سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
زعيم "الشبيبة الإسلامية" المغربية يتحدث الى "الحياة" بعد ربع قرن من النفي . إقالة البصري خطوة طيبة لكنها غير كافية ... وهجوم فندق "أطلس" رد على تسليم العيايدة
مرّت 25 سنة على اغتيال القيادي اليساري في الاتحاد الاشتراكي المغربي عمر بن جلون، وهي الحادثة التي اتُهم بارتكابها ناشطون ينتمون الى "حركة الشبيبة الإسلامية" التي يتزعمها السيد عبدالكريم مطيع الحمداوي. حوكم العديد من أعضاء هذه الجماعة وصدرت عليهم أحكام تصل الى الإعدام. فرّ زعيم الجماعة من المغرب، في حين لوحق أتباعه وسُجنوا. نفت "الشبيبة الإسلامية"، منذ البدء، مسؤوليتها عن قتل القيادي اليساري الذي كان يُعتبر أحد المنظّرين الأيديولوجيين للحزب الذي بات زعيمه الآن، السيد عبدالرحمن اليوسفي، رئيساً للحكومة المغربية. وقالت "الشبيبة"، في إصدارات عديدة وزّعتها من المنفى، ان عملية اغتيال بن جلون نفّذها أشخاص يُنسبون الى الجماعة لكنهم مرتبطون بأجهزة أمنية. قُتل بن جلون - الذي يرأس الآن شقيقه أحمد تنظيماً يسارياً يحمل إسم "الطليعة" - في خضم صراعات كان المغرب يشهدها في أواسط السبعينات بين اليساريين الذين كانوا في أوج قوّتهم، وبين الإسلاميين الذين يُقال ان القصر الملكي غضّ النظر عن نشاطهم بهدف إيجاد نوع من التوازن مع اليساريين. ونجح القصر بالفعل في استقطاب جزء من التيار الإسلامي، في حين إتخذ جزء آخر موقفاً معارضاً. كانت "الشبيبة" من هذا التيار الثاني، الأمر الذي أدى - في نظرها - إلى ضربها. في أي حال، وسواء كانت "الشبيبة" - أو بعض عناصرها المتحمسين - مسؤولة عن اغتيال بن جلون أم لا، فإن الحادثة أدت الى ضربها وتشريد أعضائها. بعض هؤلاء انضم لاحقاً الى تيار إسلامي يقوده الدكتور عبدالكريم الخطيب الذي يشغل حزبه، العدالة والتنمية، عشرة مقاعد في البرلمان. بعد ربع قرن من النفي، يتحدث زعيم "الشبيبة الإسلامية" عن خطوات المصالحة بين تنظيمه والحكم المغربي، وعن مراحل نفيه، وعلاقة تنظيمه بالعنف. يحمل بعنف على وزير الداخلية السابق السيد إدريس البصري، ويُرحّب بعزله. يقول ان يلتقي مع الحكم المغربي "في رفض الحزبية". يعتبر ان وجوده سابقاً في دول خليجية أُسيء فهمه على أن تنظيمه يحظى ب"دعم مالي من الخارج". يُصر على أن عيشه في المنفى منذ 25 سنة لا يعني أنه بات مهمشاً. في ما يأتي نص الحوار مع الحمداوي المقيم حالياً في ليبيا: هل تودّ حركة الشبيبة الإسلامية العودة إلى المغرب للنشاط كحزب سياسي؟ وهل هناك من شروط لهذه العودة؟ - التيار الإسلامي الحديث في المغرب الذي أجرى الله على يدي وضع لبناته الأولى في بداية سنة 1970، ثم توج بتأسيس جمعيات دعوية عدة في مختلف المدن المغربية سنة 1972، وكان من ضمن هذه الجمعيات الشبيبة الإسلامية المغربية ... هذا التيار لم يكن في مبدأ أمره مشروع حزب سياسي، وإنما كان منهج عمل تربوي لإعادة بناء العقل المغربي وهيكلته على أسس سليمة بعدما استبد به ما كان سائداً من توجهات فكرية وعقدية وسلوكية اعتبرت حينئذ مهددة لخصائص البلاد والعباد. أزعج الانتشار السريع لهذا التيار السلطة الأمنية المغربية وبعض مستشاري القصر الملكي والملتفين حوله من المُعادين للمعارضة. ولكن أشد ما أزعجهم أن يكون التأسيس على يد شخص له جذوره في الحركة الوطنية والمقاومة المغربية ضد الاستعمار وفي حركة المعارضة المغربية إبان الاستقلال، وأن يحول هذا الشخص بينهم وبين آمالهم في توظيف العمل الإسلامي لأغراض حزبية أو أمنية، ثم أن ينتخب هذا الشخص عضواً في المجلسين التأسيسيين والأمانتين الدائمتين للندوة العالمية للشباب الإسلامي والاتحاد العالمي للمدارس الدولية العربية الإسلامية في المملكة العربية السعودية، مما توهموا به أن تيار الشبيبة الإسلامية تكاملت لديه القوة البشرية التنظيمية في الداخل وقوة الدعم المالي من الخارج. حينئذ صدر قرار استئصال العقل المدبر للتيار وتوظيف شظاياه المتعددة الألوان لحساب الأجهزة والسياسة الرسمية. هكذا كان إقحامنا مرغمين في المجال السياسي" إذ اضطرت الشبيبة الإسلامية متخفية في الداخل ومهاجرة في الخارج إلى خوض غمار السياسة موقتاً دفاعاً عن نفسها ووجودها ومنهجها. فالعمل السياسي إذن لدينا طارئ وليس أصيلاً. وتبعا لذلك ليس في برنامجنا مطلقاً - إن رفعت الأحكام الظالمة - أن نمارس النشاط السياسي أو نؤسس حزباً. إن رفضنا العمل الحزبي في المجال الإسلامي قد يكون أهم ما نلتقي فيه مع النظام المغربي. وذلك لاعتبارات عدة من أهمها: 1 - الإسلام أكبر وأجل من أن يحجم في حزب سياسي وهو الدين الإنساني العالمي الخاتم. 2 - تحجيم الإسلام في حزب سياسي له قياداته والناطقون باسمه ذريعة إلى نشوء نظام للكهنوتية متعارض مع مبادئه وتعاليمه. 3 - قيام حزب سياسي إسلامي يوهم بأن المسلمين أقلية داخل المجتمع المغربي، وهذا غير صحيح. كما يستفز تدين المسلمين غير المنضوين تحت لوائه، ويجعل العلمانيين من أبناء المسلمين أكثر شراسة وعناداً وإعراضاً عن العقيدة الإسلامية التي ينتسبون إليها أحبوا أم كرهوا. 4 - المغاربة جميعهم مسلمون على تفاوت في الالتزام بالتعاليم الدينية، وهذا التفاوت ينبغي أن يعالج بالحكمة والتواصي بالحق والصبر والتعاون على البر والإصلاح ضمن حوار حضاري يرشّد التفاعل والتواصل والتكامل بين المدارس الفكرية المختلفة. ومن الخطورة بمكان أن يعالج هذا التفاوت بالتناحر الحزبي والصراع السياسي. 