تعتبر بعلبك احدى المدن السياحية والأثرية المهمة التي يعتز بها لبنان وأهله حتى ان اعمدة قلعتها التاريخية تزين العملة الوطنية. لكن هذه الصورة بدأت تتبدل تدريجياً مع بداية الحرب اللبنانية التي صدّرت اليها نتائجها فغيرت من معالمها ومن تقاليدها المتعددة، وصار التطرف، كما في سائر المناطق اللبنانية في حينه، سيد الموقف، وبخاصة مع وصول افراد من الحرس الثوري الايراني الى المدينة وتمركز جماعات "حزب الله" فيها الذين عملوا معاً وبشراكة تامة على تصدير الثورة الايرانية الى تلك المدينة التي كان يطلق عليها في احد الايام مدينة الشمس. وهذا ما جعل الصحافة الاجنبية تطلق على منطقة بعلبك وجوارها "جمهورية حزب الله". ومع بداية تطبيق اتفاق الطائف ولمّ السلاح من الميليشيات اللبنانية استثني سلاح "حزب الله" من عملية التسليم لاعتبارات مختلفة، الا انه لوحظ بأن اعضاءه وجماعاته في بعلبك وجوارها أخذوا يخففون من ظهورهم على الرغم من ان تأثيرهم موجود في كل شاردة وواردة في تلك المنطقة البقاعية، والاسس التي وضعوها للعيش ما زالت بارزة ومطبقة. "الوسط" زارت "جمهورية حزب الله" وأمضت فيها ثلاثة أيام قابلت خلالها بعض أهاليها والمسؤولين فيها وعادت من هناك بالتحقيق الآتي: الوصول الى بعلبك لم يكن صعباً، وان كانت الطريق المؤدية اليها مليئة بالحفر المتعددة الاحجام وبعض الحواجز الامنية للجيش اللبناني والقوات السورية التي تجبرك على السير بسرعة خفيفة. وأول ما يطالعك لدى دخولك الى المدينة الشعارات المؤيدة لحزب الله وصور الخميني وبعض المسؤولين الايرانيين، الا ان الظهور العلني المسلح الذي كنا نسمع عنه لميليشيات حزب الله والحرس الثوري لم نلمحه، وان كنا لاحظنا وجود ثكنات خاصة اقيمت خلال فترة الحرب الماضية. ولما كانت بعلبك مدينة سياحية في الدرجة الاولى يعتمد اقتصادها على الفنادق والمطاعم كان لا بد لنا من جولة على هذه المرافق، لا سيما وان وزير السياحة اللبناني نقولا فتوش اعلن اخيراً بأنه عازم على اعادة احياء مهرجانات بعلبك خلال هذا الصيف. أين الفنادق؟ على الرغم من تعدد الفنادق والنزل قبل اندلاع الحرب اللبنانية في بعلبك، فان الفندق الوحيد الذي ما زال قائماً فيها هو "بالميرا" 45 غرفة، اما الفنادق الاخرى فقد تحولت الى ثكنات او أقفلت ابوابها. وفندق بالميرا يعود تاريخه الى العام 1835 حيث شيده اليوناني بيركلي مينكاكييس واشتراه ميخائيل ألوف ثم انتقل الى ورثته ليباع اخيراً الى علي الحسيني نجل رئيس مجلس النوب السابق حسين الحسيني. وقد زارت هذا الفندق قديماً شخصيات سياسية وادبية وفنية مهمة منهم الامبراطور غليوم، الجنرال ديغول، الجنرال كاترو، ويفان زوجة الامبراطور هيلا سيلاسي والاديب الفرنسي بول بورجيه… أما الفندق المشهور الثاني في المدينة فهو فندق "ألخوام" الذي يقع على تلة مطلة على "رأس العين" وسط غابة صنوبر جميلة وكان منتجعاً لضباط وسياسيي الانتداب الفرنسي. وقد