بابتسامة خفيفة على شفتيه المرتجفتين، ونظرة فاترة تطل من خلف الدموع التي ترقرقت من عينيه، استقبل ستيفن سبيلبرغ، قبل أيام، جوائز الأوسكار التي انهالت عليه ليس عن فيلم واحد فقط قائمة شندلر بل عن فيلمين 7 لشندلر، ولكن ثلاثة أيضاً للحديقة الجوراسية. ومن خلال هذا كله أطلت حكاية نجاح هوليوودية حقيقية، وحكاية فتى عشق السينما منذ طفولته وكرّس لها حياته وطاقته، وها هو اليوم يتربع على عرش امبراطوري في هوليوود الصعبة ولم يبلغ الخمسين من عمره بعد، هو الذي بدأ أول سنوات السبعين كجزء من تيار تجديدي من رموزه فرنسيس فورد كوبولا وبريان دي بالما وجورج لوكاس ومارتن سكورسيزي، تيار استفاد من كون ستديوهات هوليوود تلفظ أنفاسها محتضرة في ذلك الحين، فانتفض مجدداً ضارباً عرض الحائط بكل التأكيدات التي كانت تتحدث عن انتصار التلفزيون، نهائياً، على السينما. بين أبناء هذا الجيل، ربما كان من الصعب اعتبار سبيلبرغ الأفضل فنياً، لكنه وبكل تأكيد الأنجح تجارياً وجماهيرياً، حتى وإن كان اعتراف هوليوود به جاء متأخراً سنوات عن اعترافها بالآخرين، ورغم ان هوليوود لا تزال تعتبره، رغم كل نجاحاته، ظاهرة أكثر منه مبدعاً حقيقياً. أي حديث عن المخرج الأميركي ستيفن سبيلبرغ لا يمكنه أن يبدأ بغير حديث الأرقام، فالرجل مولع بالأرقام والاحصاءات، وعاشق، خاصة، للأرقام القياسية. ومن المؤكد ان الأرقام يمكنها وحدها أن تكون شديدة الفصاحة في حالة سبيلبرغ. فماذا تقول لنا هذه الأرقام؟ على مدى 24 سنة، تشكل نصف سنوات عمره 47 سنة اليوم، اخرج سبيلبرغ 15 فيلماً، وانتج عددا يماثلها من الأفلام. وعلى الرغم من أن فيلمه الطويل الكبير الأول "مبارزة" 1971 حقق للتلفزة، لكنه عرض عالمياً من على الشاشات الكبيرة، فدخل بهذا لائحة أفلام مخرجه، تلك اللائحة التي يمكن اعتبارها اعجب لائحة في تاريخ السينما. فمن "مبارزة"، حتى "الحديقة الجوراسية" 1993 - لأن النتائج المالية النهائية ل "قائمة شندلر" لم تعرف بعد - حققت أفلام سبيلبرغ في مجموعها أكثر من خمسة مليارات من الدولارات، أي ان هذه الأفلام، على تفاوت نجاحها بين قمم يمثلها "الفك المفترس" 1975 و"لقاءات من النوع الثالث" 1977 و"إي. تي" 1982 وأخيراً "الحديقة الجوراسية"، وأفلام ذات مداخيل أكثر هدوءاً وعادية من أبرزها "اللون الزهري" 1985 و"هوك" 1992، وسلسلة "انديانا جونز" وصولاً الى اخفاقات سبيلبرغ الشهيرة، وهي ليست كثيرة على أي حال وأبرزها "امبراطورية الشمس" 1987 و"دائما" 1989 و"العام 1941" 1979، تمكنت هذه الأفلام من أن تحقق من المداخيل ما تعجز عنه كافة الأفلام الأوروبية خلال عام كامل. وفي الأرقام، أيضاً، من المعروف ان أربعة من أفلام سبيلبرغ تتربع مراتب متقدمة في لائحة الأفلام العشرة الأكثر مدخولاً في تاريخ السينما. المركز الأول يحتله، بالطبع، "الحديقة الجوراسية" 885 مليون دولار، ويليه "إي. تي" 800 مليون ثم "انديانا جونز والحملة الصليبية الأخيرة" 465 مليوناً ثم "الفك المفترس" 460 مليوناً. اذن، تقول لنا الأرقام أننا أمام نجاح تجاري - جماهيري، لا يضاهيه أي نجاح مماثل في أي زمن من الأزمان وفي أي فن من الفنون. غصة في خاصرة عاشق غير أن ضخامة هذه الأرقام كانت، وحتى الاسبوع الفائت، تشكل غصة حقيقية في خاصرة ستيفن سبيلبرغ: لماذا لا تعترف به هوليوود؟ لماذا لا يعترف به نقادها؟ لماذا لا يعطى الجوائز الكبرى التي تأتي لتتضافر لديه مع اعجاب الجمهور وإقباله. وأنصار سبيلبرغ يرون في مجال دفاعهم عن رغبته هذه انه لم يعد من الجائز الآن أن تنظر اليه نظرة تختلف عن النظرة الى بيكاسو أو شارلي شابلن. ترى كيف لا يكون سبيلبرغ، الذي أحيا هوليوود بعد موات، وجرّ الى صالات السينما عشرات الملايين من المتفرجين الجدد، كيف لا يكون فتى حقيقياً من فتيان العصر؟ ولدعم شكواهم هذه كان أنصار سبيلبرغ يذكرون بالخير، أفلاماً لهذا المخرج، وربما كانت من أقل أفلامه نجاحاً تجارياً، لكنها في لحظات معينة نالت تحبيذ النقد في العالم أجمع، ومنها "اللون الزهري" و"مبارزة" و"شوغارلاند اكسبرس" و"امبراطورية الشمس"، وهي أفلام لا بد من الاقرار بقيمتها الفنية التي تسجل لصالح سبيلبرغ كمبدع ومؤلف، لا صانع للأرقام القياسية وحسب. ولكن ما العمل وستيفن سبيلبرغ يغيظ. نجاحه السهل يغيظ، اختياراته تغيظ، تصريحاته تغيظ، ثم يغيظ كذلك تكالبه على النجاح، اذ مما لا شك فيه أن هذا الفتى الذي ينظر الى السينما وكأنها لعبة يلهو بها، يصرف كل طاقته سعياً وراء النجاح والحصول على اعجاب أكبر عدد ممكن من الناس به. فهل لأنه حقق أخيراً ذلك النجاح الذي يعجز حتى عن الحلم به، أي فنان في تاريخ السينما، صار بإمكانه اليوم أن يسعى لايجاد مكانة له في ثنايا فن السينما، لا في ثنايا تاريخها؟ لقد كان بامكان عمله على فيلمه الأخير "قائمة شندلر" ان يدفعنا الى اعادة النظر في قيمة سبيلبرغ الفنية، خاصة وان اختياراته هنا كانت اختيارات ابداعية، من جرأة الموضوع الذي طرحه عضو في الحزب النازي ينقذ مئات اليهود من المحارق ومن جرأة الشكل الذي اختاره الأسود والأبيض في زمن يكاد فيه أن ينسى هذا الاسلوب كلياً، الى جرأته في اختيار الممثلين، بيد أن سبيلبرغ المنتج عاد وتحرك على حساب سبيلبرغ المبدع، فإذا به يعامل هذا الفيلم الذي كان ينبغي له أن يكون فيلم رسالة وقضية، تعامله مع أي بضاعة يراد تسويقها مهما كان الثمن. تشهد على هذه الحملة الصحافية والاعلامية التي كلفت حوالي العشرين مليون دولار، والملفات الخاصة المدفوعة الأجر التي كرستها الصحف العالمية والمتخصصة للحديث عنه وعن فيلمه، وخاصة يشهد عليه توجهه، لمناسبة هذا الفيلم تحديداً، الى الحديث عن "عودته الى يهوديته" بعد غياب، وعن دور التسامح والمجازر في التاريخ الحديث، واشاراته المتعددة في الفيلم وخارجه ناحية اسرائيل كمن يتصالح معها بعد سوء تفاهم طويل. ترى أفليس بالامكان اعتبار كل هذه العناصر اجزاء من تحرك تسويقي يواكب ظروف الفيلم وموضوعه؟ لماذا رفضه مارتن سكورسيزي؟ بالنسبة الى يهودية سبيلبرغ، لم يفت النقد، ومنذ أول أفلامه الكبرى "مبارزة"، ان يلفت النظر اليها، كاشفاً عن ان البعد الأساسي في سينما سبيلبرغ هو البعد المتحدر من اسطورة دايفيد وغوليات، أي صراع الضعيف ضد الوحش وانتصاره عليه بقوة عقله الأسطورة اليهودية بامتياز. ولقد كان كل فيلم من أفلام سبيلبرغ، على أي حال، مناسبة للعودة للحديث عن يهوديته فلماذا تراه يلح على هذا الأمر ويركز عليه كل هذا التركيز اليوم؟ سؤال يفرض طرحه واقع أن سبيلبرغ نفسه كان يملك سيناريو "قائمة شندلر" منذ زمن بعيد وكان يؤجل العمل عليه، بل ويروي هو شخصياً انه عرض اخراجه على مارتن سكورسيزي فرفض هذا الأخير، ويروى انه عرض على آخرين ايضاً لأنه كان يريد أن يكتفي بانتاجه! واليوم، بعد أن حقق سبيلبرغ هذا الفيلم، سوف لن يكون من الصعب أن نجد بين النقاد من يكشف عن أنه ربما يكون - ويا لغرابة الأمر! - الفيلم الأقل يهودية بين أفلام سبيلبرغ، اذ في الوقت الذي كانت افلامه السابقة - معظمها على أي حال - تنتمي مباشرة الى الاسطورية اليهودية والى الايديولوجيات التوراتية الضعيف الذي يجابه القوي بالحيلة، الغريب الذي يحل على مجتمع فيصلحه ويبتعد، فكرة الفردوس المفقود وأرض الميعاد، يأتي هذا الفيلم الأخير، ومن دون أي التباس، ليمجّد نازياً ألمانياً انقذ اليهود من محنتهم. صحيح ان حكاية شندلر حقيقية وان اسرائيل نفسها اعتادت على تكريم الرجل، لكنها حاولت، على الدوام، ان تحيط الأمر بأقل قدر ممكن من الدعاية، لأن اسطورة الاضطهاد اليهودي لا تستقيم مع وجود مخلص غير يهودي. من هنا يبدو على سبيلبرغ، اليوم، من أنه في "قائمة شندلر" انما يعمل على اخراج فكرة "الهولوكوست" المذابح اليهودية من "الغيتو" الذي وضعت فيه، في محاولة منه لمصالحة اليهود مع عالم كان من مصلحتهم، دائما، ألا يتصالحوا معه. طبعاً لم ننشر هذا الكلام هنا الا عرضاً، وفقط لنقول ان بضاعة ستيفن سبيلبرغ الأساسية هي تقديم الشيء المختلف، وهو في هذه المرة ايضاً لم يشذ عن عاداته، وربما يمكننا أن نجد ها هنا سر الهجوم الذي يشن عليه في فرنسا وأميركا واسرائيل من قبل مثقفين صهاينة، يلفون حول الموضوع دون ان يرغبوا في التصريح عن السبب الحقيقي الذي يثير غيظهم في فيلم سبيلبرغ. وربما يمكننا أن نعثر، في ادراك سبيلبرغ نفسه لهذه الحقيقة وخطورتها، ما يفسر سبب الحاحه على يهوديته لمناسبة عرض الفيلم. بيد أن اهتمامنا، هنا، اهتمام آخر ينصب على السينمائي لا على السياسي أو الايديولوجي في هذا العملاق الهوليوودي. إبداع يقع ضحية الاستعراض وليس سراً أن سبيلبرغ سينمائي قبل أن يكون أي شيء آخر، ويروى عنه انه شغف بالفن السابع منذ كان في سنواته الأولى، وانه اخرج أول فيلم قصير له، مع عدد من رفاقه، حين كان في الثانية عشرة من عمره ونال أول جائزة سينمائية وهو في الثالثة عشرة عن فيلم عن الحرب يستغرق عرضه اربعين دقيقة. ثم حقق فيلما يبلغ طوله ساعتين حين كان في السابعة عشرة. على هذا النحو أمضى سبيلبرغ طفولة حافلة بالسينما، قادته حين بلغ سن الدراسة الجامعية الى جامعة كاليفورنيا حيث درس السينما لينتمي حال تخرجه الى ستديوهات "يونيفرسال"، التي عهدت اليه، بالتدريج، بتحقيق العديد من البرامج والافلام التلفزيونية التي سيكون أبرزها، وآخرها خلال تلك الحقبة، فيلم "مبارزة" الذي لفت الأنظار