5 - إن كانت الدولة حقاً تمثل الإسلام، فهي منبره الرسمي والشرعي الذي يحميه ويقوم بأمره، ولا ينبغي أن يكون للإسلام منبران في بلد واحد" لأن هذا مدعاة للفتنة. لكل هذا، نحن نرتقب الخروج من هذه المحنة التي فرضت علينا وأقحمتنا مضطرين في المجال السياسي، لنعود إلى الأصل الذي هو العمل التربوي غير الحزبي وغير السياسي. وليس لنا من شروط للعودة إلا إسقاط الأحكام الصادرة ضدنا جميعاً، وخروج المعتقلين من السجن وعودة المنفيين إلى الوطن آمنين، واسترجاعهم لحقوقهم المادية والمعنوية التي أهدرت. حصلت في السنوات الماضية اتصالات مع الحركة للعودة إلى المغرب. هل يمكن تقديم صورة موجزة لهذه الاتصالات، ونقاط الخلاف التي عرقلت عودتكم إلى المملكة؟ - اتصالاتنا مع السلطة المغربية كانت على أربعة مستويات ومراحل: أ - مبادرات رسمية ما بين سنتي 1976 و1980، للتوسط وإصلاح ذات البين، قامت بها لدى الملك الراحل شخصياً شخصيات عدة سعودية وكويتية في مقدمهم الشيخ ابن باز رئيس إدارة الدعوة والإفتاء، والشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ وزير التعليم العالي ورئيس الندوة العالمية للشباب الإسلامي في المملكة العربية السعودية، وقدمت للجميع وعود لم تنجز لأسباب غير معروفة. ب - مبادرات مغربية رسمية في الفترة نفسها، قام بها كل من الأستاذ أحمد بن سودة مدير الديوان الملكي سابقاً، والأستاذ محمد الناصري سفير المغرب السابق في المملكة العربية السعودية، والدكتور أحمد رمزي وزير الصحة ثم الأوقاف والشؤون الإسلامية سابقاً وغيرهم … وكلهم وعدوا خيراً ولم ينجزوا. ج - اتصالات تمت بعد خروجي من السعودية سنة 1980، بمبادرة من الوزير السابق إدريس البصري، بعد أن تطايرت شظايا الشبيبة الإسلامية، بعضها في أحضان الأجهزة الأمنية، وبعضها في أحضان الثورة الإسلامية في إيران، وبعضها في أفغانستان، وبرزت استنباتات للعنف. العفوي منها بتأثير المناخ السياسي العالمي آنئذ، والإرادي منها بتخطيط من الأجهزة الأمنية المغربية التي رأت مصلحة في هذا الاستنبات. وقد أبلغني بعض مبعوثي إدريس البصري عندما تساءلت عن مصير الوعود السابقة، أن أصحابها ليس لهم أي نفوذ ينجزون به وعودهم، وأن البصري قد اطلع على تلك اللقاءات والوعود وأوقفها" لأن الأمر بيده وحده وهو القادر على حل هذه القضية. أثناء هذه الاتصالات فشلت عمليات عدة لاختطافي واغتيالي، وانكشف بما لا يدع مجالاً للشك أن مبعوثي البصري لم يكن لهم من همّ إلا التقرب من الضحية المرتقبة، والاستفادة المادية من هذه الاتصالات، وإبقاء القضية بجملتها عالقة دون حل" كي يتعيشوا منها. د - الاتصالات الحديثة في العهد الجديد، وضمنها رسالة الأمانة العامة للشبيبة الإسلامية إلى العاهل المغربي، والحوار المباشر مع المسؤول الأول في السفارة المغربية في دمشق، وتأكيد حرصنا على وحدة المغرب وسلامته ومقدساته. ولم يكن لنا من مطلب فيها إلا إسقاط جميع الأحكام الصادرة في حقنا مهاجرين ومعتقلين، وضمان حقوقنا المادية والمعنوية المهدرة، بما فيها حق المشاركة الحرة في إطار دولة القانون والمؤسسات. ونحن ننتظر - بإذن الله - قراراً إيجابياً في الأمر، خاصة بعد أن تخلص العهد الجديد من عناصر عدة أساءت إلى الوطن وشوّهت سمعته شعباً ونظاماً. تنفي الحركة ضلوعها في عملية اغتيال عمر بن جلون، لكن السلطات تقول إنها متورطة فيها، وفي عمليات عنف أخرى مثلما حدث في سنة 1981 خلال مؤتمر القمة الإسلامية في الدار البيضاء. ما هو موقف الشبيبة الإسلامية من العنف، وهل تقبل أن تعمل وفق القوانين المغربية وتتعهد عدم اللجوء إلى العنف وسيلة للتغيير السياسي؟ - الشبيبة الإسلامية بصفتها الحركة الأم، تمثل فعاليات سياسية وفكرية واجتماعية وعقدية كثيرة في مختلف ربوع الوطن، وأعتقد أن أعضاءها قيادة وقاعدة يحبون بلدهم ويهتمون بشؤونه، ويحرصون على أمنه" لذلك لم نبشر بالعنف ولا دعونا إليه منذ النشأة الأولى، بل إن اضطهادنا منذ سنة 1975 إلى الآن كان بسبب رفضنا أن نكون أداة للعنف السياسي الذي كانت الأجهزة الأمنية المغربية تحيكه في المجال الحزبي والفئوي. لقد ضُربنا لكي تتمكن هذه الأجهزة من السيطرة على الشظايا وتسخيرها، وقد تم ذلك" إلا أن ما غاب عن هذه الأجهزة فهمه أنها لن تتمكن من السيطرة الكاملة عليها جميعاً. وكما تساقطت بعض هذه الشظايا في أفنية وزارة الداخلية، تساقطت أيضاً في طهرانوأفغانستان، وفي ساحات ردود الفعل العفوية العنفوانية الارتجالية بحكم الظروف التي سادت آنئذ، ولم تكن لديّ القدرة للاطلاع أو السيطرة عليها. استنبات العنف إذن في التيار الإسلامي المغربي هو مسؤولية الأجهزة الأمنية المغربية أولاً وأخيراً. كما أن العنف الدموي الذي مورس منذ صدر الاستقلال، منه ما هو مسؤولية بعض القيادات اليسارية الذين تخلصوا من قادة المقاومة وجيش التحرير، ومنه ما هو مسؤولية الأجهزة الأمنية المغربية مباشرة كقتلهم بن جلون، ومنه ما هو مسؤولية هذه الأجهزة نفسها بطريق غير مباشر هو سعيهم لتمزيق التيار الإسلامي واستنبات العنف فيه وتسخيره لأغراض أمنية. وليست لنا في ذلك كله يد أو رجل. كما أن اعتراف العهد الجديد بمسؤولية الدولة في ممارسات العنف السابقة خير دليل على سلامة موقفنا وبراءته. أما أحداث سنة 1981، خلال انعقاد مؤتمر القمة الإسلامية بالدار البيضاء، فقد صرح الملك الراحل نفسه - رحمه الله - في خطاب رسمي متلفز، أنها من تدبير الجمهورية الإسلامية الإيرانية بواسطة بعض الشظايا التي رصدنا لها علاقة مؤكدة ومباشرة مع إدريس البصري حينئذ. والكل يعلم أننا الحركة الإسلامية الوحيدة التي لم تقم أي علاقة مع إيران الثورة، وقد رفضت لجوئي السياسي إليها سنة 1980. أما قضية فندق أطلس أسني، فغير خفي أنها رد فعل من الجماعات الإسلامية الجزائرية على تسليم المغرب عبدالحق العيايدة إلى السلطة الجزائرية. إن العنف الذي نتهم به ظلماً قد مورس ضدنا رجالاً ونساء وصبية وعجائز، ومع ذلك سيبقى هدفنا العمل وفق القوانين، آملين - في ظل تصور العهد الجديد لفلسفة السلطة - تطويراً جدياً للقوانين والمؤسسات بما يناسب الاختيارات الجديدة التي نباركها. كيف تصفون علاقتكم ببقية الجماعات الإسلامية في المغرب: أولاً مع جماعة العدل والإحسان، وثانياً مع العدالة والتنمية التي تضم أعضاء كانوا محسوبين على الشبيبة الإسلامية؟ - الجماعات الإسلامية المغربية في الداخل والخارج، ما تسيس منها رسمياً، وما تسيس بالأمر الواقع، وما بقي محتفظاً بنهجه التربوي، ثمرة لجهود الشبيبة الإسلامية الأم التي عُجّلَ بضربها كي لا تتم عملية البناء والتكوين. وقد اختار كل فصيل طريقه بكل حرية. فإن عادت الشبيبة الإسلامية رسمياً إلى الساحة، كمدرسة تربوية، فستترك لخريجيها الجدد حرية اختيار النهج الذي يناسبهم بعد تمام تكوينهم الفكري والعقدي، لأن مهمتنا فقط هي تبليغ العقيدة الإسلامية وتنشئة الشباب عليها، لا فرض توجهات سياسية عليهم. بهذا المنهج، لا نعادي أي مجموعة، إسلامية كانت أو غير إسلامية، حزبية أو فئوية أو طائفية" لأننا لا ننافسهم في مجالهم ولا نجاريهم في نشاطهم. قال وزير الداخلية المغربي السيد أحمد الميداوي قبل أيام إنه لن يسمح بظهور تيارات دينية متشددة في المغرب. ما هو رأيكم في كلام الوزير؟ وهل تعتبرون أنه ينطبق عليكم؟ - الأستاذ أحمد الميداوي، وزير الداخلية المغربي الحالي، رجل دولة كفء، لا يتحمل وزر ما سلف، إن لم يكن هو أيضاً من ضحايا إدريس البصري. إلا أن تصريحه هذا غير دقيق" ذلك أن التيارات الفكرية والعقدية، إسلامية وغير إسلامية، متشددة ومعتدلة، لا تنتظر أن يسمح لها بالظهور أو تستأذن لذلك. هذه التيارات نتيجة حتمية لأوضاع وتفاعلات وانجذابات ثقافية واجتماعية واقتصادية، داخلية وخارجية. والتعامل معها بالأسلوب الأمني لا يجدي مطلقاً. الأسلوب الأمني قد يقضي على الأعراض ولكنه لا يقضي على أصل الظاهرة. لقد كان من بين أسباب ازدهار التيار الإسلامي في السبعينات هيمنة الفكر الماركسي على مرافق التعليم والتربية والسياسة والإعلام حتى أصبح الملك الراحل نفسه يستشهد في خطبه الرسمية بأقوال ماركس ولينين وماو تسي تونغ. وهناك حالياً جهات كان لها نفوذ أمني أقصيت عنه، تحاول تخريب جهود داخلية العهد الجديد، بتمويل بعض الصحف الإباحية سرّا، وتحريضها على استفزاز المجتمع الإسلامي المتدين، واستدراجه إلى صراع أعمى يؤدي إلى الكارثة. أقال العاهل المغربي الملك محمد السادس وزير الداخلية السيد البصري، وأجرى تغييرات واسعة في أجهزة الدولة. ما هو تقويمكم لهذه التغييرات؟ وهل هي كافية في نظركم من أجل تكريس التعددية؟ - لا شك أن إقالة إدريس البصري وما تم من تغييرات في الأجهزة، خطوة طيبة في الاتجاه الصحيح. لكنها غير كافية لتحقيق الحرية والعدالة والمشاركة السياسية لكل أفراد الشعب. بناء الصدقية وكسب الثقة يتطلبان إنجازات ملموسة على الصعيدين الرسمي والحزبي. إن المنظمات الحزبية والمؤسسات الرسمية كلها مبنية على أساس القيادة الفردية المتحكمة والأجهزة الخاصة الحاكمة، والديموقراطية التي يجأر بها الجميع ليست متوافرة لدى الجميع" لذلك ينبغي أن يتحقق