أثار أستاذ جامعي مجددا إشكالية القطيعة مع التراث وقراءة النصوص، داعيا إلى ضرورة قراءته من جديد، وبرؤية نقدية معاصرة. وقال أستاذ الأدب والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور أحمد درويش مستشهدا بلامية الشنفرى: إن اللوحة ترسم صورة مألوفة في الشعر القديم قوامها وصف الرحلة والراحلة، ولكن قد تلفت النظرإلى أن عين الشاعر تلتقط راحلتين مختلفتين الحصان والناقة. وتناول درويش خلال محاضرته "متعة تذوق النص الشعري التراثي"، بنادي الرياض الأدبي التي أدارها أول من أمس الدكتور بدر المقبل تأسيس القراءة النقدية المعاصرة للنص الشعري القديم، وقال: في مواجهة ما يسمى أحيانا بالقطيعة مع التراث وهي نزعة ذات دلالات خطيرة تنتمي في أفضل حالاتها إلى التمرد السلبي، تبرز دعوة أخرى نحو القراءة النقدية المعاصرة للتراث، وهي نزعة تنتمي في أقل دلالاتها الأولى إلى دائرة التمرد الإيجابي، وأضاف أن الحديث يدور حول أنماط لقراءة التراث من بينها ما يُطلق عليه القراءة الماضوية، وهي ذلك النمط الذي يوجه كل عنايته لبعث النص التراثي واعتباره في ذاته نموذجاً أمثل ينبغي أن يقاس عليه النموذج المعاصر، وبقدر الاقتراب أو البعد تتحدد درجات الكمال أو النقص وتتضح بعض جوانب الخطورة في هذا التصور في بعض التأويلات الضيقة للنصوص الفكرية وعلاقاتها بمفاهيم التطور واصطدامها معها في كثير من الأحيان، وردود أفعال هذا الصدام التي تأتي أحياناً في صورة مبالغة تحذر من الاقتراب من التراث في مجمله وليس مجرد الجمود عنده أو تقديم نمط القراءة الماضوية له. وتحدث درويش عن ثقافة قارئ النص وأنها كانت وما زالت وستظل عاملاً مهماً في أخطاء النص الأدبي وحركة إنعاش متجددة ومجموعة من الرؤى التي يمكن أن يمنحها النص الجيد للقراءة، بعدها عرض لبعض النماذج الشعرية من التراث، مستهلا التحليل بأبيات من لامية العرب للشنفرى، ومنها: وأغدو على القوت الزهيد كما غدا أزل تهاداه التنائف أطحلُ غدا طاوياً يعارض الريحَ هافياً يخوت بأذناب الشعاب ويعسلُ فلما لواه القوت من حيث أمّه دعا فأجابته نظائر نحّلُ وقال إننا أمام لوحة شعرية رائعة للتماسك يتم استغلال درجات الصوت وإيماءات النظر فيها بطريقة فنية محكمة، فالذئب القائد جال جولته الأولى منفرداً بحثاً عن الطعام سابقا الريح. تناول بعدها بالتحليل أبياتاً من معلقة عنترة وهي: تمسي وتصبح فوق ظهر حشية وأبيت فوق سراة أدهم ملجم وحشيتي سرج على عبل الشوي نهد مراكله نبيل المحزم هل تبلغني دارها شدنية لعنت بمحروم الشراب مصرم خطارة غبَّ السرى زيّافة تطس الإكام بوخذ خف ميثم ثم انتقل إلى النموذج الثالث، وهو أبيات من مرثية أبي ذؤيب الهذلي لأبنائه ومنها: والدهر لا يبقى على حدثانه جون السراة له جدائد أربعُ صخب الشوارب لا يزال كأنه عبدٌ لآل أبي ربيعة مسبعُ أكل الجميم وطاوعته سمحجٌ مثل القناة وأزعلته الأمرعُ واختتم المحاضرة بالتوقف عند أبيات من سينيّة البحتري ومنها: وإذا مارأيت صورة أنطا كية ارتعت بين روم وفرسِ والمنايا مواثل وأنوشر وان يزجي الصفوف تحت الدرفسِ وأشار درويش إلى أن القراءة الناقدة تستطيع أن تحقق متعة التحرر الفني من خلال ميزة تكمن في لغة الشعر من حيث طبيعتها، وهذه الميزة يعبر عنها في أبسط صورها بأن الشعر حمَّال أوجه أو متعدد الدلالات. وفي ختام حديثه قال: إن هذه مجرد شرائح للون القراءة النقدية للوحات شعرية قابلة للنمو والامتداد على اتساع القصيدة.