أثارت الأنباء الواردة من الهند عن انتشار وباء الطاعون الدبلي والطاعون الرئوي في مقاطعات مختلفة موجة من الذعر والترقب في دول الخليج العربية وبعض دول شرق البحر الأبيض المتوسط. وتصاعدت المخاوف عندما اعلن المسؤولون الصحيون في الهند وقوع اصابات بالطاعون الرئوي في كل من بومباي والعاصمة نيودلهي، بعدما كانت محصورة بمدينة سورات غرب البلاد. وكذلك اعلن اصابة سبعة مواطنين في مدينة كالكوتا الواقعة في أقصى الطرف الشرقي للبلاد. الأمر الذي يشير الى انتقال الوباء من غرب البلاد الى شرقها. ويعود السبب الرئيسي في انتشار الطاعون الذي يمكن السيطرة عليه عادة بسهولة من خلال التداوي بالمضادات الحيوية، الى نزوح مئات الالوف من السكان المذعورين عن ديارهم وخروج اكثر من 100 من المصابين بهذا الوباء من مستشفى سورات المدني من دون حصولهم على اذن من الاطباء وقبل شفائهم من المرض. وهذا ما دفع المسؤولين الصحيين الى وصفهم بالقنابل البشرية الموقوتة لأنهم قادرون على نقل المرض الى اية منطقة يستقرون فيها. وبدأت في نيودلهي حملة صحية واسعة لعزل المصابين او الذين يشتبه في اصابتهم بالمرض، علماً أن السلطات هناك اكدت ان 4 اشخاص يعانون من اعراض المرض يخضعون حالياً للتحاليل اللازمة. وأنشأت ادارة المدينة التي يسكن فيها 9 ملايين نسمة، مكاتب للمراقبة في المطارات ومحطات السكك الحديد والباصات. وباشرت حملات التطهير في الاحياء الفقيرة. وصرح هارش فاردهان المسؤول عن الصحة في العاصمة بأن السلطات ستفرض الحجر الصحي على جميع المصابين وعائلاتهم وعلى كل من تظهر عليه اعراض الاصابة. واعلنت السلطات الصحية الهندية وفاة 46 من سورات من المصابين بالطاعون الرئوي، وان عدد الحالات المشتبه فيها ارتفع الى 1000. احتياطات في الخليج واعلنت دول الخليج العربية انها ستتخذ خطوات فعالة لمنع تسرب الطاعون الرئوي والدبلي المنتشر في الهند الى مناطقها حيث يعمل مئات الآلاف من الهنود. واجتمع مسؤولون في وزارات الصحة في دول مجلس التعاون الخليجي الست لتنسيق الاجراءات التي ستتخذها دولهم، مثل مراقبة المسافرين القادمين من الهند وعزل اي مسافر يشتبه في انه يحمل المرض في مراكز الحجر الصحي. واعلنت دولة الامارات انها ستخضع جميع القادمين الى أراضيها لفحص طبي في الموانئ والمطارات لمنع تسرب الطاعون الذي بدأ ينتشر سريعاً في الهند. وقال مسؤولون في البحرين انهم سيقترحون على المسؤولين عن الصحة في دول الخليج حظر دخول جميع السفن الآتية من المناطق الموبوءة في الهند الى الموانئ الخليجية، وضرورة تلقيح القادمين من تلك المناطق ووضعهم تحت الاشراف الطبي. وفي الكويت أكد مسؤول في وحدة مكافحة الاوبئة في وزارة الصحة ان القادمين من الهند سيخضعون لفحوص للتأكد من خلوهم من اعراض الطاعون الرئوي. وأذا ظهرت اعراض على احدهم سينقل مباشرة للعلاج في مستشفى الامراض المعدية. ويتوقع ان تتخذ الدول الخليجية اجراءات صارمة قد تشمل وقف الرحلات مع الهند. ذعر في آسيا وبدأت السلطات الصحية في كل من كوريا الجنوبية وهونغ كونغ بمراقبة القادمين