تختصر مشكلة الكهرباء في سورية، التي اخذت طريقها الى الحل والانفراج، التغيرات السياسية العالمية الاخيرة بعد سقوط دول المنظومة الاشتراكية، وحجم التطور الاقتصادي الذي ظهر في السنتين الاخيرتين المعروف بالانفتاح، وزيادة الاستهلاك الناتج عن الزيادة السنوية في عدد السكان، اثر سياسة الاهتمام بالجانب الصحي والهجرة الداخلية وتمركز الاستهلاك في أماكن معينة من دون غيرها. وأدت هذه العوامل مجتمعة الى ارتفاع الطلب بشكل سريع اكثر مما يمكن انتاجه من المحطات القائمة، وبالتالي الى اضطرار الحكومة الى اتباع اسلوب التقنين وقطع التيار الكهربائي بشكل يومي بمعدل يتراوح ما بين ساعتين وست ساعات، وتنظيم الاستهلاك بهدف اعطاء الاولية الى المنشآت الصناعية والمدينة وتوزيع المتبقي من الطاقة على الريف. ويشكل انهيار الاتحاد السوفياتي، احد اهم الاسباب التي اوصلت الى مشكلة الكهرباء، لأن العقود التي وقعتها دمشق كانت من نصيبه لانتاج 2342 ميغاواط كانت ستساهم في حال انتاجها، الى سد القسم الاكبر من الطلب المتزايد على الطاقة في البلاد. وتتضمن هذه العقود اقامة محطة لتوليد الطاقة تبلغ طاقتها 630 ميغاواط كانت ستساهم في حال انتاجها، الى سد القسم الاكبر من الطلب المتزايد على الطاقة في البلاد. وتتضمن هذه العقود اقامة محطة لتوليد الطاقة تبلغ طاقتها 630 ميغاواط في "سد تشرين" على نهر الفرات، وكان مقرراً لها ان تبدأ العمل في بداية العام المقبل، كما ان عقد استيراد ست عنفات بطاقة 630 ميغاواط تأخر بسبب التغييرات السوفياتية، فاضطرت الحكومة اخيراً الى توقيع عقد جديد بقيمة 185 مليون دولار لاستيراد هذه العنفات. وتشير مصادر حكومية الى ان محطتين تبلغ طاقة كل منهما 441 ميغاواط "تأثرتا بالوضع السوفياتي الجديد". ومع التغيرات الجديدة بحثت الحكومة عن اساليب جديدة للتمويل من جهة، وشركات اخرى لمتابعة تنفيذ المحطات التي كانت قائمة او اقامة محطات جديدة، الا انها اصطدمت بأسلوب الشركات الاجنبية في تقديم العروض، اذ يكون عددها في مناقصة تعلنها الحكومة قليلاً من جهة وتقدم اسعاراً "فلكية وغير مقنعة" حسب قول رئيس الحكومة السيد محمود الزعبي، وهذا ما حصل عندما اعلنت الحكومة عن مناقصة لاقامة محطة "جندر" في وسط سورية بطاقة 600 ميغاواط الا ان الحكومة اتفقت في النهاية مع شركة "ميتسوبيشي" اليابانية لاقامة المحطة. ولم تكن الجهود العربية في البداية كما يرام للمساهمة في حل المشكلة حيث يقول الزعبي ان محطة توليد تبلغ طاقتها 400 ميغاواط كان مقرراً لها ان تقام قرب الرستن، الا ان ذلك لم يتم "بسبب ظروف حالت دون توفير القرض العربي". ومن العوامل الاخرى المهمة كمية المياه الآتية من تركيا الى سورية عبر نهر الفرات حيث انخفض التصرف من 800 متر مكعب في الثانية الى 500 متر مكعب في الثانية يحتفظ السوريون بنسبة 48 في المئة منها ويمررون ال52 في المئة الى العراقيين، وآثرت الحكومة عدم التضحية بمياه "بحيرة الاسد" لتوفير المياه لري الاراضي في حوض الفرات واستصلاح الاراضي في المنطقة الشرقية، على حساب تمرير المياه في سد الفرات لتوليد الطاقة الذي تبلغ طاقته القصوى 880 ميغاواط، او في سد "البعث التنظيمي" الذي تبلغ طاقته 75 ميغاواط. وفي الواقع استطاعت الحكومة قطف ثمار سياستها الزراعية عبر الوصول الى ارقام قياسية في انتاج الحبوب اذ وصلت كمية الحبوب المخزن في هذا العام الى 7.5 مليون طن بعدما كانت سورية لا تملك من القمح عام 1987 اكثر مما يكفيها ليوم واحد فقط. ولم تكن المشكلة خارجية او اقليمية فحسب، بل ان الاسلوب الذي اتبعته وزارة الكهرباء في معالجة الاعطال في المحطات القائمة وعدم اتباع برامج الصيانة الدورية للمحطات أدى مع مرور السنوات الى تراكم الاعطال وتوقفها او وصول الطاقة الفعلية الى ما دون نصف الطاقة النظرية لبعص المحطات اذ ان محطة "بانياس" الساحلية انخفض انتاجها الفعلي الى اقل من 70 ميغاواط بينما يتجاوز الانتاج الاسمي 170 ميغاواط. كما ان نوعية الشبكة الكهربائية تساهم في ارتفاع نسبة الهدر والطاقة المفقودة بنحو 30 في المئة، اضافة الى الاستخدام العشوائي للطاقة من قبل المواطنين خصوصاً المشتركين غير الشرعيين الذين تبلغ نسبتهم في دمشق وحدها خمسة اضعاف المشتركين الشرعيين مشترك شرعي واحد لكل خمسة غير شرعيين. وامام