سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عددها ، أسماؤها ، أهدافها وتوجهاتها ، طبيعة علاقاتها مع النظام والحركات الاسلامية في العالم العربي . "الوسط" تكشف خفايا عالم الحركات الاصولية الاسلامية السرية في المغرب
قد لا يعرف الكثيرون في العالم العربي ان في المغرب حركات وتنظيمات اصولية واسلامية سرية عدة، لها قياداتها وبرامجها وأهدافها ونشاطاتها في عدد من المدن والمناطق المغربية، ولها علاقات متفاوتة ومختلفة مع النظام المغربي. "الوسط" تسلط الاضواء في هذا التحقيق الخاص على ظاهرة الحركات الاصولية والاسلامية السرية في المغرب، وتكشف معلومات وجوانب غير معروفة عنها. في مثل هذا الوقت من العام الماضي، كانت الظاهرة الاسلامية، تشغل الاوساط السياسية ووسائل الاعلام نظراً الى الحجم الذي مثلته في سياق احداث المغرب الداخلية، ولما خلفته من اصداء واسعة، اكدت في ما أكدت، سعي التنظيمات الاصولية للبحث عن موطئ قدم لها في الساحة المغربية ومزاحمة قوى اليسار والاشتراكيين على قلاعها التقليدية، خصوصاً المنظمات النقابية والجامعات. وقد عبرت الظاهرة عن نفسها في ثلاث مفاجآت متتالية: المفاجأة الاولى: مشاركة حوالي 10 آلاف شخص، يرفع معظمهم المصاحف على طريقة "الجبهة الاسلامية للانقاذ"، في مسيرة 3 شباط فبراير 1991 في الرباط. المفاجأة الثانية: الصدامات الدموية التي عرفتها جامة "مولاي اسماعيل" في مدينة مكناس بين طلبة اصوليين وآخرين من اعضاء "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب" في 21 من ذلك الشهر، وانتقالها لاحقاً الى كلية الآداب في تطوان. وبعد اسبوع تحدث بعض الصحف عن "مجزرة" طلابية، اثر اعلان اصوليين "الجهاد" والقيام بالهجوم على الطلبة بمشاركة عناصر "اسلامية" من غير الطلبة. وفي آذار مارس 1991 جاب حوالي 300 من الاصوليين منطقة مارتيل القريبة من تطوان، لمطاردة الطلبة الاتحاديين، ولم ينسحبوا الا بعد تدخل قوى الأمن. أما المفاجأة الثالثة، فقد حدثت وسط دهشة الجميع، عندما شكل الاصوليون نصف المسيرة العمالية التي خرجت في أول أيار مايو 1991 وقد شبهت أكثر من صحيفة هذا الحضور الطاغي بعملية "إنزال" قام بها الاصوليون من مختلف مدن المغرب على الدار البيضاء، حيث انطلقت المسيرة. لكن ما شكل اكثر من مفاجأة، فاقت كل التوقعات، احداث العنف التي اندلعت مرة واحدة، في عدد من الكليات والمراكز والأحياء الجامعية في مدن فاسووجدة والقنيطرة، خلال أيلول سبتمبر وتشرين الأول اكتوبر 1991 وأدت الى سقوط قتلى وجرحى بين الطلبة الاصوليين وغير الاصوليين، واعتقال عشرات من الطرفين وإحالتهم الى القضاء. وفي تلك الاحداث التي استمرت أياماً عدة متواصلة، استخدم الاصوليون في مواجهة خصومهم القاعديين يسار متطرف مختلف انواع الاسلحة البيضاء والعصي والهراوات والسلاسل والفؤوس والرماح وقناني الغاز، حسب ما ذكرت وسائل الاعلام التي تحدثت أيضاً عن قيام الاصوليين باحتجاز ضحاياهم وتعذيبهم، وعقد محاكمات صورية لهم، وتنفيذ احكام تراوحت بين الضرب والجلد والتكسير والاعدام. كما وردت انباء عن اكتشاف مخابئ للسلاح الابيض في وجدة، القريبة من الحدود مع الجزائر، ومنازل خاصة للتعذيب يستعملها بعض الطلبة، عثر بداخلها على كميات كبيرة من قنابل غاز الاكريموجين، وأجهزة للاتصال اللاسلكي. وتردد حينها اشتراك عناصر جزائرية وسودانية، لكن السفير السوداني في الرباط سارع الى نفي تورط سودانيين في المواجهات. 