سلط انهيار مؤشر داو جونز وخسارته 1175 نقطة في يوم واحد مطلع الأسبوع الماضي -وهو أكبر انخفاض من النقاط في يوم واحد في التاريخ- الضوء على حقيقة وجود متغيرات اقتصادية هيكلية تشي بأزمة هائلة في المستقبل القريب قد تعود بالاقتصادين الأمريكي والعالمي إلى أزمة 2008 المالية. وذكر تحليل لمؤسسة (نيشن اوف تشاينج) الإخبارية أن هناك فقاعات عقارية ضخمة في جميع أنحاء العالم، من كندا مرورا باستراليا ووصولا إلى المملكة المتحدة وغيرها وهو ما يؤثر على العالم بأسره. وتتصدر السويد فقاعة أصول جديدة وهي قروض السيارات بنسبة تصل إلى 50%. وهناك فقاعة دين أخرى وصلت إلى حد الجنون، وهي القروض الطلابية الأمريكية التي تبلغ الآن 1.4 تريليون دولار بعد أن تضاعفت منذ عام 2009. ويوصف القرض الطلابي بأنه مخطط يائس من قبل الحكومة الأمريكية للحد من معدل البطالة الرسمي بعد أزمة عام 2008. كما ارتفعت الديون غير المالية للشركات الأمريكية لنحو 8.7 تريليون دولار، بيما بلغت الديون الأسرية نحو 13 تريليون دولار. وقد قفزت ديون الحكومة الفيدرالية لأكثر من الضعف منذ عام 2008 وقفزت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالى من 68% إلى أكثر من 106%. والواقع أن الفقاعات الاقتصادية من أكثر الظواهر السلبية لأنها دائما ما تكون غير منطقية، وعندما تنفجر تسبب الكثير من الأضرار. وهي تنشأ وفق (نظرية الأحمق الأكبر)، حيث يأمل كل شخص أن يكون هناك شخص أحمق أكبر سيدفع أكثر من أجل الأصول سعيا وراء الثراء السريع. وقد كشف تقرير لمحطة (سي ان بي سي) الأمريكية أن معظم المضاربين في اسهم مؤشر (ستاندر أند بورز) 500 اقترضوا بالأساس أموالا للشراء وبالتالى عليهم بيعها الآن لكي يحصلوا على السيولة ليسددوا ديونهم ويغطوا خسائرهم. وهناك ثلاثة أنواع مختلفة من الفقاعات توشك على الانفجار، أما الأولى فهي فقاعة غير عقلانية بسبب عقلية القطيع الجشع فبدون أي تغيير في الأصول فإن سعر المنتج يستمر في الارتفاع. ويشبه ذلك إلى حد كبير ما حدث للعملة الالكترونية (بيتكوين) والتي وصل سعرها لنحو 20 الف دولار قبل هبوطه إلى 7 آلاف أخيرا. وأما النوع الثاني فهي الفقاعة التي يحركها الدين وهي الأسوأ لأن الناس يُقبلون على المغامرة بالديون، على أمل عائدات ضخمة مثل الرهن العقاري وقد فقدت الطبقة الوسطى الأمريكية 40% من ثروتها بعد الأزمة المالية الطاحنة في عام 2008، لكنها نسيت كل ذلك في بضع سنوات. أما النوع الثالث فهي الفقاعة التي تتكون من تغذية الديون نفسها عبر طباعة الأموال داخل المصارف المركزية، وأسعار الفائدة المخفضة بصورة مصطنعة والتي تحددها أيضا البنوك المركزية إلى جانب المعايير الفضفاضة للقروض. ويشير التقرير نفسه إلى أنه منذ أزمة 2008، قامت البنوك المركزية الكبرى في الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان بضخ أكثر من 10 تريليونات دولار ثم ضاعفتهم المصارف التجارية إلى 100 تريليون دولار أو أكثر بفضل نظام الكسور الاحتياطية، وهو الإقراض بأضعاف الأصول المودعة. كما قام بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى بتنسيق أعمالهم وخفض أسعار الفائدة الرئيسية إلى سياسة الصفر تقريبا لمدة ثماني سنوات. وانتقد تقرير (نيشن أوف تشاينج) التخلي عن مفهوم الثروة الحقيقية بعدما تم استبدال الكسب والادخار بالاقتراض والإنفاق والمضاربة وفي هذه البيئة، تحولت أمريكا كلها إلى لاس فيجاس (مدينة امريكية تشتهر بأندية القمار)، وبات كازينو الرأسمالية هو القاعدة. وتتجلي الأزمة في تشوهات الاقتصاد، فمنذ عام 2008، نما الناتج المحلي الإجمإلى في الولاياتالمتحدة بنسبة 35% في حين نما سوق الأسهم بنسبة 270% وهو أمر غير منطقي بالكلية!. والسؤال الآن ماذا بعد؟ هذه المرة ليست مختلفة، فكل ما جرى منذ عام 2008 هو التنظيف والتكرار وسوف تبدأ فقاعات في الظهور قريبا في جميع أنحاء العالم باستثناء عدد قليل من البلدان مثل روسيا التي لديها ديون منخفضة جدا. ويعتمد التوقيت على مدى سرعة البنوك المركزية ورفع أسعار الفائدة. ويكفي رفع سعر الفائدة بنسبة 2-3% لإحياء الفقاعة، حيث ان أسواق السندات والإسكان وإعادة شراء الأسهم حساسة جدا لأسعار الفائدة. ومن الجدير بالذكر في هذا الصدد أن العائد على سندات الخزانة الأمريكية لعشرة أعوام قفز بالفعل 80 نقطة أساسية خلال الأشهر القليلة الماضية، حتى من دون أي مساعدة من بنك الاحتياطي الفيدرالي. ولكن الدولار الأمريكي انخفض بنسبة 12% مقابل العملات الأخرى في العام الماضي. ويحذر التقرير من أن فقاعة الديون توشك على الانفجار حيث تقترب الأسر والشركات من الحد الأقصى وعندما لا يكون هناك المزيد من المشترين الجدد سوف يتدافع الجميع نحو باب الخروج وحتما سيسقط الضحايا.