ثبات او انخفاض الانتاج الكهربائي، يزداد في الجهة المقابلة الطلب والاستهلاك 12 في المئة سنوياً الناتجان عن الزيادة السكانية التي تبلغ 3.4 في المئة، اد ان عدد سكان سورية الآن يتجاوز 14 مليون نسمة بينما لم يكن يتجاوز عددهم 7.15 مليون نسمة في العام 1974 عندما بدأت في العمل ثلاث عنفات في سد الفرات، و8.7 مليون نسمة عندما بدأت عنفات الطاقة الثاني بالانتاج. ويمكن الاشارة هنا الى الازدياد المركزي في عدد السكان كعامل ثاني ساهم في ازدياد الطلب في المدن اكثر من الريف، حيث تضاعف عدد سكان مدينة دمشق في العقود الاخيرة. وارتفع عددهم من 840 الف نسمة في 1970 الى اكثر من اربعة ملايين نسمة في العام الماضي، كما ان الهجرة الداخلية بلغت في العام نفسه 753 الف نسمة، حسب دراسة ميدانية اعدها الدكتور قاسم الربداوي. كما ان قانون الاستثمار الرقم 10 وما حمله من مشاريع صناعية جديدة 970 مشروعاً استثمارياً جديداً خلال السنتين الاخيرتين، ساهم في رفع الطلب على الطاقة بشكل مضاعف، في مقابل انخفاض في الانتاج الكلي، حيث تقول المصادر الرسمية ان الانتاج انخفض الى 11.23 بليون كيلواط ساعي في العام 1992 بينما تجاوز 12.38 بليون كيلواط ساعي في العام 1991. وامام هذا الواقع الذي تحول الى ازمة وصلت فيها ساعات التقنين الى نحو 20 ساعة يومياً في بعض مناطق سورية اثناء صيانة المحطات القائمة، بدأت الحكومة اخيراً معالجة المشكلة من جذورها من خلال اقامة محطات جديدة وترميم القديمة، وحمل الصناعيين على شراء مولدات كهربائية صغير خاصة بمنشآتهم الصناعية، ويبقى التطور الاهم هو السماح للقطاع الخاص بالاستثمار في قطاع الكهرباء واقامة محطات جديدة لبيع الطاقة الى الحكومة وربطها بالشبكة الرئيسية. ووقعت الحكومة اثر ذلك عقوداً مع شركات اجنبية، صينية ويابانية وايطالية، لاقامة محطات كهربائية لتوليد اكثر من 1200 ميغاواط في نهاية العام المقبل، اضافة الى 600 ميغاواط التي ستبدأ العمل في نهاية العام 1995، ما يعني ان الازمة الكهربائية ستنتهي تماماً في نهاية عام 1995 الا ان التقنين سينخفض كثيراً في نهاية العام المقبل حين تدخل ال1000 ميغاواط الى الشبكة. وتتوزع هذه الطاقة في حلب 370 ميغاواط، كما ساهمت كل من السعودية والكويت في حل مشكلة الطاقة في حلب 370 ميغاواط ووسط سورية 256 ميغاواط وقرب دمشق 380 ميغاواط، كما ساهمت كل من السعودية والكويت في حل مشكلة الطاقة في سورية. وفتحت الحكومة الباب واسعاً للمرة الاولى امام القطاع الخاص للمساهمة في توليد الطاقة الكهربائية وبيعها الى الدولة، وتم تأسيس شركتين احداها من القطاع المشترك عام وخاص يبلغ رآسمالها الاجمالي نحو 32 مليون دولار اميركي. وعلمت "الوسط" ان خبراء الشركة يجولون في العواصم الاوروبية للتعاقد على توريد محطات بطاقة 100 ميغاواط تركب على عجل للبدء في العمل خلال ستة اشهر. والشركة الثانية رخصت بموجب قانون الاستثمار الرقم 10 لتوليد 200 ميغاواط. ويتوزع رأسمال هذه الشركة على وزارة الكهربا بنسبة 25 في المئة، والمؤسسين 45 في المئة بينما تطرح ال30 في المئة المتبقية على المواطنين للمساهمة على شكل اسهم، واللافت ان الحكومة سمحت لهذه الشركة باستيراد الفيول لتشغيل المحطات في حين كان سعره اقل من السوق المحلية، وبالتالي فإن التعامل سيكون على اسس اقتصادية بحتة، وسمحت الحكومة للقطاع الخاص بالاستثمار في قطاع الكهرباء الذي كان يعتبر من القطاعات الاستراتيجية، على رغم ما أثاره هذا الاجراء من مناقشات في مجلس الشعب ركزت على الثمار التي سيجنيها المستثمرون من بيع الطاقة للدولة خصوصاً انهم يوفرون تكاليف مد شبكات الكهرباء في البلاد التي اقامتها الحكومة. وتسعى سورية الى جعل الغاز الوقود الاساسي للمحطات الجديدة للاستفادة من احتياط الغاز الطبيعي الذي تقدره مصادر البنك الدولي ب600 بليون متر مكعب، ولتوفير الفيول ورفع صادرات النفط التي تتوقع مصادر اقتصادية ان ترتفع بحدود 100 او 150 الف برميل يومياً، في حال اصبحت المؤسسات الاقتصادية الضخمة تعمل على الغاز بدلاً من الفيول، وتقدر هيئة تخطيط الدولة في دراسة اعدتها عن الغاز، ان يكون استهلاك المحطات الكهربائية من الغاز نحو 5.974 بليون متر مكعب في عام 1996، بينما توقعت ان تبلغ في العام الجاري 3.438 بليون متر مكعب.