تشهد المملكة العربية السعودية مرحلة تحول تاريخية في مسار التقنيات المالية (FinTech)، إذ أصبحت المدفوعات الرقمية والتمويل الرقمي ركيزة أساسية من رؤية المملكة 2030. وتقود المملكة، من خلال استثماراتها الطموحة حركة تطوير شاملة تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الرقمي وإحداث نقلة نوعية في القطاع المالي. وقد ساهمت التقنيات المالية في السعودية في تقليص نسبة الأفراد غير المتعاملين مع البنوك بنحو 18% منذ 2018، وهو ما يساهم في تعزيز التنمية المستدامة ودعم الاقتصاد الوطني من خلال توسيع دائرة المستفيدين من الخدمات المالية. وفقًا لتقرير البنك المركزي السعودي لعام 2024، تجاوزت المدفوعات الرقمية 60% من إجمالي المدفوعات في المملكة، مقارنة بنسبة 57% في العام السابق، مما يعكس تطورًا ملحوظًا في سلوك المستهلكين. وتهدف إلى الوصول إلى مجتمع غير نقدي بالكامل بحلول 2030، مدفوعة بانتشار المحافظ الرقمية ومنصات الدفع عبر الهواتف الذكية، بالإضافة إلى دعم البنية التحتية التكنولوجية. هذا التوجه نحو الرقمنة لا يقتصر على المملكة، بل يمتد إلى منطقة الشرق الأوسط. ووفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة "أكسنتشر" لعام 2024، بلغت الاستثمارات في FinTech في المنطقة نحو 3.2 مليارات دولار، وهو ارتفاع بنسبة 23% مقارنة بالعام السابق. تعكس هذه الأرقام الاهتمام المتزايد بدور التكنولوجيا المالية في تطوير اقتصادات المنطقة وجذب شريحة أوسع من العملاء، لا سيما في مجالات الشمول المالي والتسهيلات المالية لغير المتعاملين مع البنوك. أما على الصعيد العالمي، تتجه المؤسسات المالية إلى تعزيز استثماراتها بشكل غير مسبوق. وقد أظهرت دراسة حديثة أجرتها "برايس ووترهاوس كوبرز" أن 92% من المؤسسات المالية الكبرى في العالم تخطط لتوسيع استثماراتها خلال السنوات الخمس القادمة. ومن المتوقع أن ينمو حجم السوق العالمي ليصل إلى 360 مليار دولار بحلول عام 2026، مما يبرز الأهمية المتزايدة لهذا القطاع كعامل رئيس في إعادة تشكيل الاقتصاد الرقمي العالمي. الجهات الحكومية في المملكة تعمل على تعزيز الجانب الأمني في التعاملات الرقمية. فمع تزايد التهديدات السيبرانية وتحديات حماية بيانات المستخدمين، تبنّى البنك المركزي سياسات صارمة لضمان الأمان الرقمي، من خلال إطلاق مبادرة "أمن المدفوعات" وتحديث القوانين لحماية بيانات العملاء وتعزيز الثقة في الخدمات الرقمية. وفي ضوء هذا التطور، يبرز التحول نحو تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات كعامل محوري لتحسين تجربة العملاء وتقديم خدمات مالية مخصصة تتوافق مع احتياجاتهم. تعمل المملكة على دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في نظمها المالية لتعزيز الكفاءة وتقليل التكلفة، مما يسهم في تحقيق اقتصاد رقمي متقدم يلبي تطلعات المواطنين ويجذب الاستثمارات الأجنبية. ومع استمرار هذا الزخم في عام 2024، يتوقع أن تلعب التقنيات المالية دورًا أكبر في تعزيز مكانة المملكة العربية السعودية كمركز إقليمي لريادة FinTech.