ليست الكويت الدولة النفطية الوحيدة التي عانت من تراجع أسعار النفط، الا انها بالتأكيد من بين الدول الأكثر تأثراً بانهيار عائداتها النفطية التي تشكل 90 في المئة من الايرادات العامة للبلاد. واذا كان العجز في الموازنة العامة للدولة لهذا العام قدر أساساً بپ1.5 مليار دينار 4.8 مليار دولار، فانه قد يرتفع بسهولة الى ما بين 2 و2.5 مليار دينار 6.4 و8 مليارات دولار، اذا ما تواصل التراجع في أسعار النفط، وهو ما المح اليه بصورة غير مباشرة وزير الاعلام الكويتي عندما أكد "عدم وجود ضمانات بالا يتدهور سعر النفط الى أدنى من 10 دولارات للبرميل الواحد في المستقبل". الا ان العجز في الموازنة الكويتية ليس المشكلة الوحيدة، كما يقول رئيس اللجنة المالية في مجلس الأمة الكويتية الدكتور اسماعيل الشطي الذي يعتبر واحداً من اكثر المتابعين للشؤون المالية في البلاد، فهناك أيضاً الديون العامة، في شقيها الداخلي والخارجي. وفي الواقع، وطبقاً لتقديرات رسمية، فان حجم الديون العامة في الكويت يبلغ حالياً 25 مليار دولار حداً أدنى، بواقع 18 ملياراً لسداد الديون الناتجة عن برنامج المديونيات الصعبة، الذي اشترت الحكومة بموجبه الديون الصعبة للمصارف التجارية في البلاد، و7 مليارات دولار قيمة اذونات وسندات الخزينة. والى هذه الديون الداخلية لجأت الحكومة الكويتية في السنوات الثلاث الأخيرة الى الاقتراض من السوق المالية الدولية لتمويل بعض الالتزامات وتغطية صادرات من دول اخرى بواقع 5.5 مليار دولار للأولى، و7 مليارات دولار للثانية، ليرتفع اجمالي الديون العامة الى حوالي 37.5 مليار دولار. وحسب تقديرات مستقلة، فان الكويت ستكون مضطرة الى دفع ما تصل نسبته الى 30 في المئة من عائدات النفط لسداد الفوائد السنوية المستحقة على الديون، من دون ان تشتمل هذه النسبة على سداد أساس الدين، ما يعني حاجة البلاد الى مصادر تمويلية اضافية لتغطية العجز المتوقع نموه بصورة مضطردة في السنوات المقبلة، الى جانب الحاجة الى تمويل برنامج التسلح الذي تقرر تنفيذه على امتداد 10 سنوات بواقع 11 مليار دولار لاعادة تجهيز وتطوير القوات المسلحة بعد الخسائر التي تعرضت لها في أثناء الغزو العراقي، والتحديات التي فرضها هذا الغزو على مستقبل البلاد. وفي حين يجمع المسؤولون الكويتيون على ضرورة معالجة المشكلة المالية، ومنعها من التفاقم، فان ثمة اختلافاً واضحاً حتى الآن على الاجراءات التي يتوجب اتخاذها بصورة عاجلة، وعلى المديين المتوسط والطويل. فقد باشرت الحكومة التحضير لاطلاق برنامج واسع لبيع الشركات والمؤسسات التي تملكها بصورة كلية أو جزئية الى القطاع الخاص. كما اشتمل هذا البرنامج على تخصيص مؤسسات الخدمات العامة مثل مؤسسات الاتصالات والكهرباء والمياه والنشاطات النفطية، باستثناء الانتاج. الا ان برنامج التخصيص لا يزال حتى الآن في مرحلة الدراسة والتقييم، ويحتاج الى الحصول على موافقة مجلس الأمة الذي يصر على المشاركة في القرار المالي، واخضاعه لمزيد من الرقابة. الى ذلك، تهيئ الحكومة لاطلاق المزيد من الرسوم وتحرير المزيد من أسعار الخدمات