مع صدور هذا العدد من "الوسط" تنعقد في الرياض القمة الرابعة عشرة لدول مجلس التعاون الخليجي ، في وقت حل الانتعاش الاقتصادي بدل الركود وعبرت دول المجلس بسرعة غير متوقعة مرحلة حرب الخليج في العامين 1990 و 1991 متجاوزة ما خلفته من انعكاسات سلبيه على اقتصادياتها. "الوسط" خصصت صفحاتها الاقتصادية لهذا العدد لعرض التحولات التنموية التي تشهدها بلدان الخليج العربي. اذا كان العام 1993 هو العام الذي استكملت فيه دول الخليج العربي استيعاب النتائج السلبية التي افرزتها حرب الخليج في العامين 1990 و1991، فان العام 1993 تميز بقدرة هذه الدول على استئناف مسيرة النمو التي بدأت اوائل العام 1990، بعد سنوات الركود الاقتصادي التي خيمت على المنطقة، خصوصاً في النصف الثاني من الثمانينات، نتيجة انهيار اسعار النفط وسياسات ترشيد الانفاق الحكومي. وعلى رغم الاهتزاز الذي اصاب العائدات النفطية، الا ان معظم الاقتصادات الخليجية اظهر مقدرة على متابعة النمو، وبدأ القطاع الخاص يزيد من مساهمته في الدورة الاقتصادية مستفيداً من التسهيلات الحكومية، ومن معدلات فوائد منخفضة، اضافة الى التوسع الذي سجلته مستويات الطلب الاستهلاكي. وساعدت التوقعات المحافظة عن العوائد للعام الجاري، اضافة الى متابعة سياسات ترشيد الانفاق، على الحد من تنامي العجز في الموازنات الحكومية بالنسبة الى الناتج المحلي الاجمالي، اذ ما زالت معدلات العجز في معظم دول الخليج عند مستويات متدنية، لا تزيد عن 2 في المئة في الامارات، فيما تصل الى 5.11 في المئة في الكويت، الا انه عجز صوري نظراً الى العائدات التي تحققها الاستثمارات الخارجية غير المدرجة في الموازنة. ولم يكن العجز في الموازنات الحكومية في خلال السنوات الثلاث الماضية الا نتيجة مباشرة لارتفاع مستوى الانفاق العسكري لمواجهة الاوضاع الجديدة التي افرزتها حرب الخليج، ولمساعدة النمو الاقتصادي على استئناف وتيرته، اضافة الى احتياجات خطط التنمية المقررة لتطوير قطاعات الخدمات الاساسية كهرباء، مياه، اتصالات، طرق ثم النفقات الضخمة التي تحتاجها خطط تطوير قطاعات النفط والغاز. ومن المقدر ان تنفق الدول الخليجية حوالي 80 مليار دولار، طبقاً لتقديرات محلية وخارجية، على مشاريع تطوير الغاز والنفط وتحسين كفاءة قطاعات التكرير، لانتاج انواع جديدة من المحروقات، كما يُقدر مستوى الزيادة في الانفاق العسكري في الكويت وحدها بحوالي المليار دولار، في حين تقدر الزيادة في الدول الخليجية الاخرى بما نسبته 20 في المئة سنوياً، تضاف الى المخصصات السنوية التي كانت مقررة في السابق. وفي اطار السياسات الاقتصادية الجديدة التي باشرت معظم الدول الخليجية تطبيقها للمساهمة في زيادة مساهمة القطاع الخاص في الدورة الاقتصادية، عمدت دول خليجية عدة، مثل سلطنة عمانوالكويت، الى فتح الباب امام تطبيق برامج طموحة للتخطيط، عن طريق بيع الشركات الحكومية الى القطاع الخاص، وسجلت هذه البرامج خطوات عملية في مسقط التي طرحت للبيع مجموعة شركات فندقية وصناعية، فيما خرجت الحكومة الكويتية من ملكية عشرات الشركات وانجزت مراحل متقدمة لتحويل وزارة المواصلات الى القطاع الخاص عن طريق