شهد اجتماعات مهمة في ذلك الوقت للتحضير لاعلان استقلال لبنان. لكن الفندق اليوم يشغله "حزب الله" الذي حوله الى ثكنة عسكرية. وان كانت النزل والفنادق غير موجودة في بعلبك فان الاسواق المتعددة ما زالت تحمل شيئاً من الماضي الجميل فهي تقوم في زواريب ضيقة وشوارع لا تتسع لأكثر من سيارة، وحوانيت صغيرة تقليدية تجاور محلات تجارية كبيرة. لكن هذه الاسواق الضيقة رغم ضعف مؤهلاتها الخدماتية تؤمن كافة المستلزمات، ففيها سوق للخضار وآخر للملبوسات، وثالث للادوات المنزلية بالاضافة الى الاسواق التي بدأت التعاونيات وكبار المحلات التجارية المبنية في جوارها تنافسها. المطاعم والمنتزهات وآمال بعلبك اليوم ليست معلقة على الاسواق والفنادق فحسب اذ بلغت شهرة منطقة "رأس العين" شهرة القلعة نفسها وباتت منتزهاتها وبحيرتها ومطاعمها مقصودة. ففي المنطقة حوالي 5 مطاعم اضافة الى المقاهي ومحلات العصير والمرطبات. لكن مطاعم بعلبك تحتاج الى رعاية الدولة لتعود الى سابق عهدها. هذه المقاهي والمطاعم تتوق الى زائريها الذين اختفت آثارهم وباتت تعتمد على زبائن ابناء بعلبك، طالبي الشاي والأركيلة. ويقول احد اصحاب المقاهي حسين الزين: "قهوتي يعود تاريخها الى سنة 1956، كانت تلك الايام جميلة تكلّلها المهرجانات والحفلات، وكانت المنطقة في أوج ازدهارها. اما اليوم للاسف دمرت الحرب بعلبك وارجعتنا الاحزاب مئة سنة الى الوراء: تأخر وتخلف. لذلك نحن بانتظار الفرج فنعود احسن من السابق. لم نقفل ابداً خلال الحرب لأننا ظللنا نستقبل اهل المنطقة ولو لم تكن هذه المقاهي ملكاً لاصحابها لما استمرت. وخلال الصيف زارنا الناس لكن "حزب الله" كان يقيم الحواجز على الطريق ويقول للناس: "نحن حزانى والذي يريد القدوم الينا يجب ان يمشي حسب تقاليدنا، ممنوع الرقص والغناء، عندئذ يعود الناس ادراجهم ويستبدلون بعلبك بزحلة او بالهرمل فلم تتحسن الحركة في الصيف سوى خمسة في المئة". ويضيف الزين "مشاكل أهل بعلبك الاساسية اذاً وجود الاحزاب لأن الغريب يريد أمناً واستقراراً وبما اننا محرومون منهما فضّل الذهاب الى غير منطقة. لذلك نتمنى ان يتحسن وضعنا وتنظر الينا الدولة لنستمر والا لن تبقى هناك مقاه ولا مطاعم وستموت بعلبك. والاجنبي لن يأتي طالما ان الحرية ليست متوفرة في بعلبك، وطالما اننا محكومون لفئة من الناس استغلت الوضع وسيطرت على المنطقة ككل. هذا مع العلم ان السيطرة والضغط فقط ضمن منطقة بعلبك. وكل هذا بالاضافة الى المعالم التي تغيّرت: اسواق خضار أنشئت، وحول، نفايات… كل ذلك يجعل بعلبك اقل من قرية وهذا سبب تراجعنا". أما بالنسبة الى دور اهل بعلبك في هذا الامر. اعتبر حسين الزين ان: "ليس لأهل بعلبك دور فهم "مع الواقف" يمشون حيث يقبضون أكثر، لأنه شعب فقير يريد العيش. وبعلبك مقبرة الأحزاب لا ينمو فيها حزب لكن الظروف الصعبة التي مر بها الناس جعلتهم يلجأون الى الأحزاب". وتتميز مدينة بعلبك بالتحف الشرقية