سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كبير الاقتصاديين في البنك الأهلي يحض الحكومة على طمأنة القطاع الخاص بالاستمرار في مشاريع البنية الأساسية . سعيد شيخ ل"الحياة" : دول الخليج الأقل تأثراً ب "الأزمة" ولا خوف على "المصارف" السعودية
اعتبر كبير الاقتصاديين في البنك الأهلي الدكتور سعيد شيخ، أن نموذج البنك الاستثماري التقليدي انتهى في السوق الأميركية، وصارت جميع البنوك تخضع لإشراف مجلس الاحتياطي الفيديرالي الأميركي البنك المركزي. وقلل في حوار مع"الحياة"من المخاوف بشأن تأثير الأزمة في القطاع المصرفي السعودي، وقال:"إنه بصورة إجمالية قطاع مصرفي محلي، وان أصوله في جانب القروض موجّهة بالكامل إلى السوق السعودية، وبالتالي فليس هناك انكشاف للقروض على الأسواق الخارجية، وغالبية استثمارتها موجهة إلى الداخل"، مشدداً على أن البنوك السعودية تتمتع برساميل عالية وملاءة مالية جيدة تفوق متطلبات"بازل 1"و"بازل 2"، ما لا يبرر أية مخاوف عليها. ووعن تأثر سوق الأسهم بالأزمة، قال إن السوق تأثرت بسبب المخاوف والهلع من دخول الاقتصاد العالمي فترة ركود طويلة أو ربما كساد اقتصادي، الأمر الذي أصبح مؤثراً في سلوك المتعاملين، مشيراً إلى أن الاكتتابات التي طرحتها هيئة سوق المال كانت ضرورية لتوسع السوق وإيجاد مجالات للاستثمارات، إلى جانب أهميتها في توفير التمويل للمشاريع التي تطمح المملكة الى تحقيقها. ولا يعتقد شيخ أن الاقتصاد الإسلامي يشكل بديلاً حالياً عن النظام الرأسمالي، نظراً إلى عدم وجود نظريات الاقتصاد الكلية، والأدوات التي تدار بها الاقتصادات، كالسياسة المالية والسياسة النقدية، إضافة إلى قلة الأبحاث والدراسات التي تعالج الجوانب الاقتصادية المختلفة في واقعنا الحاضر. وعزا أزمة الائتمان العالمية إلى ما وصفه ب"الإيمان الأعمى في قدرة السوق على تنظيم نفسه"...وهنا نص الحوار: كيف تفسرون الأزمة العالمية وما يحدث في الأسواق العالمية، خصوصاً أن هناك آراء تشير إلى أنها أزمة مفتعلة للحصول على عوائد النفط الخليجية؟ - أنا لا أؤمن بنظرية المؤامرة، فلا أعتقد أنها أزمة مفتعلة للحصول على عوائد النفط الخليجية، خصوصاً أن الاقتصاد الأميركي تضرر منها بشكل كبير جداً، أما التفسير الحقيقي للأزمة، فهو يأتي بالنظر إلى كيف بدأت في بعدها التاريخي، أي العوامل التي ساعدت في بروز الأزمة. فمن أجل تحفيز النشاط الاقتصادي في أميركا بعد انفجار فقاعة التقنية، وفي أعقاب أحداث 11 أيلول سبتمبر عام 2001، خفض البنك المركزي أسعار الفائدة إلى مستويات متدنية جداً، الأمر الذي شجع جميع القطاعات على الاقتراض سواءً الشركات أو الأفراد، وأحد هذه القطاعات هو قطاع الإسكان، وكان هناك توسع في هذا القطاع، نتيجة للطلب الكبير على المساكن، الذي اسهم في رفع قيمة المساكن، في الوقت الذي كانت فيه كلفة الاقتراض للرهن العقاري منخفضة، نظراً لتدني مستوى أسعار الفائدة. وتحت دوافع تحقيق الربحية العالية، أصبح هناك تهاون في الشروط والمتطلبات بالنسبة للمقترضين، ما أدى إلى دخول أعداد كبيرة في هذا القطاع من ذوي الملاءة المالية المتدنية، أي الأشخاص الذين لا يمتلكون القدرة الجيدة على السداد، إذ أطلق على هذه الأزمة، بأزمة الرهن العقاري ذات الملاءة المالية المتدنية. وعندما قام البنك المركزي بالتدرج في رفع أسعار الفائدة ارتفعت كلفة سداد الديون، ومع تباطؤ الاقتصاد الأميركي، وتراجع الطلب على المساكن التي بدأت أسعارها في الانخفاض بوتيرة سريعة في وقت ارتفعت فيه كلفة سداد القروض، ما أدى إلى تعثر في السداد، خصوصاً في فئة ذوي الملاءة المالية المتدنية، إذ وصلت نسبة التعثر في شهر تشرين الأول أكتوبر إلى 20 في المئة. ولكن كيف انتقلت الأزمة إلى خارج أميركا؟ - سبب انتقال هذه الأزمة من قطاع الإسكان إلى القطاع المصرفي في أميركا ثم إلى قطاع المال الدولي، أنه لم تكن سندات الشركات والأوراق المالية جذابة للمستثمرين في فترة تدني أسعار الفائدة عام 2001 وحتى 2005، فقامت بعض المؤسسات المالية بعملية التسنيد والدمج للرهون العقارية المتدنية الجودة ذات العائد العالي مع سندات عالية الجودة ولكن عوائدها قليلة، ليصبح العائد جذاباً للمستثمرين، إذ أطلق على هذه المنتجات المالية التزامات ضمان الدين والتزامات ضمان القروض وغير ذلك. ثم سعت هذه المؤسسات المالية إلى تسويق هذه المنتجات المالية إلى المصارف الاستثمارية في السوق الأميركية، ثم في السوقين الأوروبية والآسيوية، وأيضاً حتى في منطقة الشرق الأوسط، وإن كانت بنسبة بسيطة. وتعرضت هذه المنتجات المالية إلى خسائر كبيرة، بسبب تعثر المقترضين للرهون في السداد، إذ ان أجزاءً من أصول تلك المنتجات هي الرهون العقارية المتدنية الجودة، وهذا ما تسبب في انهيار مؤسسات مالية عملاقة، وتعرض البعض منها إلى خسائر ضخمة. ما الضمانات التي يجب اتخاذها لعدم تكرار ما حدث... ولحماية الأموال؟ - لقد انتهى الآن نموذج البنك الاستثماري التقليدي في السوق الأميركية، وصارت جميع البنوك تخضع لمراقبة وإشراف البنك المركزي. فلم تكن البنوك الاستثمارية تخضع للبنك المركزي الأميركي، إذ كانت تتبع لهيئة الأوراق المالية التي تنظم طرح الأسهم والسندات في البورصة الأميركية، أي لم تكن هناك ضوابط من البنك المركزي. وعلى رغم إلغاء النظام الذي وُضع العام 1933 الذي يفصل العمل بين البنوك الاستثمارية ونظيرتها التجارية في 1999، إلا أنه بقيت مجموعة من البنوك الاستثمارية مثل بير سترن، ومورغان ستانلي، لم تكن مرجعيتها البنك المركزي، وانهار عدد منها وتعرّض البعض لخسائر واندمج بعضها مع بنوك تجارية، وبالنسبة إلى غولدمان ساك ومورغان ستانلي، فمن أجل الحفاظ على وجودهما فإنهما دخلا تحت مظلة البنك المركزي الأميركي، وبالتالي مفهوم البنك الاستثماري انتهى، وأصبحت بنوكاً شبه تجارية تمارس النشاط الاستثماري. ما تأثير الأزمة في القطاع المصرفي السعودي؟ - القطاع المصرفي السعودي بصورة إجمالية هو قطاع مصرفي محلي، أي إذا نظرنا إلى أصول هذه البنوك نجد في جانب القروض أنها موجهة بالكامل إلى السوق السعودية، وبالتالي فليس هناك انكشاف للقروض على الأسواق الخارجية، أما في جانب استثمارات البنوك السعودية، فمعظمها موجّه إلى الداخل في سندات الحكومة السعودية، كما أن الجزء الآخر موجّه إلى الخارج في سندات الخزانة الأميركية التي تعتبر من الدرجة الاستثمارية العالية ذاتها. ولكن يوجد لدى البنوك السعودية في محفظة الاستثمار، بعض المنتجات المالية مثل التزامات ضمان الدين والقروض، وبعض صناديق التحوط، والاستثمارات المهيكلة في أسواق السندات الأميركية، ولكن بنسبة محدودة جداً، وقامت البنوك السعودية خلال الربع الثالث من العام الحالي بوضع مخصصات لتغطية هذه المنتجات الاستثمارية التي تعرضت إلى خسائر، ما أدى إلى تراجع أرباح البنوك في الربع الثالث بنسبة 9 في المئة مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي وبلغت 6.8 بليون ريال، وهذه الأرباح لا شك في أنها تؤكد سلامة المصارف السعودية، كما أن البنوك السعودية تتمتع برساميل عالية وملاءة مالية جيدة تصل إلى قرابة 12 في المئة، وهو ما يفوق متطلبات بازل 1 وبازل 2، ما لا يبرر أية مخاوف على البنوك السعودية. كيف تفسّرون ما حدث في بنك الخليج في الكويت؟ - ما حصل في بنك الخليج هو استثنائي، لكن الصورة لم تظهر بالكامل، ويبدو أن ما حصل هو نتيجة اتخاذ بعض العملاء قرارات استثمارية في ما يتعلق بالتداول في أسواق العملة، وتعرضوا إلى خسائر بسبب تغيّر أوضاع أسواق العملات في الأسابيع الماضية بحدة، ورفضوا تغطيتها، فاضطر البنك إلى تحمّل الخسارة، ولا يزال التحقيق جارياً من البنك المركزي الكويتي، ولذلك لا نستطيع تعميم حالة بنك الخليج في الكويت على البنوك في المنطقة. هل تؤيدون تأميم البنوك؟ وهل تعتبر الأزمة المالية إشارة إلى وجوب وضع ضوابط وقوانين من الحكومات على الأسواق المالية، حتى لا يتكرر ما حدث؟ - الهدف الأساسي من تملك الحكومات في أميركا وأوروبا حصصاً في بعض البنوك والدخول في ملكيتها هو إنقاذها من الإفلاس بعد تعرضها إلى خسائر أدت إلى تآكل جزء كبير من رأسمالها، فصارت عرضة للانهيار، وبالتالي فإن هذا التدخل من الحكومات يأتي نتيجة ظروف استثنائية، وهو تدخل مبرر لحماية ليس البنوك فحسب ولكن الاقتصاد ككل، ولا أعتقد أبداً أنها نهاية الرأسمالية. وسبب الأزمة هو الإيمان الأعمى بقدرة السوق على تنظيم نفسها، خصوصاً في مجال البنوك الاستثمارية، في نظري أن هناك تراث فكري اقتصادي تم بناؤه خلال القرنين الماضيين على نظريات أثبتت قدرة كبيرة في تحقيق هذا التطور الاقتصادي في أوروبا وأميركا، وهو ما حدا بكثير من دول العالم إلى تطبيق الرأسمالية من أجل النهوض باقتصاداتها، كما أعتقد أن الرأسمالية بإمكانها إصلاح ذاتها والرجوع ربما أفضل مما كانت عليه. والآن ستتدخل الحكومات لتنظيم القطاع المالي من جديد، وأتوقع أننا سنجد خلال السنوات المقبلة أنظمة أكثر صرامة في ما يتعلق بالعمليات البنكية، خصوصاً في مجال الاستثمار، وستكون هناك أيضاً بعض الإجراءات المقيدة لنشاط الاستثمار لضمان سلامة العمل المصرفي الاستثماري. ما رأيك في الاقتصاد الإسلامي، خصوصاً أن البعض يراه البديل الأمثل للنظام الرأسمالي؟ - لا شك في أن الاقتصاد الإسلامي يقع ما بين الرأسمالية والماركسية، إذ إنه يحمي الملكية الفردية في جانب، مع ضمان تحقيق المصلحة العامة، ولكن ما ينقص الاقتصاد الإسلامي عدم وجود نظريات الاقتصاد الكلية، والأدوات التي تدار بها الاقتصادات مثل السياسة المالية والسياسة النقدية، إلى جانب قلة الأبحاث والدراسات التي تعالج الجوانب الاقتصادية المختلفة في واقعنا الحاضر. وإذا كانت هناك بعض الدول في عالمنا الإسلامي أخذت بتطبيقات المصرفية الإسلامية، فلا يعني ذلك أنها تطبق الاقتصاد الإسلامي، وهذا ليس انتقاصاً من مفهوم الاقتصاد الإسلامي، بل هو نتيجة محدودية النظريات والأبحاث وقلة المتخصصين في الاقتصاد الإسلامي. ولا أعتقد أنه حالياً يشكل بديلاً للرأسمالية، إذ إن التطبيق الحالي محدود حتى في الدول الإسلامية، ومن أجل تطوير النظريات في الاقتصاد الإسلامي، على الدول الإسلامية بناء المراكز البحثية المتخصصة، وبناء الكوادر البشرية المؤهلة في هذا المجال، ومن ثم يتم العمل على الدراسات والأبحاث المتنوعة لمعالجة جميع القضايا الاقتصادية والمالية المعاصرة من منظور إسلامي. كيف ترون تعامل هيئة سوق المال ومؤسسة النقد مع الأزمة في بدايتها؟ - الأزمة حدثت بشكل مفاجئ، ولم يتوقع أحد أن تصل إلى المستوى الذي وصلت إليه في خلال أيام وأسابيع، وكانت مفاجأة ولم يكن هناك إلمام بالصورة الإجمالية، وإذا نظرنا إلى التصريحات التي صدرت في أميركا وأوروبا، لوجدنا تناقضاً وحيرة لناحية المسؤولين عن القرارات التي يجب أن تُتخذ، وبالتالي لا يجب أن نحمل الهيئة كثيراً في أمور قد تكون خارج إدارتها، وفي ظروف استثنائية يمر بها الاقتصاد العالمي. ما تقديراتكم لخسائر المستثمرين السعوديين والعرب في الخارج؟ - من الصعب وضع رقم حول حجم الخسائر، لكن بلا شك فإن المستثمرين السعوديين في الخارج مثلهم مثل أي مستثمر أجنبي تأثروا بهذه الأزمة، ولذا فإن تراجع مؤشرات الأسواق المالية في الولاياتالمتحدة وأوروبا بنسب عالية بين 30 و50 في المئة، يؤكد تعرضهم إلى خسائر، وتشير التقديرات إلى أن حصة المستثمرين الأجانب في سوق الأسهم الأميركية هي قرابة 12.5 في المئة من إجمالي رأسمال السوق البالغ نحو ثلاثة تريليونات دولار، أما بالنسبة للمستثمرين الخليجيين وبناءً على تقديرات مختلفة فإنها تصل إلى نحو 400 إلى 450 بليون دولار. ما تأثير الأزمة في الاقتصاد السعودي في المرحلة المقبلة؟ وهل من المتوقع أن نعاني من كساد؟ وهل ستؤثر الأزمة في مراحل خطط تنفيذ مشاريع المدن الاقتصادية؟ - لا شك أن هذه الأزمة المالية ستؤثر في العالم بما فيه منطقة الخليج، فنحن لسنا بمنأى عما يحدث في العالم، ولكن منطقة الخليج ومنطقة الشرق الأوسط بصورة عامة، تعتبر من أقل الدول المتأثرة بهذه الأزمة، ويرجع سبب ذلك إلى قلة انكشاف المؤسسات المالية لهذه الدول على أسوق المال الأميركية، فيما عدا عدد قليل من البنوك الخليجية، والتي أعلنت عن خسائر تصل في مجملها إلى نحو بليوني دولار، وهي ليست أبداً بحجم الخسائر التي تعرضت لها المؤسسات المالية في أميركا وأوروبا وشرق آسيا، إذ بلغ ما تم شطبه نحو 580 بليون دولار. بيد أن هناك انعكاسات سلبية لهذه الأزمة على قطاع النفط، إذ ان متوسط أسعار النفط خلال الأشهر الثمانية للعام الحالي بلغ 108 دولارات، في حين تراجعت الأسعار بنسبة 50 في المئة من أعلى مستوى وصلت له خلال شهر تموز يوليو إلى نحو 60 دولاراً للبرميل خلال الأسابيع الماضية. ومن المتوقع أن يصل متوسط أسعار النفط العربي الخفيف العام المقبل إلى حدود 68 دولاراً، لتصل نسبة التراجع إلى 25 في المئة عن مستوى أسعار النفط العربي الخفيف المتوقعة للعام الحالي، ولتحقيق هذا المستوى فإنه على الدول النفطية أن تقوم بخفض إنتاجها، إذ يُقدر أن ينخفض الإنتاج في السعودية بنحو 600 ألف برميل يومياً في العام المقبل عن متوسطه في العام الحالي البالغ نحو 9.3 مليون برميل يومياً، ليصل متوسط إنتاج نفط المملكة للعام المقبل إلى نحو 8.7 مليون برميل. وبلا شك فإن تراجع الأسعار مع هبوط الإنتاج سيؤدي إلى تراجع العوائد النفطية بالنسبة إلى المملكة للعام المقبل عن مستواها لعام 2008 الذي يعتبر مستوى استثنائياً، غير أنها ستبقى مرتفعة وقريبة من مستويات عام 2007. هل تتوقعون أن تؤدي الأزمة إلى إفلاس شركات سعودية؟ - لا أعتقد ذلك فالبنوك هي الجهة الوحيدة التي لديها انكشاف محدود على السوق المالية الأميركية، وليس هناك ما يشير إلى إفلاس جهات أخرى. برأيكم متى سيخرج العالم من هذه الأزمة؟ - هذا هو السؤال الصعب، لكن في تقديري إذا بدأت الحكومات في تنفيذ الآليات التي وضعوها لمعالجة الأزمة في أميركا وأوروبا وبعض الدول الأخرى، سواءً من خلال تملك حصص في البنوك، أو بضخ السيولة وخفض أسعار الفائدة، فسيكون هناك تحسن في النشاطات المالية على مستوى العالم، ولكن بشكل تدريجي ستأخذ المؤسسات المالية في أميركا وأوروبا وقتاً للتعافي، وإذا تعافت وبدأت في تفعيل نشاطاتها في التمويل للأفراد والشركات، وكذلك بدأت أسواق السندات والأوراق المالية للشركات في الانتعاش، فسيعاود الاقتصاد الأميركي، ومن ثم العالمي الانتعاش، وأتوقع أن تبدأ مرحلة الانتعاش في نهاية 2009 ومع بداية 2010. هل تعتقد بأن هذه الآليات والإجراءات كافية؟ - أعتقد بأنها كافية، أما من طريقة التنفيذ ومتابعة النتائج فيجب أن ننتظر حتى يُحكم عليها، إلا أن الحكومات يجب أن تكون على استعداد لوضع آليات جديدة إذا كانت النتائج تتطلب تدخلاً إضافياً، وكذالك إذا كان هناك تسارع في نمو السيولة، ما قد يؤدي إلى التضخم، ولذا يجب عليهم أن يكونوا متيقظين لمثل هذا الأمر حتى لا يخلقوا أزمة أخرى نتيجة لمستويات السيولة التي ستضخ في الأسواق المالية. قامت مؤسسة النقد ووزارة المالية بخطوات عدة لكبح التضخم قبل بدء الأزمة، لكن مع ذلك لم يكن الانخفاض كبيراً... ما السبب؟ - لدى مؤسسة النقد أدوات محدودة لمواجهة التضخم، والسبب هو ربط الريال بالدولار، ما يقيد المؤسسة في ما يتعلق بأسعار الفائدة في المملكة التي تبقى مرتبطة بمستويات أسعار الفائدة في أميركا. إلا أن مؤسسة النقد وضعت آليات أخرى، مثل رفع الاحتياط النظامي من 7 في المئة إلى 13 في المئة على الودائع الجارية، ورفع الاحتياط النظامي من 2 في المئة إلى 4 في المئة على الودائع الادخارية، كذلك أصدرت المؤسسة أذونات خزانة بنحو 63 بليون ريال خلال العام الحالي، ووصل مجموع الأموال التي استطاعت مؤسسة النقد امتصاصها من