انشاء شركة مساهمة للاتصالات. كما بدأت سياسة التخصيص تطال قطاع النفط الذي لا زالت الحكومة تسيطر عليه بصورة شبه مطلقة. وفي الاطار نفسه تتجه دول خليجية اخرى الى اعادة النظر في سياسة دعم اسعار الخدمات لجهة تقليصه والتركيز اكثر فأكثر على الاقتراب من اسعار الكلفة، اضافة الى اعادة النظر في السياسات الجمركية، ومن المعروف ان معظم الدول الخليجية يطبق الرسوم الجمركية بالحد الادنى على غالبية السلع المستوردة، باستثناء السجائر وبعض السلع الاخرى لاعتبارات اجتماعية وصحية. والاصح ان اعادة النظر بالرسوم الجمركية تتجه الى التركيز على السلع المصنفة كمالية والابقاء على المعدلات الحالية المطبقة على السلع الاساسية، بحيث يتقلص تأثير الزيادات المتوقعة على ذوي الدخل المحدود الى الحد الادنى. الا ان ثمة تفسيراً آخر لسياسات التخصيص التي تتجه دول الخليج الى تطبيقها، هو ان التخصيص الذي سيقتصر في احيان كثيرة على الادارة بهدف تحسين كفاءة التشغيل والاستثمار، ستكون الغاية منه تقليص اكلاف الانتاج من دون المساس بالأسعار المدعومة من قبل الحكومة وبمستوى الخدمات التي تقدمها المؤسسات الحكومية. واذا كانت العقود الثلاثة الماضية تميزت باعتماد الدورة الاقتصادية في معظم دول الخليج العربي على الانفاق الحكومي والعوائد النفطية، فان التسعينات تميزت ببروز دور افضل للقطاع الخاص، وتأكد هذا الدور في العام 1993 بالمعدلات القياسية التي حققها النمو في القطاعات غير النفطية، طبقاً للمؤشرات التي ظهرت حتى الآن، اذ اظهرت ارقام رسمية غير نهائية ان النمو الذي امكن تسجيله في العام 1993 في القطاعات الصناعية والزراعية وفي قطاعات الخدمات، لن يقل عن 5.4 في المئة، فيما من المقدر ان يتجاوز 10 في المئة قطاعات اخرى. وينظر الى الدور المتنامي للقطاع الخاص الخليجي على انه سيكون قادراً على التعويض عن تراجع الانفاق الحكومي واعادة النظر في السياسات المالية التي تتجه معظم الدول الخليجية الى تطبيقها لمواجهة تراجع العائدات النفطية. السعودية: نمو متواصل أظهرت المؤشرات التي امكن انجازها حتى الان عن اداء الاقتصادي السعودي في العام 1993، ان السعودية استطاعت مواصلة النمو الاقتصادي الذي كانت استأنفته في العام 1990، ومن المقدر، طبقاً لأرقام رسمية، ان يحقق الناتج المحلي الاجمالي نمواً قد يصل الى 3 في المئة، على رغم الاستقرار الذي سجلته العائدات النفطية في هذا العام عند مستوى 45 مليار دولار. وتميز العام 1993 باستمرار معدلات الفوائد على الريال السعودي عند مستويات منخفضة على غرار ما كانت عليه العام الماضي، الامر الذي شجع على زيادة الاقتراض لتمويل مشاريع اقتصادية جديدة، كما ساعد على تحول قسم كبير من الرساميل الى التوظيف في قطاعات اقتصادية اخرى، خصوصاً في القطاع العقاري والقطاع الصناعي وسوق الاسهم. وكان القطاع المصرفي السعودي الذي حقق مزيداً من الارباح في الاشهر التسعة الاولى من العام الجاري بمعدل الثلث تقريباً، استفاد من عودة الرساميل من الخارج، الامر الذي ادى الى زيادة كبيرة في مستويات السيولة لديه. وتجمع تقديرات متطابقة على ان النمو الذي حققه الاقتصاد السعودي في