المعروضة في أسواقها من نحاسيات وتماثيل وهدايا تذكارية وأوان شرقية مطعمة، وعباءات وعملات نقدية نادرة وما شابه ذلك... وهذه التجارة ترتبط بالوضع السياحي والسياح وليس بالضرورة ان تكون من صنع المدينة بل تستورد من بعض المناطق اللبنانية الأخرى. من محلات التذكارات هذه لم يبق سوى 4 محلات، والباقي "يبسّطون" بضاعتهم على باب القلعة أيام الآحاد حين يأتي بعض الزائرين. أحد أصحاب محلات التذكارات تذمّر من الوضع الذي وصلت اليه بعلبك من جراء الحرب وعدم اهتمام الدولة بها، ويقول ان: "الحياة عادت طبيعية بنسبة 40 في المئة وهو جيد نسبة الى أيام الحرب، ولو كان الاهتمام أكثر بالسياحة كانت ستكون اهم. كما ان هناك عوامل عدة لا تشجع السائح على القدوم ومنها العامل النفسي بسبب الظرف السياسي الموجود في المنطقة". ثم أضاف: "لو قلعة بعلبك موجودة في غير بلد كانت ستعفي الناس من الضرائب. ان لها مردوداً سياحياً لا يستهان به". أما وليد الشل صاحب محل تذكارات أيضاً فاعتبر ان: "سنة 1992 كانت ميتة بالنسبة لنا، لكن سنة 1991 كان الاقبال لا بأس به الى بعلبك فتحسنت الأوضاع بنسبة 50 في المئة". واعتبر الشل ان: "بعلبك كي تعود مدينة سياحية يجب توفر عوامل عدة منها الطرقات، المياه، الكهرباء والتلفون. نحن نشعر بأننا في ألاسكا ومقطوعون عن العالم". وإذا كان المستقبل غامضاً، فالحاضر على ما يبدو تغلب عليه الحاجة. فبعلبك بدورها تطلق الصرخة، صرخة حاجتها الى الخدمات. إن بعلبك عاصمة سياحية ومع ذلك فالكهرباء لا تؤمن سوى بضع ساعات يومياً وتتعرض المدينة الى أزمة مياه من حين الى آخر. أما الطرقات فقد اشتاقت الى طبقة اسفلت جديدة وتعبت من وجود الحواجز التي تعرقل عملية التنقل. كذلك هي بأمس الحاجة الى اشارات سير ترشد السائح. وأخيراً السياحة في حاجة الى النظافة فهي وجه حضاري آخر. فالخدمات هي الخطوة الأولى في اعادة تأهيل بعلبك. وفي هذا الاطار يقول قائمقام بعلبك محمد الميس ل "الوسط" ان: "بعلبك نالها الكثير من الحرمان وصندوق البلدية يعاني من عجز دائم. ونقص الخدمات ناتج عن عدم الجباية الصحيحة. كما ان كل مقومات السياحة غير موجودة". وحول عدم توفر العامل النفسي لدى الأجنبي ليزور بعلبك بسبب وجود ظرف سياسي معيّن يقول المس: "العامل النفسي، هذا الجدار الذي كان موجوداً قبل مسيرة السلام انتهى اليوم لأنه عندما فتحت بعلبك ابوابها سنة 1991، أمّها 130 ألف طالب وطالبة من جميع أنحاء لبنان، لذلك لم يعد بإمكاننا القول ان بعلبك لا تشجع المواطن على القدوم. هذا الانفتاح نشرته وسائل الاعلام العالمية ببث مباشر، وعرف الأجانب به، وحضرت العديد من الوفود والبعثات الديبلوماسية من ايطالياوفرنسا واسبانيا، واستقبلتهم شخصياً". طبعاً لم يأت أحد من أميركا وذلك بسبب وجود حظر على لبنان بأكمله. ولكي تعود الخدمات الى المدينة، لا شك يلزمها وقت، وهذا يرتبط بالاطار العام الذي تتبعه السياسة العامة للحكومة الجديدة. وهذا