بموافقة الملك... منح 200 متبرع ومتبرعة وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الثالثة    السعودية: نستنكر الانتهاكات الإسرائيلية واقتحام باحة المسجد الأقصى والتوغل جنوب سورية    الجيش اللبناني يتهم الاحتلال الإسرائيلي بخرق الاتفاق والتوغل في مناطق جنوب البلاد    "رينارد" يستبعد "الشهراني" من معسكر الأخضر في الكويت    مانشستر سيتي يواصل الترنح ويتعادل مع ضيفه إيفرتون    أسبوع أبوظبي للاستدامة: منصة عالمية لبناء مستقبل أكثر استدامة    خادم الحرمين يتلقى رسالة خطية من الرئيس الروسي    «الإحصاء»: إيرادات «غير الربحي» بلغت 54.4 مليار ريال ل 2023    مدرب قطر يُبرر الاعتماد على الشباب    المملكة رئيساً للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة «الأرابوساي»    وفد عراقي في دمشق.. وعملية عسكرية في طرطوس لملاحقة فلول الأسد    وزير الشؤون الإسلامية يلتقي كبار ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة    تدخل جراحي عاجل ينقذ مريضاً من شلل دائم في عنيزة    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بمنطقة تبوك    الذهب يرتفع بفضل ضعف الدولار والاضطرابات الجيوسياسية    استمرار هطول أمطار رعدية على عدد من مناطق المملكة    الفكر الإبداعي يقود الذكاء الاصطناعي    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    المملكة ترحب بالعالم    رينارد: مواجهة اليمن صعبة وغريبة    أفغانستان: 46 قتيلاً في قصف باكستاني لمخابئ مسلحين    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    وطن الأفراح    حلاوةُ ولاةِ الأمر    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    الأبعاد التاريخية والثقافية للإبل في معرض «الإبل جواهر حية»    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    نجران: «الإسعاف الجوي» ينقل مصاباً بحادث انقلاب في «سلطانة»    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    %91 غير مصابين بالقلق    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الضربة المقبلة : اسقاط صدام حسين
نشر في الحياة يوم 03 - 08 - 1992

يهدف الرئيس صدام حسين، من خلال قراره المتعمد تصعيد المواجهة مع الامم المتحدة ومن ورائها مع الولايات المتحدة والدول الحليفة الاخرى، الى محاولة اخراج نظامه من تحت الرقابة والاشراف الدوليين المفروضين عليه منذ وقف اطلاق النار في حرب الخليج يوم 28 شباط فبراير 1991، واكتساب حرية مناورة اوسع، داخلياً وخارجياً.
ويراهن صدام حسين، باعتماده سياسة تصعيد المواجهة هذه، على "مقدرته" - في افضل الاحوال بالنسبة اليه - على التراجع في اللحظة الاخيرة امام الضغوط والتهديدات الاميركية والدولية، كما انه يراهن، في اسوأ الاحوال بالنسبة اليه، على ان اية عملية عسكرية ضده ستكون محدودة ولن تتضمن اشراك قوات برية وستتركز على ضرب مجموعة اهداف ومنشآت عسكرية وصناعية لكنها لن تصل الى حد احتلال بغداد. وانطلاقاً من هذه "القناعة" يراهن صدام على انه سيبقى في الحكم بعد حصول مثل هذه العملية العسكرية وسيقول للعراقيين انه خاض "مواجهة جديدة" مع الدول المتحالفة ضده وخرج منها "منتصراً"، حتى ولو عاد وقبل الالتزام بما نصت عليه قرارات مجلس الامن وما يرفضه قبل حدوث مثل هذه المعركة.
ويحاول صدام حسين، ايضاً، من خلال سياسة تصعيد المواجهة هذه، الايحاء للآخرين بأنه "واثق من نفسه ولا يخشى اية محاولات انقلابية ضده" وانه لا يزال، برغم العقوبات والحصار، قادراً على "استفزاز وتحدي" الدول الكبرى. والرجل الذي لا يزال يردد - برغم كل ما حدث وكل الدمار الذي لحق بالعراق - بأنه خرج "منتصراً" من حرب الخليج الثانية، يستطيع، ضمن "المنطق" نفسه، ان يقول لشعبه انه خرج "منتصراً" من معركة سياسية او عسكرية لا بد، في حال حدوثها، ان تكون - وفقاً لحساباته - اصغر وأقصر من المعركة السابقة.
ويمكن صدام حسين ان يستغل مثل هذه "الاجواء المتأزمة والمتوترة" لاتخاذ اجراءات قمعية ومتشددة جديدة في شمال العراق وجنوبه، او لوضع حد لأي تذمر او شكوى نتيجة الظروف القاسية التي يعيش فيها العراقيون.
المسؤولون الاميركيون والبريطانيون والفرنسيون - وسواهم من المعنيين مباشرة بالملف العراقي - يعلمون تماماً كيف يفكر صدام حسين ويدركون ان الرئيس العراقي اتخذ منذ اسابيع قرار تصعيد المواجهة مع الامم المتحدة، في الوقت الذي يخوض الرئيس بوش معركة انتخابية صعبة ودقيقة، ويعلمون، ايضاً، ان صدام حسين يأمل بتحقيق نوع من "الانتصار السياسي والمعنوي" محاولاً بذلك التغطية على المصاعب الهائلة التي تواجهها بلاده. لكن بقدر ما يحاول صدام حسين التملص وإخراج نظامه من تحت الرقابة والاشراف الدوليين المفروضين عليه نتيجة قرارات مجلس الامن المختلفة، بقدر ما تعمل دول التحالف - وعلى رأسها الولايات المتحدة - على ابقاء النظام العراقي خاضعاً لمثل هذه الرقابة والاشراف الدوليين وما يرافق ذلك من عقوبات وحصار وعزلة ومن اضعاف لطاقات هذا النظام وقدراته، العسكرية وغير العسكرية، الى ان تحين "الفرصة المناسبة" لسقوطه او لاسقاطه.
وقال لنا مسؤول فرنسي مهتم مباشرة بالملف العراقي، ومنذ بضع سنوات، ان صدام حسين يحاول، ايضاً، من خلال سياسة تصعيد المواجهة، "امتحان مدى صلابة ومتانة التحالف الدولي ضده وما اذا كان بامكانه احداث ثغرة في جدار هذا التحالف تمكنه من التملص من تنفيذ بعض القرارات الدولية ومنها، مثلاً، ما يتعلق بالحدود الجديدة النهائية بين العراق والكويت. لكن دول التحالف تدرك تماماً معنى لعبة صدام الجديدة هذه وتعرف مدى خطورة السماح للنظام العراقي بالافلات من تحت الرقابة والاشراف الدوليين.
الواقع ان الخبراء العسكريين والسياسيين الغربيين في الشؤون العراقية يعتبرون ان التهديد الذي يمثله نظام صدام حسين لا يتمثل، هذه المرة، بمقدرته الحربية والعسكرية الكبيرة. وكما يقول الجنرال دولا بيليير القائد السابق للقوات البريطانية في حرب الخليج والجنرال اتيان كوبيل نائب رئيس اركان القوات الجوية الفرنسية سابقاً وأكثر العسكريين الفرنسيين اطلاعاً على الشؤون العراقية - في مقابلتين مع "الوسط" ننشرهما في هذا العدد - فان النظام العراقي ليس قادراً على تكرار عملية غزو الكويت او القيام بعملية مماثلة لها ولن يكون قادراً على ذلك في المستقبل المنظور خصوصاً طالما ان الحصار الدولي مفروض عليه. لكن تهديد نظام صدام حسين لدول اخرى سيتخذ اشكالاً مختلفة عن "التجربة الكويتية" اذا ما سمح التحالف لهذا النظام بالافلات، تدريجياً، من العقوبات والحصار وعملية الاشراف الدولي عليه.
وهنا يبرز السؤال: هل تستطيع دول التحالف اسقاط نظام صدام حسين؟ وهل تسعى او ستسعى الى ذلك في المستقبل المنظور؟ وهل المواجهة الحالية، بصعودها وهبوطها وجوانبها المختلفة، تمهد لاسقاط صدام ام لا؟ لكن لا بد، قبل الاجابة عن هذه الاسئلة، التساؤل: لماذا لم يسقط صدام حسين حتى الآن؟
لماذا بقي في الحكم؟
هناك 6 عوامل رئيسية مكنت نظام صدام حسين من البقاء والاستمرار حتى الآن وهي:
1 - قرار دول التحالف بعدم الدخول الى بغداد خلال حرب الخليج والعمل على اسقاط النظام بالقوة.
2 - تركيبة النظام العراقي وطبيعته. فنظام صدام عسكري - امني متسلط منغلق على اية تأثيرات خارجية وقادر على سحق اية معارضة او انتفاضة او ثورة بلا هوادة وأياً يكن الثمن. كما ان صدام حسين يحمي نفسه، باجراءات مختلفة، بحيث يصعب جداً الوصول اليه.
3 - خوف دول التحالف من تفكك العراق وتقسيمه الى دولة كردية في الشمال والى جمهورية اسلامية متعاطفة مع ايران في الجنوب، دفع هذه الدول الى تبني، ضمناً، المعادلة الآتية منذ وقف اطلاق النار في حرب الخليج وحتى الآن: العراق المعزول والمحاصر والخاضع لعقوبات دولية والموحد مع صدام حسين في الحكم "افضل" من عراق بلا صدام لكن مفككاً ومقسماً الى دويلات مما يخل بتوازن القوى في المنطقة.
4 - رافق تبني هذه المعادلة رهان دول التحالف على ان العقوبات المختلفة المفروضة على العراق والحصار الاقتصادي والسياسي والعسكري الذي يطوق هذا البلد، ستضعف نظام صدام حسين تدريجياً وتشجع قوى داخل الجيش العراقي بالانقلاب عليه. وقد اعتبر المسؤولون الاميركيون - وخصوصاً في وزارة الخارجية والبيت الابيض - ان نظام صدام لن يستمر طويلاً وانه سينهار تدريجياً قبل سقوطه.
5 - رأت دول التحالف انه طالما ان صدام ملتزم بتطبيق قرارات مجلس الامن، فلا حاجة ولا مبرر لفتح "الملف الكبير" ملف العمل الفعلي على تغيير النظام.
6 - رأت دول التحالف، ضمناً، ان هناك "فوائد ومصلحة" في استمرار نظام صدام الى ان يتم تنفيذ كل قرارات مجلس الامن، وبالتالي الى ان يتم تجريد العراق من اسلحة الدمار الشامل التي كان يملكها والقضاء على اية امكانية لاعادة بناء قوة عسكرية كبيرة في السنوات المقبلة وانتزاع موافقته على مجموعة اجراءات منها ما يتعلق بترسيم الحدود نهائياً مع الكويت، ومنها ما يتعلق بدفع تعويضات للدول والجهات المتضررة من حرب الخليج. فقيام نظام جديد في بغداد لا بد ان يدفع المجتمع الدولي الى رفع الحصار عن العراق والسماح لهذا البلد بالعودة تدريجياً الى وضعه الطبيعي. لذلك من الافضل، وفقاً لدول التحالف، ان يتم ذلك بعد "تجريد" العراق من اية قوة عسكرية قد تغري نظام جديد يفكر، في المستقبل، بالقيام بمغامرات عسكرية ضد بعض الدول العربية الاخرى.
هذه هي العوامل الرئيسية الستة التي مكنت نظام صدام حسين من الاستمرار حتى الآن.
ملف الخلاف
هل تبدل الوضع، سواء على صعيد المعطيات الداخلية او على صعيد نظرة دول التحالف الى مسألة استمرار نظام صدام حسين؟ وهل اصبح لدى دول التحالف استعداد اكبر للعمل الفعلي على اسقاط هذا النظام ولايجاد ظروف ملائمة اكثر للاطاحة به؟
الواقع ان سياسة تصعيد المواجهة مع الامم المتحدة ودول التحالف التي ينتهجها صدام حسين منذ بضعة اسابيع اظهرت، بوضوح، ان الرئيس العراقي لا يريد الالتزام جدياً بقرارات مجلس الامن وشروط وقف اطلاق النار، ولا ينوي اطلاقاً تغيير توجهاته السياسية، بل ينتظر الفرصة الملائمة او "مرحلة ضعف" هنا وهناك - خصوصاً مع انتخابات الرئاسة الاميركية - للتحرك مجدداً، سواء على الجبهة الداخلية او بعض الجبهات الخارجية، لاثبات وجوده و"مقدرته" على الافلات من الحصار.
فملف الازمة الجديدة بين صدام حسين ودول التحالف لا يتضمن، فقط، مسألة السماح - او عدم السماح- لبعثة الامم المتحدة بالدخول الى مبنى وزارة الزراعة والري في بغداد لتفتيشها، بل ان هذا الملف يتضمن مجموعة قضايا مهمة حدث خلاف بشأنها بين الرئيس العراقي ودول التحالف. وهذه القضايا المتنازع عليها هي الآتية:
1 - قضية اسلحة الدمار الشامل. رفضت السلطات العراقية، منذ الخامس من تموز يوليو الماضي، السماح لبعثة الامم المتحدة دخول مبنى وزارة الزراعة الذي يشتبه المفتشون الدوليون بأن فيه وثائق ومعدات لها علاقة ببرامج انتاج صواريخ ارض - ارض وأسلحة الدمار الشامل. وقد جاء هذا الرفض مخالفا لقرار مجلس الامن الرقم 687 الذي صدر يوم مطلع نيسان ابريل 1991 - ووافق عليه العراقيون رسمياً - والذي ينص على الزام العراق بأن يقبل بلا قيد او شرط، ان يتم، تحت اشراف دولي، تدمير او ازالة او تعطيل مفعول كل اسلحة الدمار الشامل لديه كيميائياً او نووياً او بيولوجياً او من اي نوع آخر. ويعود الى بعثة الامم المتحدة ان تقرر المواقع التي تجب زيارتها. وقد زارت العراق منذ تبني هذا القرار 41 بعثة خبراء وجرى تدمير وإزالة الجزء الاكبر من اسلحة الدمار الشامل ومن المنشآت والمصانع المرتبطة بها. لكن في مطلع تموز يوليو الماضي رفضت السلطات العراقية السماح لبعثة الامم المتحدة دخول مبنى وزارة الزراعة على اساس ان ذلك يشكل "مساساً بالسيادة العراقية". وأصرت اللجنة الخاصة للامم المتحدة المكلفة بازالة اسلحة الدمار الشامل والتي يرئسها رولف ايكوس على طلبها لأن هذه اللجنة تملك معلومات تفيد ان الوثائق والمعدات التي اخفاها العراقيون في هذا المبنى "ذات اهمية كبيرة". وأكدت مصادر اميركية وفرنسية وثيقة الاطلاع على هذه القضية لپ"الوسط" ان هذه الوثائق تتضمن معلومات ومسودات مشاريع حول كل انواع اسلحة الدمار الشامل وهي "حصيلة التجارب والابحاث التي اجراها العراقيون في المجالات النووية والكيميائية والبيولوجية خلال السنوات الماضية". وهذه الوثائق هي بمثابة "ثروة علمية كبيرة" يحرص العراقيون عليها اذ بامكانهم اعادة انتاج اسلحة الدمار الشامل بما فيها الصواريخ على اساس معلوماتها في السنوات المقبلة. من هنا اصرار البعثة الدولية على دخول هذا المبنى وعلى فرض "حصار" حوله بواسطة المراقبين للتأكد من عدم تهريب هذه الوثائق - والمعدات - الى مكان آخر. ومن هنا اصرار العراقيين على رفض السماح للبعثة بدخول المبنى. و"أزمة المبنى" هذه كانت وراء تصعيد حدة المواجهة بين العرق ودول التحالف ووراء تهديد الولايات المتحدة ودول اخرى بتوجيه ضربة عسكرية الى العراق لرفضه الالتزام بقرار مجلس الامن الرقم 687. لكن العراقيين تمكنوا من "ارغام" المراقبين الدوليين على الانسحاب من مواقعهم حول مبنى وزارة الزراعة، ثم وافقوا، يوم 26 تموز يوليو الماضي على "صيغة تسوية" للسماح لبعثة الامم المتحدة بدخول هذا المبنى. والاكيد ان العراقيين تمكنوا، قبل موافقتهم هذه، من اخراج جميع الوثائق والمعدات المهمة من المبنى وإخفائها في مكان آخر. والصيغة التي تم التوصل اليها تقضي بتأليف بعثة تضم خبراء من دول لم تشارك في حرب الخليج ويسمح لها العراقيون بدخول مبنى وزارة الزراعة. وتم الاتفاق بين العراق ورولف ايكوس رئيس لجنة الامم المتحدة المكلفة بتدمير اسلحة الدمار الشامل، بأن تضم هذه البعثة خبراء من المانيا وسويسرا وفنلندا والسويد وروسيا.