29 حركة كانت تلك الاحداث كافية لاظهار قوة الاصوليين للعيان، والاعتراف بوجودهم في الساحة المغربية، وربما كانت كافية للتأكيد ان الساحة في منطقة المغرب العربي تعيش أوضاعاً متشابهة، وان المدّ الاصولي، بعد كل ما حدث، ليس وقفاً على الجزائر أو تونس. والواقع، ان المغرب لم يكن في يوم ما بعيداً عن الظاهرة الاسلامية والحركات الاصولية التي سادت مناطق عديدة من العالمين العربي والاسلامي، نهاية السبعينات، وارتبطت بشكل مباشر بثورة الخميني في ايران، بل هناك من الاحداث ما يثبت ان حركات الاسلام السياسي في المغرب كانت سابقة في النشأة على غيرها من الحركات المماثلة في دول المغرب العربي، فحركة "الشبيبة الاسلامية" تأسست فعلياً في 1969، أي قبل كل من "الجبهة الاسلامية للانقاذ" في الجزائر وحركة "النهضة" في تونس بأكثر من عقد من السنوات. وكان أول ما أثارته الاحداث الجامعية، بضحاياها الماديين والمعنويين، وردود الافعال السريعة ازاءها، هو استعادة الاذهان لحادث 18 كانون الأول ديسمبر 1975، عندما دشن الجناح الجهادي لحركة "الشبيبة الاسلامية" عملية تأديب اليسار وتصفية رموزهم "باغتيال عمر بن جلون - أحد قادة حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، وهو الحادث الذي عجل بتفكيك الحركة، ليس بسبب انقسامها الى مجموعة من الحركات، بل لأن الدولة كانت مستعدة لمواجهة خطر أصولية تصطدم بأصوليتها. فخلافاً للوضع في تونس او الجزائر مثلاً، فان الملك في نص الدستور المغربي هو "أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين" وبالتالي، فان التعبير عن أية معارضة، اذا ما ظهرت، يتم عادة في الجانب السياسي من دون الجانب الديني الذي تتركز فيه اختصاصات الملك المدعومة بمبدأ البيعة. منذ أكثر من اثني عشر قرناً، مثّل الاسلام شرعية الدولة المغربية، واحتل الملك المكانة المحورية في تثبيت هذه الشرعية، كأساس تقوم عليه سلطاته الدينية والدنيوية. وكان التلازم بين الاسلام والملكية يختزل الى أقصى حد ما يبدو إختلافاً في التركيبة الاجتماعية المكونة من العنصرين العربي والبربري. كذلك، كان مفهوماً ان تعتبر الدولة أية محاولة تنحرف عن هذا الاطار، اخلالاً بوحدة المجتمع، وتهديداً لمقومات وحدته، فضلاً عن كونها تنازع الملك في ميدان اختصاصه. في المقابل، كان مفهوماً أيضاً ان تتستر حركات الاسلام السياسي وتنشط سراً، أو تلتحق بكتيبة التنظيمات المعارضة السرية. ومن هنا تكمن الصعوبة في الاحاطة بأوضاع الحركات الاصولية في المغرب نظراً الى عدم توافر معلومات كافية بشأن نشأتها ومرجعيتها وأساليبها في التنظيم والعمل، وان ظل العنف السمة الغالبة عليها. ففي الوقت الذي تتفق فيه بعض المراجع على عدم تجاوز الحركات والتنظيمات ذات الاتجاه الاسلامي 20 حركة أو تنظيماً، تتحدث مراجع اخرى عن وجود 150 مجموعة سرية اصولية او ذات اتجاه اسلامي في المغرب. وفي حدود ما كشفت عنه البحوث القريبة، وبالاستناد الى ما ورد في تصريحات عدد من السياسيين، امكننا احصاء 29 حركة اصولية وإسلامية، هي: 1 - حركة الشبيبة الاسلامية. 2 - جماعة العدل والاحسان. 3 - حركة الاصلاح والتجديد. 4 - جماعة التبيين. 5 - منظمة المجاهدين بالمغرب. 6 - تنظيم جند الله. 7 - حزب التحرير الاسلامي. 8 - تنظيم الجهاد المقدس. 9 - حركة الشباب الاسلامي الثوري. 10 - جماعة التبليغ والدعوة. 11 - جماعة الوعظ والارشاد. 12 - جماعة الدعوة الاسلامية. 13 - الدعوة الى الخير. 14 - انصار الاسلام. 15 - الدعوة الى الحق. 16 - جماعة الدعوة الى الخير وأهل السنة. 17 - جماعة البعث الاسلامي. 18 - دار القرآن. 19 - أهل اللواء. 20 - اخوان الصفا. 21 - جمعية الدعوة الى الله. 22 - جماعة الدعوة المحمدية. 23 - جمعية ميثاق الاسلام. 24 - جماعة شباب النهضة الاسلامية. 25 - جمعية انقاذ الوعظ والارشاد. 26 - انصار الله. 27 - اهل الله. 28 - البوتشيشييون. 29 - جماعة حماس. الاصولية اصوليات لكن ما مدى اختلاف هذه الحركات بعضها عن بعض، في القوة والتأثير؟ وهل ان هدفها المركزي باعادة تنظيم المجتمع وتوجيهه طبقاً للشريعة الاسلامية، يجعل وسائلها متشابهة؟ وما علاقتها أو عدم علاقتها بالتطرف؟ وما موقف النظام منها، وبالتالي ما هي حظوظها في المستقبل؟ وهل ستتمكن من الافلات من المصير الذي آلت اليه الحركات الاصولية أو الاسلامية الاخرى، مغاربياً وعربياً؟ المتابعون للظاهرة الاسلامية لا يهوّنون من شأن هذه الحركات، لكنهم يتحفظون على عددها. فهو مبالغ فيه من وجهة نظرهم، فالحركات الاصولية التي تنطبق عليها صفة التطرف لا تتعدى في أحسن الاحوال عشر حركات، بينها، على الخصوص، حركة "الشبيبة الاسلامية"، منظمة المجاهدين في المغرب، تنظيم جند الله، حزب التحرير الاسلامي، تنظيم الجهاد المقدس، حركة الشباب الاسلامي الثوري. اما المقياس في ذلك فهو الاسلوب الذي يميز بين ما هو ديني وما هو سياسي، لأن داخل الحركات المذكورة جمعيات "طرقية"، كالبوتشيشيين وأهل الله، أو "دعوية" كجمعية التبليغ والدعوة و"ثقافية" كجمعية البعث الاسلامي، وهذه وغيرها مما يماثلها، كحركة "الاصلاح والتجديد"، تتبع اسلوب الاستيعاب، على عكس تلك المتطرفة أو "الجهاد" التي تعمل بأسلوب الاقصاء والوصاية واحتكار تمثيل الشرعية الدينية، بتشكيكها باسلام المجتمع أو الدولة. واستطراداً، فان الاصولية اصوليات تتفاوت في الدرجة، كما انها لا تقتصر على هذه الحركات المنظمة عادة، فالى جانبها من يعمل منفرداً على نمط الداعية الاسلامي المصري عبدالحميد كشك، امثال عبدالباري الزمزمي وعبدالعزيز بن الصديق. وعلى العموم، فان المنظور من هذه الحركات لا يكاد يتعدى الثلاث، وهي حركة "الشبيبة الاسلامية" و"الجماعة الاسلامية" - حركة الاصلاح والتجديد، وحركة "العدل والاحسان". "سيد قطب" المغرب قبل عام 1969 لم تكن حركات الاسلام السياسي ظهرت في المغرب على النحو المعروف، لكن المحرك لها كان موجوداً قبل ذلك بفترة طويلة، وسيرتبط دائماً باسم عبدالكريم مطيع، او سيد قطب المغرب، كما ينعت عادة، للصفات المشتركة التي جمعت بينهما، لا سيما في النشأة والمصير. والفرق الوحيد الباقي هو ان سيد قطب نفذ فيه حكم الاعدام، بينما استطاع مطيع الافلات من حكمين بالاعدام صدرا بحقه. وذلك التاريخ ينفي الفرضية التي تستحضر الثورة الايرانية وكأنها الانطلاقة المؤسسة للحركات الاصولية، سواء في المغرب أو في غيره من الدول العربية والاسلامية. فاذا كان من الجائز القول انها تنامت تحت تأثيرها، فان من الخطأ اعتبار نشأتها يتزامن معها. وما يجب ملاحظته بهذا الصدد، ان هزيمة 1967، واتفاقيات كامب ديفيد 1978 لعبتا دور المحرض على نشوء العديد من الحركات الاصولية، مثلما لعبت احداث 1991 دور الدافع لعودتها الى الساحة السياسية. وهكذا نشأت "الشبيبة الاسلامية" في مناخ البحث عن حل لمشاكل الامة العربية بعد فشل الحل القومي باندحار الناصرية، ومن هنا، تميزت بهدفين مترابطين هما: اعتماد الشريعة الاسلامية، ومحاربة اليسار الذي وجد انتشاره في ذلك المناخ. وفي كل الاحوال، لم تكن "الشبيبة الاسلامية" سوى عبدالكريم مطيع الذي استخدم مختلف التكتيكات لتلافي ضربات السلطة وصرف انظارها عن أهدافه السياسية. وقد نجح في إغماض اعينها، عندما التقى مع اهدافها في "محاربة الالحاد الذي يبثه اليسار الماركسي" لولا عملية اغتيال عمر بن جلون. وبعد هروبه الى الخارج، دخلت الحركة مرحلة التصدع والانقسام. فقد انشأت بعض قياداتها السابقة "جماعة التبيين" وجمعية اخرى ذات منحى ثقافي باسم "جمعية الشروق". وأسس عبدالعزيز النعماني القائد السابق لجناح الحركة الجهادي "منظمة المجاهدين بالمغرب"، كما اسس مطيع نفسه جناحاً جهادياً جديداً اسماه "فصيل الجهاد". وقد ضبطت السلطة حتى 1985 مجموعتين تنتميان اليه، هما مجموعتا "71" و"26" الاسلاميتان. ومن هذه الحركة، خرجت "الجماعة الاسلامية" بقيادة عبدالاله بنكيران في 1981 وظلت تتأرجح بين خياري "السرية" و"العلنية" لسنوات تخللتها اعتقالات عدة في صفوفها، حتى عام 1983 حين اتضحت توجهاتها الداعية الى نبذ العنف والارهاب، والعمل السلمي في نطاق الشرعية. لقد تعلمت كيف سيجعلها اقترانها بالدين مثار مشاكل وحساسيات، فاستدركت التسمية سريعاً، واستبدلتها بحركة "الاصلاح والتجديد" منذ بداية العام الحالي، لتلعب ورقتها على المكشوف: ورقة اسلام معتدل لا ينكر على النظام اختصاصاته الدينية، وفي الوقت نفسه لا يقر جميع سياساته. انها لعبة مزدوجة، أو هكذا تبدو، فهل تغيير الاسم للتخلي عن الوسائل ام للتستر عليها؟ ولهذا السبب يتردد النظام في الترخيص لها، على رغم انها تعمل تحت بصره، مع ما يثير لها ذلك من اتهام بالتواطؤ معه، وحتى الآن لم يقتنع النظام بأن منهج اللاعنف على الطريقة الغاندية الذي اتخذته الحركة كافياً لمنحها الاعتراف، ألم تخرج هذه الحركة من أحشاء "الشبيبة الاسلامية"؟ وان عبد الاله بنكيران هو تلميذ عبدالكريم مطيع؟ وإذا ما تم الترخيص لها، ماذا سيكون حكم صناديق الاقتراع؟ ان الدرس الجزائري ما زال ماثلاً للعيان. الاحتواء اما حركة "العدل والاحسان" التي تبلورت فكرتها بصدور مجلة "الجماعة" في 1979، فقد عرفت اطواراً مهمة جعلت منها الحركة الاصولية الاقوى، وقد ارتبطت هي الاخرى باسم مؤسسها عبدالسلام ياسين 65 عاماً صاحب "الاسلام أو الطوفان"، وهي الرسالة المفتوحة التي بعث بها الى الملك الحسن الثاني في أكثر من مئة صفحة، واتهم على اثرها بالجنون، وقضى في السجن ثلاث سنوات وستة اشهر من دون محاكمة، وخرج من السجن في 1978 ليدخله ثانية في 1983 لمدة سنتين بسبب ما جاء في العدد الأول من صحيفة "الصبح" التي اصدرها في اعقاب ايقاف مجلة "الجماعة". ومنذ 1985، بعد خروجه من السجن، ما زال رهن الاقامة الاجبارية في داره بمدينة سلا المجاورة للرباط. ولا يسمح للصحافيين بمقابلته، وقد اعتقل صحافي الماني في 1990 كان يهم بزيارته، وقبله بأيام اعتقل فرنسي مسلم عزم على زيارته. في مؤلفاته 11 مؤلفاً بالعربية والفرنسية وكتاباته في الصحف والمجلات التي اصدرها الجماعة/الصبح/الخطاب وعبر اشرطة الكاسيت التي سجلها 40 شريطاً تكمن قوة عبدالسلام ياسين، وتتجلى أبرز مواقفه التي ربما تختصر مواقف الاصوليين المغاربة، خصوصاً موقفه من النظام والذي هو أقل تشدداً مما يشاع عنه، وقد أولى اهتمامه للجانب التنظيمي للحركة، الا ان اعتقال اعضاء مجلس الارشاد الذي يليه في المسؤولية حد كثيراً من تطورها، وان لم يوقف حالة الاستقطاب التي تتميز بها. وكشفت احداث العام مدى تغلغلها في صفوف طلبة الجامعات. لقد تساءلنا من قبل عن مستقبل هذه الحركات، والحال ان النظام المغربي لم يكن مختلفاً عن غيره من الانظمة في السعي الى ضبط العلاقة بين الدين والمجتمع، وإبقاء المسألة الدينية بعيدة عن التسييس، وقد تعامل دائماً بصراحة مع الحركات الاصولية باعتبارها "زعزعة لعقىدة المسلم" من دون أن يفقد وسائل احتوائها والتحكم في مسارها، سواء بعقد الندوات ذات الطابع الديني، كندوة الامام مالك في 1980 وتأسيس الجامعة الصيفية للصحوة الاسلامية التي عقدت حتى الآن دورتين خلال العامين الماضيين، أو بتأصيل اسلامية الدولة عبر القوانين والتشريعات. والتجربة المغربية المتفتحة على تعدد الاحزاب، تلعب، بحد ذاتها، دوراً غير مباشر في إضعاف الحركات الاصولية أو التقليل من تأثيرها، حتى يمكن القول ان مستقبلها سيبقى معلقاً على حدة المواجهة بينها وبين الاحزاب المعترف بها والتي لا تبدو مستعدة اطلاقاً لتدمير البناء الديموقراطي الذي يجري تشييده في ظل هذه التجربة، ومهما كان الامر، فان أوضاع الاصوليين في بلد اسلامي، بكل مظاهر حياته، وملكه الحسن الثاني أمير المؤمنين، سيظل أكثر تعقيداً وصعوبة. حوار مع بنكيران تعد حركة "الاصلاح والتجديد" المنبثقة عن "الجماعة الاسلامية" أحد أهم فصيلين اسلاميين في المغرب، لكنها على رغم عدم الترخيص لها رسمياً، تسعى لاكتساب الشرعية والعمل بين الاحزاب والقوى السياسية المعترف بها بصورة علنية. وهي وان ارجأت مشاركتها في الانتخابات البرلمانية المقبلة، لا تخفي رغبتها في ممارسة اللعبة الديموقراطية، سواء بمفردها أو من خلال التحالف مع احزاب اخرى لتحقيق مشروعها القائم على "إصلاح المجتمع وتجديده وفق المقاييس الاسلامية". "الوسط" اجرت هذا الحوار الخاص مع عبد الاله بنكيران رئيس الحركة، في محاولة للتعرف عن قرب على ابرز افكار الحركة وتوجهاتها السياسية والاجتماعية. وفي ما يأتي نص الحوار: أقدمتم هذا العام على خطوتين مفاجئتين، الاولى تغيير اسم الحركة من "الجماعة الاسلامية" الى "الاصلاح والتجديد"، والثانية الانضمام الى حزب "الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية"، هل نقول انكم اقدمتم على "تنازلات" بحثاً عن وجود شرعي لكم؟ - ما يعتبر مفاجأة للآخرين، كان مسألة مقررة لدينا منذ زمان. كان مقرراً ان نغير اسم "الجماعة الاسلامية" التي أنشئت 1981 بعد أن فارقت "الشبيبة الاسلامية" لأن التسمية لم تعد لائقة. فقد انشأنا الجماعة في وقت كنا متأثرين بالدرجة الاولى بالمنهج الذي اتبعه ابو الاعلى المودودي. وبعد ممارسة العمل في اطار هذا الاسم تبين لنا انه يثير الحساسيات، سواء تعلق الامر بالسلطة أو بباقي الاسلاميين، فقررنا تغييره، واهتدينا الى تسمية "الاصلاح والتجديد" التي تبين التوجه الذي اخترناه اصلاً، فنحن لسنا حركة ثورية، او انقلابية، وإنما حركة تريد ان تقوم بالاصلاح بطريقة تدريجية. وفي ما يخص الجانب الديني، فنحن حركة تجديدية، تريد المحافظة على الهيكل العام للمجتمع. وإحداث التغييرات الضرورية في نطاق الفكرة الاسلامية المبنية على التجديد الذي لا يخرج عن صلب الشريعة والدين، ولكن يقبل التغييرات والتطورات المطلوبة المسايرة للعصر والمرتبطة بالاصل الاسلامي. ثم بعد ذلك، كانت الخطوة التالية لتأسيس شيء خاص بنا. فالجماعة قبل ان تتصل بالدكتور عبدالكريم الخطيب رئيس حزب "الحركة الشعبية" حاولت انشاء حزب سياسي، لكن يبدو ان الظروف المحلية والاقليمية لا تسمح في هذه المرحلة، بوجود حزب اسلامي، وان كنا نقول دائماً، بأننا لسنا حزباً اسلامياً، بمعنى اننا طائفة، لكننا حزب اسلامي بمعنى الايديولوجية التي تصدر عنها. فالعقيدة التي نصدر عنها في صياغة برامجنا هي الاسلام. اما الانتماء الى هذا الحزب فهو مسموح به للمغاربة كافة، بغض النظر عن التزامهم أو عدم التزامهم بالدين. ومع هذا فقد رفضت الادارة الترخيص لنا، ونحن فضلنا عدم متابعة الامر، لأننا فهمنا الظروف. وعندما جرت الاتصالات بيننا وبين الدكتور الخطيب، وجدنا مرة اخرى ان هذا الاختيار نفسه، ونتيجة لأوضاع الحركة الاسلامية في كل من الجزائروتونس، غير مستساغ أو مقبول من الجهات المسؤولة، ما دفعنا الى مراجعة موقفنا والتريث قليلاً. فسرت خطوة الانضمام الى حزب الدكتور الخطيب لدواع انتخابية، فهل تعني هذه المراجعة عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة، حتى ولو بصورة فردية؟ - الحقيقة، ان الدواعي في البداية كانت انتخابية، لكن من خلال اتصالنا بالدكتور الخطيب فهمنا ان الاطار الذي يمكن ان يعمل الانسان فيه يتطلب مستوى أبعد من هذا بكثير. لذا فضلنا عدم تعريض تحالفنا الى مخاطر لا يحتملها، خصوصاً ونحن في بداية الطريق. وبما اننا حركة اسلامية، والجانب السياسي ليس هو الأساس عندنا، وإنما الدعوة وإصلاح النفس، اعتبرنا العمل السياسي عملاً لاحقاً في الدرجة والاهمية في تحقيق مشروعنا، ولأن خوضنا الانتخابات في اطار "الحركة الشعبية..." سيثير الحساسيات، فقد ارجأنا مشاركتنا في الانتخابات، او التخلي عنها مرحلياً. الفساد والسياحة النظيفة هل يمكننا التعرف على مشروعكم، ومطالبكم تحديداً؟ - نحن حركة اسلامية، بمعنى ان الذي نريده في منهجنا يقوم على محاولة التقدم بالمجتمع نحو وضع يكون فيه، بمقاييس الاسلام، أفضل. وهذه الفكرة تختلف عما تدعو اليه الاحزاب السياسية التي تريد ان يكون الوضع الاقتصادي بالخصوص، والاوضاع السياسية والاجتماعية، أفضل. فإذا سادت مقاييس الاسلام، يكون المجتمع أفضل اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وفي ميدان الحريات كذلك، وهذا ما نسعى اليه، ومن هنا فان مشروعنا يقوم بالدرجة الاولى على اصلاح الفرد. لأننا لسنا مقتنعين بأن مشكلة الامة هي في انعدام وجود برامج اقتصادية، ولهذا كان مشروعنا السياسي، بالدرجة الاولى، هو المطالبة باصلاح