صدر مؤخرًا في المملكة العربية السعودية نظام الطوارئ الجديد، ليشكل نقلة نوعية في تعزيز جاهزية المملكة واستعدادها لمواجهة الأزمات والكوارث. ويهدف النظام إلى تطوير آليات الاستجابة السريعة للتعامل مع حالات الطوارئ من خلال وضع خطط شاملة ومتقدمة لحماية الأرواح والممتلكات، بما يعزز استقرار المجتمع ويضمن استمرارية الخدمات الأساسيةفي ظل الأزمات. يضع النظام إطارًا قانونيًا ينظم التنسيق بين الجهات الحكومية والخاصة ويوحد الجهود المبذولة، مؤكدًا التزام المملكة بتعزيز الأمن والسلامة العامة عبر استخدام أحدث التقنيات وتطبيق أفضل الممارسات العالمية. من أبرز ما جاء به النظام الجديد تعريفه للبنى التحتية الحساسة، حيث نصت المادة الاولى على أن البنى الحساسة: الأصول والمنشآت والمرافق العامة والخاصة والنظم والشبكات بما في ذلك المباني والطرق ووسائل المواصلات ومرافق الماء والغاز والنفط والكهرباء والاتصالات والبناء التحتية الأخرى التي يؤدي تعطلها أو توقفها أو تدمرها أو إتلافها أو إعاقة الوصول إليها إلى وقوع الحدث الطارئ أو التهديد الوشيك بوقوعه او إعلان حالة الطوارئ". يعد هذا التعريف مطلبًا طال انتظاره، حيث يسهم في تحديد نطاق المسؤوليات والواجبات للجهات المعنية، ويعزز التنسيق والتكامل بين مختلف القطاعات لضمان حماية هذه البنى التحتية الحيوية. كما يساهم في وضع خطط طوارئ أكثر دقة وفعالية، ويعزز من قدرة المملكة على التصدي للتحديات والمخاطر المحتملة. كما أن هذا التعريف للبنى التحتية الحساسة يساهم بشكل كبير في تحديد الأولويات عند وضع أطر وسياسات خاصة بالطوارئ، لا سيما فيما يتعلق بالأمن السيبراني. وفيما يتعلق أيضًا بقطاع الطاقة، يُعد هذا القطاع من القطاعات الحساسة والأساسية في المملكة، كونه يشكل العمود الفقري للاقتصاد الوطني ويعتمد عليه المجتمع في تلبية احتياجاته الحيوية. يسهم النظام الجديد في توجيه الجهود لحماية بنى الطاقة التحتية، مثل محطات التوليد، وخطوط النقل، ومنشآت النفط والغاز، من خلال تضمينها ضمن تعريف البنى الحساسة. هذا التحديد يتيح وضع سياسات وإجراءات طوارئ دقيقة تضمن استمرارية عمل قطاع الطاقة وحمايته من المخاطر المحتملة، سواء كانت طبيعية أو ناتجة عن التهديدات السيبرانية، ما يعزز الأمن والاستقرار الاقتصادي للمملكة. ومن جهة أخرى عرف النظام الحدث الطارئ حيث نصت المادة الثانية على أنه "لأغراض النظام يقصد بالحدث الطارئ أي حدث أو حوادث تؤدي إلى الإضرار به الأفراد أو البنية الحساسة أو البيئة أو الصحة أو السلامة العامة أو الأمن أو النظام العام أو استقرار المملكة أو سيادتها أو استمرارية الأعمال أو الاقتصاد أو موارد المملكة بصورة جوهرية أو التهديد الوشيك بأي منها ويشمل ذلك الكوارث والبراكين والزلازل والفيضانات والحرائق والحوادث النووية والكيميائية والبيولوجية والحروب العسكرية والإلكترونية والسيبرانية والكيميائية والبيولوجية والعمليات الإرهابية والعدوان والعصيان المسلح والاضطرابات والشغب والاوبئة والجوائح". يُلاحظ أن التعريف شمل الحروب الالكترونية والسيبرانية على وجه التحديد. وهو أمر بالغ الأهمية وفي وقتنا الحالي بات التأثير على البنية التحتية السيبرانية بمفردها جديرا بأن يؤثر على شتى القطاعات الحيوية الأخرى في المملكة. مع ذلك كان من الأفضل ذكر الحروب الالكترونية منفصلة عن العمليات السيبرانية. حيث إن استخدام مصطلح "العمليات" سيشمل كل انواع الهجمات السيبرانية وحتى التي لا ترقى الى تكييفها كحرب ولكن ضررها يؤثر على البنى التحتية الحساسة. كما