يمثل يوسف كوة، الذي ينتمي الى منطقة جبال النوبة، غرب السودان، شريحة عسكرية مسلمة تشارك في القرار السياسي والعسكري الذي تتخذه "الحركة الشعبية لتحرير السودان" بزعامة العقيد جون قرنق. فمنذ ان تأسست الحركة عام 1983 ورفعت شعار "سودان علماني موحد"، حرصت على تمثيل الشرائح السكانية كافة، من عرب وأفارقة، مسلمين ونصارى وغير متدينين. والمقدم يوسف كوة ليس المسلم الوحيد في القيادة العسكرية ل "الجيش الشعبي لتحرير السودان"، فهناك الحاج عبدالله الطاهر بيور، وهو الآخر مسلم وجنوبي من قبيلة الدينكا التي ينتمي اليها العقيد قرنق المسيحي. وأهمية المقدم كوة هي في كونه يمثل منطقة جبال النوبة، غرب السودان، التي تطرح حالياً كواحدة من "الدويلات الخمس" التي قد تتشكل في المستقبل القريب، اذا فشلت المفاوضات بين الحكومة السودانية و"الحركة الشعبية لتحرير السودان" التيار الرئيسي بزعامة قرنق. والمقدم كوة من خريجي كلية الحقوق في جامعة الخرطوم، مارس التدريس الثانوي وناضل سياسياً، من خلال انتمائه الى احزاب سودانية تقليدية. وعندما حمل العقيد قرنق السلاح عام 1983 التحق كوة بالجيش الشعبي وظل من أكثر المقربين الى قائده. "الوسط" التقت كوة في أبوجا التي جاءها عضواً في وفد "الحركة الشعبية" الى المفاوضات مع الحكومة السودانية. ظلم كبير أنت من جبال النوبة حيث تقود المتمردين على الحكومة، والمنطقة لا تقع في جنوب السودان بل في وسطه. كيف هو الوضع في جبال النوبة؟ - تعاني منطقة جبال النوبة ظلماً كبيراً في توزيع الثروة والسلطة ونقص خدمات التعليم والصحة، وتشاركها في تحمل هذا الظلم مناطق جبال الانقسنا وجنوب دارفور. وتتحمل الحكومات المتعاقبة مسؤولية لجوئنا الى حمل السلاح لشرح مشاكلنا واجبار السودانيين على الاستماع الينا. ألا توجد وسائل اخرى، غير السلاح، لشرح قضاياكم؟ - جربنا الوسائل السياسية السلمية، لكنها لم تنجح، وعمل ابناء جبال النوبة في اطار الاحزاب السياسية ولكنهم ظلوا على هامش هذه الاحزاب التي لا تعرفنا الا في مواسم الانتخابات. ففكرنا في تكوين تنظيم خاص بنا اطلقنا عليه "اتحاد عام ابناء جبال النوبة"، وبالفعل فاز هذا الاتحاد بأكثر من عشرة مقاعد في الانتخابات النيابية عام 1965، لكن الاحزاب السياسية اعلنت الحرب علينا واتهمتنا الحكومات السودانية المتعاقبة باننا عنصريون، ومارست على قياداتنا الكثير من الاساليب القاسية، مثل فصل او نقل مستخدمي الحكومة من انصارنا، وكان من نتيجة ذلك انخفاض عدد المقاعد النيابية الخاصة بالاتحاد من عشرة الى اربعة فقط في الانتخابات النيابية عام 1968، وبعد انقلاب جعفر نميري عام 1969 فكرنا في الدخول في المؤسسات السياسية الخاصة بالنظام المايوي، كالاتحاد الاشتراكي، لكننا لم نصل الى نتيجة ورأينا ان اخوتنا في جنوب السودان حققوا الكثير من المكاسب السياسية لانهم حملوا السلاح ولهذا انضممنا الى حركة جون قرنق في بداية تأسيسها عام 1983. يقال ان انضمامك الى حركة قرنق كان بسبب خلاف شخصي مع الفاتح بشارة حاكم اقليم كردفان التي تمثل جبال النوبة جزءاً اساسياً منها؟ - ليس هذا صحيحاً، والدليل على ذلك ان انضمامنا الى الحركة الشعبية لتحرير السودان كان في صورة جماعية، اذ اقبل على الحركة مئات من ابناء جبال النوبة... ولست على خلاف مع الفاتح بشارة شخصياً، وللحقيقة والتاريخ فقد منحته صوتي حين رشح نفسه لمنصب حاكم اقليم كردفان، لكنني كنت على خلاف مع مجموعته. وهم الذين كانوا يكيدون لنا. تقولون انكم اضطررتم الى حمل السلاح، اقتداء بأبناء الجنوب السوداني كي تنالوا مطالبكم، هل يعني هذا ان على كل ابناء السودان ان يحملوا السلاح لتحقيق المكاسب والنهوض بالمناطق المتخلفة؟ - لا ليس كذلك، ولهذا تدعو الحركة الشعبية لتحرير السودان الى عقد مؤتمر دستوري شامل يجتمع فيه جميع اهل السودان لمناقشة كل المشاكل واقتراح الحلول لها، لئلا تتكرر ظاهرة التمرد وحمل السلاح في مناطق سودانية اخرى، كل فترة، كما هو حاصل الآن. اثراء السودان ألا تشعر بأنك غريب وسط قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة قرنق لأنك مسلم، فيما الحركة تدعو الى فصل الاسلام عن الواقع السياسي السوداني؟ - أنا مسلم. هذه حقيقة. لكنني اؤيد الآراء التي تدعو الى فصل الدين عن السياسة في السودان. فنحن في جبال النوبة نعيش معاً مسلمين ومسيحيين. وفي البيت الواحد نجد المسلم والمسيحي، وهذا نريده ان يستمر ويسود، خلافاً لما تفعله الحكومة السودانية الحالية. نريد ان نثري ما يجمعنا كسودانيين مثل تاريخ اجدادنا وثقافتنا المحلية. هل تلقيت عروضاً من الحكومة السودانية لعقد مصالحة معك والتخلي عن حركة قرنق؟ - نعم تلقيت عروضاً كثيرة جداً، لكنني رفضتها، لأنني لا اريد حلاً لمشكلتي الشخصية، بل أريد حلاً لمشاكل كل مواطني جبال النوبة. وقد اكون على خلاف مع الكثيرين من ابناء المنطقة بل انني اضطر احياناً الى مواجهة ابناء منطقة جبال النوبة لأن الحكومة الحالية تحاول ان تجعل مشكلتنا السياسية دينية وأرى ان بعضهم مخدوع بشعارات الحكومة السودانية. اين انتم اليوم، هل مع الشمال بحكم موقع جبال النوبة في احدى الولايات الشمالية، ام مع الجنوب بحكم الانتماء السياسي الى الحركة الشعبية لتحرير السودان؟ - كنا في السابق اكثر ارتباطاً بالشمال منا بالجنوب، ولكن في الفترة الاخيرة اصبحنا اكثر ارتباطاً بالجنوب المسلح. وستستمر علاقتنا بالجنوب خلال المرحلة المقبلة وحتى خلال الفترة الانتقالية المقترحة وبعد ذلك سندعو الى استفتاء يقرر مستقبل علاقة جبال النوبة بشمال السودان وجنوبه. هل تسيطرون على مناطق عدة في جبال النوبة باسم الحركة الشعبية؟ - نعم، كل المناطق الريفية بيدنا، ولو استبعدت عواصمالمحافظات فان كل المناطق التابعة لمحافظات ام دورين وهيبان ولقاوة والغلفان وبرام، باستثناء عواصمها، خاضعة لنفوذ الحركة الشعبية. هل نجحتم في تطوير هذه المناطق وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية لها؟ - كلا، لا حياة للتعليم والصحة في هذه المناطق التي تعيش ظروفاً صعبة جداً ولا تحصل الا على القليل من منظمات الاغاثة، حتى ان هذه المساعدات توقفت في الفترة الاخيرة بعدما قطعت حركة ريك مشار التي انفصلت عام 1991 عن الحركة الشعبية الطريق المؤدي اليها. نحن نعيش ظروفاً قاهرة ولا نجد حتى ملح الطعام. والحكومة تشدد من قبضتها علينا حتى ننهار ونعود، لكننا لن نفعل. ولا اخفيك القول ان المواطنين الذين قضوا في جبال النوبة بسبب الجوع اكثر من الذين ذهبوا ضحية الحرب والرصاص. الحركة الشعبية لتحرير السودان متهمة بتجنيد الاطفال الجنوبيين وعسكرتهم، فما هو ردك، مع العلم بأنك كنت مدرساً في السابق؟ - هذا الموضوع حساس جداً، لأنني لا انكره ولا اعترف به، فنحن في حالة حرب وقد اغلقت المدارس ابوابها وأمامنا آلاف الاطفال، فرأت الحركة ان تذهب بهم الى معسكرات آمنة عند الحدود السودانية - الاثيوبية لمواصلة تعليمهم. لكنهم يرفضون الدراسة ويفضلون المشاركة في القتال لأن معظمهم تجند في الحركة حسب رغبته، وقد جاءني طفل من جبال النوبة من منطقة لقاوة وجدته مجنداً مع القوات فأخرجته من الصفوف وأسكنته معي في منزلي وأرسلته للدراسة في اثيوبيا، لكنه هرب ليلتحق مرة اخرى بالحركة الشعبية. لكنني رأيت صوراً لأطفال يحملون صناديق الذخيرة فوق رؤوسهم ويسيرون مع قوات الحركة؟ - لا استبعد ذلك. هناك من يتهم جون قرنق بالاستبداد والديكتاتورية في قيادة الحركة. - هذه الاتهامات ليست صحيحة، ويروجها بعض القادة الذين يتطلعون الى مراكز متقدمة ليسوا اهلاً لها. ومن تجاربي مع جون قرنق لم الاحظ انه ديكتاتوري. فمثلاً طلب منا قرنق عقد مؤتمر تشاوري للحركة في شهر ايار مايو الماضي، وطلبت منه تعديل هذا الموعد بسبب صعوبة الانتقال في فصل الخريف، فما كان منه الا ان عدّل الموعد وجعله في آب اغسطس المقبل. نريد مثلاً على موقف سياسي؟ - يطرح قرنق علينا آراءه طالباً منا اما الموافقة عليها واما رفضها. وهو اطلق بعض المعتقلين الذين عارضوه، والآن نراهم يقودون اقوى انشقاق في الحركة، وأعني نائب قرنق السابق كاربينوبول اروك نون وجوزيف ادوهو قتل قبل شهرين وغيرهما. فلو كان جون قرنق ديكتاتوراً لكان اعدمهم جميعاً كما فعل عمر البشير الذي اعدم 28 ضابطاً خلال 24 ساعة، بعد عام واحد على تسلمه السلطة.