المعركة الجارية حالياً في الساحة العراقية - بجوانبها العسكرية والسياسية والاقتصادية والاستراتيجية - هي اكبر من ان تتعلق بمستقبل رجل هو الرئيس صدام حسين ومصير نظام هو النظام العراقي. بل ان هذه المعركة، بأبعادها المختلفة، هي اكبر من قضية تطبيق قرارات صادرة عن مجلس الامن الدولي وتأمين احترام الشرعية الدولية، على رغم الاهمية القصوى لضرورة الامتثال لقرارات المجتمع الدولي واحترام قوانين هذا المجتمع، في كل مكان وعلى كل الجبهات، وفي ما يتعلق بمختلف القضايا، من العراق الى فلسطين الى لبنان الى البوسنة والهرسك الخ… فالمعركة الجارية حالياً هي معركة حول مستقبل العراق - هل يبقى موحداً ام يتفكك - بل هي معركة تمس مستقبل الوضع في الخليج وفي الشرق الاوسط وما يحيط بالمنطقة العربية ككل او يرتبط بها. هذه المعركة الجديدة فجرها صدام حسين بهدف الخروج من "الحالة الثالثة" التي وجد نفسه - ونظامه - فيها بعد انتهاء حرب الخليج الثانية، على امل ان يعقد "صفقة سياسية ما" مع دول التحالف وبشكل خاص مع الولاياتالمتحدة ورئيسها الجديد بيل كلينتون تتيح له، ولنظامه، ان يستعيد "عافيته"، تدريجياً، ويعود الى وضع ما قبل غزو الكويت في آب اغسطس 1990. فحرب تحرير الكويت لم تؤد الى الاطاحة بصدام حسىن ونظامه، اذ كان هناك قرار عربي - دولي بعدم الدخول الى بغداد، كما ان "مطاردة" صدام حسين كانت - في حال حصولها - ستدفع بقوات التحالف الى خوض "حرب عصابات" في العراق وتكبد خسائر بشرية كبيرة. وفي الوقت نفسه رفضت دول التحالف، العربية وغير العربية، المساومة مع صدام حسين ونظامه وعقد اية صفقة معه، بل طوقته وحاصرته وعزلته ومارست ضغوطاً متنوعة عليه لالزامه بتنفيذ جميع قرارات مجلس الامن المتعلقة باحتلال الكويت وحرب الخليج الثانية وذيولها. وذهبت دول التحالف الثلاث، الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا، ابعد من ذلك، اذ قامت بتقليص سلطة النظام العراقي على اراضي العراق، بإنشائها منطقتين "آمنتين" ومحميتين دولياً، الاولى في الشمال والثانية في الجنوب تشكل مساحتهما ما يقارب 60 في المئة من مساحة هذا البلد. واعتمدت دول التحالف في ذلك على قرار مجلس الامن الرقم 688 الذي يسمح، ضمناً، للدول الكبرى، "بالاهتمام" بما يجري في العراق، من خلال تحذيره، في نصه، من انعكاس ما يجري في هذا البلد على الامن والسلام العالميين. وهكذا وجد صدام حسين نفسه اسير "الحالة الثالثة": فهو لا يزال في السلطة لكنه مرفوض، بل منبوذ، اقليمياً ودولياً، ولا مفر امامه سوى تنفيذ قرارات مجلس الامن المتعلقة بالعراق والتي تؤدي الى اضعاف هذا البلد، وفي مجالات عدة، لسنوات طويلة. بالطبع، هناك مخرج اخر يمكن ان ينقذ العراق، وهو ان يستقيل صدام حسين من منصبه ويتحمل مسؤولية الاخطاء الكبيرة التي ارتكبها بحق بلده ومنطقته. لكن صدام حسين يعتقد، بل يؤمن - وهذا ليس سراً على بعض المقربين منه - بأن مصير العراق كبلد، وليس فقط مصير النظام الحالي ومن ينتمي اليه، مرتبط به وباستمراره في الحكم. ولذلك لم يستقل. وبذلك ساهم في ابقاء العراق في هذه "الحالة الثالثة". تكرار تجربة السادات صدام حسين، الذي مني بهزيمة سياسية وعسكرية واقتصادية كبرى نتيجة غزو الكويت وحساباته الخاطئة، شبيهة الى حد ما