أنه في إطار نظام الطوارئ، تم تضمين حماية البنى التحتية للطاقة ليس فقط ضد التهديدات الطبيعية والتقليدية، بل أيضًا ضد المخاطر المناخية المتزايدة مثل ارتفاع درجات الحرارة والظواهر الجوية المتطرفة. هذا يضمن استمرارية عمل منشآت الطاقة، سواء كانت تقليدية أو متجددة، ويعزز من مرونة واستدامة القطاع، مما يسهم في تحقيق الأمن الطاقوي ويدعم رؤية السعودية 2030 في بناء اقتصاد مستدام وصديق للبيئة. كما أن المملكة التزمت بأهداف "مبادرة السعودية الخضراء" و"مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"، مما يعكس التزامها الدولي بتعزيز الاستدامة وتخفيف التحديات المناخية. وتجدر الاشارة الى أن النظام لم يفرق بين الحدث الطارئ والقوة القاهرة كما هو معمول به على الصعيد القانوني. حيث إنه يُفرق بينهما بناءً على درجة تأثير كل منهما على الالتزامات القانونية؛ فبينما تجعل القوة القاهرة تنفيذ الالتزام مستحيلاً تماماً، يجعل الحدث الطارئ التنفيذ مرهقاً لكنه ليس مستحيلاً. يمكن اعتبار الدمج إيجابياً إذا كان الهدف هو تسريع الاستجابة وتعزيز المرونة في الظروف الطارئة، خاصة في القطاعات الحساسة مثل الطاقة. ولكن قد يكون سلبياً إذا كان يؤثر على العدالة التعاقدية والتحديد الدقيق للالتزامات. ويعتمد ذلك بشكل كبير على كيفية تطبيق النظام وتفسيره من قبل الجهات القضائية والقانونية. وقد ذكرت المادة الثانية عشرة في النظام أنه يوجد" أوامر طوارئ سرية". لكن لم يتم توضيح ما يمكن تصنيفه كأوامر سرية. عدم التحديد يوفر المرونة اللازمة للسلطات، لكنه يضع مسؤولية كبيرة على الجهات الرقابية لضمان الاستخدام القانوني والمنضبط للأوامر السرية، بما يضمن حماية المصالح العامة مع الحفاظ على ثقة المجتمع في الإجراءات الحكومية. سيكون من المفيد أن تصدر الجهات المختصة لوائح أو تعليمات داخلية توضح الإطار العام لنوع الأوامر التي يمكن تصنيفها كأوامر سرية، دون كشف تفاصيل دقيقة. مثل تضمين فئات عامة كالأمن السيبراني، البنية التحتية الحيوية، الدفاع الوطني، والأمن الاقتصادي ضمن الأوامر السرية، بحيث يكون للمجتمع تصور عام عن نطاق السرية. إن وجود لوائح تنفيذية سيسهل تفسير العديد من نصوص النظام وازالة اللبس عن العديد من المواضيع التي سبق مناقشتها في هذا المقال. كما يجدر الإشادة بالنظام في مواده من المادة 15 إلى المادة 17، حيث يعكس النظام اهتمامًا بالغًا بحماية البيانات وأطر مشاركتها وتصنيفها، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز الأمن المعلومات يضمان الخصوصية في حالات الطوارئ. النظام الجديد للطوارئ يحمل في طياته أبعادًا إيجابية تمتد إلى خلق فرص وظيفية جديدة وتنمية التخصصات الأكاديمية التي تواكب الاحتياجات المستجدة. حيث إن استحداث إدارات خاصة بالطوارئ في مختلف القطاعات، بما فيها الطاقة، والصحة، والأمن، سيؤدي إلى زيادة الطلب على كوادر مؤهلة لإدارة الأزمات والتخطيط للطوارئ وتنفيذ التدابير الوقائية. هذا التوسع في إدارات الطوارئ سيوفر فرصًا وظيفية متعددة تشمل مجالات التخطيط، والاستجابة، وإدارة المخاطر، والتقييم. إن النظام سيفتح آفاقًا أمام الجامعات والمعاهد الأكاديمية يمكن للمؤسسات الأكاديمية إنشاء برامج متخصصة في إدارة الطوارئ، تتناول الجوانب العملية والنظرية لإدارة الأزمات وكيفية تخفيف آثارها. ونظراً لأن التغيرات المناخية تمثل جزءًا من التحديات الطارئة، قد تركز بعض البرامج الأكاديمية على دراسة الآثار البيئية وإيجاد حلول عملية للتكيف مع التغيرات المناخية في حالات الطوارئ.