العام 1993 وهو استمرار للنمو الذي تحقق في السنوات الماضية، نتيجة مباشرة في معظمه لزيادة مساهمة القطاع الخاص في الدورة الانتاجية، ودخول مشاريع صناعية وخدماتية خاصة مرحلة التنفيذ الامر الذي ساعد على زيادة الطلب. وبحسب تقديرات اعدتها "المؤسسة العربية لضمان الاستثمار" اخيراً، فان القطاعات غير النفطية كانت الاكثر نمواً، اذ ارتفعت القيمة المضافة لهذه القطاعات من 9.152 مليار ريال 7.40 مليار دولار في العام 1989 - 1990 الى 9.190 مليار ريال 9.50 مليار دولار في العام 1993 - 1994، وبمعدل نمو 5.4 في المئة، في مقابل نمو القطاع النفطي بمعدل 7.2 في المئة. ومن المقدر ان يحقق القطاع الصناعي في نهاية العام الجاري، نمواً تصل نسبته الى 5.10 في المئة، في مقابل 1.7 في المئة في العام 1991، و8 في المئة في العام 1992. وترتبط الزيادة التي حققها قطاع الصناعة بالنمو الذي حققه قطاع البتروكيماويات والتوسع الذي سجله قطاع الصناعات الاستهلاكية والصناعات الغذائية وصناعة الاسمنت ومواد البناء. ومن المتوقع، استناداً الى مؤشرات واضحة، ان تزيد انتاجية هذه القطاعات في السنوات القليلة المقبلة، مع دخول مشاريع جديدة للاسمنت الى جانب مشاريع التوسعة في المصانع الحالية، مرحلة التشغيل بدءاً من العام 1995، اضافة الى دخول مشاريع لانتاج السلع الغذائية التي تمثل حالياً 16 في المئة من اجمالي الانتاج الصناعي خارج قطاع تكرير النفط، مرحلة التنفيذ، في مجال تكرير السكر وانتاج الزيوت النباتية. وبحسب خطط معلنة، فان قطاع البتروكيماويات الذي تقوده "الشركة السعودية للصناعات الاساسية" سابك سيحظى باستثمارات جديدة تصل قيمتها الى حوالي 6 مليارات ريال 600.1 مليار دولار اضافة الى ما مجموعه 4 مليارات ريال 06.1 مليار دولار لتطوير قطاع التكرير. وفي القطاع الزراعي تمكنت السعودية التي تواصل سياسة طموحة لتحقيق الحد الاقصى من الاكتفاء الذاتي، من زيادة حصة القطاع الزراعي الذي ارتفعت مساهمته في العام الماضي الى 7 في المئة، فيما من المتوقع ان ترتفع الى 1.8 في المئة في نهاية العام الجاري. ويرتبط استمرار النمو في قطاع الزراعة بالدعم الحكومي الواسع الذي تحظى به المشاريع الزراعية، اضافة الى تأمين الطلب المحلي. وكانت السعودية نجحت في خلال السنوات العشر الماضية من التحول من دولة مستوردة لمعظم احتياجاتها الزراعية والغذائية الى دولة مصدرة للسلع الاساسية، مثل القمح والبيض واللحوم البيضاء والالبان، الى جانب بعض اصناف الفواكه والخضار في فصول معينة من السنة. في المقابل حقق قطاع البناء نمواً متواصلاً، ومن المقدر ان يصل في نهاية العام الجاري الى 5.9 في المئة في مقابل 8 في المئة العام الماضي، ومن المؤشرات القوية على النمو الذي يحققه هذا القطاع منذ 3 سنوات، ومرشح للتوسع حتى نهاية العقد الحالي، تشغيل مصانع الاسمنت بكامل طاقتها الانتاجية 8.13 مليون طن، ومباشرة تنفيذ مشاريع جديدة لرفع حجم الانتاج الى 22 مليون طن سنوياً. ومن الصعب تقدير الانفاق الذي تحقق في هذا القطاع في العام 1993، الا ان تقديرات مختلفة توقعت الا تقل الاستثمارات في قطاع البناء على اختلاف انواعه عن 9 مليارات