بهزيمة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في حرب 1967 التي نتجت، ايضاً، عن حسابات خاطئة، انتظر نهاية عهد الرئيس بوش ليحاول القيام بتجربة مشابهة لتجربة الرئيس الراحل انور السادات في حرب اكتوبر 1973. فقد قام السادات، بالتفاهم مع سورية ودول عربية اخرى، بخوض حرب 1973 لا للانتصار على اسرائيل - وهو الواقعي الذي يدرك تماماً طبيعة موازين القوى الاقليمية والدولية - بل لتحريك اهتمام الدول الكبرى، وخصوصاً الولاياتالمتحدة، ولاجراء مفاوضات مع اسرائيل، من موقع قوة لا من موقع ضعف، بهدف استعادة سيناء. وصدام حسين يريد من خلال تفجيره المعركة الجديدة، ان يكرر مع دول التحالف "تجربة حرب 1973": فهو يدرك تماماً انه لا يستطيع تسجيل اي نوع من الانتصار على هذه الدول - وهو لم يستطع ذلك خلال حرب تحرير الكويت حين كانت قدراته العسكرية اكبر واهم واخطر - وما يأمله، من خلال تسخين الجبهة ومحاولة اظهار ان الوضع في منطقة الخليج ليس مستقراً، هو جر دول التحالف، وخصوصاً الولاياتالمتحدة، الى التفاوض وعقد "صفقة ما" معه، تعيد الى نظامه الاعتبار وتمكنه من العودة الى وضع ما قبل غزو الكويت. وما يزعج صدام حسين، بلا شك، ويثير قلقه، ليس تململ شعبه من الاوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية المتردية، وليس كون جيشه "عاطلاً عن العمل" ويحتاج الى من يرفع معنوياته من خلال اثارة المواجهة مع الدول الكبرى، مهما تكن نتائج هذه المواجهة… بل ان ما يزعج صدام حسين ويثير قلقه هو انه يواجه "هزيمة ثانية" اكثر خطورة من هزيمته الاولى في مواجهة دول التحالف التي خاضت حرب تحرير الكويت، على اهمية وفداحة الهزيمة الاولى. و"الهزيمة الثانية" هي اضطراره الى تنفيذ قرارات مجلس الامن المتعلقة بالعراق والناتجة عن غزو الكويت وحرب تحريرها. فدول التحالف الثلاث، مدعومة من المجتمع الدولي، تمارس على العراق ضغوطاً هائلة ومتنوعة لتنفيذ قرارات مجلس الامن هذه، لم يسبق ان مارستها الدول الكبرى على اية دولة اخرى في العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وهذه الضغوط ناتجة، بشكل اساسي، عن كون ما هو على المحك وفي الميزان، ليس بلداً واحداً هو العراق، بل منطقة بالغة الاهمية، اقتصادياً وسياسياً واستراتيجياً، هي منطقة الخليج، المرتبطة بقوة بمنطقة الشرق الاوسط ككل. بنود "الهزيمة الثانية" ولا يمكن ان ندرك حجم ومدى "الهزيمة الثانية" التي يواجهها صدام حسين ويحاول التهرب منها او تجاوزها، الا اذا اطلعنا على مضمون قرارات مجلس الامن المختلفة المتعلقة بالعراق. فالمطلوب من النظام العراقي، وفقاً لهذه القرارات، تنفيذ الامور الاساسية الآتية: 1 - ازالة اسلحة الدمار الشامل الكيماوية والبيولوجية والنووية اضافة الى انواع معينة من صواريخ ارض - ارضالتي انفق صدام حسين اموالاً طائلة للحصول عليها وانتاجها، وكان يهدف من وراء امتلاكها فرض سيطرته على دول عربية عدة. 2 - ترسيم الحدود البرية والبحرية مع الكويت نهائياً ورسمياً وبضمانات من الاممالمتحدة. وهذا يعني الموافقة على التخلي عن كل "احلام" وطموحات العراق - منذ استقلال هذا البلد - في الكويت. 