من الهند لمنع انتشار الطاعون الرئوي القاتل في اراضيها. وحذرت المواطنين من السفر الى الهند، وأمرت ادارة المنافذ والمطارات بتشديد الرقابة الصحية على الوافدين. وفي باكستان قررت الحكومة تعليق كل الرحلات بين كراتشي وبومباي كتدبير وقائي من احتمال انتشار الوباء. كما قررت وقف منح التأشيرات للمقيمين في ولايات غوجيرات ومهاراشترا ورجاستان الهندية. اما القادمون من مناطق هندية اخرى فعليهم ان يبرزوا شهادة تلقيح وشهادة تؤكد انهم لم يسافروا الى المناطق الموبوءة. واعلنت مصادر رسمية ان الرحلات بين لاهور ونيودلهي قد تتوقف ايضاً اذا دعت الضرورة. وفي بنغلادش اطلقت السلطات الصحية اشارة انذار محذرة المواطنين من خطورة الوباء القريب منهم. وأمرت المسؤولين عن مراقبة الحدود بالتنبه الى حاملي المرض الآتين من غرب الهند. اما الدول الآسيوية الاخرى فاتخذت موقفاً مترقباً ولم تباشر اتخاذ اجراءات احترازية في انتظار حصول تطورات كعجز السلطات الهندية عن احتوائه بالسرعة اللازمة. وفي الولاياتالمتحدة اعلن المسؤولون الصحيون انهم سيراقبون المطارات للتعرف الى حالات الطاعون بين المسافرين الآتين من مناطق موبوءة في الهند. وأكدوا انهم لن يمنعوا المصابين من دخول البلاد. وسيزود القادمون من مناطق موبوءة ببطاقات تحضهم على زيارة الطبيب في حال ظهور اية اعراض مرضية عليهم كالاصابة بالحمى او الاعياء. وفي اوروبا قررت بريطانيا والمانيا وهولندا وفرنسا وايطاليا فرض رقابة صحية على القادمين من مناطق موبوءة في الهند. وأبلغت السلطات المراكز الصحية في المطارات والمعابر ضرورة التنبه الى عدم تسلل حاملي الطاعون الى البلاد قبل اكتشافهم وإخضاعهم للفحوص اللازمة. ما هو الطاعون؟ الطاعون هو حمى معدية تسببها جراثيم من عصيات يرسينيابستيس. وينتقل الى الانسان عن طريق البراغيث التي تحملها القوارض كالجرذان، او بسبب الاحتكاك بانسان مصاب بالمرض. وما أن تدخل الجرثومة مجرى الدم تنتقل بسرعة الى الكبد والطحال والكلى والرئتين والدماغ، حيث تستقر في اي من هذه الاعضاء وتسبب عفونة كبيرة بعد 3 أو 4 ايام من فترة الحضانة. ويصاب المريض بالحمى والتوعك والوهن والصداع والارتعاش. ثم تظهر اورام في العقد اللمفية في حال الاصابة بالطاعون الدبّلي. اما الطاعون الرئوي فيتميز بالتهاب رئوي مدمر يبدأ بالتفشي في شكل مفاجئ وعنيف ويتفجر بظهور اعراض عصبية كالارق والذهول او الغيبوبة والوهن الشديد والهذيان وفقدان الذاكرة. لذا يجب علاج المريض بالمضادات الحيوية اللازمة لمنع وفاته. وتجدر الاشارة الى ان اتباع الاساليب الصحية والمحافظة على النظافة وتطهير المناطق الموبوءة من الجرذان ساهم في القضاء على الطاعون في الماضي. ويشكل الطاعون الدبلي 3 ارباع حالات الطاعون العامة ويبدأ عادة بارتعاش الجسم نتيجة الاصابة بالحمى، يلي ذلك التقيؤ والصداع والدوار والحساسية للضوء واوجاع في الظهر والاطراف وصعوبة في النوم والفتور والهذيان. وترتفع الحرارة الى درجة 40 مئوية او اكثر. يرافق ذلك ظهور اورام في الغدد اللمفية تحت الابط وأصل