قال لي صديق أديب: - حضرت منذ ثلاثين عاماً محاضرة للمرحوم عبدالله نور عن (لامية العرب) للشنفرى، ولم يكد يبدأ في المحاضرة - رحمه الله - حتى اهتز الميكرفون فقام شاب بإصلاحه، فاهتز أخرى وقام الشاب، ولكن الميكرفون عاود الاهتزاز فنهض الشاب لكن عبدالله نور صرخ به: - اقطع هذا الميكرفون نهائياً فإن صوتي مجلجل يشبه صوت الشنفرى فلا تزعجني به! قال: ورفع صوته - رحمه الله - بأبيات اللامية يسمعه كل من في الصالة الحاشدة الكبيرة مباشرة بلا ميكرفون، وكان يحفظ اللامية عن ظهر قلب، ويشرحها بيتاً بيتاً بدقة متناهية وبلاغة ظاهرة وقد ملكه الإعجاب بأبياتها الرائعة! وأضاف: كان عبدالله نور - تغمده الله برحمته - قوي الذاكرة، فصيح اللسان، جمهوري الصوت، ذوَّاقاً لروائع الشعر والأدب، فقط كانت تنقصه المثابرة، فقد كان يتحمس بشدة لفترة قصيرة ثم لا يواصل.. يفتر بعد قليل.. قلت: وقد قابلت المرحوم عبدالله نور مرة واحدة في رحلة صحفية إلى (حائل) حضرها جمع من الأدباء والكتّاب، ووجدته باسماً متهللاً لطيف الكلام.. * أما لامية الشنفرى فهي أشهر من نار على علم.. ورغم أن قائلها صعلوك إلاَّ أن فيها الكثير من مكارم الأخلاق، أما بلاغتها وجزالتها فحدث ولا حرج.. وهي تناهز السبعين بيتاً، ومنها: (أقيموا بني أمي صدور مطيكم فإني إلى قوم سواكم لأميل وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى وفيها لمن خاف القلى متعزَّل لعمرك ما بالأرض ضيق على امرئ سرى راغباً أو راهباً وهو يعقل وكل أبيّ باسل غير أنني إذا عرضت أولى الطرائد أبسل وإن مُدّت الأيدي إلى الزاد لم أكنِ بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل)