بعد إعلان سيناتور نيويورك هيلاري كلينتون إيقاف حملتها الانتخابية وتوجيه دعمها لسيناتور الينوي باراك اوباما، قال الأخير ممتدحاً شجاعتها:"أحيي كلينتون لكسرها الحواجز نيابة عن بناتي والنساء في كل مكان واللاتي بتنا الآن يعرفن أنه ما من حدود لأحملاهن"! وعلى رغم أن كلمة"أحملاهن"جاءت كخطأ مطبعي وقع فيه موقع ال"سي إن إن العربية"الذي نقل التصريح إلا أنه في الحقيقة يمثل بالنسبة لي بعضاً من الحقيقة الأميركية! فأحلام المرأة الأميركية ما زالت بعيدة عن التطبيق على أرض الواقع حتى وإن كان ذلك يمثل لنا صدمة غير متوقعةً نحن الذين نعيش في المشرق البعيد، خصوصاً ونحن نسمع ونرى يومياً كيف نجحت المرأة هناك في تغيير العقلية الأميركية التي كانت إلى وقت قريب تنظر للمرأة على أساس انها قطعة من أثاث البيت الأميركي الخالص! لكن الحقيقة تقول إنه على رغم تحررها وتغلغلها في الحياة العامة كما هي الحال الآن، فإن"الأحملا"وليس الأحلام، بحسب ال"سي إن إن"، هي التي تحققت، أما الأحلام فلن يكون لها حضور الآن ما دامت المرأة نفسها لا تريد تغيير واقعها. وبمناسبة الحديث عن الأحملا والأحلام وموقع اوطاننا العربية في المشرق البعيد، فإنه يتعين عليّ قبل أن أغوص في قراءة مباراة المرأة مع الأفريقي في أميركا أن أعرج على بعض أحملانا العربية التي تحققت فيما أحلامنا بعيدة عن"منال"خيالاتنا حتى! في عام 1902 نشر المؤرخ العسكري واميرال البحرية البريطانية إلفريد ماهان مقالة في مجلة"National Review"ذكر بها مصطلح"الشرق الأوسط"، وكانت هذه هي المرة الأولى تاريخياً التي يرد بها ذكر هذا المصطلح! وعنى بذلك المنطقة التي تحدها الهند شرقاً والبحر الأحمر غرباً، ومنذ ذلك التاريخ تلقفت وسائل الإعلام الأوروبية، خصوصاً صحيفة التايمز اللندنية وحكومات العالم، هذا المسمى الجديد وصارت تتعامل به رسمياً وشعبياً حتى اليوم. ماهان أطلق هذه التسمية اعتماداً على الحقيقة الأوروبية التي تقول إن أوروبا هي مركز العالم! ومناطق العالم الأخرى واقعة تحت سطوة النسبة للقارة العجوز، فما هو شرق لأوروبا هو شرق للعالم، وما هو غرب لأوروبا هو غرب للعالم! وهو محق في ذلك على أية حال، فأنت تنسب الأشياء حولك إلى المرجع الرئيس الذي هو مكانك عندما لا يكون هناك مرجع محدد بعينه، لذلك فتسمية الشرق الأوسط هي صحيحة بالنسبة لماهان، لكن هل هي صحيحة بالنسبة لنا؟!"أحملانا"تقول إنها صحيحة، فما اصطلح عليه العالم، يجب علينا أن نقبل به، من مبدأ تبعية الغالب للمغلوب، وأحلامنا تقول إنه من الخطأ أن أنسب مكاني لمرجع لا علاقة له بي! فكيف أقول لرجل كوري مثلاً إنني أعيش في"الشرق"الأوسط؟! هي مسألة غير مفهومة، لكنها أصبحت مستساغة لأن أحملانا التي تحققت قبلت بها! أحملانا وأحملا المرأة الأميركية متشابهة إلى حد ما حتى وإن كسر ذلك"بشكل نسبي يتناسب مع موضوع المقالة"مقولة الشاعر الإنكليزي رديارد كبلنج التي تنص على ان الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا! ذكرت في مقالة سابقة أن باراك اوباما هو اعظم رجل مر على تاريخ السود في أميركا، وأن السيدة روزا باركس هي أعظم امرأة سوداء مرت على تاريخ أميركا، من ناحية العمل على تخليص السود الأميركان من دونية الوضع الافتراضي الذي وضعهم به الرجل الأبيض الذي يعتبر"مثالاً"للمواطن الأميركي حالياً،"وسيداً"في عقود مضت! تجاوز أوباما خلال حملته الانتخابية مسألة المساواة بين البيض والسود، ولم يتحدث مطلقاً عن حقوق السود المهدرة في دولة توصف بأنها بلد للبيض المهاجرين من اوروبا، وبذلك فقد اعتبر افتراضياً أن السود قد حصلوا على حقوقهم وبالتالي فهو يرشح نفسه الآن لكل الأميركيين ابيضهم وأسودهم، ويحمل للجميع بلا استثناء وعوداً انتخابية لا تفرق بين عرق أو جنس أو لون، وبالتالي فقد نجح في امرين لا تقل أهمية أحدهما عن الآخر، الأول إعادة الثقة في نفوس الأميركيين من أصل أفريقي، بحيث أنهم صاروا يتحدثون باسم أميركا كلها وليس باسم أقليتهم فحسب، والثاني تحقيق مبدأ المساواة ما بين الرجل الأبيض والأسود بطريقة: تحدث في الأعلى يتحقق ما في الأسفل! ما تجاوزه بذكاء أوباما فشلت بتجاوزه هيلاري كلينتون، إذ ركزت في الكثير من حملاتها على احقية المرأة في الجلوس في المكتب البيضاوي، وبالتالي فقد حصرت نفسها في طابق يعلوه الكثير من الطوابق المهمة التي تحتاج إلى التصدي لها! موضوع السود وموضوع المرأة حالتان خاصتان لمجتمع يسيطر عليه الرجال البيض، فالأسود ما زال يمثل استثناء عن القاعدة الأميركية وكذلك المرأة. وكلاهما يعتبران مغلوباً في الحياة الأميركية، ومن يتحدث منهما"الأسود أو المرأة"عن خططه لقلب الهزيمة إلى نصر هو خاسر بلا شك، لأنه سيكرس هذه الهزيمة ? بحديثه المستمر عنها - ويجذّر أساساتها بحيث يصعب اجتثاثها من الوعي واللاوعي لمتوسطات المجتمع! كيف يمكن للمرأة الأميركية مثلاً أن تتساوى مع الرجل وهي تحتفل بمهرجان التاريخ القومي للنساء الاميركيات في شهر مارس آذار من كل عام؟! ماذا لو عمل الرجل الأميركي مهرجاناً سنوياً للاحتفال بالتاريخ القومي للرجل، سيكون الأمر مضحكاً... أليس كذلك؟! لكنه بالنسبة للنساء ليس مضحكاً لأنهن ما زلن يقبعن في خانة المغلوب. أوباما عرف جيداً حساسية هذه المسألة منذ بدء الحملات الانتخابية للفوز بتمثيل الحزب الديموقراطي، بينما فاز على هيلاري كلينتون ذلك ما أوقعها في النهاية في شرك النساء المهزومات! إلى درجة أن أوباما عندما أراد امتداحها بعد انسحابها من السباق نحو البيت الأبيض، أحب أن يذكرها بسبب هزيمتها: كسر الحواجز نيابة عن النساء في كل مكان ما سيساعد في تحقيق"أحملاهن"! * إعلامي سعودي [email protected]