية، كما يقال، يمثلون موقعاً متميزاً في الدولة أو في اجوائها. حتى ان بعض الاحزاب التي كانت تملك تلفزيونات باعتها لمتمولين. ان يكون الأساس في فتح تلفزيون أو اذاعة هو ملكية المال بقطع النظر عن سياسة هذا الجهاز الاعلامي أو ذاك فهذا قد يكون خطيراً. لكن المسألة التي تفرض نفسها في كل بلد ديموقراطي، أو يؤمن بالحريات اذا أردنا الا نستعمل كلمة ديموقراطية، هي من الذي يحدد خطورة اعلام أو ضرورة اعلام آخر، هل الدولة هي التي تحدد ذلك؟ نعم اذا قبلنا بمشروع الدولة؟ - ربما قيل ان الدولة مسؤولة عن أمن الناس في ما يعيشون ويقرأون ويسمعون وما الى ذلك. قد يصح هذا عندما تكون الدولة في رجالاتها موضع ثقة. ان الدولة التي كانت تملك تلفزيوناً وإذاعة لم تمنع رجالاتها من فتح اذاعات وتلفزيونات غير شرعية على حسابهم .لماذا؟ انني أتساءل اذا كانت الميليشيات - كما يُعبّرون - هي التي تتجاوز القانون فلماذا يتجاوزه رجال الدولة؟ لماذا يفتحون اجهزة اعلامية اذا كان جهاز الدولة يغطي الحاجة؟ ان فتح هذه الاجهزة يعني ان الدولة لم تقدم الى الناس مشروعاً اعلامياً ناجحاً يغطي الحاجة ويلبي طموحاتهم، ويمثل العنوان الديموقراطي للدولة. ألا يجب منح الدولة بعض الوقت، اذ لم يمضِ على مشروعها أكثر من سنتين؟ - نحن نلاحظ ان هناك من شاركوا في ارباك الدولة عندما أضافوا اجهزة اعلامية الى اجهزتها وشجعوا الآخرين على ذلك، معنى هذا انهم لم يقوّوا مشروع الدولة بل مواقعهم. المشكلة هي ان اي رئيس سواء كان الرقم 1 أو 2 أو 3 يعمل على زرع جماعته في مفاصل الدولة ليكونوا احتياطاً مستقبلياً له في بقاء نفوذه عندما يخرج من الموقع الرئاسي. ألم تكن الأمور دائماً على هذا النحو؟ - لم تكن بهذا الحجم الذي يمثل حالة فيها الكثير من العدوانية والحدة. كانت المشكلة في السابق ان رجل الدولة يرتشي، والمشكلة اليوم هي في رجل الدولة الذي يرشو الناس، ولذلك شارك بعض الناس في افساد الدولة، فالنائب يرتشي والوزير يرتشي والمدير العام يرتشي ويرتشي هذا الموقع الديني وذاك الموقع الاقتصادي وما الى ذلك... إننا نسمع أنه لا يمكن السماح باعلام لطائفة أو لحزب. فاذا كنت تعترف بالنظام الطائفي وبالاحزاب وتتحرك من موقعك بوصفك ممثلاً لهذه الطائفة أو تلك فلماذا هذه الازدواجية بين طائفيتك التي ترجع اليها وتأخذ منها قوة، وبين ان تكون هذه الطائفية في جريدة أو تلفزيون! وإذا كانت الحكومة تشتمل على احزاب وهي مرخصة فلماذا لا تكون لهذه الاحزاب وسائل اعلام؟ لا مشروع داخلياً هناك مخاوف كثيرة من أن "المقاومة الاسلامية" تسعى الى اكتساب وزن داخلي؟ - أستطيع القول ان المقاومة الاسلامية حركة في مواجهة الصهيونية خصوصاً في لبنان. وهي ليست استعراضية ولا مغامرة. وأستطيع التأكيد للجميع ان ليس للمقاومة الاسلامية أي مشروع داخلي في لبنان، الا اذا تعرضت كمجتمع الى القمع المجنون. في هذه الحالة من الطبيعي ان تدافع عن نفسها. ما الذي أدى الى خروج التيارات الاخرى من المقاومة؟ - المشكلة ان هذه التيارات عزلت نفسها عن الساحة وقد تحدثت الى بعضهم فذكروا لي مشاكلهم الاقتصادية. كان لديهم في السابق امداد مالي وأظن ان هذا الامداد توقف الآن. هل توافقون على قرار حل "القوات اللبنانية"؟ - ليست عندي أية معطيات في هذا المجال، نحن نختلف مع "القوات" سواء بعلاقاتها الاسرائيلية أو بطروحاتها السياسية. هل تعتقدون بأن الخلاف السوري - الايراني حول أزمة الشرق الأوسط يمكن ان يترك انعكاسات على التيار الاسلامي في لبنان؟ - أعتقد ان العلاقات السورية - الايرانية ترتكز على قاعدة من التفاهم على طبيعة الظروف التي تحيط بسورية وتقدرها الجمهورية الاسلامية وإن كانت ترفض المبدأ. كما أن هناك أوضاعاً سياسية استراتيجية تحيط بالعلاقات الايرانية - السورية فتشعر بأن كل بلد من البلدين يحتاج الى الآخر. ولذلك فانني لا أتصور أن العلاقات في المستقبل، حتى وان دخلت سورية في دائرة الصلح في شكل فعلي، ستسوء بينها وبين ايران لأن هناك قضايا أخرى عميقة جداً تتجاوز اختلاف المواقف السياسية، خصوصاً اذا رأينا أن ايران، وهي تعارض مسألة الصلح، لم تحارب هذه المسألة حرباً حارّة. الجزائر ضحية أعلنتم مراراً تأييدكم جبهة الانقاذ الاسلامية في الجزائر، ألا تخشون من اتهامكم بالتدخل في الشؤون الداخلية الجزائرية؟ - ان كل الذين يملكون مواقع فاعلة يتدخلون في الجزائر. أنا أعرف ان الفرنسيين يتدخلون بقوة، ولفرنسا تيار واسع في الحكومة الجزائرية، وان اميركا تتدخل تدخلاً فاعلاً، وقد توحي احياناً بأنها تدعم "الانقاذ". وهناك دول عربية تدعم هذا الفريق أو ذاك. ولعل ايران هي اقل الدول التي تقدم الدعم في الجزائر. لكن الآخرين يملكون سياسة اعلامية استكبارية تحاول الا تترك اثراً في كل تحركاتهم ومخططاتهم. ان المشكلة في الجزائر هي أنها أصبحت ساحة تتحرك فيها أكثر المخابرات الدولية، ونحن نشعر بحزن كبير للواقع الذي وصل اليه هذا البلد الذي كان رمزاً للوعي والتحرر، والذي تربينا على بطولات مجاهديه. اننا نشعر بأن الدولة الجزائرية ضحية للصراع الاميركي - الفرنسي. وما دامت اميركا تلاحق فرنسا في كل مكان وما دامت فرنسا تحاول ان تحافظ على مواقعها هنا وهناك فسيعاني كل بلد فيه نفوذ فرنسي في العالم العربي والعالم الثالث ما عانته الجزائر بدرجة أو اخرى.