المجتمع، وإيصال الافراد الصالحين الى مراكز اتخاذ القرار، وبعد ذلك، فنحن متيقنون ان هؤلاء سيفرزون وينتجون البرامج الضرورية التي يتمكنون من خلالها من اصلاح احوال الامة، ومن دون الفرد الصالح لن نصل الى شيء، مهما كان لدينا من برامج. اما مطالبنا كحركة اسلامية، فاننا نريد من الدولة ان تجمع الزكاة من الأغنياء وتردها الى الفقراء، وتقيم العدالة الاجتماعية، وتطبق الشريعة الاسلامية في المجالات التي لا تطبق فيها، بما في ذلك الحدود، لكن ليس الحدود فقط، وان تحد من أسباب الفساد وتحارب الاوبئة التي تنخر في جسمه كالخمور والمخدرات، وهذه الامور منصوص عليها قانوناً. ونطالب بأن تصبح السياحة اكثر نظافة فلا تبقى سياحة الاغراء والاغواء، والتي ربما نجلب منها بعض العملة الصعبة ولكن نفسد من خلالها خيرة شبابنا. وان ندفع بالقوانين المنظمة للاسرة نحو مزيد من الاستقامة على المنهج الشرعي. انها توجهات وليست برامج تفصيلية، نحن لا نفكر بأن نكون أغلبية في البرلمان أو نشارك في الحكومة مباشرة، بل نريد كجماعة شابة ناشئة ومبتدئة في العمل السياسي ان نأخذ تجربتنا على مهمل، ونطرح برامجنا تدريجياً ونصقلها مع الواقع حتى تأتي المناسبة لنطرحها بشكل كامل. لا مهادنة للنظام ولا عداء له وما هو الخلاف بينكم وبين الفصائل الاسلامية الاخرى كحركة "العدل والاحسان" مثلاً؟ - ليس بيننا وبينهم خلاف. لكن هناك فرق، فمجمل الحركات الاسلامية في المغرب، بما في ذلك "العدل والاحسان"، لديها موقف مبني على الرفض بصفة عامة، للحركات المماثلة ولغيرها، وتفكيرها، حسب تقديري، هو أقرب الى المثالية، في حين ان حركتنا هي حركة تقبل الواقع الحالي، وتريد ان تنطلق منه، ومن خلال مؤسساته للاصلاح السلمي التدريجي، وهذا يتطلب منها نوعاً من المشاركة والتفاعل، بينما تضع الحركات الاسلامية الاخرى لنفسها نموذجاً أعلى، سواء في الحكم، وفي شكله، ما يدخلها في مواجهة او في مشاكل مع القائمين على السلطة، وحتى النخب المثقفة، ويجعل مشروعها يتوقف او يرتبك. اما بالنسبة الينا فان كل ما تحقق من مطالبنا هو من الخير، حتى لو كان محدوداً. أليس من المفارقة ان تتكتل الاحزاب السياسية الاخرى، على اختلاف توجهاتها، بينما تحاول الحركات الاسلامية ان تقصي الواحدة منها الاخرى؟ - هذا من البلاء. نحن أمة متخلفة عن دينها وعن عصرها، وهذا التخلف ليس حكراً على غير الاسلاميين. وإذا لم يوجد داخل الحركات الاسلامية من يقاوم هذا التخلف فانه سيستمر فيها، ومع الاسف، نجد داخل هذه الحركات من يؤمن بأنه وحده على حق. وان الآخرين كلهم على باطل، وانه لا يمكنه ان ينطلق الاّ اذا ازاحهم من الطريق، فيضيع منه عمره، بينما لم يستطع ان يفعل شيئاً، لأنه اعاق مسيرة غيره، وأعاق مسيرته، واشتغل بما لا ينفع. ونحن جماعة مقتنعة بأننا لسنا وحدنا على صواب، نرجو ان نكون على صواب، ونعمل لكي نكون على صواب، ومستعدون للعمل مع أي طرف آخر لما فيه خير الامة. وإذا كان هناك من معه رأي أصوب من رأينا، بمقاييس الاسلام، يعرضه علينا فسنتبعه. فليست لدينا مشكلة زعامة أو قيادة. هل نستطيع ان نقول انكم مهادنون للنظام، لأن ثمة من يعتبركم تعملون بموافقة ضمنية منه؟ - نحن لسنا مهادنين للنظام، كما لسنا معادين له، بمعنى آخر، الحركة الاسلامية المعاصرة نشأت في اطار المواجهة مع مختلف الانظمة في العالم العربي، وأصبح هذا تقليداً، أي ان الحركة الاسلامية ليست في المعارضة التي تقتضي معارضة السياسة، وإنما في المعارضة التي تقتضي معارضة النظام بحد ذاته، وإذا شئنا ان نقول ان هذا شيء طبيعي نوعاً ما، ربما لأن الانظمة التي عرفت تطوراً كبيراً، كما في مصر والعراق وسورية وتونس، هي أنظمة علمانية، جاءت بعد الاستعمار وتكونت من نخب وقامت على دساتير، خصوصاً انها عاملت الحركات الاسلامية بعنف حتى اصبحت امكانية الحوار شبه مستحيلة. ولم يبق هناك الا المواجهة، فأصبح تقليداً ان كل حركة اسلامية هي بالضرورة حركة معادية، وليست معارضة للنظام، ولا تقوم الا على نقيضه، ولا يقوم الا بقمعها. نحن مررنا بهذه التجربة، ودخلنا السجن، وخرجنا منه، وتبين لنا، بكل صراحة ووضوح، اننا كنا مخطئين، لأن النظام الذي يقيم بيننا نظام اسلامي وريث قرون من الحكم المبني على البيعة. وهذه الخصوصية جعلتنا ننتبه الى ان الوضع في المغرب مخالف للوضع في الدول العربية والاسلامية الاخرى. ومن هنا، فليس من مسؤوليتنا اعادة بناء الدولة الاسلامية، لأنها قائمة بالنسبة الينا، ولهذا فنحن صوّتنا أخيراً بپ"نعم" على الدستور الجديد، ومن مسوغاتنا ان أول كلمة في ديباجته، هي "المملكة المغربية دولة اسلامية" ومبدأ الاسلام هو الأصل والأساس فيها، اما التطبيق فشيء اخر، ومن الناحية النظرية هذا الامر مهم جداً، ونحن قدرناه أحسن تقدير، واعتبرنا ان دخولنا في صراع مع النظام هو إضعاف للطرفين معاً. لكن لا يعني اننا نقبل سياسة النظام. لدينا تحفظات كثيرة على ما مارسه منذ بداية الاستقلال. وان كنا نفهم أو نتفهم صلتها بحداثة عهد الاستعمار وقرب خروجه من بلادنا. فنحن نعارض ما يعارض الاسلام في سياسة النظام والحكومات المتعاقبة. ولكن النظام ككل، كمؤسسة قائمة على البيعة، وترفع مبدأ الاسلام كأساس للحكم، لا نهادنه فقط، بمعنى اننا سنحاربه في يوم من الأيام. فهذا غير وارد بالنسبة الينا، بل اننا نسانده، باعتباره ضامناً لوحدة المغاربة وجامعاً لهم على مبادئ الاسلام. وهذه المسألة نعتبرها جوهرية. وبالمقابل يمكن القول ان النظام يقف منا موقفاً متسامحاً. فلا يلاحقنا بالسجون والمعتقلات، كما انه في الوقت نفسه، لا يرخص لنا بالعمل العلني، ونتمنى ان تكون هذه الوضعية مرحلية لنتمكن من العمل كالهيئات السياسية الاخرى. اذن، في أي اطار من الشرعية تمارسون عملكم؟ وما حجم حضوركم في الساحة السياسية؟ - نحن في منزلة بين المنزلتين. فلسنا جماعة متابعة ومضيق عليها، ولا جماعة مرخص لها. نستطيع ان نفتح بعض الفروع ونعقد اجتماعات داخلية، لكن لا نستطيع القيام بأي نشاط علني، عدا الجريدة التي نصدرها باسمنا الشخصي. لقد كنا تنظيماً سرياً، ولكن كون لم يرخص لنا بعد، لا يسمح لنا ان نصبح هيئة علنية. وان كنا في اطار من الصراحة. فنحن موجودون في أغلب الجامعات، ولنا في بعض المواقع الجامعية بروز ان لم تكن شبه سيطرة. وعلى العموم نحن موجودون في ميدان التعليم. والحقيقة ان الحركة الاسلامية في المغرب، ومنذ البداية، انطلقت انطلاقة لا تليق بالشعب المغربي، مثلت بالنسبة لنا نوعاً من العرقلة للازدياد أو النمو الطبيعي فوقوع الشباب في بعض قضايا العنف، أو على الأقل تلك التي نسبت اليه، وتركيز بعض الدعاة في بداية السبعينات على بعض الامور الشكلية. ونوع المعاملة الاجتماعية بين الذين استجابوا للدعوة وباقي المواطنين تركت كلها انطباعاً سيئاً عند مختلف الشرائح، لذلك نحن ننهج نهجاً مخالفاً يسمح لنا بأن نصل الى أوساط لم نكن لنصل اليها في الماضي. وما مدى مسؤولية حركتكم عن الاحداث الجامعية العام الماضي؟ - لسنا مسؤولين عما حدث في الجامعات، لأننا لا نريد ان نكون مسؤولين عن ضياع نعمة السلام الاجتماعي الموجودة في المغرب، ومن هنا، لم يكن لدينا أي استعداد للدخول في المعارك مع بقايا الشيوعيين. وبطبيعة الحال لا يمكن لأحد ان يوقف الطلبة أو يضمن التحكم بهم، وربما وقعت بعض التجاوزات، فليس من الممكن ان تكون هناك معارك ساخنة ويبقى الاخوان المنتمون للجماعة محايدين. لكن لم يكن من قرار الجماعة أبداً المشاركة في الاحداث. ومن الناحية المبدئية، يحاسب كل من تصدر عنه تصرفات من هذا القبيل. "نحن من التيار الوسط" ما هي طبيعة علاقاتكم بالاحزاب السياسية الاخرى؟ - الحزب الذي دشنا علاقاتنا معه، هو حزب "الاستقلال" وكنا في مرحلة معينة نرجحه كطرف نعمل في اطاره سياسياً، لكن من جهته لم يكن مستعداً للتعامل معنا كحركة، والاشارة التي وصلتنا منه هي اننا قد نكون مقبولين كأفراد. وعندما انضوى في "الكتلة الديموقراطية" وأصدر بمشاركتها البيان الذي كان متطرفاً في علاقاته مع الجهات اليسارية تركنا متشائمين، فتراجعنا عن قرارنا في الاستمرار بمحاولة التعامل معه، وفي اثناء ذلك تم الاتصال بيننا وبين الدكتور الخطيب حيث وجدنا لديه استعداداً أكبر بكثير من حزب "الاستقلال" ونحن ما زلنا سائرين في الحوار معه للاتفاق على صيغة نهائية للتحالف أو الاندماج. اما علاقتنا بحزب "الاتحاد الاشتراكي" فقد اقتصرت على البعض من عناصره، ونحن نأسف لعدم اتساع قاعدة الحوار معه، لأننا نكن له التقدير كحزب له ماضٍ، ولأننا نعلم ان صفوفه تضم أشخاصاً يتميزون بقناعات اسلاميةأصيلة. وبالمقابل، فان "منظمة العمل الديموقراطي" على رغم انها تبدو أكثر راديكالية في يساريتها، كانت اكثر تفتحاً علينا منه وقد استقبلنا هذا التفتح بشكل ايجابي، وكنا ننشر من تصريحاتهم ما نعتبره مفيداً في هذا الاتجاه. وعلى كل حال، نحن لم نقطع الحوار مع أحد، ولدينا الاستعداد لنتحاور مع الجميع لما فيه مصلحة الاسلام والمسلمين. ولكن نلاحظ، للأسف، ان هذه الاحزاب تتحامل كثيراً على الحركات الاسلامية، كما بدت في حالة من التراجع. فصحيفة "الاتحاد الاشتراكي" كانت اكثر الصحف تحاملاً على "الجبهة الاسلامية للانقاذ" في الوقت الذي تعرف انها ظلمت وأخذ منها حقها على رغم نجاحها في الانتخابات. وتنكرت لكل ما كانت تدعيه من مناصرة الديموقراطية وحق الشعب في التعبير عن رأيه. لذلك نرى ان الحوار اذا ما اريد له ان يتم مع هذه الاحزاب، يجب ان يكون مبنياً على ايمان حقيقي بالمبادئ، وان لا تراعى فيه ظروف معينة يمكن ان تتبدل أو تتغير. فإذا كانت المرحلة الحالية تبدو مرحلة جزر للحركات الاسلامية فهي قابلة للتغيير، فأين سيضع هؤلاء وجوههم؟ جوابكم يثير سؤالاً لا بد من طرحه. ما مدى علاقة الحركات الاسلامية المغربية بمثيلاتها مغاربياً وعربياً؟ فهذه الحركات متهمة بالتنسيق لتحقيق اهداف مشتركة. - يا ليت كان هناك تنسيق. وأنا لا اعتقد ان هذا التنسيق. لو تم بالفعل، يمثل تهمة بأي شكل من الاشكال. كل الاطراف تنسق. الاشتراكيون ينسقون عالمياً ولديهم "الاشتراكية الدولية". وهذا هو المنطق. لكننا مع الأسف لم نصل الى هذا المستوى. بالنسبة الينا، فان الحركات الاسلامية، وان لم نكن نعرفها بالمرة أو نعرف قيادتها. نعتبرها جزءاً منا، وأظن ان هذا الشعور متبادل لدى الحركات الاخرى. نحن مثلاً ساندنا "النهضة" في تونس مبدئياً، لأنها حركة اسلامية، ولا ننكر ان لدينا اتصالات بها وبقيادتها. وحركتنا بالخصوص تعمل في اطار وطني، وقد نشأت بطريقة ذاتية لا يربطها أي رابط تنظيمي مع أية جهة خارجية، سواء كانت حركة أو دولة. لكن هذا لا يمنعنا من التعاطف مع كل المسلمين في العالم الذي نعرف والذي لا نعرف. هل تعتبرون حركتكم جزءاً من الحركة السلفية، ام ضمن ما يعرف الآن بالحركات الاصولية؟ وكيف تتعاملون مع التسميات المتداولة عن الحركات الاسلامية عموماً؟ - اننا حركة اسلامية. وأعتقد ان من يوزع هذه الالقاب هو الغرب بالدرجة الاولى، وكلما وجد لنا لقباً يتصوره سلبياً اعطته الممارسات والاحداث معنى ايجابياً. فيعود الى تغييره واستبداله بلقب آخر. لقد قُبلت "الاصولية" وتم التعامل معها، كما تم التعامل من قبل مع "الاسلامية" لكننا اصبحنا ننعت الآن بالتطرف، لقطع أية صلة بين الشعوب وبين الذين ينتمون للحركات الاسلامية، والذي أريد تأكيده، هو أن الاسلام دين متفق عليه من قبل الجميع، لكن كل واحد أخذه بشكل خاص انطلاقاً من ظروفه وقناعاته فمن الناس من أخذه بشكل عنيف واعتبر من واجبه ان يقاتل حتى يتم تطبيق الشريعة، ومنهم من اخذه على شكل مهادن، أي ان واجبه هو الاقناع فقط، وبينهما عالم من الالوان والاشكال لفهم الاسلام والالتزام به. وأعتقد أن داخل الحركات الاسلامية تياراً معتدلاً اصلاً، وفي الوقت نفسه قوياً وشاملاً ورفيقاً، وهذا التيار الوسط، اذا شئنا تسميته هو ما نعمل لكي نكون ضمنه، وهو المؤهل في المستقبل ليخرج الامة من ورطتها.