} إن كان أصحاب الديانات يصومون لترويض النفس، أو زهداً في الحياة، أو طلباً للخلاص، أو للنصر على الأعداء، أو تقرباً إلى ربهم، فصعاليك العرب كانوا يصومون تباهياً وفخراً. يخرج الواحد إلى الصحراء، ولنضرب المثل بالشنفرى، في يوم يسيل لعاب الشمس فيه، والجنادب تركل الحصى من شدة الوهج، فيقصد غيمة بعيدة، يغالب نفسه، ويركض مثل ذكر النعام، فيقضي اليوم واليومين لا يطعم فيهما ولا يشرب شيئاً، آملاً في أن يقتل الجوع بصبره! وكانوا أناساً صدوقين، لا يحبون أن يتباهوا بذلك، فلربما مات أحدهم وهو يحاول، لكنه ما إن يحقق رقمه القياسي في الضرب في الرمضاء، حتى يؤلف في ذلك قصيدة عصماء، يشتم فيها زوجته، ويتباهى بصبره على الجوع، وبتشرده في البراري. قال الشنفرى: وإِنْ مُدَّتِ الأيدي إلى الزاد لم أكنْ بأعجلهم إذ أجشعُ القوم أعجلُ. وأستف ترب الأرض كيلا يرى له عليّ من الطول امرؤٌ متطوّل. أديم مطال الجوع حتى أميته وأضرب عنه الذكر صفحا فأذهلُ. وأستف ترب الأرض كيلا يرى له علي من الطول امرؤ متطول. ولولا اجتناب الذام لم يلف مشرب يعاش به إلا لدي، ومأكلُ. ولكنّ نفسا مرة لا تقيم بي على الذام إلا ريثما أتحولُ. وأطوي على الخمص الحوايا كما انطوت خيوطة ماريّ تغار وتفتلُ. وأغدو على القوت الزهيد كما غدا أزل تهاداه التنائف أطحلُ! فيا للهول!