حتى ونحن في خضم الفرحة بأن محافظة جدة هي أولى وأسرع المحافظات التي بادرت وجعلت لها منسقين ومنسقات في كل مركز صحي أو كل مستشفى في وقت قياسي، ما زلنا نتابع الأخبار المؤلمة التي نسمعها عن التعليم بالتعذيب، فها هي ابنة الابتدائي تفصح عما فعله بها عمها الفاضل، لأنها لم تذاكر درس الجغرافيا جيداً. وها هو محمد يلحق بها بعد أن قام أخوه"غير الشقيق"بحرقه بعد تسخين المفتاح حتى أصبح أحمر اللون لأنه"سرق"من محفظة والده 16 ريالاًَ! التطورات الأخيرة توحي بما لا يدع مجالاً للشك أننا نعقد محاكم خاصة في منازلنا، وأننا نتطوع ونقاضي تلميذة أهملت في مادة الجغرافيا أو حتى في مادة التفصيل، وأصبحنا نتولى نحن إدانة المتهمين والمتهمات وننفذ العقوبات عليهم بأنفسنا! لن أنسى بالطبع زوجة الأب التي هددت ابنة زوجها بالحرق وتخزيق عينيها لأنها لم تجوِّد سورة البينة كما ينبغي، ولم أنس الأب الذي كان يضرب ابنه الشاب بعصا في آخرها مسمار، لأنه لم يستيقظ لصلاة الفجر، ولا يمكن ان أنسى سبه له بعد عودة الأب من أداء الصلاة وهو سب المفترض أن يعاقب عليه القانون. ناصر لمن لا يعرفه هو أخو شرعاء الأصغر الذي شاهد بعينيه وقائع الجريمة الشنعاء التي قام بها الوالد بمساعدة زوجته والتي انتهت بمصرع الفتاه وهي معلقة على أحد الأبواب... ناصر الطفل الصغير شاهد ذهاب الأب وزوجته للتسوق وعاش مراحل انتفاضة جسد أخته وطلوع روحها البريئة، وشاهد المجرمين يعودان من السوق ليغيرا لها ملابسها، بل وتعرض هو نفسه للضرب والتهديد بالمصير نفسه إذا ما أخرج ما في جعبته ما رآه يحدث لأخته حتى ماتت! الآن ناصر بين نارين نار الجدة التي تطالب به ونار الأم الملتاعة، وما يدعو للاستغراب أن أحداً لم يهتم بعرض الطفل على متخصص نفساني لمعرفة مدى تأثره بالجريمة التي شاهدها. وها نحن اليوم نسمع عن واسطات من هنا وهناك للعفو عن معذبة الطفلة رهف، التي تأخر كثيراً عقابها وأغفل دور الأب الذي لم يعاقب بعد، على رغم أنه المحرض الأساسي، وينطبق عليه القول:"إن كنت تعلم فتلك مصيبة وإن كنت لا تعلم فالمصيبة أعظم"والذي أعرفه جيداً أن معذبة رهف مديرة مدرسة وعضو في لجنة"المفترض أنها خيرة"تسعى لبث المحبة بين الناس وإزالة الخلافات بينهم، فإذا كانت هي نفسها تمارس التعذيب في الخفاء فالمفترض ان تكون العقوبة أكبر وأقسى، وليس السعي لإلغاء العقوبة التي تأخرت كثيراً، ما ساعد على ظهور تحركات الوساطة، علماً بأن البطء في تطبيق العدالة ظلم، لأنه ربما شجع البعض على الاستمرار في عبثه وساديته مطمئناً إلى تأخر التبليغ، أو الخوف من التبليغ ! لا أدري لماذا أشعر بأن كل المحاولات لإرساء قواعد حقوق الطفل تقوض، تحت مبررات كثيرة أتخيلها ولا أستوعبها، ولا تغادرني مقولة الحبيب محمد"صلى الله عليه وسلم":"لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها". suzan_almashhady @hotmail.com