دولار موزعة على مشاريع خاصة وحكومية. اما قطاع المصارف فقد نجح في تحقيق معدلات قياسية جديدة، ومن المتوقع، طبقاً للارقام الاولية التي توصلت اليها المصارف السعودية حتى الان، ان يصل النمو الى 12 في المئة. كما انه من المقدر ان تواصل هذه المصارف معدلات نمو كبيرة في العامين المقبلين مع اكتمال عمليات رفع معدلات الملاءة وزيادة الرساميل واقفال ملف الديون الهالكة. واذا كان الاقتصاد السعودي نجح في تحقيق تقدم على صعيد تنويع قاعدته وزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية، الا ان النفط لا يزال الركيزة الاساسية في السعودية، الدولة الاولى في العالم من حيث الانتاج ومن حيث التصدير. ومن المقدر، وفقاً لأرقام غير نهائية، ان يصل حجم العائدات النفطية في العام الجاري الى حوالي 34 مليار دولار، وهي ارقام مطابقة للتقديرات التي تضمنتها الموازنة العامة للمملكة، لكن تضاف اليها العائدات التي توظفها السعودية في سداد بعض الالتزامات المالية الخارجية والمنح التي تقدمها لدول اخرى، الى جانب حصة "ارامكو" لتغطية اكلاف الادارة والتشغيل والاستهلاك المحلي الذي يقدر بحوالي مليون برميل يومياً. واستناداً الى التقديرات التي اوردها تقرير "المؤسسة العربية لضمان الاستثمارات" فان الانفاق الحكومي زاد في العام 1993 الى 95.196 مليار ريال 5.52 مليار دولار في مقابل 3.48 مليار دولار في العام 1992، اي بزيادة نسبتها 8.8 في المئة. وكانت الحكومة السعودية باشرت اعادة النظر ببرامج التمويل المقرر لبعض المشاريع الا ان تأكيدات اخرى اوضحت ان اعادة النظر هذه لا تعني الغاء مشاريع معينة، وانما اعادة برمجتها وفقاً لنظام اولويات معينة. ويجمع معظم المحللين الاقتصاديين على ان الاقتصاد السعودي استعاد وتيرة نشطة للنمو، من دون ان يعني ذلك ان ثمة "طفرة" اقتصادية قريبة على غرار "طفرة" السبعينات، فالاتجاه الغالب هو الى نمو اكثر ثباتاً واقل تأثراً بالاعتبارات الخارجية، على غرار ما حصل في الثمانينات، عندما انهارت اسعار النفط في الاسواق العالمية. عمان : عجز الموازنة لا يوقف مشاريع التنمية احتمالات ارتفاع العجز في الموازنة العامة في سلطنة عمان تبدو القضية الاكثر اثارة للاهتمام الحكومي في السلطنة التي تسعى الى استكمال تنفيذ خطتها الخمسية الرابعة 91 - 95. وتركزت الجهود على المزاوجة بين هدفين رئيسيين على الاقل: الحد من انعكاسات تراجع العائدات النفطية على خطط تنفيذ المشاريع التي تضمنتها الخطة الخمسية من جهة، ومنع العجز في الخزينة من معاودة الارتفاع، بعدما اظهرت مؤشرات متعددة اتجاهه الى بلوغ مستويات اعلى، من دون ان يصل الى مستوى الملياري دولار، كما توقع بعض التقارير الاقتصادية. وفي خلال الاشهر القليلة الماضية، انكب المسؤولون الماليون في مسقط على مناقشة مجموعة من التقارير والاحتمالات التي من شأنها ان تمنع العجز من الارتفاع، لكن من دون ان تؤثر بصورة اساسية على مستوى تنفيذ الخطة الرابعة للتنمية. وبالفعل بدأت السياسة المالية الجديدة بالظهور، اذ لجأت الحكومة الى خفض المخصصات التي يحصل عليها الوزراء وكبار الموظفين في الادارة، مثل تحديد سقف لبدلات الهاتف