الاطار هو اعادة الاعمار واعادة البناء، وهذه هي الحرب الكبيرة وهي اعادة بناء ما تهدم من مؤسسات ومن بنى تحتية، التي هي أساس كل شيء". الوضع الصحي والواقع الصحي في بعلبك ليس أحسن حالاً من الوضع الخدماتي فيها، وبشكل عام هو صورة مصغرة عن الواقع في لبنان. فالوضع الاقتصادي مترد جدا في منطقة بعلبك، ونتيجته انعكست على الوضع الصحي، على الرغم من وجود المستشفيات الخاصة في المنطقة، إلا أن هذه المستشفيات لا تفي بالغرض المطلوب من ناحية افتقارها الى تجهيزات حديثة، ومن ناحية ثانية لعدم حصولها على مساعدات وهبات كالتي تصل الى مستشفيات بيروت. هذا الحرمان يؤدي الى مشاكل اقتصادية تمر بها المستشفيات. وتنعكس على علاقة المستشفى بالمريض. عدا عن ذلك فالمريض في بعلبك فقير، ولا يتمكن من دفع الفروقات المترتبة عليه حتى ولو كان على حساب الوزارة. المستشفيات الموجودة في مدينة بعلبك هي: الأهلي، المرتضى، الططري، الأمل، الحياة، ابن سينا، والخميني حزب الله، اضافة الى مستشفى حكومي جار عليه الزمن لا ينفع لشيء بسبب نقص التجهيزات وهو بانتظار الفرج ونظرة مسؤولة من وزارة الصحة. الدكتور راكان علاّم صاحب مستشفى الأمل في بعلبك تحدث عن كيفية النهوض بالواقع الصحي في بعلبك وهو: "- الوصول الى نظرة موضوعية وثاقبة للوضع الصحي في بعلبك. - دعم المستشفيات الحكومية بكل الامكانات المادية. - مراقبة المستشفيات الخاصة مراقبة فعالة". وإزاء الواقع المتردي في بعلبك، قامت، كما أسلفنا، المستشفيات الخاصة بمحاولات لكنها كانت خجولة من ناحية التجهيزات وصغيرة من ناحية استيعاب عدد المرضى، بخاصة وانها المستشفيات الوحيدة في منطقة بعلبك الهرمل وكل مرضى القرى يصبّون فيها. وعلى ما يقوله أهالي بعلبك فإن الظرف السياسي الموجود في المنطقة أو "حزب الله" له بعض الحسنات، مثلا فقد انشأ مستشفى الخميني على درجة متطورة من التجهيزات، وهي تستقبل المرضى على كافة انتماءاتهم حسب ما أكدوا لنا وبأسعار غير معقولة، ذلك ان الجمهورية الايرانية تتولى تمويل هذا المستشفى. وفي لقاء مع مدير مستشفى الخميني تحدث عن ظروف انشاء المستشفى وعن الخدمات التي يقوم بها على صعيد منطقة بعلبك - الهرمل: "بدأ المستشفى بشكل مستوصف مصغّر في بداية الاجتياح الاسرائيلي للملمة وكفكفة جراح الناس الذين سقطوا نتيجة الحرب التي حصلت. بعد هذه الفترة أخذ المستشفى بالتطور نتيجة الفقر والحرمان اللذين تعاني منهما المنطقة، فكان لا بد من ايجاد مستشفى او اي امكانات لانقاذ الناس والوضع الصحي بشكل عام. طبعاً تطور المستشفى شيئاً فشيئاً حتى وصل الى هذه المرحلة: ففي المستشفى 3 غرف عمليات تعمل في آن واحد وتجرى فيها جميع الجراحات واقسام عدة: العيادات الخارجية التي تضم كافة الاختصاصات، المختبرات، قسم التوليد، قسم التصوير فوق الصوتي، قسم الاشعة، قسم الطوارئ، قسم العلاج الفيزيائي والاقسام الداخلية. كما ان هناك ستة مستوصفات ثابتة تابعة