الصدق في الشعارات المعتمدة مخزنياً وحزبياً. وعنوان الصدق أن تتحول هذه الشعارات واقعاً على الأرض وأن يكون المغرب كله للمغاربة كلهم، غرماً وغنماً، جهداً ومنفعة، حالاً واستقبالاً. مرّت سنوات طويلة على وجودكم في المنفى، في حين انضم أعضاء من حركتكم إلى تنظيمات أخرى. هل توافقون على أن وجودكم التنظيمي داخل المغرب يكاد ينعدم، وأن ابتعادكم طوال الفترة الماضية عن الأحداث داخل بلادكم يجعلكم مهمشين سياسياً؟ - مرّ على خروجي بالضبط ربع قرن. واحتجزت زوجتي وأبنائي رهائن في الداخل خمس سنوات، إلى أن استطعت تهريبهم بطرق خاصة، وأبنائي وأحفادي لحد الآن ممنوعون من أي وثيقة تثبت انتسابهم إلى وطنهم، وأفراد من أسرتي إلى الآن ممنوعون من جوازات سفرهم، وجميع الأحكام الصادرة في حق أعضاء الشبيبة الإسلامية طيلة ربع قرن ما بين المؤبد والإعدام، وأغلبها لأسباب تافهة كأن يوجد عند بعضهم بيان أو منشور عادي. ومجرد الإعلان عن زيارتي لسورية سنة 1987 بدعوة رسمية يعيد - بعد ثلاثة أيام فقط - العلاقة الديبلوماسية بينها وبين المغرب. هذا الهلع والرعب والتوتر الذي تتعامل به الأجهزة مع قضيتنا لا يدل على أننا مهمشون أو بعيدون عن الأحداث في الداخل، أو أن وجودنا يكاد ينعدم. كذلك خوف بعض الأحزاب اليسارية والمجموعات الدينية من عودة الشبيبة الإسلامية دليل على هشاشة مواقعهم" إذ لو كانوا أقوياء وكنا ضعفاء مهمشين لما خافوا من مشاركتنا إياهم الساحة، مع أننا لا نريد منافستهم في مجالهم السياسي. ثم إن التطور العلمي الحديث قد حطم مفاهيم "الداخل والخارج"، ولم يبق هذا المقياس إلا لدى من يفكرون بعقلية العير والقافلة. نحن في عصر تقارب فيه الزمان والمكان، ويستطاع فيه عقد مؤتمر بالصوت والصورة والتوثيق الدقيق والسرية الكاملة، في أسرع من لمح البصر، ومن دون أن يقوم المرء من مقامه أو يغادر بيته. عاشت الجزائر حقبة التسعينات حرباً دموية سقط فيها عشرات آلاف الضحايا. هل تخشون انتقال "التجربة الجزائرية" إلى المغرب خصوصاً أن بعض الجماعات المغربية حاولت اللجوء إلى العنف في 1994 حادث فندق أطلس أسني، كما أن هناك حديثاً عن "امتداد" داخل المغرب للجماعات المسلحة الجزائرية؟ - التجربة الجزائرية الحالية تجربة مرّة، ولا يوجد عاقل يودّ استمرارها أو انتقالها إلى بلده. إلا أن التطورات لا تسير حسب هوانا أو إرادتنا. إن لها سنناً وقوانين سياسية واجتماعية واقتصادية وبشرية هي مسارها الحتمي الطبيعي، إن لم تعالج بما تقتضيه الحكمة وبُعد النظر. إن الأوضاع في الجزائر من أهم الأسباب التي جعلت الشبيبة الإسلامية تلعق جراحها العميقة، وتسعى إلى إعادة المياه إلى مجاريها، وإلى إطفاء فتيل الصراع الحزبي والفئوي الذي يُغذى بالجهل وقصر النظر والأنانية والأطماع داخلياً وخارجياً، ويجد تربته الخصبة في التضاريس السياسية والجغرافية والبشرية المعقدة والتخلف الثقافي والفقر.