سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
دعا للتريث في بناء المدن الاقتصادية ... وشدد على أهمية إقرار "الرهن العقاري" . شطا ل "الحياة" : دول الخليج الأقل تأثراً بالأزمة العالمية... واحتياطاتها العالية تحميها
قلل الخبير المالي عمار شطا من تداعيات الأزمة المالية العالمية على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، وقال إنها من أقل المناطق في العالم تأثراً بالأزمة، مشيراً إلى أن السعودية وبقية دول الخليج لديها احتياطات نقدية عالية ستحميها من أخطار الأزمة. وأوضح شطا العضو المنتدب لشركة الخبير للدراسات المالية في حوار ل"الحياة"أن الرقابة المالية شديدة في السعودية، وهي أنظمة أقوى من نظيرتها في الولاياتالمتحدة الأميركية. ودعا إلى التريث في بناء المدن الاقتصادية في المملكة، لأنها تكلف الكثير، وما نخطط لبنائه في 3 سنوات يمكننا بناؤه خلال 10 سنوات، حتى نتفادى المخاطر التي تواجهنا. وأعرب عن اعتقاده بأهمية إقرار قانون الرهن العقاري، مشيراً إلى أنه سيزيد أسعار المنازل في حال بدء العمل به، لأن معدل الطلب سيتخطى معدلات العرض، غير أن الفرق بين العرض والطلب ربما يستقر خلال 3 سنوات. ورأى شطا أن المرحلة الحالية تتطلب مزيداً من العمل على استقرار أسعار الأصول، والتدخل بطريقة غير مباشرة من خلال ضخ المزيد من الأموال في المشاريع العامة المجدية، لتحريك الدورة الاقتصادية من جديد، وهو ما سيحفز الأسواق ويرفع معدلات الطلب على المنتجات والخدمات. وهنا نص الحوار: كثر الحديث عن الأزمة المالية العالمية، من وجهة نظركم كمستشار مالي وعضو منتدب لإحدى شركات الاستثمار والتمويل في المملكة، ما أوجه الاختلاف والتشابه بين هذه الأزمة وسابقاتها؟ - حقيقة هناك دروس من التاريخ قد لا يكون لها ارتباط مباشر بالوضع الحالي لهذه الأزمة، ولكن تلك الدروس لها اثر كبير على الوضع الجيوسياسي الناتج من هذه الأزمات، الدرس المهم المستوحى من التاريخ أن النظام الرأسمالي مبني على الموجات التصحيحية، بمعنى أن الذي نراه في عالمنا اليوم ناتج عن حقيقة أن النظام الرأسمالي مبني على الفقاعات والانهيارات التصحيحية الناتجة من توليد السيولة النقدية، وهو بذلك عكس النظام المالي الإسلامي المبني على ملكية واضحة. حقيقة ان النظام الرأسمالي نشأ بواسطة جماعات يهودية ربوية منذ عهود قديمة، وكانت تلك الجماعات تلتقي كل عقود عدة لتصفية القروض المعدومة، ومع مرور الزمن تأسس النظام الذي نراه اليوم، وحدث أهم تصحيح تاريخي ناتج عن هذا النظام عام 1929. أما من حيث الاختلافات بين الأزمة الحالية والأزمات الأخرى السابقة مثل أزمة 1929، فهو أن الحكومة الأميركية آنذاك ممثلة في وزير الخزانة اندرو بلل كانت ترفض أي تدخل للدولة، وكانت توقعات الوزير المذكور ان الاقتصاد الأميركي سيعالج نفسه بنفسه، ولكن هذا لم يتم بالسلاسة المتوقعة، وبالتالي انهار الاقتصاد، ونتج عن هذا مجاعات وفقر، واليوم نرى أن التوجه عكس ذلك. لو عدنا الى بدايات الأزمة وجذورها بغرض فهم أسبابها وفهم حقيقة ما جرى، ما أسباب هذه الأزمة؟ - بالنسبة للبداية طبعاً معظمنا يعرفها، ولكن نحب أن نؤكد عليها، فلقد كانت هناك طفرة قوية في القروض الاستهلاكية ومشتقاتها، من خلال سياسة مالية ونقدية توسعية ناتجة عن طبيعة سلوك ونمط الحياة لدى المواطنين الأميركيين خلال ال30 عاماً الماضية يميل إلى جدولة وإعادة جدولة الديون الخاصة بهم على أساس أن ممتلكاتهم العقارية ستستمر في الصعود الى ما لا نهاية، وبالتالي تراكم القروض وجدولتها، إضافة إلى اعتمادهم على البطاقات الائتمانية كغاية، وليس كوسيلة للشراء لتلبية متطلبات الحياة. والحصيلة هي تعاظم فقاعة الديون بشكل مطرد، وبالتالي كان لا بد لتلك الفقاعة ان تنتهي او تنفجر يوماً ما وهذا ما حصل. هل هذا يعني ان الصرف الاستهلاكي لدى المواطن الأميركي زاد من حدة آثار الأزمة المالية؟ - بالطبع، وعلى سبيل المثال معدل عدد البطاقات الائتمانية لكل مواطن أميركي يبلغ 17 بطاقة، ومن هنا تظهر خطورة المشكلة التي يعانون منها الآن، والفقاعة والنمو والصرف الاستهلاكي الموجود كان مبنياً على فقاعة القروض الاستهلاكية، وتوليد السيولة النقدية. لماذا عدّل الحزب الجمهوري والرئيس الأميركي السابق جورج بوش سياستهما المدافعة عن نظرية"السوق تعالج نفسها بنفسها"، وعدم التدخل في مسار الاقتصاد؟ - النظام الرأسمالي يعتقد أن السوق لا تحتاج إلى مراقبة أو متابعة البيروقراطية الحكومية، ووجود الجمهوريين في السلطة شجع على تحجيم السياسة الرقابية، ما أدى إلى خروج مارد المشتقات المالية المبنية على الديون العقارية والاستهلاكية، وعلى قواعد حسابية شديدة التعقيد، إذ كان من المستحيل حساب المخاطر الناتجة من هذه المنتجات التي يصدرونها للسوق، وعند تسعير تلك المنتجات، فانه لم يُؤخذ في الحسبان تلك المخاطر المخفية، وبالتالي كان تسعيرها أقل من السعر العادل المبني على العائد على رأس المال، وهكذا وقعت الانهيارات الحاصلة اليوم. يردد البعض أن هذه الأزمة عالمية بكل المقاييس، ماذا يعني ذلك؟ - إنها أزمة مالية عالمية بكل المقاييس، فهناك تقلبات واضطرابات في جميع أسواق العالم، وهناك دولة تعاني من بوادر إفلاس، كما يوجد انهيار للثقة بين المصارف والمؤسسات المالية من جهة، وبينها وبين العملاء من جهة أخرى. كذلك الحال في سوق البنوك الاستثمارية، إذ لم تعد هناك ثقة بالبنوك الاستثمارية، ولذلك نجد أن نظام البنوك الاستثمارية في الولاياتالمتحدة انتهى تقريباً، وتحولت تلك البنوك الاستثمارية إلى بنوك مصرفية تقليدية تعتمد على الودائع، كما انهارت شركات تأمين، وتضررت شركات التقويم المالي أو ال rating agency، وهذا كله يؤدي إلى كساد اقتصادي عالمي كبير. ولكنني أرى أن كل هذا لا يخيف حكومات العالم، بل ان ما يخيفهم هو انخفاض قيم الأصول الحقيقية والاعتبارية، وأخطر شيء يواجهه العالم اليوم ليس التضخم، ولكن الخوف الحقيقي هو ان تنخفض الأصول إلى وضع لا يمكن تحمل أعبائه، وبالتالي كل ما يهمنا نحن اليوم هو المحافظة على قيم تلك الأصول. ما الآثار المتوقعة للأزمة المالية العالمية على منطقة الخليج تحديداً؟ - في ما يخص منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، أود الإشارة الى ما يعرف بنظرية"كفاءة الرساميل"، وهي إحدى النظريات التي تقاس بها حضارات الدول، وهذه النظرية تتمثل في أن يكون لديك عقار، وأردت رهنه لفترة ما، بغرض ان تتمكن من استخدام الأموال الناتجة من رهنه في استثمار مجد، تسدد من خلاله قيمة القرض. إن كفاءة الانتقال بين النقد أو السيولة النقدية وبين الأصول الاستثمارية الأخرى، تكون أسرع كلما كانت الدولة متحضرة، والعكس صحيح، ولو نظرنا الى منطقة الخليج، فإن أكثر منطقة تظهر فيها آثار الأزمة هي إمارة دبي، ولذلك فهي أكثر مناطق دول الخليج تأثراً بالأزمة المالية العالمية، بسبب الأداء الاقتصادي السريع، والرأسمالية مبنية على السرعة، وعلى ما يعرف ب creating money، أو توليد السيولة النقدية. ونحن نرى انه ما زال لدينا عدد من المؤشرات الإيجابية في منطقة الخليج، على سبيل المثال في المملكة، أعلن عن ضخ الحكومة 400 بليون دولار في مشاريع خلال السنوات الأربع المقبلة، إضافة إلى توافر احتياطات نقدية عالية لدى خزانة الدولة، إذ بلغ الاحتياط المعلن رسمياً 450 بليون دولار. أيضاً لا ننسى أن الموازنة المعلنة للمملكة لعام 2009 تزيد بنحو 18 بليون دولار على موازنة 2008، كما أن دول الخليج ومن ضمنها المملكة لن تتخلى عن دعم رواتب موظفي الدولة، وبالتالي فهناك نوع من الاطمئنان على مستوى استقرار قطاع التجزئة، إضافة إلى أن انخفاض أسعار العقارات، وارتفاع قيمة صرف العملة الأميركية، التي يصاحبها تراجع في معدلات التضخم المتوقعة، من شأنه أن يحدث أثراً إيجابياً، وهو ما سيبقي البيئة الاقتصادية مستقرة إلى حين، على رغم بطء الدورة الاقتصادية. هل هذا يعني أن تأثير الأزمة على دول الخليج أقل مقارنة بغيرها من مناطق العالم؟ - كما ذكرت في إجابتي عن السؤال السابق هناك عدد من المؤشرات المطمئنة لدول الخليج، فالاحتياطات النقدية عالية جداً، ولأن غالبية مواطني دول مجلس التعاون الخليجي يعملون في القطاع الحكومي، فإنه من غير المحتمل أن تتخلى هذه الدول عن تمويل القطاع الثاني من الموازنة، وهو قطاع الأجور والعمال، وعليه لدينا اطمئنان على الوضع الاقتصادي العام. ومن المهم أن نشير هنا إلى اختلاف الهيكل المالي العام نسبة القروض لرأس المال للقطاعين العام والخاص المعمول به في غالبية دول الخليج، خصوصاً السعودية والمحكومة بقوانين وأنظمة رقابية أقوى عما هو معمول به في الولاياتالمتحدة. ولكن هناك من يشكك في إمكان تجاوز آثار الأزمة الحالية على المستوى الإقليمي، حتى مع وجود تلك المؤشرات التي وصفتموها بأنها مطمئنة، كيف ترون ذلك؟ - أرى أن الجانب المخيف وطبيعة المخاطر يكمن في عدم الإفصاح، فالبنوك التجارية والاستثمارية يجب أن يكون لديها إفصاح أكثر، وكذلك بالطبع صناديق الثروات السيادية، الكل يجب أن يكون لديه إفصاح أكثر حتى نستطيع معرفة حجم المشكلة على المستوى المحلي. من جانب آخر فإن مسألة بناء المدن الاقتصادية ربما تحتاج إلى تريث لأنها تكلف الكثير، وما نخطط لبنائه في 3 سنوات يمكننا بناؤه خلال 10 سنوات، حتى نتفادى المخاطر التي تواجهنا. من ناحية أخرى نلاحظ أن القطاع الخاص في دول مجلس التعاون الخليجي لديه حالياً مشاريع عقارية على شواطئ الخليج العربي تقدر بأكثر من 300 بليون دولار، وهذا رقم كبير جداً، والأخطر هو اعتماد معظم تلك المشاريع على الاقتراض والتمويل الجزئي. كيف تحللون الوضع الحالي لسوق الأسهم السعودية؟ - من المعروف أن أسواق الأسهم تتوقع ما سيحصل في الاقتصاد خلال فترة تتراوح ما بين 6 إلى 8 أشهر، أو ما يعرف بleading indicator، أي القدرة على قراءة المستقبل، طبعاً في المملكة السوق ليست بكفاءة عالية، وهي ما زالت في بداية الطريق، ولكن للأسف انخفاض المؤشر العام إلى 4500 نقطة خلق توقعات لدى المتعاملين بانخفاض الربحية للشركات السعودية بنسبة 50 في المئة. للمعدل العام لعامل السعر للربحية هو بحدود 18، بينما هو الآن في حدود 10، طبعاً لو لم تنخفض الربحية بالنسبة المتوقعة من المتعاملين في السوق المالية، فإنه ما من شك أن المؤشر قد يصعد بسهولة إلى ما بين 7500 و 7900 نقطة. ننتقل إلى القطاع العقاري، نلاحظ وجود حال من الترقب لدى شركات التمويل العقاري، والبنوك التجارية تتهيأ بانتظار إصدار أنظمة الرهن العقاري، ما أهمية وجود مثل تلك الأنظمة على الاقتصاد السعودي؟ - أنا أعتقد أن وجود نظام الرهن العقاري مهم جداً، وأهم مسؤولية على الدولة هي دعم نمو الطبقة المتوسطة في المجتمع، في دول أوروبا يوجد نظام الرهن العقاري منذ مئات السنين، لدعم المواطن العادي ليتملك منزلاً، والمشكلة لا تكمن في الرهن العقاري، ولكن المشكلة تكمن في أن الرأسمالية مبنية على عدم مراقبة السوق أو مراقبة منتجاته الاقتصادية التي تباع، وبالتالي كانت النتيجة ظهور مشتقات مالية تساعد على تضخم الإقراض، ما أدى إلى انهيار السوق. وإقرار قانون الرهن العقاري سيزيد أسعار المنازل، لأن معدل الطلب سيتخطى معدلات العرض، غير أن الفرق بين العرض والطلب ربما يستقر خلال 3 سنوات، ويكون الأمر حينها للشركات المتخصصة في التطوير العقاري. ما توقعاتكم للمستقبل المنظور اقتصادياً؟ - أعتقد أن الفقاعة المقبلة هي أخطر من فقاعة اليوم، وهي فقاعة انهيار العملات، الكثيرون يعتقدون اليوم أنه لا يوجد بديل غير النظام الرأسمالي، وأن الملاذ الآمن هو الدولار، ولكن إذا انهارت هذه المبادئ فسنواجه مشكلة أكبر وأعمق. ما الدور المتوقع من المؤسسات المالية الحكومية لتجنب أية انهيارات أو آثار سلبية أخرى؟ - أعتقد أن المرحلة الحالية تتطلب مزيداً من العمل على استقرار أسعار الأصول، والتدخل بطريقة غير مباشرة من خلال ضخ المزيد من الأموال في المشاريع العامة المجدية، وبالتالي تحريك الدورة الاقتصادية من جديد، وهذا سيحفز الأسواق ويرفع معدلات الطلب على المنتجات والخدمات عموماً إلى أن تستقر الأسواق، وبالتالي نعود إلى موازنة بين العرض والطلب، إضافة إلى إيجاد أجواء ملائمة للاستثمار لتوليد فرص عمل جديدة. كما تتطلب المرحلة الحالية استقلالية واضحة في القرارات المالية.