السوق نتيجة إلى رفع الاحتياط وأذونات الخزانة نحو 100 بليون ريال، وبذلك استطاعت المؤسسة كبح نمو السيولة. لكن التضخم له عوامل داخلية وخارجية، وأحد العوامل الداخلية هو نمو السيولة، ولذا فإن المؤسسة استطاعت إلى حد كبير كبح هذا النمو في النظام النقدي في المملكة. أما في الوقت الحالي، فقد شهدت السوق ندرة في السيولة أدت إلى ارتفاع سعر الإقراض البنكي على الريال بنحو 260 نقطة أساس فوق معدل إعادة الشراء العكسي الريبو العكسي ليصل إلى نحو 4.6%، ولذا قامت المؤسسة في الأسابيع الماضية بخفض مستوى الاحتياطي النظامي من 13 في المئة إلى 7 في المئة، وخفضت فائدة الريبو الى 4 في المئة. وكان أعلى مستوى للتضخم وصلنا إليه في تموز يوليو، وبعدها انخفض في آب أغسطس الماضيين، ومن المتوقع أن تتجه مستويات التضخم إلى التراجع أكثر، وذلك نتيجة لأسباب عدة منها: تراجع أسعار السلع الرئيسية عالمياً مثل الحديد والألومنيوم وغيره، كما أن أسعار النفط بدأت في التراجع وهي تشكل جزءاً من كلفة الإنتاج في كثير من الصناعات، وهناك تراجع في الطلب على جميع أنواع السلع، نتيجة إلى أزمة السيولة الدولية التي تمر بها الأسواق المالية، وبالتالي سيكون هناك انخفاض في أسعار السلع. وبالنسبة إلى المملكة، فنحن نستورد جزءاً كبيراً من المنتجات من السوق العالمية، ما يؤدي إلى انخفاض أسعار السلع محلياً، لذا فمن المتوقع أن تتجه مستويات التضخم إلى الانخفاض خلال الأشهر المقبلة من العام الحالي وحتى عام 2009. ما أسباب ارتفاع سعر عملة الدولار؟ - إن ارتفاع سعر الدولار أمام أسعار العملات الأخرى في الوقت الحاضر، محير نوعاً ما، لكن أحد الأسباب هي الطلب على الدولار بالنسبة إلى المستثمرين في بعض دول العالم لتغطية مديونياتهم على محافظهم الاستثمارية، بعد تراجع قيمة هذه المحافظ، والتي نتجت من تراجع أسعار الأسهم، وذلك لمنع تسييل محافظهم من البنوك. والسبب الثاني هو أن هناك دولاً كثيرة زاد طلبها على الدولار والاقتراض بالدولار من صندوق النقد الدولي، نتيجة احتمال تعرضها إلى الإفلاس، وهو أمر حدث في الأسابيع السابقة. والسبب الثالث، أنه عادةً يُنظر إلى الدولار في فترات الأزمات المالية كملاذ آمن، وذلك على رغم أزمات الاقتصاد الأميركي، ويُعتبر الدولار الملاذ الآمن لكل المستثمرين في العالم بعد خروج المستثمرين من أسواق الأسهم إلى أذونات الخزانة المقومة بالدولار، لأن الدولار يدعمه قوة الاقتصاد الأميركي الذي يمثل ثلث اقتصاد العالم. نقرأ عن تحسن بيئة الاستثمار في السعودية وعن استقطاب البلايين من رؤوس الأموال الأجنبية... كيف ترون تأثيرها في تراجع البطالة؟ - معالجة البطالة تأخذ وقتاً للحل وليس من المتوقع أن تحل مشكلة البطالة في فترة قصيرة، لأنها مرتبطة بقطاع التعليم ومخرجاته، إذ إن تهيئة كادر بشري تتناسب مؤهلاته مع متطلبات سوق العمل وتدريبه تأخذ فترات طويلة، وإذا نظرنا اليوم إلى مخرجات قطاع التعليم الجامعي، نجد أن نحو 55 في المئة من الخريجيين هم من حاملي التخصصات الأدبية والاجتماعية، في وقت هناك حاجة كبيرة إلى المجالات الهندسية والطبية والمالية، ما يعني