للمستشفى، بالاضافة الى المستوصفات المتحركة التي تنطلق الى كل المناطق وتضم طبيب صحة وصيدلياً وطبيب اسنان. من اهداف المستشفى تربية الكادر الصحي على مستوى الممرضات ومساعدي الممرضات، والمستشفى سعى الى تخريج حوالى 500 ممرض وممرضة منذ بداية تأسيسه. ومن الاهداف الأخرى مساعدة اهالي المنطقة في الكوارث الطبيعية مثل العواصف الثلجية التي ضربت لبنان السنة الماضية. فقد شكل المستشفى حوالى 20 فريقاً مجهزاً بسيارات واطباء كانت تتوجه الى المناطق لمساعدة اهاليها". ويتابع مدير المستشفى: "هذه المؤسسة وجدت لمساعدة الناس الفقراء. بالنسبة للاسعار فهي لا تتجاوز 30 في المئة من الحد الاقصى لأسعار المستشفيات الصحية الخاصة. مثلاً طبيب الصحة لدينا يأخذ 2000 ليرة لبنانية على المعاينة. وطبيب الاختصاص 3500 ليرة لبنانية. اذاً اسعارنا رمزية وبقية المصاريف تغطيها الجمهورية الايرانية الاسلامية. ومع النسبة القليلة التي يتقاضاها المستشفى مقابل العلاج او الاستشفاء او غيرها، هناك اشخاص لا يتمكنون من دفعها، ففي هذه الحالة يتم حذف المبلغ بأكمله". ورداً حول سؤال: هذا المستشفى تابع للجمهورية الايرانية الاسلامية، وفي بعلبك طوائف عدة منها الطائفة المسيحية. فهل تستقبلون كافة المرضى؟ أجاب: "هذا المستشفى يستقبل كل الناس على خلاف انتماءاتهم ان كانوا مسلمين او مسيحيين وحتى على مستوى الاحزاب. هذا المستشفى لا ينظر الى القوميات والانتماءات الطائفية. وبمجرد دخول المريض لا نسأل عن هويته، مستشفى الخميني موجود للقضايا الانسانية، كما ان هناك اطباء مسيحيين يعملون في مستشفانا". واقع المرأة بعد النظرة على السياحة ومقوماتها، وعلى الواقع الخدماتي والواقع الصحي، لا بد من التطرق الى واقع المرأة البعلبكية فيتبين ان واقع المرأة يرتبط بشكل اساسي بالواقع الاجتماعي والواقع الاقتصادي وبخطّ من التقاليد والاعراف التي ما زالت تتحكم بها. في ظل هذا الوضع ما دور الاتحاد النسائي واللجان النسائية في بعلبك التي نشطت كثيراً قبل الحرب للمدافعة عن حقوق المرأة لكن هذا النشاط توقف بفعل الحرب وبفعل الظروف التي أحيطت بمنطقة بعلبك وبخاصة بعد تمركز "حزب الله" فيها. للوقوف على موقف الاتحاد النسائي وعلى ما يفعله حالياً لاعادة نشاطه المتوقف، التقت "الوسط" الدكتورة بتول يحفوفي رئيسة قسم الفلسفة في الجامعة اللبنانية، القسم الرابع، وعضو فاعل في الاتحاد النسائي هناك. وهي كانت قدمت دراسة تتعلق بالمرأة في الفلسفة الاسلامية في فرنسا. "بعد نهاية الدراسة، تقول الدكتورة يحفوفي، عند بداية عملي كأستاذة في الجامعة اللبنانية رأيت ان عملية التعليم على أهميتها لا تكفي، لأن ما يحيط بالمرأة خاصة في منطقة بعلبك من ظروف صعبة هي في حاجة الى الجهود النسائية والرجالية واصحاب القرار السياسي والاجتماعي للنهوض في هذا الواقع. لذلك انخرطت في الكثير من الجمعيات النسائية والجمعيات الثقافية. وكنا دائماً نعمل على