لم يكن انتقال المرحومة بإذن الله "أم غانم" كما تحب أن تنادى - في يوم"عرفة"أفضل أيام السنة، يوماً عادياً على أهل طريب وضواحيها، فقد كانت الفقيدة"رحمها الله"ذات باع طويلة في البناء والألفة بين الناس، وذات حضور اجتماعي وإنساني كبير لأهل طريب وضواحيها، فقد كانت مثالاً يحتذي في الصبر وتربية الأيتام والمثابرة والعمل الجاد والمخلص لزوجها وأسرتها المكونة من رجلين، أحدهما والدي وابنتان توفيت إحداهما قبل سنة ونصف السنة. يوم عرفة العظيم جعله الله تعالى خاتمة لجدتي"نورة"عن عمر يناهز 105 سنوات، التي جعلت من قرية"الحرجة"قصة كفاح وعشق للعمل والبناء والعمار في الأرض مع شريك حياتها المرحوم بإذن الله عبدالله بن حضرم، إذ كانا مثالاً في الصبر على الأذى ومقابلة الإساءة بالإحسان والكرم غير المصطنع. قرية"الحرجة"التي كانت أرضاً جرداء قاحلة لا يوجد بها من مقومات الحياة أي شيء، حتى سخر الله لها"أم غانم"وابا غانم فأصلحا الأرض بالحرث وحفر الآبار والزراعة وإحضار العمالة الوطنية المثابرة التي كانت تدفعها لقمة العيش للعمل بشرف ونخوة للحصول على ما يسد الرمق ويؤمن الحياة الكريمة لهم... الجدة"نورة"ذات القلب الرحيم والعقل المنفتح كانت عمدة الحارة ومرجعها في بعض الأحيان، يجتمع لديها الكبير والصغير، النساء والرجال، لأخذ رأيها ومشورتها في بعض الأمور، كانت علامة بارزة في لم شمل الأسر وتقديم المعونة والنصيحة لكل أسرتها وجيرانها، كانت رحمها الله ذات حضور مميز، كان الكبير يهابها قبل الصغير حياءً واستحياءً واحتراماً. كل من قام بتقديم واجب العزاء اثنى عليها وعلى ما قامت به من أعمال جليلة... نسأل الله العظيم أن يجعل ذلك في موازين أعمالها، عاشت حتى آخر لحظات عمرها توصي بالصلاة والمحافظة عليها، وهي التي عُرف عنها قيام الثلث الأخير من الليل، وتطلب من الجميع الاقتداء بالآباء والأجداد في حبهم للعمل والاخلاص للوطن، كانت تطلب من النساء الصبر والعمل على راحة أزواجهم، وتحثهن على تربية أولادهن التربية الحسنة والطيبة، كانت تطلب من أولادها وأولاد أولادها احترام الآباء وإكرام الضيف والعناية به، كانت توصي بالتراحم وصلة الأرحام. لقد كان لفقدها كبير الأثر على أبنائها وبناتها وأسرتها أجمع وعلى أهل طريب، وقد كان ذلك حاضراً ومؤثراً في الصلاة عليها والسير خلفها في مقبرة"أبو دبيل"رحمها الله رحمة واسعة، وأسأل الله سبحانه أن يجعل ما قدمته وما قامت به في موازين أعمالها. وأقول لنا وللجميع بأن الموت زائر لا مفر منه وهو حق على جميع خلق الله، فماذا نحن فاعلون، وماذا أعددنا لآخرتنا، اللهم ارحمها رحمة الأبرار وانزلها منزلة الأنبياء والصديقين، واجعل قبرها روضة من رياض الجنة وأموات المسلمين يا رب العالمين. سعود بن غانم العابسي - طريب [email protected]