الصورة الفنية في التصوير الحديث، وارتباطها بالمنظور الثقافي، كانت موضوعاً لبحث أكاديمي حصلت بموجبه الفنانة والباحثة السعودية نورة النهاري على درجة الدكتوراة. تضمن البحث، الذي أشرفت عليه أستاذ الرسم والتصوير المشارك في قسم التربية الفنية الدكتورة نادية أبوطالب، مقدمة عامة وسبعة فصول حول دراسة الصورة الفنية، في بعض الحضارات المختلفة من المنظور الثقافي التصوير البدائي، المصري القديم، الإسلامي، اليوناني والروماني والبيزنطي، المسيحي، عصر النهضة وأهم فنانيها، الباروك، الروكوكو، كذلك ويتضمن الصورة الفنية في التصوير الحديث من المنظور الثقافي وتتناول فيه الدارسة تاريخ الصورة الفنية منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في المدرسة الكلاسيكية الجديدة، المدرسة الرومانتيكية الرومانسية، المدرسة الواقعية، المدرسة التأثيرية، ما بعد التأثيرية وأهم فنانيها. كذلك تضمن البحث المدارس والاتجاهات الفنية في القرن العشرين: وتشتمل على الصورة الفنية والمنظور الثقافي في المدرسة الوحشية، المدرسة التكعيبية، المدرسة التجريدية، المدرسة المستقبلية، المدرسة الدادية، المدرسة السريالية وأبرز الفنانين فيها. واشتمل البحث على تجربة تطبيقية، تعتمد على الصورة الفنية برؤية ثقافية جديدة تجمع بين الأصالة والحداثة، إذ استفادت الباحثة من النتائج التي توصلت إليها من خلال الإطار النظري لإنتاج أعمال تصويرية تنبع من البيئة السعودية وثقافتها بذاتية خاصة، تجمع بين الأصالة والمعاصرة بما يتفق مع الهوية السعودية. وتستمد منطلقاتها من فلسفة الصورة الفنية وارتباطها بالمنظور الثقافي، بما يتناسب من المعالجات الفنية والتقنية. وخلصت النهاري إلى نتائج تثبت أن الصورة الفنية: ترتبط إرتباطاً بروح العصر وثقافته الفنية العامة، وهي تمثل جزءاً من التعبير عنه، كما وتعد الصورة الفنية شاهداً أساسياً على التواصل الثقافي والحضاري للمجتمع في الحضارات المختلفة، وتعد تأصيلاً للجذور الإنسانية للشعوب في مختلف العصور. إن الصورة الفنية تعبر عن الفكر الإنساني بلغة تشكيلية بصرية تتناقلها الأجيال، محققة بذلك ما يسمى بالتراث الفني الثقافي والذي يميز مجتمعاً عن غيره. وأن الأسطورة والعقيدة كانتا معيناً خصباً ومثيراً في شكل الصورة الفنية على مر العصور. ومن النتائج: دراسة الحضارات المختلفة والأبعاد الثقافية المؤثرة في الصورة الفنية يساعد على تدعيم عمليات التعبير الفني. إن هناك ارتباطاً كبيراً بين الصورة الفنية والمنظور الثقافي الذي تنتمي إليه، لاختلاف ثقافة وفلسفة المنهج الفني لها. تكشف الصورة الفنية عن الدوافع السحرية في العصر الحجري القديم والعقائد الدينية في العصر الحجري الحديث تلك السمات التي كانت منبعاً خصباً لمصوري الفن الحديث. لقد عكست الصورة الفنية للفن المصري القديم أشكالاً شتى تؤكد فكره الأسطوري وتعكس لغته الفنية الثرية التي كانت بمثابة الخطوة الأولى في عالم ما عرف في أوائل القرن العشرين بالسريالية، مع الاختلاف بين الحالتين، إذ إن