3 - دفع تعويضات تقدر بعشرات المليارات البلايين من الدولارات الى الكويتيين وجميع المتضررين من نتائج غزو الكويت وحرب التحرير، ودفع ديون العراق الخارجية مع الفوائد المتراكمة عليها. ولا بد من التذكير ان ديون العراق الخارجية وحدها كانت تقدر، قبل غزو الكويت، بنحو 35 مليار بليون دولار - ما عدا "الديون العربية" - وكان النظام عاجزاً عن تسديدها. بل ان هذه الديون كانت احد العوامل الرئيسية التي دفعت صدام الى اتخاذ قرار غزو الكويت. وهذا البند وحده يعني ان العراق سيظل مديوناً للآخرين سنوات طويلة، نتيجة اخطاء صدام وطالما ان صدام في الحكم. 4 - الخضوع لحظر دولي شامل على شحنات الاسلحة وقطع الغيار الى العراق. ولا يمكن رفع هذا الحظر الا بقرار صادر عن مجلس الامن الدولي. وهذا الحظر، على رغم محاولات بغداد التحايل عليه، يضعف قدرات العراق العسكرية الى اقصى حد. 5 - وضع حد لعمليات القمع والاضطهاد التي يمارسها النظام العراقي ضد ابناء شعبه. وهذا المطلب يسمح لدول التحالف - وهو سمح لها فعلاً - بالتدخل، عملياً، في شؤون العراق الداخلية وفرض نوع من الرقابة او الوصاية الدولية على هذا البلد، مما يحد من سلطات النظام. وما انشاء المنطقتين الآمنتين المحميتين دولياً، في الشمال والجنوب، الا تطبيق لهذا المطلب الوارد في قرار مجلس الامن الرقم 688. 6 - وضع حد لاية نشاطات ارهابية وعدم تعريض الامن والسلام والاستقرار في منطقة الخليج للخطر. 7 - اعادة جميع الاسرى الكويتيين بلا شروط ومن دون طلب اي "ثمن". وما يزيد من شدة وصرامة هذه القرارات ان مجلس الامن الدولي يسمح باستخدام القوة العسكرية ضد العراق لالزام حكومته بتنفيذها، وهو ما لا يرد، عموماً، في معظم قرارات مجلس الامن المتعلقة بقضايا ودول اخرى. مبادرة "حسن نية" تجاه كلينتون؟ ماذا يعني، عملياً وفعلياً، تنفيذ هذه الامور الواردة في قرارات مجلس الامن؟ هذه المطالب لا تؤدي الى اضعاف العراق، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً فحسب، بل تؤدي في حال تنفيذها الى تغيير طبيعة دور العراق، ولسنوات طويلة، بحيث يتحول العراق من بلد مؤثر على الاحداث ومشارك في صنعها ويطمح الى ممارسة الزعامة والقيادة في المنطقة العربية، الى بلد منهمك بمشاغله وهمومه الداخلية المتعددة وبإعادة تركيب اوضاعه وترتيبها. والواقع ان هذا الوضع يتحمل، ايضاً، مسؤوليته صدام حسين. فهو استغل حجم العراق وطاقاته ودوره ليس فقط لاحتلال الكويت بل ايضاً وخصوصاً لمحاولة تغيير موازين القوى في المنطقة ولفرض سيطرته وهيمنته على دول عربية عدة، بغض النظر عما يمكن ان ينتج عن ذلك من مواجهات واسعة النطاق وعلى امتداد منطقة الشرق الاوسط. هذه هي "الهزيمة الثانية" التي يريد صدام حسين الافلات منها، والاستمرار في الحكم في الوقت نفسه. ومحاولة الهرب هذه هي التي دفعته الى اثارة الازمات وتفجير المعركة مع دول التحالف، على امل ان يؤدي ذلك الى "صفقة ما" مع هذه الدول، خصوصاً مع الولاياتالمتحدة، تساعده على التملص من تنفيذ كل قرارات مجلس الامن وتخفيف اعباء "الهزيمة الثانية" عليه وعلى نظامه. وفي هذا الاطار تتردد انباء - او إشاعات - في عدد من العواصم الاجنبية، بينها واشنطن وباريس، تفيد ان صدام حسين ينوي ان يقوم بمبادرة "حسن نية" تجاه الرئيس الاميركي الجديد بيل كلينتون، بعد تسلمه مهام الرئاسة بفترة قصيرة، ليظهر ان "المواجهة" كانت مع سلفه جورج