كنت أقود سيارتي وأستمع الى إذاعة البي بي سي الانكليزية، إذ كانت تبثّ مقابلة مع إحدى ضحايا دارفور، وهي امرأة لاجئة في بريطانيا، كانت تقول"أكره العرب، وأتمنى لو أستطيع أن أقتلهم جميعاً"... لفت انتباهي سماع هذه الكلمات، فرفعت صوت المذياع وبدأت أنصت لقصتّها باهتمام، إذ كانت تروي كيف تعرضّت للاغتصاب مرات عدة أمام أنظار زوجها، وكيف تمّ قتل الكثير من الناس وتشريد آخرين من الجانجويد العرب، وعلى غرار الكثير من اللاجئين فقد قدمت هذه المرأة إلى بريطانيا برفقة زوجها، ووعدت أنها ستهَب ما تبقّى من حياتها في سبيل قضية دارفور ومحاربة العرب! وقع حديثها عليّ وقع الصاعقة، أولاً، بسبب فظاعة الجريمة التي تعرّضت لها هذه المرأة، وثانياً، ما قالته عن كرهها للعرب وتعميمها لهذا الشعور الرهيب ضدّ العرب أجمعين! ربّما نكون التزمنا الصمت كعرب حول ما يحدث في درافور لفترة طويلة من الوقت، لكني سمعت مرّة خلال حديثٍ لي مع أحد الأخوة السودانيين أن الموضوع هو مجرّد تضخيم إعلامي، وأن حقيقة ما يحصل هناك هو عبارة عن حروب قبليّة بين القبائل من أجل السيطرة على مصادر المياه، وهو أمرٌ ليس بالجديد، حتى أنّ أحدهم ألقى اللوم على أحد المستعمرين الذين يودّون العودة إلى السودان والبحث عن آبار النفط ومناجم اليورانيوم التي تنتشر في تلك المنطقة. وإذا قلنا إن الموضوع مجرّد كذب وافتراء، وأنّ هناك تضخيماً إعلامياً، تنطوي خلفه سياسة تهدف للنَيل من وحدة السودان والتفرقة بين المواطنين من أجل الاستيلاء على ثروات هذا البلد، فما موقف الإعلام العربي ممّا يحدث؟ ولِمَ لا نرى مراسل الجزيرة يتحدث إلى الضحايا المنكوبين؟ أو لم نسمع رد الجنجويد على مزاعم الاغتصاب والقتل والإبادة من إخوانهم أهل دارفور؟ ولم نرَ مندوبة قناة"العربية"تتجوّل في المخيمات سائلةً اللاجئين عمّن طردهم من منازلهم؟ ولِم لا يعودون إلى ديارهم وأراضيهم؟ نريد أن نعرف الحقيقة، فقط لا غير، يا أيها الإعلام العربي، لم أتمكّن من نسيان صوت تلك السيدة من دارفور، أحسست بالذنب، أحسست بالخجل، كما أحسست بالظلم، وأحسست بالذنب لأنه إن كان هناك إبادة وتكتّمنا عليها، فعندها لا يعود هناك قيمة لا للدمّ الفلسطيني الذي نبكيه إزاء قتل الاسرائيلي، ولا للهّم اللبناني الذي نتسابق للاطمئنان عليه، فكلاهما ليسا أغلى من الدم الدارفوري المستباح، إذا صحّ الادعاء، لقد أحسست بالظلم، إذ تكرهني سيدة لا أعرفها لأني عربي، ولذنب لم أقترفه! نحن أمام واقع عربي رهيب، يجب علينا نصرة إخواننا في السودان إن كانوا مظلومين أو ظالمين، إن كانوا مظلومين يجب علينا كشف الحقيقة وتسليط الضوء على ما يحصل في دارفور، يجب إرسال المعونة للمحتاجين وسحب البساط من الإعلام الغربي بنقل الحقيقة من داخل مخيمات دارفور، يجب دعم الجيش السوداني والحكومة السودانية في إحلال الأمن في البلاد والوقوف ضدّ المحكمة الدولية وقفة الرجل الواحد. أمّا إن كانوا ظالمين، وكانت الأرقام التي يتناقلها الإعلام الغربي صحيحة عن قتل 300 ألف شخص وتشريد الملايين، واغتصاب آلاف النساء فحينها يجب ردع الحكومة والجانجويد عن عملهم، وإحالة مرتكبي الجرائم إلى العدالة حتى لو كان بينهم الرئيس السوداني نفسه. كنت أشعر بالغضب في كل مرّة أسمع فيها عن موضوع دارفور الذي تبنّتة المنظمات الانسانية العالمية، وبالأخصّ اليهودية التي تضخّم ما يحدث في دارفور، في حين تتغاضى عن غزّة ومجازرها، كنت أصدّق كلام إخواني السودانيين عن أطماع الغرب في ثرواته واعتقدت أنها مؤامرة دولية يهودية لصدّ الأنظار عن احتلال الأراضي الفلسطينية والقتل الاسرائيلي، لكنّ كلام هذه السيدة عبر المذياع وكُرهِها للعرب، جعلني أفكّر ثانية، في ما الذي نصدّق مما نسمعه وما نراه على شاشات التلفاز يوماً بعد يوم؟ وهل نقف مكتوفي الأيدي؟ أو ليس شعب دارفور، خصوصاً ذوي العروق الإفريقية، إخواناً لنا في الدين؟ فلماذا إذاً لا نهبّ لنصرتهم، حتى ولو كان القاتل أحد أبناء عمومتنا؟ ألسنا جميعاً أخوة في الدين، ولا فرق بيننا إلاّ من حيث التقوى؟ أين منظمات الإغاثة الإسلامية؟ ولما لا يسافر شبابنا لتقديم المعونة إلى أطفال دارفور، وحفر الآبار، وبناء المساكن للمهجرين؟ اين الضمير العربي والمسلم من كلّ هذا يا تُرى؟ لن يمكننا الدفاع عن قضيتنا الأولى فلسطين، في حين نغض النظر عن دارفور، لن نستطيع أن نتّهم الغرب بالكيل بمكيالين، ونحن نتمثّل به في غض النظر عن التهجير والقتل الحاصلان بدارفور! لو وقف العرب جنباً إلى جنب مع أهل دارفور الأفارقة، ما كانوا طلبوا نصرة الغريب، ولما أشهرت هذه السيدة كرهها للعربّ، ولما كنّا نفقد إخواننا الذين لجأوا لمتحف الهولوكوست في واشنطن للحديث عن مجازر دارفور، ويا ليت هذا المتحف فتح أبوابه لأهل غزة ليتحدثوا عن المجازر الاسرائيليّة فيه! أخطأ العرب سابقاً عندما سكتوا عن استعمال صدام للأسلحة الكيماوية ضدّ الأكراد، فهل نقف موقف الحق هذه المرّة ونكشف حقيقة من المسؤول عمّا حدث ويحدث في دارفور؟ لن نستطيع أن نخبّئ رؤوسنا في الرمال بعد الآن، فما تنقله كاميرات القنوات العالمية جريمة، ويجب علينا عدم السكوت عنها في أيّة حال من الأحوال. [email protected]