بحيث لا تزيد عن 300 ريال 800 دولار في الشهر، اضافة الى اعادة النظر بمخصصات وقود السيارات الموضوعة بتصرف كبار المسؤولين في الوزارات والمؤسسات العامة، وتحديد الحد الزمني لاستبدال السيارات الرسمية من 5 الى 7 سنوات. وفي الاطار نفسه عمدت الحكومة العمانية الى تدابير اخرى شملت هذه المرة المخصصات التي يحصل عليها الاجانب في الادارات الحكومية، فقررت الاستعاضة عن تذاكر السفر المجانية التي يحصل عليها هؤلاء سنوياً، ببدلات مقطوعة تساوي 75 في المئة من قيمة التذاكر، كذلك تقرر استبدال علاوات السكن والاثاث التي يحصل عليها الاجانب ببدلات مقطوعة تُدفع مرة واحدة. الى ذلك فان ثمة اتجاهاً الى اعادة النظر بالمخصصات والتعويضات الاضافية التي يحصل عليها الاجانب في بعض المهن، مثل الاطباء والمهندسين والمدرسين. وكانت قرارات اخرى اتخذتها الحكومة قضت بمنع الاجانب من العمل في 17 مهنة، معتبرة ان العمالة الوطنية قادرة على تغطيتها، في حين اصبح استقدام العمالة الاجنبية مسألة اكثر مراقبة من قبل الاجهزة الحكومية للتأكد من الحاجة الفعلية للمؤسسة الى هذه العمالة، وعدم وجود عمالة وطنية قادرة على توفيرها. الا ان التدابير الحكومية لم تتوقف عند موضوع الحد من النفقات العامة، بل تجاوزتها باتجاه زيادة الايرادات العامة. وأبلغ وزير التجارة والصناعة العماني مقبول بن علي سلطان رجال الاعمال العمانيين قرار الحكومة المباشرة اعتباراً من مطلع العام 1994 تطبيق ضريبة الدخل على الشركات المملوكة بكاملها لمواطنين عمانيين، وهي الضريبة التي كانت مسقط قررتها قبل 13 سنة، لكن ارجئ تطبيقها مرات عدة بناء لالحاح رجال الاعمال. ومع ذلك فان القرار الاهم هو زيادة الايرادات عن طريق رفع الدعم بصورة تدريجية عن اسعار السلع والخدمات التي يحصل عليها السكان. ومن المعروف ان الحكومة توفر خدمات مجانية بالكامل في مجالات التعليم والصحة والمرافق العامة، والاتجاه في الوقت الحاضر هو اقرار بعض الرسوم على هذه الخدمات من دون ان يؤدي ذلك الى رفع الدعم بصورة نهائية، خصوصاً بالنسبة الى ذوي الدخل المحدود. وفي هذا الاطار، يُنظر الى الاجراءات التي تم اقرارها او تلك التي انتهت الحكومة من مناقشتها وتنتظر اقرار الصيغة النهائية للمباشرة بالتنفيذ، على انها تستهدف زيادة واردات الحكومة، لكن من دون ان يتأثر ذوو الدخل المحدود من جهة، وينحصر تأثيرها على اصحاب المداخيل المرتفعة او العمالة الوافدة التي تستفيد بموجب الاوضاع القائمة حالياً من التسهيلات والخدمات نفسها التي يحصل عليها المواطنون العمانيون. وتأتي هذه التدابير التي بوشر بتنفيذ بعضها في اطار سعي الحكومة لمنع العجز في الموازنة العامة من الارتفاع، وكانت مؤشرات الاشهر التسعة الأولى من العام الجاري اظهرت ان العجز الذي تحقق حتى نهاية ايلول سبتمبر قد زاد بما نسبته 87،16 في المئة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام 1992، ليصل الى 5،696 مليون دولار في مقابل 4،596 مليون دولار. وكانت التقديرات الواردة في موازنة العام 1993، توقعت عجزاً بقيمة 140،1 مليار دولار في مقابل 790 مليون دولار للعام 1992، الا ان تقديرات اخرى