بوش وان العراق لا يريد المواجهة معه هو. ولا احد، بالطبع يعرف مضمون مبادرة "حسن النية" هذه - ان وجدت - لكن بعض الانباء ذكر ان صدام حسين يمكن ان يبدي استعداداً لتنفيذ بعض قرارات مجلس الامن، لا كلها، في مقابل الغاء المنطقتين الآمنتين المحميتين دولياً في شمال العراقوجنوبه، مما يمكن النظام من اعادة سيطرته وسيادته على كل الاراضي العراقية. لا صفقة مع صدام لكن دول التحالف الثلاث اميركا وبريطانيا وفرنسا ردت، بقسوة بالغة، على عملية اثارة الازمات التي قام بها الرئيس العراقي، اذ وجهت ثلاث ضربات عسكرية الى العراق خلال خمسة ايام، من منطلق ان السلطات العراقية تخالف قرارات مجلس الامن او انها تحاول التملص من الالتزام بتنفيذها. الضربة الاولى نفذت يوم 13 كانون الثاني يناير الجاري اذ قامت طائرات حربية اميركية وبريطانية وفرنسية بمهاجمة اهداف عسكرية عراقية في جنوب البلاد مما ادى الى تدمير بعض بطاريات صواريخ ارض - جو وشبكات رادار واجهزة دفاع جوي مرتبطة بها. وجاءت الغارة رداً على قيام العراقيين بوضع بطاريات صواريخ ارض - جو قرب المنطقة الآمنة والمحظورة على الطيران العراقي في الجنوب، كما جاءت رداً على اقدام السلطات العراقية على وضع عقبات امام نشاط فريق خبراء الاممالمتحدة المكلف ازالة اسلحة الدمار الشامل في العراق، ورداً على قيام قوة عراقية بالتسلل الى الاراضي الكويتية قرب ميناء أم قصر والاستيلاء على محتويات ستة مخابئ للاسلحة والصواريخ من مخلفات الغزو العراقي، ويوم 17 كانون الثاني يناير الجاري، وبسبب استمرار وضع عقبات امام فريق خبراء الاممالمتحدة، اطلق الاميركيون اكثر من اربعين صاروخ "كروز" من نوع توما هوك، من سفن حربية اميركية مرابطة في مياه المنطقة، نحو منشأة تبعد نحو 20 كيلومتراً عن بغداد يعتبر خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية انها جزء من برنامج العراق النووي اذ انها تنتج مكونات لتخصيب اليورانيوم المستخدم لاغراض نووية. وادت هذه الغارة الى تدمير منشأة الزعفرانية التي يقول العراقيون انها "مصنع هندسة ميكانيكي". وصواريخ توما هوك العابرة هذه تتميز بدقتها في اصابة الاهداف. ولعل احد اسباب استخدامها ليس تجنب وقوع اصابات في صفوف الاميركيين، في حال تم استخدام الطائرات لقصف المنشأة، بل لافهام المسؤولين العراقيين ان دول التحالف قادرة، اذا ارادت على قصف بغداد مجدداً او اي مكان في العراق. وقد سقط احد هذه الصواريخ الاميركية على فندق الرشيد في بغداد فدمر اجزاء منه وادى الى مقتل شخصين واصابة 30 آخرين بجروح. وفي اليوم نفسه، ايضاً، اسقط الاميركيون طائرة ميغ - 23 عراقية في شمال البلاد. يوم 18 كانون الثاني يناير الجاري شنت الطائرات الاميركية والبريطانية والفرنسية غارتين الاولى على مواقع عسكرية قرب الموصل في الشمال والثانية على مواقع واهداف عسكرية في الجنوب مما ادى الى تدمير "القدرات الدفاعية الجوية العراقية" في الجنوب على حد قول وزارة الدفاع الاميركية وتدمير رادارين في الشمال اضافة الى منشآت عسكرية اخرى. وسقط عدد من القتلى والجرحى العراقيين خلال الغارات. ولوحظ انه بعد استخدام القوة العسكرية هذه، ازال النظام العراقي ستة مخافر حدودية كان اقامها في المنطقة المنزوعة السلاح مع الكويت. ويوم 19 الجاري