اليه حقا، عبر حكاية ذلك السائق الأميركي المتوسط الذي يجد نفسه فجأة مطارداً من قبل شاحنة مجهولة السائق، ويقوم صراع بين دايفيد، سائق السيارة الصغيرة، والشاحنة العملاقة ينتهي بعد مسار مرير ومرعب الى انتصار دايفيد الضعيف على العملاق. منذ ذلك الفيلم، ورغم تلفزيونيته - التي بالكاد يمكن تلمسها - حدد ستيفن سبيلبرغ اسلوبه: إيقاع متوتر، صراع يتزايد في حدته، ايحاء في تقديم الشخصيات يحل محل التوضيح، مما يبقي لكل شخصية ما يسمى ب "حديقتها السرية" التي يكون على المتفرج ان يسعى لاكتشافها. صحيح ان هذا الاسلوب المتوتر سيظل طاغياً على سينما سبيلبرغ ككل، غير أنه سيكون أقل ظهوراً في الأفلام الأكثر استعراضية، حيث يحل المنتج محل المخرج والاثنان هما دائماً "الشخص" نفسه على أي حال: سبيلبرغ فإذا باللمسات الذاتية تغيب، واذا بالموضوع يقع فريسة للاستعراض. ومن هنا ذلك التفاوت الذي نجده بين سلسلة "انديانا جونز" ذات الاسلوب الاستعراضي المحسوب على الكمبيوتر، بحيث لا يكون دور المخرج ابداعياً بل تنفيذياً و"الحديقة الجوراسية"، وبين أفلام أكثر حميمية وبعداً انسانياً مثل "شوغارلاند اكسبرس" وهو أول فيلم سينمائي حققه سبيلبرغ، ويراه الكثيرون واحداً من أجمل أفلامه، حيث تطالعنا فيه غولدي هاون وقد اختطفت ابنها متحدية مدينة بكاملها تطاردها بالسيارات مطاردة شيقة ومتوترة لم تتمكن على أي حال من طمس الطابع الانساني للفيلم وللشخصية، أو "اللون الزهري" حيث تطالعنا حكاية شقيقتين زنجيتين يفرق بينهما الظلم وتسير بهما الحياة عابقة بالتعاسة والأسى، فتتحديا مصيرهما بشكل خلاق، أو فيلمه الأقل نجاحا "1941" الذي يخفي خلف ضخامته الاستعراضية رؤية ثاقبة لهوليوود وخزعبلاتها، من خلال حكاية وهمية عن غزو تقوم به غواصة يابانية لكاليفورنيا غداة كارثة "بيرل هاربور"، في هذا الفيلم عرف سبيلبرغ كيف يشرح العقلية الأميركية بشكل خلاق من المؤسف ان غلبة الطابع الاستعراضي على الفيلم قد طمسته. يوم ترك فيلمه في "أيد أمينة" ومع هذا يبقى فيلم "امبراطورية الشمس" الفيلم الأجمل بين أفلام سبيلبرغ، التي برز فيها كمؤلف أكثر مما برز كمنتج ومنفذ، فهذا الفيلم الذي تدور احداثه في الصين، أيام الغزو الياباني، مستقى من رواية ذاتية كتبها الروائي الانكليزي الكبير ج. ج بالارد راوياً فيها مغامراته وهو طفل خلال حقبة الحرب، يعيش مآسيها وأحلامه المدمرة خلالها. اننا، لئن كنا توقفنا هنا عند هذه الأفلام، دون غيرها من انتاجات ستيفن سبيلبرغ، فما هذا الا لأننا نفترض انها أفلامه الأجمل، والأقل نجاحاً وشهرة في الوقت نفسه. أما أفلامه الأخرى تلك الماكينات الهوليوودية الضخمة التي دخلت التاريخ من بابه الواسع على شكل ظاهرة أكثر مما على شكل عمل فني فيكفينا للحديث عنها ان نذكر الحكاية التالية: حين وجد ستيفن سبيلبرغ نفسه مضطراً للسفر الى بولونيا للبدء بتصوير "قائمة شندلر"، كان العمل على "الحديقة الجوراسية" متأخراً، في هوليوود، وكانت لا تزال هناك مشاهد كاملة بحاجة لأن تصور. فما العمل؟ بكل بساطة عهد سبيلبرغ لمساعديه بإكمال الفيلم، دون ان يكلف نفسه حتى مشقة مراجعة ما كان صوّر من قبل. فهو يعرف قبل غيره ان فيلما مثل "الحديقة الجوراسية" ليس بحاجة الى مبدع فنان ليستكمله، بل الى موظفين تنفيذيين، لأن ما يتحول الى فيلم هنا هو المال نفسه ولا شيء غيره. وطالما المال متوفر يمكن لأي كان ان يستكمل أي مشهد من أي فيلم مماثل. هذا هو الدرس الأساسي الذي تعلمه ستيفن سبيلبرغ في هوليوود. ولكن من المؤكد أن استيعابه له، لم يقتل الفنان الحقيقي والمبدع المحب للسينما في داخله. وهذا ما يجعله تواقاً على الدوام لتحقيق أفلام ذاتية طيبة المستوى، ولكن كذلك لمساعدة فنانين آخرين مبدعين على تحقيق أعمالهم، من كوروساوا، الى غيره. وما يمكّن سبيلبرغ من ذلك، ليس فقط مكانته وسلطته داخل ستديوهات هوليوود بل كذلك ثروته الشخصية التي تقدر اليوم بعدد من مئات ملايين الدولارات تجعل من هذا الطفل الدائم والقلق والمشاكس واحداً من أغنى أغنياء عاصمة السينما. فإذا سألت ماذا يفعل بالأموال التي يملكها سيأتيك الجواب فوراً: انه يستثمر قسماً كبيراً منها في السينما نفسها، انتاجاً وعوناً لانجاز السيناريوهات واعداداً للتقنيين، وكذلك يقال انه يقدم مساعدات كبيرة لعدد من الجمعيات الخيرية. وهو ينفق كذلك، وبكل سخاء، في مجال آخر، اذ من المعروف ان سبيلبرغ مغرم بتاريخ الأديان كل الأديان وليس اليهودية وحدها لذلك شكّل مجموعة من خبراء العمار والهندسة وصقل الحجارة، يرسلها لترميم المعابد في كافة انحاء العالم ما ان يطلب منه ذلك. وأخيراً، بالتواكب مع "عودته المعلنة" الى يهوديته، أعلن سبيلبرغ انه قرر أن ينفق كل ايرادات فيلمه "قائمة شندلر" على اعانة الجمعيات الخيرية اليهودية. قبل أن يبلغ الخمسين أما ما يتبقى بعد هذا كله، فيؤكد انه كرّس جزءاً كبيراً منه لأولاده البالغ عددهم خمسة أكبرهم ماكس الذي ولد في العام 1985، ومنهم واحد بالتبني، أما الباقي فإنه سيحقق به أفلامه المقبلة، وبه يشتري عشرات السيناريوهات التي يقرأها ويملأها بالملاحظات ثم يضعها في خزانته بانتظار دورها. وفي هذا الصدد يروى أن ستيفن سبيلبرغ قد اشترى حقوق نقل كافة مغامرات "تان تان" للبلجيكي الراحل هرجيه، الى السينما، وانه يفكر بجول غيرن وباعادة انتاج بعض روائع ه. ج. ويلز، وانه في الوقت نفسه يقرأ روايات أكثر حميمية تنتمي الى أدب الرقص الأميركي الجديد، وروايات بوليسية. وكل هذا لأنه يحب أن يبرمج عمله لسنوات مقبلة، ويحب لمثل هذه البرمجة أن تكون حافلة بالمفاجآت. صحيح ان نيله عشر جوائز أوسكار مرة واحدة عن فيلمين، قبل أيام لم يكن مفاجأة لا له ولا لأحد غيره، غير ان ستيفن سبيلبرغ، الذي كان لأشهر قليلة بدأ ييأس من امكانية اعتراف هوليوود به أخيراً، قال لبعض المقربين منه غداة انتصاره الهوليوودي الكبير: "والآن.. بات علينا أن نبحث عن شيء جديد!" فما هو هذا الشيء؟ سؤال ستجيبنا عليه الأيام المقبلة، وربما سيكون خبطة كبيرة وجريئة، خاصة وان سبيلبرغ لا يخفي انه يريد، قبل أن يبلغ الخمسين من عمره، أن يخبط خبطة سينمائية أخرى لم يسبقه اليها أحد. وستيفن سبيلبرغ هو واحد من الذين يفعلون عادة ما يقولون.