توقعت ان يزيد هذا العجز الى ملياري دولار في نهاية العام 1993 بسبب احتمال عودة اسعار النفط الى التراجع الى ما دون 15 دولاراً للبرميل، في مقابل 20 دولاراً، وهو السعر الذي قدرته الموازنة العامة. ويقول مسؤولون في مسقط ان اعادة النظر ببعض النفقات الحكومية قررتها الحكومة لمنع التعرض لمسيرة تنفيذ المشاريع الواردة في الخطة الخمسية، وهي مشاريع ذات طابع تنموي تشمل جميع المناطق في السلطنة. وثمة اجماع في مسقط على ان تراجع الانفاق الحكومي سيغطيه تزايد مساهمة القطاع الخاص في الدورة الاقتصادية، كما ان التراجع المقدر في مساهمة قطاع النفط في الناتج المحلي الاجمالي سيغطيه استمرار النمو الحاصل في القطاعات غير النفطية. وأظهر قطاع الانشاء والبناء استعداداً كبيراً لتحقيق معدلات نمو لا تقل عن 14 في المئة، بسبب "الطفرة" التي تحققها مشاريع البناء الحكومية والتجارية ولأغراض السكن. كما اظهرت قطاعات اخرى، مثل قطاعات التعدين والتكرير والكهرباء والمياه، معدلات نمو مهمة. وبحسب ارقام رسمية، لكن غير نهائية، فان الناتج المحلي الاجمالي للقطاعات غير النفطية يسجل معدل نمو وصل الى 9 في المئة بالمقارنة مع ما كان عليه في العام 1992. ويجمع المسؤولون العمانيون على ان التدابير التي لجأت اليها الحكومة في خلال الاشهر القليلة الماضية، او تلك التي يمكن ان تباشر تطبيقها قريباً تستهدف بالدرجة الأولى الحد من تأثير تراجع العائدات النفطية على النشاط الاقتصادي في البلاد، او متابعة تنفيذ مشاريع الخطة الخمسية. ويشار في هذا السياق الى استمرار تنفيذ مشاريع اساسية، مثل المحطة الجديدة لانتاج الطاقة الكهربائية وتحلية المياه، ومتابعة مشروع توسعة ميناء قابوس، الى جانب مشاريع تطوير حقول النفط والغاز. وبالفعل نجحت الحكومة في زيادة انتاجها النفطي الى 800 الف برميل يومياً، واحتياطات الغاز الى ما يزيد عن 5،17 تريليون قدم مكعب. وأنجزت اتفاقات دولية للتصدير الى اسواق كبيرة في الخارج، خصوصاً الى الهند وباكستان عن طريق مشروع بدأت دراسته لاقامة خط انابيب عملاق تحت المياه. البحرين : من سوق مالية اقليمية الى سوق دولية الاهمية الخاصة التي تكتسبها البحرين كسوق مالية اقليمية اولى لا يعادلها سوى طموحها للتحول الى سوق مالية دولية، على غرار اسواق الشرق الاقصى وأوروبا، واتخاذ الاجراءات التي تكفل تحقيق مثل هذا التقدم، مع فتح الباب امام تداول اسهم الشركات الاجنبية والسماح للرساميل الاجنبية بالتملك في البلاد بصورة كاملة. وعلى اهمية مثل هذه الخطوة لتطوير الاسواق المالية، فان البحرين باشرت في العام 1993 تنفيذ خطة طموحة لاجتذاب الاستثمارات الصناعية، خصوصاً الصناعات المتوسطة والصغيرة، عن طريق زيادة التسهيلات والحوافز للتوظيف في هذا القطاع. وأنشئ المجلس الاستشاري الوطني، وهو مؤسسة ستتركز مهمتها على مساعدة الحكومة في تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية في البلاد، ومن المقدر ان توفر المشاريع الجديدة فرص عمل اضافية بواقع 3 آلاف فرصة عمل سنوياً وصولاً الى مستوى 15 الف فرصة عمل جديدة حتى نهاية العام 1995. ومن المقرر ان تستفيد المشاريع الجديدة من