تحسين وضع المرأة بشكل خاص ووضع الانسان بشكل عام، خاصة وأن منطقة البقاع تتميز بتخلف مضاعف عن التخلف الذي تعيشه اي امرأة في اي منطقة أخرى. فبالاضافة الى الغبن في مجال التشريع هناك واقع مترد سياسي واجتماعي واقتصادي. اذاً، انطلقنا من فكرة ان الغبن اللاحق بالمرأة هو الغبن الاجتماعي، لذلك اذا اردنا النهوض بالمرأة علينا النهوض بالمجتمع ككل. ومن هنا كانت عملية العمل والتنسيق مع كل الهيئات الثقافية العاملة في المنطقة. طبعاً، لم نكتف بهذا العمل على صعيد المنطقة، هناك جمعيات مركزية، والاتحاد النسائي اللبناني عملنا بالتنسيق معها، وكنا نستنير بدراسات تتعلق بالقوانين، بالاحوال الشخصية، قوانين العمل، الضمانات الاجتماعية خصوصاً وأن المرأة امام مفصل تاريخي: الانخراط اكثر في ميدان العمل دون ضمانات ام العودة الى البيت ومشكلة حماية الاسرة وحماية الافراد الذين يقعون على عاتقها. من هنا، اذا حاولنا ان نلخص مشكلات المرأة في الوقت الحاضر في منطقة بعلبك، نستطيع ان نقول ان هناك مشكلات تتعلق بالعمل وعملية الموازنة بين العمل داخل البيت وخارجه، يضاف الى ذلك نسبة الأمية المرتفعة خاصة كلما تقدمنا الى الداخل اي الى القرى المحيطة ببعلبك، وسبب ذلك هو الوضع الاقتصادي المتردي الذي عانى منه الانسان اللبناني بعد الحرب: كلفة التعليم عالية جداً وفي هذه الحالة امامنا خيار وحيد هو تعليم الشاب". هل للمرأة البعلبكية نشاطات غير النشاطات الاجتماعية، وهنا نحب التطرق الى الهيئات والمؤسسات التي قامت في بعلبك؟ - في الواقع كانت للبقاع في فترة الحرب نشاطات كبيرة في الميدان الثقافي والاجتماعي. وكان هناك عدد كبير من الهيئات النسائية التي تكونت في المدينة. طبعاً هناك هيئات تابعة لمنظمات حزبية سياسية، وتشكلت دعماً لهذه المنظمات. وكانت هناك هيئات ثقافية، قامت بمبادرات شبابية ومحلية شاركت بها المرأة لكن بنسبة قليلة، انما الهيئات التي كانت ذات طابع حزبي خرجت وكانت لها مشاركة فعالة في الكثير من المسائل، ساهمت في عمليات التوعية الصحية والقانونية والكثير من المحاضرات التي تتعلق بواقع المرأة وكان لها اثرها الكبير في المنطقة. يمكن القول ان هذه الهيئات لارتباطها بفعاليات حزبية دفعت بالكثير من الفتيات لاعتماد التعليم كضرورة للفتاة. وهذا واقع لم يكن سهلاً ان نحصل عليه لولا هذه التدخلات سواء كنا نوافق عليها ام لا، لكن كان لها الاثر الايجابي على كثير من النساء اللواتي دخلن ميدان التعليم، كما ان هناك مساعدات اقتصادية قدمت من قبل هذه الهيئات لتشجيع الفتيات على التعليم وهذا اثر ايجابي جداً على مستوى المرأة". وماذا عن النشاطات المستقبلية للاتحادات النسائية بعد توقفها خلال الحرب؟ - على صعيد النشاطات المستقبلية، تبيّن بعد الكثير من الدراسات النظرية ان مشكلة المرأة ليست مشكلة ثنائية الابعاد وانما هي متعددة الابعاد. هناك واقع وتقليد واجتماع واقتصاد. وكلّ هذه عوامل مؤثرة على المرأة. انما وجدنا خلاصة لكل هذه الدراسات، ان النمط الاقتصادي ما زال هو الاشد تأثيراً على واقع المرأة واذا اردنا فعلاً النهوض بواقع المرأة يفترض دمج المرأة في عملية التنمية بشكل اساسي. من هنا كان لدينا مشروع نحاول العمل عليه وهو من ضمن خطة كبيرة أتت بمبادرة من برنامج الاممالمتحدة الانمائي وتهدف الى تنمية منطقة بعلبك - الهرمل وعملية القضاء على المخدرات وقد تقدمنا بمشروع لانماء المرأة بشكل اساسي لاننا نعتبر ان عملية تنمية المنطقة لا تنفصل عملياً عن عملية تنمية المرأة، وهناك ضرورة لدمج المرأة في المجال الاقتصادي. كما لدينا الكثير من المشاريع الاقتصادية: 1 - الحرف. 2 - عمليات تدريب ومحو الأمية. 3 - مراكز للتدريب الصحي رعاية الطفولة والامومة كل هذه المشاريع موجودة لكن نريد من يتبناها". ما هي الانشطة التي كانت تقوم بها الاتحادات قبل الحرب، خلال الحرب، وما المشاريع الحالية؟ - قبل الحرب كانت النشاطات متعددة وكلها في اطار المرأة والمدافعة عنها امام الغبن الذي تشعر به من خلال المجتمع. اليوم، هناك حركة للاتحاد النسوي بالشكل المركزي، عقد اجتماعات منذ ان تشكل، وأقام انتخابات جديدة بعد الحرب لأن دوره تعطّل خلال الحرب، وانتخب سيدة لها اختصاصها العلمي وحضورها التربوي والثقافي، رئيسة الاتحاد الحالية تعمل من ضمن خطط علمية مدروسة. من هذه الخطط التي طرحت: 1 - موضوع دخول المرأة في المجلس الاقتصادي الاجتماعي وقد جرت اكثر من ندوة حول هذا الموضوع، من حيث ضرورة ان يكون دور المرأة في هذا المجلس فاعلاً وان تدخل المرأة في مركز القرار، ان كان في لجان قانونية لتتمكن من المساعدة في اقامة تشريعات ملائمة لواقع المرأة تشريعات في العمل وضمانات للامومة. 2 - طلب بعد مقابلات مع وزراء التربية ان يكون هناك دعم للمرأة بصنع القرار التربوي. ما زالت حتى اليوم الكتب المدرسية تعطي صورة تقليدية جداً عن المرأة، وهذه الصورة تؤثر على عقول الشباب كما على الفتيات، فاذا كانت هناك دعوة لمراكز تخطيط تربوي يجب ان تتغير هذه الصورة وان تكون المرأة مشاركة في عملية التخطيط لتغيير واقع المرأة في الكتب المدرسية وفي الواقع التربوي. 3 - هناك ايضاً لجان تهتم في موضوع الاعلام والذي كما تعلمون هو الاساس اليوم. تأثير الاعلام على تغيير صورة المرأة وموقف المجتمع منها والانتهاء من نظرة المجتمع للمرأة وكأنها سلعة واستبدالها بمحاولة للحديث عن المرأة الانسانة. هذا عمل كان من ضمن توجهات الاتحاد النسائي. 4 - جرت حوارات عدة مع النائبات الجديدات من اجل التوقيع على اتفاقية اسمها: "اتفاقية القضاء على كل اشكال التمييز ضد المرأة". هذه الاتفاقية موقعة من 109 دول وهناك 5 دول عربية، لبنان لم يوقعها حتى الآن وهي تتعلق بالغاء كل اشكال التمييز، ان كان في القوانين، او حق المرأة في الخيار، في العمل، والاحوال الشخصية... عرض هذا على النائبات في المجلس النيابي، ويحاولن فعلاً اقرار