المصري كان يرسم وفق عقيدة وشفافية بينما انعكس مفهوم الرؤية الأسطوري في الفن التشكيلي المعاصر فأصبحت رموزاً قومية. وتضمن البحث مزيداً من النتائج، منها أن الصورة الفنية في حضارة الإغريق والرومان عكست المعتقدات والأساطير، فكانت عرضاً للفلسفات وتعبيراً عن مشكلات الإنسان في أشكال تمجد صور الجمال. حملت الصورة الفنية في الفنون المسيحية ثقافة وفكر الدين المسيحي، فكانت بالغة الصدق في تعبيرها عن الزهد والورع، وتصوير السيد المسيح والرسل والقديسين محاطين بالهالات إثباتاً للقداسة والعظمة. عكس الفن الإسلامي مفهوماً فكرياً مختلفاً في صورة فنية في ضوء فلسفة المسلم تملأ الفراغ وتعكس اللانهائية. وجاءت الصورة الفنية في عصر النهضة في عمومها عبارة عن إحياء للطرز الكلاسيكية الأولى، الإغريقية، والرومانية، بما فيها من تناسق ودقة واتزان، واعتزاز الفرد بشخصيته واعتماده على تجاربه وعقله. كما كانت الصورة الفنية في عصر الباروك تستهدف الجمال والمظهر الفخم وإشاعة البهجة في النفوس، وفي الكنائس المسيحية. واقتصرت الصورة الفنية في الفن الكلاسيكي على المواضيع الدينية وصور الملوك والأمراء. كما جاءت الصورة الفنية في المدرسة الرومانتيكية، محطمة لقواعد الفن الكلاسيكي ورصانته، والميل إلى المواضيع"الميلودرامية"والمبالغة في الحركات وإبراز العنف والقسوة تحقيقاً للإثارة العنيفة داخل المشهد. وجاءت الصورة الفنية في المدرسة الواقعية بمثابة الثورة على الكلاسيكية والرومانتيكية، ويرجع ذلك إلى اتجاه العلم آنذاك نحو التركيز على الوقائع المادية، واعتبرت تسجيل الواقع من أسمى أهداف فن التصوير. تغير مضمون الصورة الفنية في التأثيرية، أسهمت الاكتشافات العلمية في تفسير الرؤية عن دلالة الأشياء الحقيقية والدائمة. للاكتشافات العلمية والتكنولوجية في العصر الحديث أثر مهم في بلورة الصورة الفنية وظهورها. تميزت الصورة الفنية في الوحشية بإطلاق العنان للألوان إلى كل الآفاق، بحيث حلّت محل التجسيم الكلاسيكي، كما ركزت على التوفيق بين الألوان المتناقضة مع تحوير الأشكال وإعادة صياغتها. جاءت الصورة الفنية في التكعيبية انعكاساً للمعرفة العلمية في بناء الذرة والكون، في عناصر مختلفة ضمن أشكال وأحجام ومساحات هندسية وسط صياغات فنية جديدة. تعكس الصورة الفنية في التجريدية التجرد الدائم بحثاً عن الجوهر والتعبير عن أحاسيس الفنان المبدع وثورية القيمة. كما جاءت الصورة الفنية في السريالية انعكاساً لتقدم علم النفس ونظريات فرويد في الكشف عن هواجس وأحلام النفس الإنسانية... وغيرها جمعت بين خروج"الدادية"عن حدود المنطق وبين نزعات العقل الباطني للكشف عن خبايا النفس وأسرارها. يذكر أن الباحثة والفنانة نورة النهاري أنجزت مجموعة أعمال تشكيلية تمتاز بصياغات حديثة، تعتمد على المخزون التراثي الثقافي السعودي مع الرجوع إلى مختلف الاتجاهات والمدارس الفنية الحديثة، كالتعبيرية والتجريدية والسيريالية، ما يضيف إلى تراثنا الفني سمات فريدة ومغايرة لما سبق إنتاجه من صور فنية مختلفة.