الفرص التي اوجدها تنفيذ برنامج التوسعة الذي قررته "شركة المينيوم البحرين" البا وبلغت كلفته الاجمالية 5،1 مليار دولار لمضاعفة الطاقة الانتاجية من 210 الى 420 الف طن سنوياً. وكانت الحكومة باشرت في العام الجاري وضع الدراسات اللازمة لتنفيذ مشاريع ضخمة لانتاج الحديد والصلب، اضافة الى التوسع في صناعة التكرير النفطي والصناعات البتروكيماوية. واستفادت البحرين من عودة المساعدات الكويتية التي تصل قيمتها السنوية الى مئة مليون دولار، اضافة الى 50 مليون دولار من السعودية، ومن شأن زيادة العائدات النفطية بنسبة 16 في المئة واستئناف المساعدات الخليجية الحد من العجز الذي تعاني منه الموازنة العامة، اضافة الى توفير ضمان اهم لمتابعة تنفيذ بعض مشاريع البنية التحتية، مثل انشاء محطتين جديدتين للكهرباء وتحلية المياه، وانشاء جسر ثانٍ بين المحرق والمنامة. وفي الواقع اتسمت موازنة العام 1993 بميلها الواضح الى التوسع في مجال الانفاق العام لتطوير قطاعات الخدمات الأساسية، وتحسين كفاءة القطاع الصناعي، وبلغت ارقامها 643 مليون دينار 688،1 مليار دولار بزيادة 2،2 في المئة عن النفقات التي تضمنتها موازنة العام 1992، الا ان العجز المتوقع سيقل بنسبة تصل الى 50 في المئة عما كان عليه العام الماضي ليصل الى 63 مليون دينار 167 مليون دولار في مقابل 131 مليون دينار 347 مليون دولار في العام 1992. الى ذلك فان الاقتصاد البحريني هو اقل الاقتصادات الخليجية تأثراً بتحرك اسعار النفط بسبب المساهمة الواسعة للقطاعات غير النفطية، وفي حين بلغ النمو في الناتج المحلي الاجمالي 5،3 في المئة في العام 1992 ليصل الى حوالي 4 مليارات دولار، فان النمو المتوقع لهذا العام، طبقاً للأرقام غير النهائية، سيصل الى 5 في المئة. وتستند هذه الارقام الى معدلات النمو المرتفعة في قطاعات الخدمات، خصوصاً الخدمات المالية والعقارية التي يمكن ان تتجاوز بسهولة مستوى 11 في المئة، وهو رقم بات قريباً جداً من المستوى الذي حققه هذا القطاع في العام 1991 9،12 في المئة ويزيد بصورة واضحة عن المعدل الذي تحقق في العام الماضي 8 في المئة. ومن المقدر ان تحافظ القطاعات غير النفطية الاخرى، مثل قطاعات النقل والصناعة والنفط والغاز الطبيعي والتجارة على المعدلات المرتفعة التي حققتها في العام 1992، في اشارة واضحة الى نجاح السياسات التي باشرت المنامة تطبيقها منذ سنوات لتشجيع الاستثمارات الخاصة، على رغم ان القطاع الحكومي لا يزال المساهم الأهم في الناتج المحلي الاجمالي وبمعدلات نمو قياسية 15 في المئة العام الماضي. ويبدي المسؤولون البحرينيون تفاؤلاً اوسع بامكان مواصلة معدلات النمو التي امكن تحقيقها في السنوات الثلاث الاخيرة، على ضوء التحسن الذي سجله الوضع العام في البلاد، نتيجة انتهاء حرب الخليج، وقبلها الحرب الايرانية - العراقية. فقد زادت الاستثمارات الخليجية في الجزيرة وزادت جاذبية سوقها المالية، ومن المتوقع ان تواصل البلاد التي لا يزيد عدد سكانها عن 500 الف نسمة نموها كدولة سياحية اولى في المنطقة، اضافة الى كونها الأولى عالمياً على صعيد نسبة السياح الى عدد السكان، بمعدل 3 سياح لكل مواطن.