الفخذين. وتنتقل عدوى الطاعون الدبلي من شخص الى آخر بواسطة البراغيث. اما اعراض الطاعون الرئوي فهي الاصابة بالتهاب ذات الرئة والاستسقاء او انحباس السوائل داخل الرئتين. وقد يفارق المريض الحياة خلال 3 او 4 ايام. وفي حال الاصابة بطاعون عفن الدم يعاني المريض من الاجهاد والانهيار الجسدي والعقلي ويصاب بخلل في الدماغ. ويحتمل ان يفارق الحياة خلال 24 ساعة. وغالباً ما تحدث الوفاة قبل اصابة المريض بالتهاب ذات الرئة. وفي حال اصابته بذلك فانه يصبح معدياً على نحو يهدد افراد عائلته بالطاعون الرئوي مباشرة من دون المرور بمرحلة الطاعون الدبلي. ومن المعروف ان الطاعون الرئوي يكون قاتلاً في معظم الحالات. العلاج واحتواء الوباء علاج الطاعون الدبّلي والرئوي سهل جداً اذا اكتشفت الاصابة في وقت مبكر واعطي المريض جرعات منتظمة من المضادات الحيوية الفعالة ضد هذا الوباء، خصوصاً مضادات الستربتومايسين وتتراسيكلين والامينات الكبريتية. اما البنيسيلين فلا يصلح لعلاج الطاعون. ويفترض للسيطرة على انتشار الوباء، لجوء المسؤولين الى الاجراءات الصحية الكفيلة بالقضاء على البراغيث والقوارض التي تحملها. إضافة الى عزل المرضى والاهتمام بتطبيق القواعد الصحية الصارمة اثناء التعامل مع المواد العفنة. وتجدر الاشارة الى لقاح فعّال يمكن استخدامه في المناطق الموبوءة لتحصين الاهالي من البراغيث والقوارض الناقلة للطاعون. وهذا ما دفع المسؤولين الهنود الى طلب تزويدهم لقاحاً مضاداً من اسرائيل في محاولة لمنع انتشار هذا الوباء الخطير. ويتدافع سكان بومباي للتلقيح ضد الطاعون علماً ان المسؤولين عرفوا ان تصنيع اللقاح قد توقف منذ فترة طويلة! الطاعون في التاريخ 1 انتشر الطاعون في الصين في القرن العاشر. الا أن ما يعرف بالموت الأسود لا يمكن نسبته إلا الى الاوبئة التي اجتاحت القارة الأوروبية في القرن الرابع عشر. وكان العالم الكسندر يرسين أول من أعطى الوصف الحقيقي للطاعون ومسبباته عام 1894. 2 بلغ عدد الوفيات في القرن الرابع عشر أرقاماً مذهلة إذ وصل الى ثلثي أو ثلاثة أرباع عدد السكان في بعض البلدان. وقدر عدد الذين ماتوا في أوروبا ب 25 مليون شخص ما بين 1348 و1351. 3 وباء الطاعون الكبير الذي أصاب لندن بين 1664 و1665 أدى الى وفاة 70 ألفاً. 4 تسبب الطاعون في مدن كانتون وهونغ كونغ في وفاة ما بين 80 و100 ألف نسمة عام 1894. وخلال العشرين السنة التي تلت انتشاره من الموانئ الصينية الجنوبية الى انحاء العالم تسبب في وفاة 10 ملايين. 5 فتك الطاعون ب 7 آلاف بريطاني خلال حرب "بوير" في كانون الأول ديسمبر 1900. 6 أعلن الدكتور روبرت كوخ عالم البكتيريا الألماني الذي اكتشف الجراثيم المسببة للتيفوئيد والسل والكوليرا، في تموز يوليو 1901 ان الجرذان تسبب الطاعون. 7 الطاعون يفتك ب 8 آلاف في الهند في نيسان ابريل 1923. 8 الطاعون يفتك ب 25 ألفاً في البنجاب في الهند في نيسان 1924. 9 الطاعون الدبلي ينتشر في البرتغال في كانون الثاني يناير 1927. 10 الطاعون الدبلي والرئوي ينتشران في الهند في أيلول سبتمبر 1994.