اعلنت القيادة العراقية وقف اطلاق النار كبادرة حسن نية تجاه ادارة كلينتون واكدت انها تريد اقامة "حوار بناء" مع الادارة الاميركية الجديدة. كما سمحت باستئناف رحلات الاممالمتحدة الى العراق انطلاقاً من البحرين. لكن واشنطن استقبلت بحذر هذا القرار العراقي وشدد الناطق باسم كلينتون على ان الادارة الجديدة تطالب العراق باحترام وتنفيذ كل قرارات مجلس الامن المتعلقة به. وكان من النتائج المباشرة لهذا التأزم العسكري ان اتخذت الكويت، تحسباً لكل الاحتمالات، مجموعة اجراءات وقائية ودفاعية ابرزها: استقبال اكثر من الف جندي اميركي، تلقي مجموعة صواريخ مضادة للصواريخ من نوع "باتريوت" لتحسين الدفاعات الجوية للبلاد، واعلان الرغبة في طلب قوات بريطانية وفرنسية وغيرها للمشاركة في الدفاع عن الكويت في حال تدهورت الاوضاع في العراق. وفي هذا الاطار طلب بطرس غالي الامين العام للأمم المتحدة من مجلس الامن ارسال قوة دولية من 3645 عسكرياً لمراقبة الحدود العراقية - الكويتية. الرد العسكري القاسي لدول التحالف يعكس موقفها السياسي من صدام حسين ونظامه. فدول التحالف، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة، لا تريد تكرار تجربة الماضي مع بغداد وعقد اية صفقة من اي نوع كان، مع صدام حسين تؤدي الى اعادة الاعتبار اليه وتقويته مجدداً. فالسادات، مثلاً، لم يكسب الغرب، والولاياتالمتحدة بشكل خاص، فقط من خلال حرب 1973، بل من خلال تقديمه مجموعة من "الهدايا السياسية" - اذا جاز التعبير - كان ابرزها: طرد الخبراء الروس من مصر وانهاء العلاقات الخاصة مع موسكو قبل حرب 1973، ثم الموافقة بعد الحرب، على التفاوض مباشرة مع اسرائيل وعقد معاهدة سلام معها. والانسجام الى اقصى حد مع توجهات السياسة الاميركية. ولا يمكن لدول التحالف - وعلى رأسها الولاياتالمتحدة - ان تفتح صفحة جديدة مع العراق الا بشروطها هي لا بشروط بغداد. والشروط التي يمكن ان توضع على العراق ستكون، بلا شك، اقسى من تلك التي يمكن ان توضع على دول اخرى، من جهة بسبب تصرفات صدام ومن جهة ثانية بسبب موقع العراق. فلن تقبل دول التحالف المجازفة مجدداً والسماح للعراق بالتملص من تنفيذ قرارات مجلس الامن لأن ذلك من شأنه ان يفتح الباب امام نزاعات جديدة في منطقة بالغة الاهمية. ويعتبر المسؤولون في دول التحالف انه لا يمكن الوثوق بصدام حسين ونظامه، اياً تكن الوعود التي يمكن ان يقدمها لهم، لأنهم يدركون ان الرئيس العراقي الحالي يريد، في الواقع، وفي حال نجاته من "الهزيمة الثانية"، الانتقام مما جرى له، وبالتالي تكرار تجربة محاولة فرض هيمنة العراق على دول اخرى. ولا يريد احد المجازفة والمخاطرة في منطقة هي بأهمية منطقة الخليج. وفي حال عقد مجلس الامن الدولي اجتماعاً خاصاً لمناقشة الوضع والملف العراقي، كما طالبت بذلك روسيا، فإن هذه المناقشة لن تتضمن اي تراجع عن ضرورة تنفيذ النظام العراقي قرارات مجلس الامن المتعلقة به. * * * وهكذا يبدو واضحاً صعوبة - بل استحالة - خروج صدام حسين من "الحالة الثالثة" وافلاته من "الهزيمة الثانية" التي يعاني منها، هو ونظامه وشعبه وبلده يومياً. وهذا ما يدفع الكثيرين الى التساؤل: لماذا لا يستقيل صدام حسين؟ لا احد، بالطبع يجرؤ على طرح هذا السؤال، مباشرة، على الرئيس العراقي.