تتشكل الخارطة الأوروبية الجديدة، بعد خمس سنوات على سقوط جدار برلين. وهي خارطة بعناوين واتجاهات عدة، لكن مركز الثقل فيها، الاتحاد الاوروبي بدرجة اولى، ثم النسخة المنقحة لحلف شمالي الاطلسي بدرجة ثانية. سقوط الجدار، الذي وضع حداً لانقسام المانيا ثم للحرب الباردة طرح أمام الامن القاري والأوروبي مشكلات جديدة، لكن من نوع مختلف. وفي هذا الاطار، تندرج منذ بداية التسعينات التوجهات الاستراتيجية للاتحاد الاوروبي لا سيما في هذه الآونة بالذات، وبما يتجاوز مقررات معاهدة ماستريخت بالنسبة الى الانفتاح المزدوج على الشرق والجنوب، والاعداد في حدود العام الفين لانخراط متدرج لدول اوروبا الشرقية والوسطى في عضوية الاتحاد. انها، بمعنى آخر، خارطة عودة الشرق والوسط الى قلب المشروع الأوروبي، بعد تهميش تجاوز الاربعين عاماً. الايقاع الذي سارت به الاحداث، بعد سقوط الجدار، كان مذهلاً، والى حد ما لم يكن متوقعاً. اذ لم يكن هناك أفق سياسي مسبق. والمشروع الاستراتيجي بخطوطه العريضة، لم يتحدد الا على مراحل، وابتداء من العام الماضي، وبعد سلسلة مبادرات المانية بالتنسيق مع فرنسا، كما يمكن الافتراض كذلك ان مشروع تعزيز دور "اتحاد اوروبا الغربية" وضم بلدان الشرق اليه بصفة مراقب، يأتيان في السياق نفسه، وبشكل مكمل الى حد ما، للبادرة الاطلسية في "الشراكة من أجل السلام". وحتى اشعار آخر، الحدود المقبلة للاتحاد الاوروبي ترسم الحدود القائمة الآن مع روسيا واوكرانيا، وهناك نقاط مبعثرة خارج هذه الدائرة الكبرى، مثل يوغوسلافيا سابقاً والبانيا، اضافة الى تركيا. ان سقوط الجدار لم يطرح فقط مشكلات سياسية وأمنية، بل اقتصادية واجتماعية ايضاً وبنسب خارقة. الا ان الجهود الأوروبية والغربية بشكل عام بقيت دون المطلوب امام تحديات من هذا النوع، وهذا على الأقل الانطباع القائم الآن لدى الدول والتجمعات المعنية، من اوروبا الشرقية والوسطى الى البلقان، مروراً ب "رابطة الدول المستقلة" والدول البلطيقية.