تُطل الطفلة "رهف" اليوم على الجمع، ممسكة بباقة من الزهور كانوا قد وضعوها إلى جوار سريرها الأبيض. ترشقهم بالورد وهي تغني لانتصار الطفولة وأحلام الصغار. تضحك كثيراً هذه المرة بعد أن ظلت لأيام طوال رفيقة للبؤس"المركب"والبكاء. قصة"رهف"ذات الأعوام السبعة كُتبت بمداد من العذابات والألم، ولكنها ككل الحكايات المحبوكة بالحزن، جاءت نهايتها سعيدة، وعدالة السماء سبقت عدالة الأرض، بعد أن وقف مجتمع بأكمله ضد من تسبب بتعذيبها والنيل من طفولتها. المدرسة، والمستشفى، والصحافة، والمجتمع، والجمعيات الحقوقية حتى دخلت قضيتها أروقة المحاكم فكان الحكم الأول من نوعه في قضايا"العنف الأسري"بثلاثة أشهر وخمسين جلدة. "رهف"لم تكن يتيمة الأب والأم، ولكنها عاشت"اليُتم"بكل تفاصيله الموجعة، فأبوها طلق أمها منذ أن كانت رضيعة لا تفرق بين الأشياء والملامح، ثم وعت على ما حولها في منزل يرضخ تحت رحمة زوجة الأب التي لم تعرف العطف والحنان طريقاً إلى قلبها، ربما لأنها لم تخض تجربة"الأم"، وربما لأنها تعيش أصلاً بلا قلب، لكن في كل الأحوال كانت جميع الدلائل قادت قاضي المحكمة الجزائية في الطائف إلى أن يرميها في السجن بتهمة المساس بالبراءة ومحاولة لجم قهقهات الطفولة العذبة. قبل أن تدخل"رهف"المستشفى للعلاج عن الحروق والكدمات التي انتثرت على جسدها الغض، كانت تخفي آلامها وآثار التعذيب الذي لحق بها في ليلتها السابقة عن زميلاتها ومعلماتها في المدرسة. كانت تركض في الفناء وتغني الأناشيد وتكتب الحروف في أولى سنواتها الدراسية. وقبل أن يعلن الجرس نهاية يومها الدراسي، تتذكر البيت وصراخ زوجة أبيها ودموعها التي تؤنس بها ظلمة الغرفة, فتتمنى لو أن المدرسة بيتها وأن المعلمة أمها. من مدرستها الابتدائية السابعة والخمسين، عرفت قضية الطفلة رهف النور بعد أن أخذت مديرة المدرسة نادية مغربي على عاتقها هم إيصال القضية إلى كل صاحب ضمير حي. أبلغت إدارة التربية والتعليم عن وجود طفلة معذبة ينز جسدها بالكدمات والحروق، فأوصت الإدارة بنقلها إلى المستشفى وتسجيل الحال لدى الجهات الأمنية. وقضت رهف أسبوعين على السرير الأبيض، وسط متابعة طبية ونفسية فائقة واهتمام رسمي ومؤسساتي منقطع النظير، حتى خرجت لتعيش في منزل جدها"عم والدها"نزولاً عند طلبها، وما زالت تعيش فيه حتى اليوم. قضية الطفلة"رهف"وُضعت على طاولة وزارة العدل عن طريق والدتها"المطلقة"التي حضرت متأخرة لتجد طفلتها حديث الناس والمجتمع. طالبت والدة رهف القضاء بإنصاف طفلتها وتعزير من عذبها، وأوكلت في ذلك المحامي الاختصاصي في قضايا العنف الأسري محمد السالمي. ولم تتوقف القضية عند هذا الحد، فالمرأة المتهمة بتعذيب الطفلة راحت تناور لتبعد التهم عن طريقها فرفعت هي الأخرى قضية ضد زوجها"والد رهف"تتهمه بممارسة العنف معها ومحاولة الصاق تهمة تعذيب الطفلة بها واستنجدت في ذلك بمحام آخر ولكن من دون جدوى، فالحكم صدر ضدها بالسجن والجلد و"رهف"عاودت ممارسة الطفولة والركض والغناء.