2 - قضية الحدود العراقية - الكويتية. رفض النظام العراقي قبول قرار ترسيم الحدود البرية مع الكويت لما وضعته لجنة الامم المتحدة المختصة بهذا الشأن وقاطع منذ مطلع تموز يوليو الماضي اجتماعات هذه اللجنة من اجل ترسيم الحدود البحرية بين البلدين. ويشكل هذا الرفض مخالفة لقرار مجلس الامن الرقم 687.
3 - قضية وجود موظفي الامم المتحدة في العراق. انتهت في 30 حزيران يونيو الماضي مدة اتفاق يحمل اسم "مذكرة تفاهم" ينظم وجود الامم المتحدة في الاراضي العراقية وهو وجود يشمل نحو الف شخص بينهم حراس وأفراد يعملون في المجالات الانسانية وينتشرون بشكل خاص في شمال العراق كردستان. ورافقت هذا الرفض عمليات تهديد واعتداءات استهدفت موظفي الامم المتحدة في كردستان. واعتبرت دول التحالف ان رفض تجديد هذا الاتفاق يعرض اكراد العراق "للخطر" ويمهد لعمليات تقوم بها السلطات العراقية ضد الاكرد.
4 - رفض العراق طلب الامم المتحدة منه تصدير كميات من النفط بقيمة 6،1 مليار بليون دولار خلال ستة اشهر من اجل تمويل مشترياته من المنتجات التي تعتبر ضرورة انسانية المواد الطبية والغذائية والتي يفيد منها الشعب العراقي، وفقاً لقراري مجلس الامن 706 و712 الصادرين في آب اغسطس وأيلول سبتمبر 1991. وقد رفض النظام العراقي طلب بيع نفطه هذا وطالب، في المقابل، برفع الحظر والغاء العقوبات الدولية المفروضة عليه على اساس انه "طبق قرارت مجلس الامن بنسبة 90 في المئة".
5 - قيام النظام العراقي بعمليات "قمع" ضد اهالي الجنوب واستخدامه الطائرات وخصوصاً طائرات الهليكوبتر لهذا الغرض وخلافاً لشروط وقف اطلاق النار، وفرضه حصاراً اقتصادياً وتموينياً على الاكراد.
6 - تلقي دول التحالف - وخصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا - معلومات "مفصلة ودقيقة" ان صدام حسين بدأ يستخدم، وبكميات كبيرة، اموالاً من الاحتياط العراقي المخبأ في مصارف في الخارج تحت اسماء مختلفة، لاعادة بناء قدراته العسكرية، برغم الحصار الشديد المفروض عليه. وقد دفعت هذه المعلومات - ومعلومات اخرى - وكالة المخابرات المركزية الاميركية الى رفع تقرير الى الرئيس بوش في حزيران يونيو الماضي يفيد ان صدام حسين "قد يستمر في الحكم سنوات"، برغم الحصار والعقوبات، اذا لم تتخذ "اجراءات جديدة وحاسمة ضد نظامه".
هذه القضايا والعوامل، التي تعتبرها دول التحالف مخالفة لشروط وقف اطلاق النار في حرب الخليج، اعادت فتح ملف نظام صدام حسين مجدداً، وأعادت طرح التساؤلات الجدية حول مدى استعداد دول التحالف للعمل والتحرك من اجل التعجيل باسقاط النظام العراقي.
اسقاط صدام
وفقاً لمصادر ديبلوماسية غربية وثيقة الاطلاع، هناك نوعان من العمليات العسكرية التي يمكن ان تقوم بها دول التحالف لاسقاط صدام حسين: العملية العسكرية المباشرة والعملية العسكرية غير المباشرة.