هذه الاتفاقية بمساندة فعاليات أخرى. نرى من خلال هذا العمل ان التشريعات التي قد تسنّها الدولة تجاه المرأة، ستساند في الواقع في تغيير صورة المرأة وستساعد المرأة في عملية التقدم. بعلبك تعاني من ظرف سياسي معين، وهو وجود بعض الجماعات المتطرفة او الاصولية، والتي تعتبر ان تطور المرأة ليس من توجهها العام. لأي مدى أثر هذا الوضع على المرأة في بعلبك، وما كان دور الاتحادات النسائية لمجابهة هذا الواقع؟ - قد يفاجئك القول بأن هذه القوى بالذات كان لها تأثير على واقع المرأة بعكس ما يمكن ان يتصوره الناس. طبعاً هناك مسألة انه عندما تؤخذ القرارات السياسية تستخدم كل الاشكال لجعل هذا القرار ناجحاً. عندنا في بعلبك عقلية متحجرة جداً، عقلية صعبة جداً. القوى المتعددة التي وجدت في بعلبك دخلت من جانب انها اخذت التشريع الاسلامي، واظهرت كل الايجابيات التي تتعلق بواقع المرأة من الناحية الاسلامية. وكان هناك تأكيد كبير على ضرورة تعليم المرأة، على اشراكها في العمل السياسي، وهذا لم تتجرأ على قوله اي جمعية نسائية، ولم يجرؤ احد على الدعوة الى مشاركة المرأة في العالم السياسي بهذا الشكل الكبير. وفعلاً كان لهذه القوى تحركات عدة مثلاً: بعلبك لم تكن تشهد مظاهرات تشارك فيها النساء، لاسباب عقائدية وحزبية خرجت المرأة وشاركت. طبعاً، هذا على صعيد المرأة وعلى مستوى المرأة وهذا شكل ايجابي. الاهالي لم يتقبلوا بسهولة ان تخرج بناتهم في مظاهرة او في عمل معين، هذه الجماعات المتطرفة ساهمت في هذا الامر وقدمت شيئاً مهماً للمرأة البعلبكية بشكل اساسي. هناك مسائل اخرى قد لا يمكننا الحديث عنها ولكن على صعيد خروج المرأة كان هناك تأكيد على هذه المسألة. واليوم انا اسمع في الاوساط عن الكثير من القوانين والتشريعات التي لم نكن نسمع عنها سابقاً، يعني فتحت باب التعريف على حقوق المرأة وعلى ادوارها، وهذا الشيء بنظري هو دفعة في عملية تطوير ونهوض المرأة". وبعد اذا كانت بعلبك تفتقر الى "التمدن" بمختلف وجوهه المتطورة، فهي تفتقد ايضاً الى ايام العز، وتنظر بأمل الى عودة روادها العالميين. فهل حكم عليها ان يقتصر زائروها على اللبنانيين فقط؟ هي تطالب اليوم باعادة احياء المهرجانات وتنظيم رحلات منظمة وغيرها من المشاريع التي تعيد الى بعلبك حقها. فالسؤال الذي يطرحه ابناؤها: لماذا احتلت جرش بمهرجاناتها مكانة بعلبك. ولماذا لا تحوّل بعلبك الى منطقة سياحية بحتة كاهرامات مصر؟ مطالبهم تتركز في الدرجة الاولى على احياء الماضي قبل الشروع بمشاريع مستقبلية. فقلعة بعلبك تحتاج الى تنظيف واصلاح، ومباشرة تنفيذ قرارات الترميم والحفر التي صدرت قبل الاحداث. هي تبكي على ما اتلف وما سرف من آثار. بعلبك والسياحة مسلسل تمتد حلقاته عبر العصور والقرون في مسلسل لا يحيا دون ماضيه ألا ينسى حاضره ويحتاج الى مستقبل زاهر. فهل تكون بعلبك جامعة الحضارات على مفترق طريقين: طريق الرومان وطريق أبناء القرن العشرين؟