وجود فجوة كبيرة ما بين متطلبات السوق والعرض المتوافر من خلال مخرجات التعليم. وبالتالي لن تحل هذه المشكلة بسهولة. وفي ما يتعلق باستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية والمشاريع الكبيرة التي تُنفذ حالياً في المملكة، نجد جزءاً كبيراً من مشاريع المدن الاقتصادية والمشاريع الصناعية لا تزال في مراحل التنفيذ، وهي تتطلب عمالة أجنبية أو شركات أجنبية لتنفيذها، إلا أنه بعد إتمام هذه المرحلة، والدخول في مرحلة الإنتاج، ستوفر هذه المشاريع فرصاً ووظائف للسعوديين، وبعدها تبدأ معدلات البطالة في الانخفاض. هل تعتقدون بأن العملة الخليجية الموحدة ستعلن في موعدها المقرر في 2010؟ - أعتقد بأن هناك تباطؤاً من دول الخليج في في ما يتعلق بالعملة الموحدة، وإمكان صدورها في 2010، إذ لا يوجد آليات أو خطط واضحة، مثل إنشاء البنك المركزي وموقعه، واسم العملة وغيرها من المتطلبات الأخرى. كما أن فك الكويت ارتباط عملتها بالدولار وربطها بسلة عملات، وانسحاب عمان من اتفاق العملة الموحدة على أن تدخل في وقت لاحق، يجعل تاريخ 2010 غير ممكن. ما تقويمكم لسوق الأسهم السعودية؟ - هناك تأثير نفسي في المستثمرين فيه نتيجة للأزمة المالية العالمة، وذلك بسبب المخاوف والهلع من دخول الاقتصاد العالمي فترة ركود طويلة، أو ربما كساد اقتصادي، ما أصبح مؤثراً في سلوك المتعاملين والمستثمرين في السوق، وللأسف فإن السوق يسيطر عليها المستثمرون الأفراد، إذ يشكلون حوالى 93 في المئة من إجمالي المتداولين، ولذا فالخوف والذعر دفعا بالأسعار إلى الهبوط الحاد الذي وجدناه خلال الأسابيع الماضية، على رغم أن السوق حققت نمواً في الأرباح خلال النصف الأول من العام الحالي بنسبة 12 في المئة مقارنة بالنصف الأول من العام الماضي. كما أن انكشاف معظم الشركات السعودية هو على السوق المحلية، إذا استثنينا الانكشاف المحدود للبنوك وقطاع البتروكيماويات، وذلك لأن أسعار الأخير تتأثر بالأسعار العالمية له، إلا أنه يبقى من القطاعات القوية في السوق. وأصبحت مكررات الربحية جذابة جداً في الوقت الحاضر، إذ تبلغ بين 10 و 12 في كثير من الشركات في سوق الأسهم السعودية، إضافة إلى توسع السوق من خلال إدراج مجموعة من الاكتتابات في السنتين الماضيتين والعام الحالي والتي أسهمت في زيادة عمق السوق، وعليه تم إدخال قطاعات جديدة في السوق مثل قطاع التأمين والبتروكيماويات والاتصالات. وأعتقد بأنه بعد وضوح الرؤية بالنسبة إلى الأزمة المالية العالمية، سيتجه مؤشر السوق إلى الارتفاع. هناك آراء تُحمّل هيئة سوق المال أسباب تذبذب مؤشر السوق، خصوصاً بعد إقصائها لشركات كثيرة للاكتتاب في فترة زمنية قصيرة، ما تعليقكم؟ - الاكتتابات ضرورية لتوسعة السوق وإيجاد مجالات للاستثمارات، إلى جانب أهميتها في توفير التمويل للمشاريع التي تطمح المملكة إلى تحقيقها، مثل مشاريع الطاقة أو مشاريع المدن الصناعية أو البتروكيماويات، ولا يمكن تحميل الهيئة بكل ما يتعلق بأداء السوق، إلا أنني أرى أن بعض القرارات التي أعلن عنها لم تكن واضحة، وخلقت نوعاً من سوء الفهم لدى بعض المستثمرين والمتعاملين في السوق، وأتت هذه القرارات على وتيرة سريعة لم يتم استيعابها بالشكل الكافي في السوق، وربما سببت إرباكاً للمستثمرين، خصوصاً أن المستثمرين الأفراد يسيطرون على حركة التداول في السوق. هناك اتهام للمصارف بعدم وقوفها إلى جانب صغار رجال الأعمال، وتحابي كبار رجال الأعمال، هل تعتقدون بصحة ذلك؟ - أعتقد أن في هذا الاتهام مبالغة، فجزء كبير من الشركات الحالية الكبيرة الموجودة في السوق، ما كانت لتكون موجودة لولا دعم البنوك لها من سنوات طويلة، وذلك سواءً في قطاع العقار أو البناء أو تجارة السيارات أو الصناعة. وكثير من هذه الشركات بدأ مؤسسات صغيرة مولتها البنوك ودعمتها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم. ولكن البنوك تحافظ على ودائع المودعين وحقوق المساهمين، لذلك لها متطلبات يجب على الشركات الصغيرة إيفاؤها، مثل أن تكون لديها موازنة مالية سليمة، والتأكد من جدوى الاستثمار بالنسبة لصاحب المشروع الصغير. تنويع الاستثمار يقلّل آثار المخاطر المستقبلية لا يعرف الدكتور سعيد شيخ بالكامل عن مدى انكشاف شركات التأمين على شركات إعادة التأمين الدولية،"ففي الوقت الحاضر لم تظهر بيانات تُبين حجم انكشاف هذه الشركات التأمينية على الشركات التي قد تكون تعرضت إلى خسائر". ويضيف:"بالنسبة إلى شركة التأمين الدولية AIG، تم دعمها من الحكومة الأميركية، ما حدّ بشكل كبير من خسائرها. إذ ضخت الحكومة قرابة ال 120 بليون دولار إلى الشركة، لما تمثله من أهمية بالنسبة إلى الاقتصاد الأميركي وحتى إلى الاقتصاد العالمي، إذ يوجد لا يقل عن 360 مليون مشترك يحمل بوليصة تأمينية من AIG على مستوى العالم، ولا أعتقد وجود أي خطر الآن على حاملي البوليصات لأن الحكومة الأميركية ضخت السيولة المطلوبة في هذه الشركة لإبقائها مستمرة في عملها". وعن أسباب عدم وجود شركة سعودية تنافس شركات خليجية وضعت قدمها في السوق العالمية للعقار والمقاولات أوضح:"جزء من الأسباب، أن هذه الشركات الخليجية حظيت بدعم حكومي كبير بوسائل مختلفة، ما مكنها من الوصول إلى العالمية. إذ هناك تركيز في بعض الدول من الحكومة على مؤسسات كبيرة ليس في قطاع الإنشاء وحده، بل في قطاع المال، وكانت حكومة دبي وراء عملية دمج بنك الإمارات الدولي مع بنك دبي الوطني، لخلق مؤسسة مالية كبيرة وعملاقة، تستطيع أن يكون لها تواجد إقليمي وربما عالمي. والأمر موجود في السعودية، فتُعتبر سابك شركة دولية لناحية إمكاناتها وتواجدها العالمي، ولكن لا يوجد تركيز على هذا الأمر مثل ما هو موجود في حكومة دبي مثلاً". وحول خطوة السعودية في رفض إنشاء صناديق سيادية، صائبة، في وقت تحقق دول الخليج أموالاً طائلة من وراء الصناديق أكد:" من المهم تخصيص جزء من الاحتياط الرسمي للاستثمار في قطاعات مختلفة وفي دول مختلفة وعملات مختلفة، إذ إن تنويع الاستثمارات سيسهم في تقليل آثار المخاطر المستقبلية على أداء هذه المحفظة الاستثمارية، وفي جانب آخر ستحقق هذه الاستثمارات المتنوعة، سواءً من خلال شركة أو صندوق سيادي، عائداً أعلى من تلك الاستثمارات في سندات الخزانة الأميركية الذي يكون العائد عليها عادةً متدنياً".