وأكدت مصادر ديبلوماسية اميركية وثيقة الاطلاع لپ"الوسط" ان مسألة القيام بعملية عسكرية مباشرة لاسقاط صدام حسين نوقشت داخل الادارة الاميركية في مطلع ربيع 1992. وكان رأي العسكريين وخصوصاً الجنرال كولين باول رئيس هيئة الاركان المشتركة ان القيام بعملية عسكرية مباشرة لاسقاط صدام حسين - مما يستدعي الدخول الى بغداد - تحتاج الى قوة عسكرية برية وجوية يزيد عدد افراها عن 100 الف جندي. وقد صرف النظر عن تنفيذ عملية كهذه ورفع المسؤولون الاميركيون شعار "اتركوا صدام حسين يسقط وحده نتيجة مصاعبه الداخلية".
العملية غير المباشرة تعني دعم ومساندة قوى معادية لصدام حسين وتهيئة الاجواء الملائمة والمساعدة لها للعمل على اسقاط النظام في بغداد. في هذا المجال لا بد من القول ان الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض دول التحالف الاخرى تعتبر ان نظام صدام حسين يجب ان يسقط "بأيدي الجيش العراقي وفي ايديه وليس بأيدي المعارضة العراقية". والسبب في ذلك ان الجيش يضمن بقاء العراق موحداً ومتماسكاً وغير مقسم الى دويلات، لذلك تدعم الولايات المتحدة وبعض الدول الاخرى خيار "الانقلاب العسكري" وتراهن عليه. في المقابل ترى هذه الدول انه ليست هناك معارضة عراقية موحدة بل معارضات عراقية، تتصارع تنظيماتها في ما بينها، وهي غير قادرة - من دون دعم الجيش العراقي - على تسلم الحكم في بغداد. وعلى هذا الاساس ترحب هذه الدول بأي تعاون او تنسيق بين المعارضة - او بعض تنظيماتها - وقوى داخل الجيش العراقي "راغبة" في الانقلاب على صدام.
وإذا كانت تسوية قضية الدخول الى مبنى وزارة الزراعة قد جمدت، في الوقت الحاضر، خطط دول التحالف للقيام بعملية عسكرية ضد العراق، فان اجواء المواجهة لا تزال قائمة بين صدام حسين ودول التحالف، واحتمال تنفيذ عملية عسكرية ضده لا يزال وارداً جدياً. ويذهب البعض الى القول ان الولايات المتحدة بشكل خاص تنتظر وتترقب "المناسبة الاولى" لضرب العراق. ولوحظ ان التصريحات التي ادلى بها الرئيس بوش وكبار المسؤولين الاميركيين بعد تسوية قضية مبنى وزارة الزراعة اتسمت بالقسوة البالغة تجاه صدام حسين شخصياً. فقد ترك بوش الباب مفتوحاً امام العملية العسكرية وشدد على ان "اساس نزاعنا هو صدام حسين الفظ الديكتاتور، وتاجر الموت المتوحش". اما وزير الدفاع الاميركي ديك تشيني فاعتبر ان صدام حسين "هدف شرعي" في اية عملية عسكرية. ورأى لورنس ايغلبرغر - الرجل الثاني في وزارة الخارجية الاميركية والمرشح لخلافة الوزير جيمس بيكر حين سيتسلم الاخير ادارة حملة بوش الانتخابية - ان تراجع صدام حسين في قضية مبنى وزارة الزراعة "هو تكتيكي" وان التسوية التي تم التوصل اليها "لا تعني اننا لن نفعل شيئاً ضد العراق".
وترى مصادر ديبلوماسية غربية وثيقة الاطلاع ان اية عملية عسكرية مقبلة ضد العراق ستهدف الى اسقاط صدام حسين، اذا لم تتمكن الغارات الجوية او الضربات الصاروخية من اغتيال الرئيس العراقي. وتوقعت هذه المصادر ان تشمل مثل هذه العملية - عن طريق ضرب اهداف ومنشآت ومواقع عسكرية وصناعية وسواها في بغداد وخارجها - ايجاد "الظروف والشروط الملائمة" لكي تتحرك قوى عراقية، داخل الجيش وخارجه، للسيطرة على بغداد والاطاحة بالنظام.
لكن تنفيذ مثل هذه العملية ينتظر "الفرصة الملائمة" واخطاء جديدة يرتكبها صدام حسين في تعامله مع دول التحالف وقرارات مجلس الامن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.