الأساسية. وحسب تصريحات رسمية صدرت في الفترة الأخيرة، فان الاجراءات المالية المتوقع اقرارها في خلال المرحلة المقبلة ستشمل زيادة الرسوم على الواردات، خصوصاً المصنفة كمالية، مثل السيارات الفخمة والعطور والسجائر والألبسة الجاهزة الى جانب الزام المستفيدين من خدمات التعليم والصحة زيادة مساهمتهم في الأكلاف المالية عن طريق دفِ رسوم سنوية، أو تغطية نسبة معينة من قيمة هذه الأكلاف. ويكشف وزير الاعلام الكويتي الشيخ سعود ناصر الصباح وجود اتجاه لفرض ضريبة هي الأولى من نوعها في البلاد، "ضريبة الأمن والسلامة" لاشراك السكان في تحمل جزء من أكلاف خطط الدفاع والأمن التي تنوي الحكومة تنفيذها. الا ان رئيس لجنة المال النيابية يذهب الى أبعد من الاكتفاء بزيادة بعض الرسوم أو تحرير بعض أسعار الخدمات، معتبراً ان المشكلة في الأساس هي انه على الكويت كدولة رأسمالية ان تتخلى عن الخط الاشتراكي الذي طبقته حتى الآن لضمان وظائف للجميع، وفي توفير خدمات مدعومة "ما أدى الى استنزاف الجزء الأكبر من الموارد المالية، للبلاد". وبالفعل الزمت الحكومة الكويتية نفسها بتوفير الوظائف لجميع الكويتيين. ما أدى الى فائض في الاستخدام في القطاع العام، قابله اعتماد شبه مطلق للقطاع الخاص على العمالة الوافدة، وبعد تحرير البلاد عمدت الدولة الى اعطاء زيادات بلغت نسبتها 25 في المئة لجميع العاملين في مؤسساتها، ما جعل بند الأجور والرواتب يرتفع الى حوالى 6 مليارات دولار، وهو ما يزيد عن ثلثي أرقام الموازنة العامة للدولة. ويقول رئيس لجنة المال ان كلفة بند الرواتب قد ترتفع الى 11 مليار دولار قبل نهاية العقد الحالي، ما يعني ان عائدات النفط لن تكون قادرة بكاملها على تغطية هذا البند، حتى لو احتسبت على أساس 15 دولاراً للبرميل. وكانت الحكومة لجأت أخيراً الى اعادة النظر في العلاوات التي يحصل عليها كبار الموظفين، وقدرت وزارة المال ان يصل الوافر المتحقق من اعادة النظر في العلاوات الى حوالى 600 مليون دولار سنوياً، كما باشرت التحضير لفرض رسوم على أسعار المحروقات والخدمات الصحية والتعليم. لكن هذه الاجراءات اصطدمت بنفقات اخرى التزمت بها، ومن شأنها ترتيب مزيد من الاعباء على الموازنة العامة للدولة، مثل الاعانات الشهرية للطلاب الجامعيين، ومنح الاسكان والمطالبة بالتعويض على صغار التجار والحرفيين، وسداد أقساط السيارات من الوكالات. في السنوات الثلاث الأخيرة، سددت الكويت عشرات مليارات الدولارات من كلفة تحرير البلاد، كما أنفقت عشرات المليارات لتمويل برنامج اعادة الاعمار الشامل، خصوصاً في قطاع النفط، وقطاعات الخدمات الأساسية، واضطرت الى مواجهة انفجار فضائح الاختلاسات وانهيار جزء من المحفظة الاستثمارية في الخارج. ما دفع الى تسييل جزء من الأصول الخارجية والى الاقتراض من السوق المالية لتغطية النفقات العاجلة، الا ان الكويتيين يجمعون حالياً على ان استمرار الاندفاع بهذه الوتيرة يعني ان الأزمة المالية تتجه الى مزيد من التفاقم. وهم يتفقون على ضرورة اتخاذ ما يكفي من الاجراءات لمواجهتها، الا ان الأهم هو الا يأتي الاصلاح متأخراً.