أقرت الحكومة الكويتية اخيراً، وبصورة نهائية، قانون شراء المديونيات الصعبة والمعدومة في المصارف الوطنية، واضعة بذلك نهاية للجدل الذي قام منذ اشهر حول هذه الخطوة، وتأثيراتها على المالية العامة للدولة. ويبلغ حجم هذه الديون حوالي 5.6 مليار دينار كويتي، ويعود معظمها الى الثمانينات، وقد بررت الحكومة القانون بحاجة البلاد الى اعادة تأهيل القطاع المصرفي الوطني، وتوفير الدعم للمصارف الكويتية لزيادة معدلات الملاءة المالية عندها. ومع اقرار قانون المديونيات المعدومة، فان حجم الديون المتراكمة على الحكومة الكويتية يرتفع الى حوالي 40 مليار دولار تتوزع على 7 مليارات دولار حصلت عليها الحكومة عبر طرحها سندات خزينة في السوق المحلية، و5 مليارات دولار هي قيمة القرض المصرفي الدولي الذي وفرته للكويت مصارف عربية ودولية بترتيب من بنك "جي. بي. مورغان" الاميركي، الى جانب ضمانات تصدير بقيمة 7 مليارات دولار من دول اجنبية. وبدأ الحجم الضخم لهذه الديون يطرح مشكلة جديدة تتمثل في العبء الكبير الذي ستمثله خدمة هذه الديون على المالية العامة للكويت، ومدى قدرة الدولة على تغطية المستويات الجديدة من العجز. وبحسب تقديرات متطابقة، فان خدمة هذه الديون قد تصل سنوياً الى حوالي 3 مليارات دولار، اذا ما احتسب معدل وسطي للفائدة هو 8 في المئة، وهو معدل عالمي معمول به في حالات مماثلة. الا ان هذا الرقم بدأ يثير تخوفات واسعة من انعكاساته السلبية على المستقبل المالي في الكويت، ومن عدم قدرة الحكومة الكويتية على مواجهته بالامكانات المتوافرة حالياً. او التي يمكن ان تتوافر في المدى القريب. وتسنتد هذه التخوفات الى مجموعة اعتبارات، أبرزها ان العائدات النفطية التي تشكل 90 في المئة من عائدات الدولة لن تكون كافية الا لتغطية خدمة الديون، وسداد الفوائد المترتبة عليها، من دون الوفاء بأساس هذه الديون. وتقدر العائدات النفطية للكويت في العام المالي المقبل ب2.4 مليار دينار كويتي 8.16 مليار دولار، بعدما استطاعت الحكومة زيادة انتاجها النفطي الى حوالي المليون برميل يومياً. ويمثل هذا المستوى 3 اضعاف ما امكن تحقيقه في العام الماضي نظراً للمعدلات البسيطة التي تم بلوغها بسبب التأخير في اعادة تأهيل الآبار وخطوط الانابيب ومصافي التكرير. الا ان هذه العائدات، على اهمية ما ستحققه، لن تكون كافية لتغطية جميع النفقات الحكومية، اذ ان الفوائد على ديون الحكومة ستمتص ما نسبته 40 في المئة من قيمتها الاجمالية. كما ان الحكومة الكويتية ستواصل على ما يبدو سياسة متسامحة على الصعيد الاجتماعي من خلال الابقاء على الاعفاءات التي يحصل عليها الكويتيون من بدلات الخدمات العامة، الى جانب الابقاء على سياسة اعفاء الواردات من الرسوم الجمركية للمحافظة على مستويات مقبولة من الاسعار. الى ذلك، تستند التخوفات من احتمال الا تصل اسعار النفط الى المعدلات التي حددتها "اوبيك"، او انها قد تقل عن المستويات التي تستقر حولها حالياً 17 دولاراً للبرميل، وقد يؤدي اي انهيار اضافي في اسعار النفط الى انعكاسات سلبية مباشرة على العائدات العامة، الامر الذي من شأنه ان يزيد من الارباك المالي الذي قد تجد الحكومة نفسها في مواجهته. العجز المتزايد والعجز في الموازنة العامة الكويتية ليس جديداً. وهو مستمر منذ العام 1981 - 1982، فلقد سجلت الكويت عجزاً في الثمانينات، بلغ 7.4 مليار دينار كويتي 25 مليار دولار، وبلغ هذا العجز في سنوات معينة، كما حصل في العام 89 - 90، رقماً قياسياً عندما سجل 1.320 مليار دينار 4.884 مليار دولار، او كما حصل قبل 3 سنوات من ذلك التاريخ عندما بلغ في العام 86 - 87 - 1.300 مليار دينار 4.810 مليار دولار. الا ان هذا العجز، كان لا يزال ممكناً ابقاؤه في حد ادنى، لولا غزو الكويت وما نتج عنه من تدمير لمنشآتها ومؤسساتها، ومن تعطيل لمرافقها الانتاجية، ثم الاكلاف التي رتبتها عملية تحرير البلاد، الى جانب الاكلاف الحكومية في المنفى، كل ذلك ادى الى زيادة ضخمة في الاموال التي تحتاجها الحكومة لتغطية تلك المرحلة. ولقد قدرت كلفة حكومة المنفى، الى جانب تمويل عملية "عاصفة الصحراء" التي ادت الى تحرير البلاد بأكثر من 40 مليار دولار. كما ان خسائر القطاع النفطي وحده، ثم اكلاف اعادة تأهيله، الى جانب خسائر عدم التشغيل، تصل بحسب تقديرات مختلفة الى حوالي 15 مليار دولار. وستكون الحكومة الكويتية محتاجة في خلال السنوات العشر المقبلة، ليس فقط لتغطية نفقاتها العادية، وانما لتغطية ما تحتاجه عمليات ازالة آثار الغزو، واعادة تفعيل الاقتصاد الكويتي، ثم بناء القدرات العسكرية للبلاد على ضوء الدروس والعبر التي خرجت بها البلاد، من حرب الخليج. ويزداد الاعتقاد في الوقت الحاضر بأن الكويت ستكون محتاجة بشكل متزايد الى اللجوء الى استثماراتها في الخارج لتوفير السيولة اللازمة، على رغم ان الكويتيين يبدون حرصاً ظاهراً على ابقاء نشاط عملياتهم الخارجية بعيداً عن الاضواء. وطبقاً لأرقام متداولة، فإن الكويت تمتلك اصولاً خارجية تصل قيمتها الى ما بين 70 و80 مليار دولار، على شكل اسهم في شركات ومصارف دولية. ويراوح حجم ما تم تسييله في اثناء فترة المنفى بين 35 و40 مليار دولار، في حين يقدر حجم الاصول المتبقية بحوالي 40 مليار دولار. ويتردد حالياً ان مكتب الاستثمار الكويتي الذي تعرض في الفترة الاخيرة الى اعادة ترتيب لقيادته الادارية في لندن، يقوم باتصالات هادئة بعيداً عن الاضواء لبيع بعض الاصول التي يملكها. ومن بين الاصول التي ورد ذكرها، حصة الكويت في "بريتش بتروليوم"، الى جانب حصة الكويت من مجموعة "ميدلاند" البريطانية، والتي يقال ان مكتب الاستثمار الكويتي خسر فيها 70 مليون جنيه. وقد سبقت هذه العمليات، عمليات اخرى في شركات المانية مثل "ديملربنز" و "هوكست"، واخرى بريطانية مثل "ماونت شارلوت انفستمنت" و "ديواي وارن" و "اركروس" الاسبانية. وعلى رغم ان مكتب الاستثمار الكويتي يصف عملياته بأنها تندرج في اطار صفقات تجارية مناسبة، الا ان اعتقاداً متنامياً بأن المكتب سيجد نفسه مضطراً لتصفية المزيد من الاصول لمواجهة متطلبات الانفاق. وفي مواجهة هذا العجز، فانه لن يكون امام الحكومة الكويتية سوى العودة الى سيادة ترشيد الانفاق، والبحث عن سياسات اكثر فاعلية على صعيد تقليص العجز الحكومي لئلا تجد نفسها في خلال السنوات الثلاث المقبلة، وقد استنفدت احتياطها من الاصول، فيما يعجز قطاع النفط عن سداد فوائد الدين، عدا عن اساسه، الامر الذي يعني العودة الى دوامة من الامراض الاقتصادية التي غالباً ما تطبع اقتصادات الدول الاكثر تضخماً، والاقل استقراراً نقدياً واجتماعياً.